ما ترك عبد شيئا لله لا يتركه إلا له إلا عوضه الله منه ما هو خير له في دينه ودنياه
عن سالم بن عبد الله ، عن عبد الله بن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما ترك عبد شيئا لله لا يتركه إلا له إلا عوضه الله منه ما هو خير له في دينه ودنياه " حلية الأولياء - سالم بن عبد الله حديث:2029
وعن أبي قتادة ، وأبي الدهماء ، قالا : أتينا على رجل من أهل البادية ، فقال البدوي : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بيدي ، فجعل يعلمني ، مما علمه الله ، فكان مما حفظت عنه أن قال : " إنك لا تدع شيئا ، اتقاء الله ، إلا أعطاك الله خيرا منه " شعب الإيمان للبيهقي التاسع والثلاثون من شعب الإيمان في طيب المطعم والملبس واجتناب الحرام واتقاء الشبهات حديث:5492
وهي قاعدة عظيمة تشحذ الهمم وتحث على الزهد في الدنيا وطلب الآخرة ، وعلى البذل في سبيل الله طلبا لثوابه مع اليقين بأن ما يبذله العبد في هذه الدنيا سيعطيه الله خيرا منه ولا شك.ونجد هذا المعنى واضحا جليا في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: " ما نقصت صدقة من مال ، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا ، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله عز وجل" صحيح مسلم - كتاب البر والصلة والآداب باب استحباب العفو والتواضع - حديث:4795
فمن تصدق بورك له في ماله وزاد " ما نقصت صدقة من مال" ، ( وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) (سـبأ: من الآية39)
ومن ترك الانتقام والتشفي مع قدرته على ذلك، عوضه الله انشراحاً في الصدر، وفرحا في القلب؛ ففي العفو من الطمأنينة والسكينة والحلاوة وشرف النفس، وعزها، وترفعها ما ليس شيء منه في المقابلة والانتقام.
" وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزا" ، هذا مع ما ينتظره من الأجر والكرامة بين يدي الله تعالى يوم القيامة كما في الحديث الشريف: " من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين ". سنن أبي داود - كتاب الأدب باب من كظم غيظا - حديث:4168
ومن ترك التكبر والتعالي وتواضع كانت الرفعة والمحبة وعلو المكانة من نصيبه: "وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله...". وكما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من ترك اللباس تواضعا لله وهو يقدر عليه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي حلل الإيمان شاء يلبسها " . المستدرك على الصحيحين للحاكم - كتاب الإيمان وأما حديث سمرة بن جندب - حديث:190
نماذج مشرقة من تاريخنا المجيد
صهيب الرومي يترك ماله لله
كان صهيب الرومي رضي الله عنه ممن شرح الله صدورهم للإسلام ،وكان يعيش في مكة وبارك الله له في ماله ، فلما أراد الهجرة تبعه نفر من قريش حتى إذا أدركوه قال لهم : والله لقد علمتم أني من أرماكم رجلا ، ووالله لا تصلون إلي حتى أرمي بكل سهم من كنانتي رجلا منكم ، أولا أدلكم على خير من ذلك ؟ مالي بالمكان الفلاني خذوه وخلوا سبيلي ، فرجعوا وهاجر هو إلى الله ورسوله ، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال: ربح البيع يا صهيب أبا يحيى ، وفيه نزل قول الله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ) (البقرة:207). فهل هناك مقارنة بين ما تركه صهيب رضي الله عنه وبين ما عوضه الله عز وجل؟!!.
جعفر بن أبي طالب الطيار في الجنة
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وأسماء بنت عميس قريبة منه إذ رد السلام ثم قال : " يا أسماء ، هذا جعفر بن أبي طالب مع جبريل وميكائيل وإسرافيل سلموا علينا فردي عليهم السلام " ، وقد أخبرني أنه لقي المشركين يوم كذا وكذا قبل ممره على رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث أو أربع ، فقال : لقيت المشركين فأصبت في جسدي من مقاديمي ثلاثا وسبعين بين رمية وطعنة وضربة ، ثم أخذت اللواء بيدي اليمنى فقطعت ، ثم أخذت بيدي اليسرى فقطعت ، فعوضني الله من يدي جناحين أطير بهما مع جبريل وميكائيل أنزل من الجنة حيث شئت ، وآكل من ثمارها ما شئت ، فقالت أسماء : هنيئا لجعفر ما رزقه الله من الخير ، ولكن أخاف أن لا يصدق الناس ، فاصعد المنبر فأخبر به ، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : " يا أيها الناس ، إن جعفرا مع جبريل وميكائيل له جناحان عوضه الله من يديه سلم علي " ثم أخبرهم كيف كان أمره حيث لقي المشركين ، فاستبان للناس بعد اليوم الذي أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جعفرا لقيهم ؛ فلذلك سمي الطيار في الجنة " المستدرك على الصحيحين للحاكم - كتاب معرفة الصحابة رضي الله عنهم ذكر مناقب جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم - حديث:4889
فلقد ضحى جعفر رضي الله عنه بذراعيه وما كان يدري ما أعد الله له من جناحين يطير بهما في جنة الله مع ملائكة الله وكان بإمكانه أعاذه الله وحفظه أن يترك الراية تقع وأن ينجو بنفسه وأن يستمع إلى داع الدنيا الذي يدعوا كلا منا إلى الركون والتثاقل عن نصرة دين الله وحمل راية لا إله إلا الله ولكنه رضي الله عنه أبى إلا أن يضحي بما يملك فكانت الهدية الربانية العظيمة لهذا الشهيد الطيار
قصة زواج المبارك والد عبد الله بن المبارك
وهي قصة عجيبة تدل على نفس المعنى ـ أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ـ فقد كان المبارك رقيقا فأعتقه سيده ، وعمل أجيرا عند صاحب بستان ، وفي يوم خرج صاحب البستان ومعه نفر من أصحابه إلى البستان وأمر المبارك أن يحضر لهم رمانا حلوا ، فجمع لهم فلما ذاقه قال للمبارك: أنت ما تعرف الحلو من الحامض؟ فقال المبارك:لم تأذن لي ان آكل حتى أعرف الحلو من الحامض.فظن صاحب البستان أن المبارك يخدعه ، وقال له: أنت منذ كذا وكذا سنة تحرس البستان وتقول هذا؟ثم سأل بعض الجيران عنه فشهدوا له بالخير والصلاح وأنهم ما عرفوا أنه أكل رمانة واحدة ، فجاءه صاحب البستان وقال له إذا أردت أن أزوج ابنتي فممن أزوجها؟ فقال المبارك: إن اليهود يزوجون على المال ، والنصارى يزوجون على الجمال ، والمؤمنين يزوجون على التقوى والدين فانظر من أي الناس أنت؟فقال:وهل أجد لابنتي من هو خير منك؟وعرضها عليه فقبل المبارك وبنى بها ورزق منها أولادا كان منهم عبد الله بن المبارك رحمه الله ، فيا سبحان الله ، عف عن الرمان فسيق إليه البستان وصاحبته ،ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.
قصة الراعي مع عبد الله بن عمر
وهي من أعجب القصص التي تدل على هذا المعنى ، إذ سار عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ومعه بعض إخوانه فلقي راعي غنم فقال له ابن عمر: بعنا شاة من هذه الغنم ، فقال : إنها ليست لي إنها لسيدي ، فقال ابن عمر : قل لسيدك أكلها الذئب ، فقال الراعي: فأين الله؟ فبكى ابن عمر رضي الله عنه وظل يردد : فأين الله؟ ثم ذهب إلى سيده فاشتراه وأعتقه ، واشترى الغنم ووهبها له ، فانظر كيف عف عن شاة واحدة فأعتق ووهبت له الشياه كلها!!.
فيا أيها الحبيب: هل أيقنت الآن أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ؟ وهل علمت أن الأمر صبر ساعة ، وأن من يتصبر يصبره الله ومن يستعفف يعفه الله ؟
إن من ترك لله شيئاً عوضه الله خيراً منه، والعوض من الله أنواع مختلفة، وأجل ما يعوض به: الأنس بالله، ومحبته، وطمأنينة القلب بذكره، وقوته، ونشاطه، ورضاه عن ربه تبارك وتعالى، مع ما يلقاه من جزاء في هذه الدنيا، ومع ما ينتظره من الجزاء الأوفى في العقبى ؛ فحري بالعاقل الحازم، أن يتبصّر في الأمور، وينظر في العواقب، وألا يؤثر اللذة الحاضرة الفانية على اللذة الآجلة الدائمة
قصة عجيبة حدثت للقاضي أبي بكر بن عبد الباقي
وقال ابن أبي الفوارس سمعت القاضي أبا بكر بن عبد الباقي بن محمد البزاز الأنصاري يقول كنت مجاورا له بمكة حرسها الله تعالى فأصابني يوما جوع شديد لم أجد شيئا أدفع به عني الجوع فوجدت كيسا من إبريسم مشدودا بشرابة إبريسم أيضا فأخذته وجئت إلى بيتي فحللته فوجدت فيه عقدا من لؤلؤ لم أر مثله فخرجت فإذا شيخ ينادي عليه ومعه خرقة فيها خمسمائة دينار وهو يقول هذا لمن يرد علينا الكيس الذي فيه اللؤلؤ فقلت أنا محتاج وأنا جائع فآخذ هذا الذهب فانتفع به وأرد عليه الكيس فقلت له تعال وجئت به إلى بيتي فأعطاني علامة الكيس وعلامة الشرابة وعلامة اللؤلؤ وعدده والخيط الذي هو مشدود به فأخرجته ودفعته إليه فسلم إلي خمسمائة دينار فما أخذتها وقلت يجب أن أعيده إليك ولا آخذ له جزاء فقال لي لا بد أن تأخذ وألح على كثيرا فلم أقبل فتركني ومضى وخرجت من مكة وركبت البحر فانكسر المركب وغرق الناس وهلكت أموالهم وسلمت أنا على قطعة من المركب فبقيت مدة في البحر لا أدري أين أذهب فوصلت إلى جزيرة فيها قوم فقعدت في بعض المساجد فسمعوني أقرأ فلم يبق أحد إلا جاءني وقال علمني القرآن فحصل لي منهم شيء كثير من المال ثم رأيت أوراقا من مصحف فأخذتها فقالوا تحسن تكتب فقلت نعم فقالوا علمنا الخط وجاءوا بأولادهم من الصبيان والشباب وكنت أعلمهم فحصل لي أيضا من ذلك شيء كثير فقالوا لي بعد ذلك عندنا صبية يتيمة ولها شيء من الدنيا نريد أن تتزوج بها فامتنعت فقالوا لا بد وألزموني فأجبتهم فلما زفوها مددت عيني أنظر إليها فوجدت ذلك العقد بعينه معلقا في عنقها فما كان لي حينئذ شغل إلا النظر إليه فقالوا يا شيخ كسرت قلب هذه اليتيمة من نظرك إلى هذا العقد ولم تنظر إليها فقصصت عليهم قصة العقد فصاحوا بالتهليل والتكبير حتى بلغ إلى جميع أهل الجزيرة فقلت ما بكم فقالوا ذلك الشيخ الذي أخذ منك العقد أبو هذه الصبية وكان يقول ما وجدت في الدنيا مسلما كهذا الذي رد على هذا العقد وكان يدعو ويقول اللهم اجمع بيني وبينه حتى أزوجه بابنتي والآن قد حصلت فبقيت معها مدة ورزقت منها ولدين ثم إنها ماتت فورثت العقد أنا وولدي ثم مات الولدان فحصل العقد لي فبعته بمائة ألف دينار وهذا المال الذي ترون معي من بقايا ذلك المال " شذرات الذهب في أخبار من ذهب ج4 ص 109
وقد ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في هذا الباب وقائع تدل على هذا المعنى ، ومما أورده في ذلك أن رجلا من تيم خرج حاجا فلما جن عليه الليل ورد بعض الماء فوجد امرأة قد وضعت جلبابها ، ونشرت شعرها ، فأعرض عنها ، فقالت: هلم إلي ، لم تعرض عني؟
فقال: إني أخاف الله رب العالمين.فقالت: هبت والله مهابا ، ووضعت جلبابها على جسدها وهي تقول: إن أولى من شركك في الهيبة لمن أراد أن يشركك في المعصية ، ثم ولت فتبعها حتى دخلت خيمة من خيام الأعراب فلما أصبح ذهب إلى مكان الخيمة فوجد رجلا جالسا فسأله عن المرأة فأخبره الرجل أنها ابنته فطلب منه أن يزوجه إياها فوافق الأب بعد أن سأل الرجل عن نسبه وقبيلته ، فانظر أيها الحبيب لحال هذا الرجل الذي ترك الحرام لله فرزقه الله المرأة حلالا.
يقول مالك بن دينار رحمه الله تعالى: جنات النعيم بين الفردوس وجنات عدن ، فيها جوار خلقن من ورد الجنة يسكنها الذين هموا بالمعاصي ، فلما ذكروا الله عز وجل راقبوه فانثنت رقابهم من خشيته.
وبعد فهل أيقنت أخي المسلم أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه في الدنيا قبل الآخرة ماذا ستترك لله حتى يعوضك خيرا منه إن تترك مثلا النظر إلى الحرام يبدلك الله بزوجة تسعدك في الدنيا قبل أن يمتعك بالحور العين في الآخرة وهكذا قل في باقي المعاصي والذنوب نسأل الله عز و جل أن يتوب علينا لنتوب وأن يطهرنا لنطهر وأن يغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وأن يحسن ختامنا اللهم آمين
عن سالم بن عبد الله ، عن عبد الله بن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما ترك عبد شيئا لله لا يتركه إلا له إلا عوضه الله منه ما هو خير له في دينه ودنياه " حلية الأولياء - سالم بن عبد الله حديث:2029
وعن أبي قتادة ، وأبي الدهماء ، قالا : أتينا على رجل من أهل البادية ، فقال البدوي : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بيدي ، فجعل يعلمني ، مما علمه الله ، فكان مما حفظت عنه أن قال : " إنك لا تدع شيئا ، اتقاء الله ، إلا أعطاك الله خيرا منه " شعب الإيمان للبيهقي التاسع والثلاثون من شعب الإيمان في طيب المطعم والملبس واجتناب الحرام واتقاء الشبهات حديث:5492
وهي قاعدة عظيمة تشحذ الهمم وتحث على الزهد في الدنيا وطلب الآخرة ، وعلى البذل في سبيل الله طلبا لثوابه مع اليقين بأن ما يبذله العبد في هذه الدنيا سيعطيه الله خيرا منه ولا شك.ونجد هذا المعنى واضحا جليا في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: " ما نقصت صدقة من مال ، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا ، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله عز وجل" صحيح مسلم - كتاب البر والصلة والآداب باب استحباب العفو والتواضع - حديث:4795
فمن تصدق بورك له في ماله وزاد " ما نقصت صدقة من مال" ، ( وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) (سـبأ: من الآية39)
ومن ترك الانتقام والتشفي مع قدرته على ذلك، عوضه الله انشراحاً في الصدر، وفرحا في القلب؛ ففي العفو من الطمأنينة والسكينة والحلاوة وشرف النفس، وعزها، وترفعها ما ليس شيء منه في المقابلة والانتقام.
" وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزا" ، هذا مع ما ينتظره من الأجر والكرامة بين يدي الله تعالى يوم القيامة كما في الحديث الشريف: " من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين ". سنن أبي داود - كتاب الأدب باب من كظم غيظا - حديث:4168
ومن ترك التكبر والتعالي وتواضع كانت الرفعة والمحبة وعلو المكانة من نصيبه: "وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله...". وكما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من ترك اللباس تواضعا لله وهو يقدر عليه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي حلل الإيمان شاء يلبسها " . المستدرك على الصحيحين للحاكم - كتاب الإيمان وأما حديث سمرة بن جندب - حديث:190
نماذج مشرقة من تاريخنا المجيد
صهيب الرومي يترك ماله لله
كان صهيب الرومي رضي الله عنه ممن شرح الله صدورهم للإسلام ،وكان يعيش في مكة وبارك الله له في ماله ، فلما أراد الهجرة تبعه نفر من قريش حتى إذا أدركوه قال لهم : والله لقد علمتم أني من أرماكم رجلا ، ووالله لا تصلون إلي حتى أرمي بكل سهم من كنانتي رجلا منكم ، أولا أدلكم على خير من ذلك ؟ مالي بالمكان الفلاني خذوه وخلوا سبيلي ، فرجعوا وهاجر هو إلى الله ورسوله ، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال: ربح البيع يا صهيب أبا يحيى ، وفيه نزل قول الله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ) (البقرة:207). فهل هناك مقارنة بين ما تركه صهيب رضي الله عنه وبين ما عوضه الله عز وجل؟!!.
جعفر بن أبي طالب الطيار في الجنة
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وأسماء بنت عميس قريبة منه إذ رد السلام ثم قال : " يا أسماء ، هذا جعفر بن أبي طالب مع جبريل وميكائيل وإسرافيل سلموا علينا فردي عليهم السلام " ، وقد أخبرني أنه لقي المشركين يوم كذا وكذا قبل ممره على رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث أو أربع ، فقال : لقيت المشركين فأصبت في جسدي من مقاديمي ثلاثا وسبعين بين رمية وطعنة وضربة ، ثم أخذت اللواء بيدي اليمنى فقطعت ، ثم أخذت بيدي اليسرى فقطعت ، فعوضني الله من يدي جناحين أطير بهما مع جبريل وميكائيل أنزل من الجنة حيث شئت ، وآكل من ثمارها ما شئت ، فقالت أسماء : هنيئا لجعفر ما رزقه الله من الخير ، ولكن أخاف أن لا يصدق الناس ، فاصعد المنبر فأخبر به ، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : " يا أيها الناس ، إن جعفرا مع جبريل وميكائيل له جناحان عوضه الله من يديه سلم علي " ثم أخبرهم كيف كان أمره حيث لقي المشركين ، فاستبان للناس بعد اليوم الذي أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جعفرا لقيهم ؛ فلذلك سمي الطيار في الجنة " المستدرك على الصحيحين للحاكم - كتاب معرفة الصحابة رضي الله عنهم ذكر مناقب جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم - حديث:4889
فلقد ضحى جعفر رضي الله عنه بذراعيه وما كان يدري ما أعد الله له من جناحين يطير بهما في جنة الله مع ملائكة الله وكان بإمكانه أعاذه الله وحفظه أن يترك الراية تقع وأن ينجو بنفسه وأن يستمع إلى داع الدنيا الذي يدعوا كلا منا إلى الركون والتثاقل عن نصرة دين الله وحمل راية لا إله إلا الله ولكنه رضي الله عنه أبى إلا أن يضحي بما يملك فكانت الهدية الربانية العظيمة لهذا الشهيد الطيار
قصة زواج المبارك والد عبد الله بن المبارك
وهي قصة عجيبة تدل على نفس المعنى ـ أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ـ فقد كان المبارك رقيقا فأعتقه سيده ، وعمل أجيرا عند صاحب بستان ، وفي يوم خرج صاحب البستان ومعه نفر من أصحابه إلى البستان وأمر المبارك أن يحضر لهم رمانا حلوا ، فجمع لهم فلما ذاقه قال للمبارك: أنت ما تعرف الحلو من الحامض؟ فقال المبارك:لم تأذن لي ان آكل حتى أعرف الحلو من الحامض.فظن صاحب البستان أن المبارك يخدعه ، وقال له: أنت منذ كذا وكذا سنة تحرس البستان وتقول هذا؟ثم سأل بعض الجيران عنه فشهدوا له بالخير والصلاح وأنهم ما عرفوا أنه أكل رمانة واحدة ، فجاءه صاحب البستان وقال له إذا أردت أن أزوج ابنتي فممن أزوجها؟ فقال المبارك: إن اليهود يزوجون على المال ، والنصارى يزوجون على الجمال ، والمؤمنين يزوجون على التقوى والدين فانظر من أي الناس أنت؟فقال:وهل أجد لابنتي من هو خير منك؟وعرضها عليه فقبل المبارك وبنى بها ورزق منها أولادا كان منهم عبد الله بن المبارك رحمه الله ، فيا سبحان الله ، عف عن الرمان فسيق إليه البستان وصاحبته ،ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.
قصة الراعي مع عبد الله بن عمر
وهي من أعجب القصص التي تدل على هذا المعنى ، إذ سار عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ومعه بعض إخوانه فلقي راعي غنم فقال له ابن عمر: بعنا شاة من هذه الغنم ، فقال : إنها ليست لي إنها لسيدي ، فقال ابن عمر : قل لسيدك أكلها الذئب ، فقال الراعي: فأين الله؟ فبكى ابن عمر رضي الله عنه وظل يردد : فأين الله؟ ثم ذهب إلى سيده فاشتراه وأعتقه ، واشترى الغنم ووهبها له ، فانظر كيف عف عن شاة واحدة فأعتق ووهبت له الشياه كلها!!.
فيا أيها الحبيب: هل أيقنت الآن أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ؟ وهل علمت أن الأمر صبر ساعة ، وأن من يتصبر يصبره الله ومن يستعفف يعفه الله ؟
إن من ترك لله شيئاً عوضه الله خيراً منه، والعوض من الله أنواع مختلفة، وأجل ما يعوض به: الأنس بالله، ومحبته، وطمأنينة القلب بذكره، وقوته، ونشاطه، ورضاه عن ربه تبارك وتعالى، مع ما يلقاه من جزاء في هذه الدنيا، ومع ما ينتظره من الجزاء الأوفى في العقبى ؛ فحري بالعاقل الحازم، أن يتبصّر في الأمور، وينظر في العواقب، وألا يؤثر اللذة الحاضرة الفانية على اللذة الآجلة الدائمة
قصة عجيبة حدثت للقاضي أبي بكر بن عبد الباقي
وقال ابن أبي الفوارس سمعت القاضي أبا بكر بن عبد الباقي بن محمد البزاز الأنصاري يقول كنت مجاورا له بمكة حرسها الله تعالى فأصابني يوما جوع شديد لم أجد شيئا أدفع به عني الجوع فوجدت كيسا من إبريسم مشدودا بشرابة إبريسم أيضا فأخذته وجئت إلى بيتي فحللته فوجدت فيه عقدا من لؤلؤ لم أر مثله فخرجت فإذا شيخ ينادي عليه ومعه خرقة فيها خمسمائة دينار وهو يقول هذا لمن يرد علينا الكيس الذي فيه اللؤلؤ فقلت أنا محتاج وأنا جائع فآخذ هذا الذهب فانتفع به وأرد عليه الكيس فقلت له تعال وجئت به إلى بيتي فأعطاني علامة الكيس وعلامة الشرابة وعلامة اللؤلؤ وعدده والخيط الذي هو مشدود به فأخرجته ودفعته إليه فسلم إلي خمسمائة دينار فما أخذتها وقلت يجب أن أعيده إليك ولا آخذ له جزاء فقال لي لا بد أن تأخذ وألح على كثيرا فلم أقبل فتركني ومضى وخرجت من مكة وركبت البحر فانكسر المركب وغرق الناس وهلكت أموالهم وسلمت أنا على قطعة من المركب فبقيت مدة في البحر لا أدري أين أذهب فوصلت إلى جزيرة فيها قوم فقعدت في بعض المساجد فسمعوني أقرأ فلم يبق أحد إلا جاءني وقال علمني القرآن فحصل لي منهم شيء كثير من المال ثم رأيت أوراقا من مصحف فأخذتها فقالوا تحسن تكتب فقلت نعم فقالوا علمنا الخط وجاءوا بأولادهم من الصبيان والشباب وكنت أعلمهم فحصل لي أيضا من ذلك شيء كثير فقالوا لي بعد ذلك عندنا صبية يتيمة ولها شيء من الدنيا نريد أن تتزوج بها فامتنعت فقالوا لا بد وألزموني فأجبتهم فلما زفوها مددت عيني أنظر إليها فوجدت ذلك العقد بعينه معلقا في عنقها فما كان لي حينئذ شغل إلا النظر إليه فقالوا يا شيخ كسرت قلب هذه اليتيمة من نظرك إلى هذا العقد ولم تنظر إليها فقصصت عليهم قصة العقد فصاحوا بالتهليل والتكبير حتى بلغ إلى جميع أهل الجزيرة فقلت ما بكم فقالوا ذلك الشيخ الذي أخذ منك العقد أبو هذه الصبية وكان يقول ما وجدت في الدنيا مسلما كهذا الذي رد على هذا العقد وكان يدعو ويقول اللهم اجمع بيني وبينه حتى أزوجه بابنتي والآن قد حصلت فبقيت معها مدة ورزقت منها ولدين ثم إنها ماتت فورثت العقد أنا وولدي ثم مات الولدان فحصل العقد لي فبعته بمائة ألف دينار وهذا المال الذي ترون معي من بقايا ذلك المال " شذرات الذهب في أخبار من ذهب ج4 ص 109
وقد ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في هذا الباب وقائع تدل على هذا المعنى ، ومما أورده في ذلك أن رجلا من تيم خرج حاجا فلما جن عليه الليل ورد بعض الماء فوجد امرأة قد وضعت جلبابها ، ونشرت شعرها ، فأعرض عنها ، فقالت: هلم إلي ، لم تعرض عني؟
فقال: إني أخاف الله رب العالمين.فقالت: هبت والله مهابا ، ووضعت جلبابها على جسدها وهي تقول: إن أولى من شركك في الهيبة لمن أراد أن يشركك في المعصية ، ثم ولت فتبعها حتى دخلت خيمة من خيام الأعراب فلما أصبح ذهب إلى مكان الخيمة فوجد رجلا جالسا فسأله عن المرأة فأخبره الرجل أنها ابنته فطلب منه أن يزوجه إياها فوافق الأب بعد أن سأل الرجل عن نسبه وقبيلته ، فانظر أيها الحبيب لحال هذا الرجل الذي ترك الحرام لله فرزقه الله المرأة حلالا.
يقول مالك بن دينار رحمه الله تعالى: جنات النعيم بين الفردوس وجنات عدن ، فيها جوار خلقن من ورد الجنة يسكنها الذين هموا بالمعاصي ، فلما ذكروا الله عز وجل راقبوه فانثنت رقابهم من خشيته.
وبعد فهل أيقنت أخي المسلم أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه في الدنيا قبل الآخرة ماذا ستترك لله حتى يعوضك خيرا منه إن تترك مثلا النظر إلى الحرام يبدلك الله بزوجة تسعدك في الدنيا قبل أن يمتعك بالحور العين في الآخرة وهكذا قل في باقي المعاصي والذنوب نسأل الله عز و جل أن يتوب علينا لنتوب وأن يطهرنا لنطهر وأن يغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وأن يحسن ختامنا اللهم آمين