الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه
وبعد ، أيها الأحبة ، فها هي الأجازة الصيفية قد بدأت ، وشهر رمضان على الأبواب ، وكثير من الشباب يتخذ من الأجازة فرصة لتضييع الوقت وعدم الاستفادة ومن الفراغ، ويزيد ذلك في رمضان ، حيث يطيل البعض السهر مع اللهو ، ثم تضييع اليوم في النوم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
لهذا رأيت أن أكتب ناصحا لنفسي ولأحبتي حول الفراغ وسبل الاستفادة منه، فأقول وبالله التوفيق:
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «إِنِّي لَأَمْقُتُ الرَّجُلَ أَنْ أَرَاهُ فَارِغًا، لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ عَمَلِ الدُّنْيَا، وَلَا عَمَلِ الآخِرَة»(1).
(1) الفراغ تضييع لأعظم الثروات:
إنَّ أعظمَ ثرواتِ العبدِ على الإطلاقِ هو عمرُه، وإنَّ من أكثر الناس حُمْقًا لَلَّذي يُضَيِّع هذه الثروةَ ويُبَدِّدُ هذا الكنزَ بلا مُقابِل، وإنَّ الفراغَ الذي يحتوي كثيرًا من الناس وبخاصةٍ الشبابُ لَهُوَ تدميرٌ للمواهبِ والكِفاياتِ، وداءٌ قَتَّالٌ للفِكرِ والعقلِ، وإهدارٌ مُشِينٌ للطاقات، فضلًا عما يترتَّبُ عليه من كَبْتٍ نفسيٍّ، وبلادةٍ للذهنِ، وثِقَلٍ للروحِ، واستيلاءٍ للوساوسِ وأفكارِ الشَّرِّ على قلبِ الفارغ، فينامُ مِلْءَ عينيْه، ويأكلُ مِلْءَ مَاضِغَيْه، وينشغلُ باللَّهْوِ والعبثِ عن الجِدِّ والعمل؛ مما يجعلُه مِعْوَلَ هدمٍ و تدمير، لا عاملَ بناءٍ وتعمير، وقد قيل:
وإنَّ إدراكَ الإنسانِ قيمةَ العمرِ، واجتهادَه لشغْلِ أوقاتِ الفراغِ لهو التقديرُ الحقيقيُّ لوجودِه وإنسانيَّتِه ووظيفتِه في هذه الحياة.
وَصَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ»(2).
ولهذا كَرِهَ عقلاءُ الناسِ آفةَ الفراغِ ومَقَتُوها، فقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: «إنِّي أَكْرَهُ الرَّجُلَ أَنْ أَرَاهُ يَمْشِي سَبَهْلَلًا، لَا فِي أَمْرِ الدُّنْيَا، وَلَا فِي أَمْرِ آخِرَةٍ»(3) .
وقال الحسنُ البصريُّ: «مَا وَعَظَنِي شيءٌ مثل ما وَعَظَنِي كلامُ الحجَّاجِ في خُطبتِه: إِنَّ امْرَأً ذَهَبَتْ عَنْهُ سَاعَةٌ مِنْ عُمُرِهِ في غيرِ ما خُلِقَ لَه لَحقِيقٌ أَنْ تَطُولَ حَسْرَتُه يومَ القِيامة»(4).
وقال الحسن: «أدركتُ أقوامًا كانوا على أوقاتِهم أشدَّ منكم حرصًا على دراهمِكم ودنانيرِكم».
ورأى شُرَيحٌ جيرانًا له يجولون، فقال لهم: ما لكم تجولون؟ فقالوا: فَرَغْنا اليومَ. فقال لهم شريح: وبهذا أُمِر الفارغ؟!(5).
(2) الاستفادة من الفراغ:
في قوله تعالى ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ﴾ (الشرح/7) حلٌّ لمشكلةِ الفراغِ، حيث لم يتركْ الحق سبحانه للمسلمِ فراغًا في وقتِه، لأنه إمَّا في عملٍ للدنيا، وإمَّا في عملٍ للآخرة.
ولهذا حرص الموفَّقون على الاستفادةِ من كل أوقات حياتهم؛ بالعمل الصالح للدنيا أو للآخرة، وعدُّوا ذلك مغنمًا، وعلموا أن في ضياعها بدون فائدة عبثًا ومغرمًا.
فالعاقلُ الموفَّقُ مَنْ أدركَ نعمةَ العمر، فاغتنمه في عملٍ مفيدٍ يُحقِّق له ولأمَّتِه الرفعةَ والتمكينَ في الدنيا، وينجو به من الخِزْيِ يومَ القيامة، حين يُسْأَل عن عُمُرِه فيمَ أفْناه؟ فمَنْ لعب في عُمرِه ضيَّع أيامَ حرثِه، وإذا ضيَّع أيامَ حرثِه نَدِم عند حصادِه.
وإنَّ مما يُحزِنُ القلبَ أن ترى بعضَ الناسِ تجري بهم أعمارُهم، وتُفْلِتُ من بين أيديهم أيامُهم، ولم يزدادوا علمًا، ولم يؤسِّسوا مجدًا، ولم ينالوا خيرًا، ولم يحقِّقوا فخرًا، ولم يَنْصُروا لأمَّتِهم قضيةً، ولم يَرُدُّوا عنها عُدْوانًا ولا ظلمًا، ولم يبذلوا في سبيلِ رفعتِهم وتقدُّمِ أمتِهم جهدا.
وقد قيل: «مَنْ أمضى يومًا من عُمُرِه في غيرِ حقٍّ قضَاه، أو فرضٍ أدَّاه، أو مجدٍ أثَّلَه، أو حمْدٍ حصَّلَه، أو خيرٍ أسَّسَه، أو علمٍ اقتبسَه، فقد عقَّ يومَه، وظلمَ نفسَه!».
وَقَالَ الْحَسَنُ: «لَيْسَ يَوْمٌ يَأْتِي مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا إلَّا يَتَكَلَّمُ، يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إنِّي يَوْمٌ جَدِيدٌ، وَإِنِّي عَلَى مَا يُعْمَلُ فِيَّ شَهِيد، وَإِنِّي لَوْ قَدْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ لَمْ أَرْجِعْ إلَيْكُمْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»(6).
وقال أيضا: «ابنَ آدمِ إِنَّكَ بِيَوْمِكَ، وَلَسْتَ في غَدِكَ، فكُنْ في يومِكَ، فَإِنْ يكنْ غدٌ لَكَ كنتَ فيه كما كنتَ في هذا اليومِ، وإنْ لا يكنْ غدٌ لَكَ لم تَكُ تَأْسَفُ على ما فرَّطتَ في جنْبِ الله».
ولهذا كان التوجيه الحكيم من النبي عليه الصلاة والسلام لاغتنام العمر والصحة والفراغ قبل الفوات، فقال صلي الله عليه وسلم: «اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ»(7)، وقال بعض الحكماء: «إنَّ اللَّيلَ والنهارَ يعملان فيك، فاعمل فيهما»(8). وقد قيل:
فتحكّمْ في الوقتِ قبل أن يتحكَّمَ فيك، واشغل وقتك بما يحقق خير الدنيا والآخرة.
(3) مقترحات لشغل الفراغ من خير الدنيا وخير الآخرة:
- حفظ شيء من القرآن، أو مراجعة المحفوظ منه.
- المواظبة على طلب علم نافع عن طريق القراءة، أو حضور مجالس العلم والدرس.
- تنظيم ورد لزيارة الأرحام والأصدقاء بشكل دوري؛ لتقوية الأواصر.
- ممارسة الدعوة الفردية بشكل يومي بحيث لا تغيب عن التواصل مع المدعو يوميا ولو عن طريق الهاتف أوالإنترنت.
- عمل ورد دعوي يومي من المواقف الدعوية، مع الأصدقاء أو الجيران أو الزملاء أو عامة المجتمع، واستخدام الشبكة العنكبوتية في تمرير الرسائل الدعوية المتميزة.
- تحديد وقت لممارسة الرياضات المفيدة للجسم والمحافظة على الصحة.
- الاشتراك في دورة علمية في أحد المجالات الحديثة لتنمية الذات والمهارات.
- تعلم حرفة من الحرف المختلفة والاهتمام بمعرفة أصول إصلاح الحاجات المنزلية، ومن الواجب فتح مقرات الهيئات ومراكز الشباب ومعاهد التدريب للشباب.
- المشاركة المنتظمة في أنشطة البر والخدمة العامة من خلال الجمعيات العاملة في المجال.
--------------
(1) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (34562)، وهناد في الزهد (676)، وأبو نعيم في حلية الأولياء 1/130.
(2) أخرجه البخارى في كتاب: الرقاق، باب: مَا جَاءَ فِى الرِّقَاقِ وَأَنْ لاَ عَيْشَ إِلاَّ عَيْشُ الآخِرَةِ 11/ ().
(3) ربيع الأبرار للزمخشري 1/292.
(4) محاضرات الأدباء للراغب الأصفهاني 1/483.
(5) الزهد لهناد 2/357 (677).
(6) غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب 4/21.
(7) حديث ابن عباس، أخرجه الحاكم 4/341 (7846) وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، والبيهقي في الشعب (10250) .
(8) مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا صـ 29 (47).
-----------------
أ.د. عبد الرحمن البر
أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر وعضو مكتب الإرشاد
وبعد ، أيها الأحبة ، فها هي الأجازة الصيفية قد بدأت ، وشهر رمضان على الأبواب ، وكثير من الشباب يتخذ من الأجازة فرصة لتضييع الوقت وعدم الاستفادة ومن الفراغ، ويزيد ذلك في رمضان ، حيث يطيل البعض السهر مع اللهو ، ثم تضييع اليوم في النوم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
لهذا رأيت أن أكتب ناصحا لنفسي ولأحبتي حول الفراغ وسبل الاستفادة منه، فأقول وبالله التوفيق:
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «إِنِّي لَأَمْقُتُ الرَّجُلَ أَنْ أَرَاهُ فَارِغًا، لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ عَمَلِ الدُّنْيَا، وَلَا عَمَلِ الآخِرَة»(1).
(1) الفراغ تضييع لأعظم الثروات:
إنَّ أعظمَ ثرواتِ العبدِ على الإطلاقِ هو عمرُه، وإنَّ من أكثر الناس حُمْقًا لَلَّذي يُضَيِّع هذه الثروةَ ويُبَدِّدُ هذا الكنزَ بلا مُقابِل، وإنَّ الفراغَ الذي يحتوي كثيرًا من الناس وبخاصةٍ الشبابُ لَهُوَ تدميرٌ للمواهبِ والكِفاياتِ، وداءٌ قَتَّالٌ للفِكرِ والعقلِ، وإهدارٌ مُشِينٌ للطاقات، فضلًا عما يترتَّبُ عليه من كَبْتٍ نفسيٍّ، وبلادةٍ للذهنِ، وثِقَلٍ للروحِ، واستيلاءٍ للوساوسِ وأفكارِ الشَّرِّ على قلبِ الفارغ، فينامُ مِلْءَ عينيْه، ويأكلُ مِلْءَ مَاضِغَيْه، وينشغلُ باللَّهْوِ والعبثِ عن الجِدِّ والعمل؛ مما يجعلُه مِعْوَلَ هدمٍ و تدمير، لا عاملَ بناءٍ وتعمير، وقد قيل:
إِنَّ الشَّبَابَ وَالفَرَاغَ وَالجِدَة مَفْسَدَةٌ لِلْمَرْءِ أَيَّ مَفْسَدَة
وإنَّ إدراكَ الإنسانِ قيمةَ العمرِ، واجتهادَه لشغْلِ أوقاتِ الفراغِ لهو التقديرُ الحقيقيُّ لوجودِه وإنسانيَّتِه ووظيفتِه في هذه الحياة.
وَصَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ»(2).
ولهذا كَرِهَ عقلاءُ الناسِ آفةَ الفراغِ ومَقَتُوها، فقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: «إنِّي أَكْرَهُ الرَّجُلَ أَنْ أَرَاهُ يَمْشِي سَبَهْلَلًا، لَا فِي أَمْرِ الدُّنْيَا، وَلَا فِي أَمْرِ آخِرَةٍ»(3) .
وقال الحسنُ البصريُّ: «مَا وَعَظَنِي شيءٌ مثل ما وَعَظَنِي كلامُ الحجَّاجِ في خُطبتِه: إِنَّ امْرَأً ذَهَبَتْ عَنْهُ سَاعَةٌ مِنْ عُمُرِهِ في غيرِ ما خُلِقَ لَه لَحقِيقٌ أَنْ تَطُولَ حَسْرَتُه يومَ القِيامة»(4).
وقال الحسن: «أدركتُ أقوامًا كانوا على أوقاتِهم أشدَّ منكم حرصًا على دراهمِكم ودنانيرِكم».
ورأى شُرَيحٌ جيرانًا له يجولون، فقال لهم: ما لكم تجولون؟ فقالوا: فَرَغْنا اليومَ. فقال لهم شريح: وبهذا أُمِر الفارغ؟!(5).
والوقتُ أنفسُ ما عُنِيتَ بحفظِه وأراهُ أسهلَ ما عَلَيْكَ يَضيعُ
ويُرْوَى عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه أنه كان يقول: «مَا نَدِمْتُ عَلَى شَيْءٍ نَدَمِي عَلَى يَوْمٍ غَرَبَتْ شَمْسُهُ، نَقَصَ فِيهِ أَجَلِي وَلَمْ يَزِدْ فِيهِ عَمَلِي».(2) الاستفادة من الفراغ:
في قوله تعالى ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ﴾ (الشرح/7) حلٌّ لمشكلةِ الفراغِ، حيث لم يتركْ الحق سبحانه للمسلمِ فراغًا في وقتِه، لأنه إمَّا في عملٍ للدنيا، وإمَّا في عملٍ للآخرة.
ولهذا حرص الموفَّقون على الاستفادةِ من كل أوقات حياتهم؛ بالعمل الصالح للدنيا أو للآخرة، وعدُّوا ذلك مغنمًا، وعلموا أن في ضياعها بدون فائدة عبثًا ومغرمًا.
فالعاقلُ الموفَّقُ مَنْ أدركَ نعمةَ العمر، فاغتنمه في عملٍ مفيدٍ يُحقِّق له ولأمَّتِه الرفعةَ والتمكينَ في الدنيا، وينجو به من الخِزْيِ يومَ القيامة، حين يُسْأَل عن عُمُرِه فيمَ أفْناه؟ فمَنْ لعب في عُمرِه ضيَّع أيامَ حرثِه، وإذا ضيَّع أيامَ حرثِه نَدِم عند حصادِه.
وإنَّ مما يُحزِنُ القلبَ أن ترى بعضَ الناسِ تجري بهم أعمارُهم، وتُفْلِتُ من بين أيديهم أيامُهم، ولم يزدادوا علمًا، ولم يؤسِّسوا مجدًا، ولم ينالوا خيرًا، ولم يحقِّقوا فخرًا، ولم يَنْصُروا لأمَّتِهم قضيةً، ولم يَرُدُّوا عنها عُدْوانًا ولا ظلمًا، ولم يبذلوا في سبيلِ رفعتِهم وتقدُّمِ أمتِهم جهدا.
وقد قيل: «مَنْ أمضى يومًا من عُمُرِه في غيرِ حقٍّ قضَاه، أو فرضٍ أدَّاه، أو مجدٍ أثَّلَه، أو حمْدٍ حصَّلَه، أو خيرٍ أسَّسَه، أو علمٍ اقتبسَه، فقد عقَّ يومَه، وظلمَ نفسَه!».
وَقَالَ الْحَسَنُ: «لَيْسَ يَوْمٌ يَأْتِي مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا إلَّا يَتَكَلَّمُ، يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إنِّي يَوْمٌ جَدِيدٌ، وَإِنِّي عَلَى مَا يُعْمَلُ فِيَّ شَهِيد، وَإِنِّي لَوْ قَدْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ لَمْ أَرْجِعْ إلَيْكُمْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»(6).
وقال أيضا: «ابنَ آدمِ إِنَّكَ بِيَوْمِكَ، وَلَسْتَ في غَدِكَ، فكُنْ في يومِكَ، فَإِنْ يكنْ غدٌ لَكَ كنتَ فيه كما كنتَ في هذا اليومِ، وإنْ لا يكنْ غدٌ لَكَ لم تَكُ تَأْسَفُ على ما فرَّطتَ في جنْبِ الله».
ولهذا كان التوجيه الحكيم من النبي عليه الصلاة والسلام لاغتنام العمر والصحة والفراغ قبل الفوات، فقال صلي الله عليه وسلم: «اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ»(7)، وقال بعض الحكماء: «إنَّ اللَّيلَ والنهارَ يعملان فيك، فاعمل فيهما»(8). وقد قيل:
تَظَلُّ تفرحُ بالأيَّامِ تَقْطَعُها وكُلُّ يومٍ مَضَى يُدْنِي منَ الأَجَلِ
فتحكّمْ في الوقتِ قبل أن يتحكَّمَ فيك، واشغل وقتك بما يحقق خير الدنيا والآخرة.
(3) مقترحات لشغل الفراغ من خير الدنيا وخير الآخرة:
- حفظ شيء من القرآن، أو مراجعة المحفوظ منه.
- المواظبة على طلب علم نافع عن طريق القراءة، أو حضور مجالس العلم والدرس.
- تنظيم ورد لزيارة الأرحام والأصدقاء بشكل دوري؛ لتقوية الأواصر.
- ممارسة الدعوة الفردية بشكل يومي بحيث لا تغيب عن التواصل مع المدعو يوميا ولو عن طريق الهاتف أوالإنترنت.
- عمل ورد دعوي يومي من المواقف الدعوية، مع الأصدقاء أو الجيران أو الزملاء أو عامة المجتمع، واستخدام الشبكة العنكبوتية في تمرير الرسائل الدعوية المتميزة.
- تحديد وقت لممارسة الرياضات المفيدة للجسم والمحافظة على الصحة.
- الاشتراك في دورة علمية في أحد المجالات الحديثة لتنمية الذات والمهارات.
- تعلم حرفة من الحرف المختلفة والاهتمام بمعرفة أصول إصلاح الحاجات المنزلية، ومن الواجب فتح مقرات الهيئات ومراكز الشباب ومعاهد التدريب للشباب.
- المشاركة المنتظمة في أنشطة البر والخدمة العامة من خلال الجمعيات العاملة في المجال.
--------------
(1) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (34562)، وهناد في الزهد (676)، وأبو نعيم في حلية الأولياء 1/130.
(2) أخرجه البخارى في كتاب: الرقاق، باب: مَا جَاءَ فِى الرِّقَاقِ وَأَنْ لاَ عَيْشَ إِلاَّ عَيْشُ الآخِرَةِ 11/ ().
(3) ربيع الأبرار للزمخشري 1/292.
(4) محاضرات الأدباء للراغب الأصفهاني 1/483.
(5) الزهد لهناد 2/357 (677).
(6) غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب 4/21.
(7) حديث ابن عباس، أخرجه الحاكم 4/341 (7846) وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، والبيهقي في الشعب (10250) .
(8) مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا صـ 29 (47).
-----------------
أ.د. عبد الرحمن البر
أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر وعضو مكتب الإرشاد
تعليق