قال الشيخ: استوقفني رجلاً أعرفهُ، وبعد تكلمّنا المعتاد في السؤال عن العيال والحال والأحوال، قال ذلك الرجل: سأقدم استقالتي وأترك العمل، وسأسافر إلى إحدى الدول العربية الشقيقة وأعمل مدرساً هناك، وسأدّخر في غربتي مبلغاً لا بأس به من المال، وسأعود إلى الشام بعد حوالي سبع سنوات، عندها سأشتري دكان في الشام لأبيع به بعض الشرقيات لأكسب من ذلك عيشي بقية عمري، قال الشيخ : أخبرته عن أهوال الدنيا وأن همومها لن تنتهي أبداً، ويجب أن تُعد لآخرتك كما تُعد لدنياك الآن، فأجابني بنعم، نعم قال نعم وهو يريد إسكاتي وكأنه يريد أن يقول إن الموت لبعيد..
قال الشيخ: بعد أربعة أيام بالعدد، ذهبت إلى المسجد لصلاة الظهر وإذا بنعيه ملصق على لوحة إعلانات الجامع ونعشه ينتظر صلاة الميت بعد صلاة الظهر، لقد مات حتى قبل أن يستقيل من عمله، مات قبل أن يبدأ بتنفيذ مخططاته...!!
قال الشيخ : رحم الله من قال اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا، قال الشيخ: نظرت إلى النعش وكأن لسان حاله يقول: انظر إلىّ بعقلك، فأنا المهيأ لنقلك، فأنا سرير المنايا، كم سار مثلي بمثلك، أخذهم الموت على غرّة وماتوا، وسكنوا القبور.
ثم أشار الشيخ إلينا قائلاً : فيا ساكن القبر غداً ما الذي غرّك من الدنيا ؟!! تفكّر في الذين رَحلوا أين نَزلوا ؟!! وتَذكّر أنهم قد نُوقشوا وسُئلوا، واعلم أنك كما تُنذر الآن قد أُنذروا، ولقد ودّوا بعد الفوات لو قَبلوا، ولكن هيهات هيهات وقد قُبروا، سل غنيّهم ما بقي من غناه ؟!! واسألهم عن الألسن التي كانوا بها يتكلمون، وعن الأعين التي كانوا للذات بها ينظرون، واعلم أن الموت قد تخطاك إلى غيرك، واعلم أنه سيتخطى غيرك إليك، فماذا أعددت لأول ليلة تبيتها في قبرك ؟!! أما علمت أنها ليلة شديدة، بكى منها العلماء، وشكا منها الحكماء، وشمّر لها الصالحون الأتقياء.
تعليق