السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تفسير آيتي 21 و 22 من سورة البقرة
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٢١) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٢)".
خلاصة التفسير:
(ياأيها الناس اعبدوا ربكم) اختاروا عبادة ربكم (الذي خلقكم) وأنشأكم ولم تكونوا شيئاً (و) خلق (الذين من قبلكم لعلكم تتقون) بعبادته وعقابه، لعل في الأصل للترجي وفي كلامه تعالی للتحقيق.
(الذي جعل) خلق (لكم الأرض فراشاً) بساطاً يفترش لا غاية في الصلابة او اللينونة، فلايمكن الاستقرار عليها. (والسماء بناء) سقفاً (وأنزل من السماء ماء فأخرج به من) أنواع الثمرات (رزقاً لكم) تأكلون وتعلفون به دوابكم (فلاتجعلوا لله أنداداً) شركاء في العبادة والألوهية (وأنتم تعلمون) أنه هو الخالق، ولا يكون إلهاً إلا من يخلق، فكيف تعبدون من لا يخلق ولا يتصرف.
(ياأيها الناس اعبدوا ربكم) اختاروا عبادة ربكم (الذي خلقكم) وأنشأكم ولم تكونوا شيئاً (و) خلق (الذين من قبلكم لعلكم تتقون) بعبادته وعقابه، لعل في الأصل للترجي وفي كلامه تعالی للتحقيق.
(الذي جعل) خلق (لكم الأرض فراشاً) بساطاً يفترش لا غاية في الصلابة او اللينونة، فلايمكن الاستقرار عليها. (والسماء بناء) سقفاً (وأنزل من السماء ماء فأخرج به من) أنواع الثمرات (رزقاً لكم) تأكلون وتعلفون به دوابكم (فلاتجعلوا لله أنداداً) شركاء في العبادة والألوهية (وأنتم تعلمون) أنه هو الخالق، ولا يكون إلهاً إلا من يخلق، فكيف تعبدون من لا يخلق ولا يتصرف.
فقه الحياة والأحكام
المناسبة:
لما سأل العبد ربّه الهداية في سورة الفاتحة وقال: «اهدنا الصراط المستقيم» فأجاب الله دعاءه وأعطاه سؤاله في الآية الثانية من سورة البقرة، كأنه قيل له هذا الصراط المستقيم الذي أنت تطلبه، والقرآن كله من أوله إلی آخره شرح وتوضيح لهذا الصراط المستقيم.
ثم ذكر ثلاثة أصناف من الناس باعتبار قبول الهداية وعدمها، فذكر في الآيات الثلاثة الأولی صفات المؤمنين المتقين، الذين جعلوا القرآن نصب أعينهم، فآمنوا به وطبقوه علی حياتهم، ثم ذكر الصنف الثاني من الناس الذين خالفوا القرآن ولم يقبلوه وهم كافرون، ثم ذكر أحوال طائفة تظاهروا بالإسلام و أبطنوا الكفر وأخفت صدورهم البغضاء للمسلمين، وما فعلوا ذلك إلا لأجل حطام الدنيا الذليلة وإيذاء المسلمين.
فالناس ثلاثة أقسام من حيث العقيدة في نظر القرآن، وثبت من هذا أن القرآن الكريم لا يقسم الناس علی أساس النسب واللسان والوطن واللون، وإنما يقسمهم علی أساس العقيدة والدين. فالناس فريقان في نظر القرآن الكريم: فريق آمن بالله واليوم الآخر واهتدی، فأولئك حزب الله؛ وفريق لم يؤمن ولم يقبل الهدی، فأولئك حزب الشيطان.
ثم خاطب الله جميع الناس ودعاهم إلی عبادة الله وحده وحذرهم من عبادة المخلوق، وبين ذلك بالبراهين الواضحة ليتفكروا ويهتدوا، فقال عز من قائل: «يا أيها الناس اعبدوا ربكم».
قال صاحب الروح: العبادة استفراغ الطاقة في استكمال الطاعة واستشعارالخشية في استبعاد المعصية. [روح البيان: 1/74]
وقد بينا معنى الرب فيما مضی؛ والجدير بالتدبر أن القرآن ذكر ههنا كلمة «الرب» ولم يذكر أسماً آخر من الأسماء الحسنی.
ولعل الحكمة في اختيار هذه الكلمة أن المدعى ذكر مع الدليل، لماذا يعبد الله وحده لأنه هو الرب فلايستحق العبادة من لا ربوبية له، والرب هو الذي يصنع من القطرة إنساناً يجعله عاقلاً سميعاً بصيراً مدركاً واعياً، ثم يتكفل بحوائجه وما يحتاج إلیه لبقائه وتقدمه في الحياة.
والإنسان مهما كان جاهلاً وطامس البصيرة ولكن إذا تأمل وتفكر، علم يقيناً أن الربوبية لا تليق إلا بالله سبحانه و تعالی، فلا يشارك الله في الربوبية أحد، لا صنم منحوت من الحجر ولا خلق آخر، كيف وكلهم يحتاجون إلی الله الواحد الأحد في خلقهم وفي بقائهم، وهل محتاج فقير يغني محتاجاً وفقيراً آخر؟
وفي قوله «ياأيها الناس اعبدوا ربكم» خاطب الله سبحانه و تعالی ثلاث فئات، والمعنی يختلف باعتبار كل مخاطب، فاذا كان الخطاب متوجهاً إلی الكفار فمعناه "أعبدوا ربكم أي وحدوه واجتنبوا عبادة المخلوق، ولا تشركوا بالله شيئاً"، وإذا كان الخطاب متوجهاً إلی المنافقين فمعناه "اتركوا النفاق وأخلصوا دينكم لله وحده"، واذا كان الخطاب متوجهاً إلی العصاة من المؤمنين فمعناه "أطيعو الله واجتنبوا المعاصي والذنوب"، وإذا كان الخطاب متوجهاً إلی المتقين فمعناه "استقيموا علی عبادة الله وداوموا علی ذلك وتقدموا في هذا المجال". [روح البيان]
لما سأل العبد ربّه الهداية في سورة الفاتحة وقال: «اهدنا الصراط المستقيم» فأجاب الله دعاءه وأعطاه سؤاله في الآية الثانية من سورة البقرة، كأنه قيل له هذا الصراط المستقيم الذي أنت تطلبه، والقرآن كله من أوله إلی آخره شرح وتوضيح لهذا الصراط المستقيم.
ثم ذكر ثلاثة أصناف من الناس باعتبار قبول الهداية وعدمها، فذكر في الآيات الثلاثة الأولی صفات المؤمنين المتقين، الذين جعلوا القرآن نصب أعينهم، فآمنوا به وطبقوه علی حياتهم، ثم ذكر الصنف الثاني من الناس الذين خالفوا القرآن ولم يقبلوه وهم كافرون، ثم ذكر أحوال طائفة تظاهروا بالإسلام و أبطنوا الكفر وأخفت صدورهم البغضاء للمسلمين، وما فعلوا ذلك إلا لأجل حطام الدنيا الذليلة وإيذاء المسلمين.
فالناس ثلاثة أقسام من حيث العقيدة في نظر القرآن، وثبت من هذا أن القرآن الكريم لا يقسم الناس علی أساس النسب واللسان والوطن واللون، وإنما يقسمهم علی أساس العقيدة والدين. فالناس فريقان في نظر القرآن الكريم: فريق آمن بالله واليوم الآخر واهتدی، فأولئك حزب الله؛ وفريق لم يؤمن ولم يقبل الهدی، فأولئك حزب الشيطان.
ثم خاطب الله جميع الناس ودعاهم إلی عبادة الله وحده وحذرهم من عبادة المخلوق، وبين ذلك بالبراهين الواضحة ليتفكروا ويهتدوا، فقال عز من قائل: «يا أيها الناس اعبدوا ربكم».
قال صاحب الروح: العبادة استفراغ الطاقة في استكمال الطاعة واستشعارالخشية في استبعاد المعصية. [روح البيان: 1/74]
وقد بينا معنى الرب فيما مضی؛ والجدير بالتدبر أن القرآن ذكر ههنا كلمة «الرب» ولم يذكر أسماً آخر من الأسماء الحسنی.
ولعل الحكمة في اختيار هذه الكلمة أن المدعى ذكر مع الدليل، لماذا يعبد الله وحده لأنه هو الرب فلايستحق العبادة من لا ربوبية له، والرب هو الذي يصنع من القطرة إنساناً يجعله عاقلاً سميعاً بصيراً مدركاً واعياً، ثم يتكفل بحوائجه وما يحتاج إلیه لبقائه وتقدمه في الحياة.
والإنسان مهما كان جاهلاً وطامس البصيرة ولكن إذا تأمل وتفكر، علم يقيناً أن الربوبية لا تليق إلا بالله سبحانه و تعالی، فلا يشارك الله في الربوبية أحد، لا صنم منحوت من الحجر ولا خلق آخر، كيف وكلهم يحتاجون إلی الله الواحد الأحد في خلقهم وفي بقائهم، وهل محتاج فقير يغني محتاجاً وفقيراً آخر؟
وفي قوله «ياأيها الناس اعبدوا ربكم» خاطب الله سبحانه و تعالی ثلاث فئات، والمعنی يختلف باعتبار كل مخاطب، فاذا كان الخطاب متوجهاً إلی الكفار فمعناه "أعبدوا ربكم أي وحدوه واجتنبوا عبادة المخلوق، ولا تشركوا بالله شيئاً"، وإذا كان الخطاب متوجهاً إلی المنافقين فمعناه "اتركوا النفاق وأخلصوا دينكم لله وحده"، واذا كان الخطاب متوجهاً إلی العصاة من المؤمنين فمعناه "أطيعو الله واجتنبوا المعاصي والذنوب"، وإذا كان الخطاب متوجهاً إلی المتقين فمعناه "استقيموا علی عبادة الله وداوموا علی ذلك وتقدموا في هذا المجال". [روح البيان]
«الذي خلقكم و الذين من قبلكم»
ذكر ههنا صفات خاصة للرب سبحانه وتعالی، ومنها صفة الخلق، والخلق صفة لله سبحانه لا يشاركه فيه أحد من المخلوق. هو الذي خلق من العدم و جاد بالوجود. خلق صورة وأجملها خلق إنساناً يغبطه الملائكة. خلق إنساناً جميلاً طاهراً في بطن الأم وهناك ظلام ونجاسات، ومن يخلق هكذا إلا الله الواحد الصمد الذي لا يحتاج إلی أحد والجميع محتاجون إليه.
والجدير بالتدبر ههنا أن الله سبحانه و تعالی ذكر بعد قوله «خلقكم» قوله «الذين من قبلكم» فهو خالقنا وخالق الذين قبلنا، ولا ريب في هذا، ولكن الله سبحانه و تعالی لم يقل «من بعدكم»، ولعل في اختيار هذا الأسلوب إشارة إلی أن أمة محمد صلی الله عليه وسلم هي آخر الأمم جميعاً ولا تأتي بعدها أمة جديدة أخری، فلا نبي بعد خاتم النبيين ولا أمة بعد أمة النبي صلی الله عليه وسلم.
ذكر ههنا صفات خاصة للرب سبحانه وتعالی، ومنها صفة الخلق، والخلق صفة لله سبحانه لا يشاركه فيه أحد من المخلوق. هو الذي خلق من العدم و جاد بالوجود. خلق صورة وأجملها خلق إنساناً يغبطه الملائكة. خلق إنساناً جميلاً طاهراً في بطن الأم وهناك ظلام ونجاسات، ومن يخلق هكذا إلا الله الواحد الصمد الذي لا يحتاج إلی أحد والجميع محتاجون إليه.
والجدير بالتدبر ههنا أن الله سبحانه و تعالی ذكر بعد قوله «خلقكم» قوله «الذين من قبلكم» فهو خالقنا وخالق الذين قبلنا، ولا ريب في هذا، ولكن الله سبحانه و تعالی لم يقل «من بعدكم»، ولعل في اختيار هذا الأسلوب إشارة إلی أن أمة محمد صلی الله عليه وسلم هي آخر الأمم جميعاً ولا تأتي بعدها أمة جديدة أخری، فلا نبي بعد خاتم النبيين ولا أمة بعد أمة النبي صلی الله عليه وسلم.
«لعلكم تتقون»
أي لا سبيل إلی النجاة من الضلال في الدنيا ومن العذاب في الآخرة إلا باختيار التوحيد والاجتناب عن الشرك، فوحدوا الله ولا تشركوا به شيئاً تحفظوا من الضلال والعذاب.
ثم ذكر صفة ثانية للرب سبحانه وتعالی فقال: «الذي جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقاً لك».
ذكر الله سبحانه وتعالی في الآية الأولی النعم التي توجد في الإنسان نفسه، وأما في هذه الآية فذكر النعم التي توجد في الكون وفي البيئة التي يعيش فيها الإنسان؛ فالنعم أقسام: قسم في الأنفس وقسم في الآفاق، وذكر الجميع في الآيتين.
ومن النعم الآفاقية، الأرض التي جعلها الله فراشاً لبني آدم، فلا جعلها ليناً رقيقاً كالماء حتى لا يمكن القرار عليها، ولا جعلها صلباً كالحديد والحجر حتي يصعب الاستفادة منها حسب حوائجنا كالحرث والزرع فيها، بل جعلها بين اللين والصلب، وسخرها للناس وسهل الاستفادة منها.
أما جعل الأرض فراشاً فلا يلزم منه أن لا تكون مدورة كالكرة، وإنما عبر عن صفتها بالفراش باعتبار رؤية عامة الناس لأنها تتراءى كالفراش المبسوط.
والنعمة الثانية جعل السماء سقفاً جميلاً ممتعاً، والنعمة الثالثة نزول الماء من السماء، وليس معناه أن الماء لا ينزل من السحاب، لأن السماء تطلق علی كل شيء عالٍ في المحاورات.
وقد ذكر القرآن المجيد في مواضع عديدة أن الماء ينزل من السحاب كما قال عزمن قائل: «أفرأيتم الماء الذي تشربون * أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون». [الواقعة: آية 69]
وقال في مقام آخر: «وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجاً» [النباء: آية 14]
والنعمة الرابعة أن الله سبحانه و تعالی خلق وأخرج بالماء فواكه يأكلها الإنسان ويتغذی بها، فالأفعال الثلاثة الأولی للرب سبحانه و تعالی [جعل الأرض فراشاً، وجعل السماء سقفاً، وأنزل الماء من السماء] هي أفعال لا دخل للإنسان فيها، بل الإنسان لم يكن موجوداً حينما خلق الله الأرض والسماء وأنزل من السماء ماءً، ولا ينكر هذا جاهل فضلاً عن عاقل، نعم! ههنا أعمال يقوم بها الإنسان، فهو يحرث الأرض ويمهدها ويلقي البذرة فيها ثم يجتهد لمحافظة ما ينبت من الأرض حتى يثمر، فربما يخيل إلی أحد أن الزرع نتيجة جهد الإنسان وتخطيطه وتدبيره، فأراد الله سبحانه وتعالی أن يبين هذه الحقيقة أنه لا دخل لسعي الإنسان وكفاحه في الإنبات والزرع، وانما ينحصر سعيه وكفاحه في تمهيد الأرض وإزالة الموانع للإنبات.
فالإنسان يحضّر الأرض ويحرثها ويقطع الأشجار والحشايش التي تمنع الإنبات ويلقي السماد، فهو بهذه الأعمال يمهد الطريق لما ينبت من الأرض، فلا هو ينبت الزرع ولا هو يخرج الأوراق والأثمار، وإنما هو الله الذي يفعل ذلك كله بقدرته. الإنسان يسقي الزرع والنبات ويحافظ عليهما ويحرسهما من الحشرات وما يضرهما، ولكن الله هو الذي خلق الماء وأنزله من السماء وأسكنه في الأرض، فالإنسان لم يتجاوز عمله إلا بأن أوصل الماء الذي خلقه الله إلی الزرع الذي خلقه الله في وقت مناسب بقدر معلوم، وإلی هذا أشار القرآن الكريم:
«أفرأیتم ما تحرثون * ءأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون» [الواقعة: آية 64]
وليست الإجابة عن هذا السؤال إلا أن يقال: لا ريب أن الله هو الذي يفعل ذلك كله، ينبت الزرع ويخلق الأشجار. فتبين مما ذكر أن الإنسان كما لا يوثر جهده في خلق الأرض والسماء ونزول الأمطار، فكذلك لا يؤثر جهده في الزرع والإنبات وخروج الأثمار من الأشجار، بل الله سبحانه وتعالی يفعل ذلك كله بقدرته الكاملة وحكمته البالغة وهو الحكيم القدير.
الخلاصة أن الله سبحانه وتعالی بين في الآية أربع صفات تختص بالله تعالى ولا توجد في المخلوق. فلما تبين أن الله تعالی هو الذي خلق الإنسان من العدم وخلق له الأرض والسماء والماء والتراب، فإذن لا عبودية إلا لله، ولا تليق العبادة إلا له، ومن أظلم ممن خلقه الله وهو محتاج إليه تعالی في كل شئونه ثم يسجد لغيره ويطرح علی عتبته ويكون عبدا له، وهل غفلة وكفران فوق هذا. ولله درّ الرومي حيث قال عن لسان الإنسان الغافل:
نعمت را خورده عصيان مي كنم نعمت از تو من بغيري مي تنم
(اتمتع بنعماتك ثم أعصيك النعماء كلها منك ولكني اتعلق بغيرك)
إن الله سبحانه وتعالی إنما فضل الإنسان علی سائر الخلق وسخر له ما في السماوات والأرض ليتضرع هو لعبادته ولا ينظر إلا إليه ولا يعبد إلا إياه ولايستعين إلا به وتكون حاله كما قال الشاعر:
بگذر از ياد گل وگلبن كه هيچم ياد نيست در زمين وآسمان جز ذكر حق آباد نيست
(دع عنك ذكری الزهوروذكر الحديقة فلا أذكر شيئاً منهما
فلايبقي عندي في الأرض والسماء إلا ذكر الله)
إن الإنسان الغافل نسي الله تعالی لرعونات نفسه، فلما ترك باب الواحد الأحد صار عبداً ذليلاً لملايين من الناس، وفي هذا يقول الشاعر باللغة الأردية:
ايك در چهوڑ كے ہم ہوگۓ لاكهوں كے غلام
ہم نے آزادي عرفي كا نہ سوچا انجام
(تركنا باباً واحداً فصرنا عبيد الألوف فلم نتفكر في عافية الحرية التي كنا نبغيها.)
وقد أراد الله سبحانه وتعالی أن يحررنا من براثن هذا الرق، فقال عز من قائل: «لا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون»
أي إذا عرفتم أيها الناس أن الله هو الذي أوجدكم من العدم فسواكم ورباكم، خلقكم من نطفة ثم جعلكم إنساناً جميلاً عاقلاً واعياً سميعاً بصيراً ومهد لكم الأرض للحياة وأنزل لكم من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم، فهل يكون له ندّ وشريك يستحق العبادة، كلا! فلا تشركوا به شيئاً وأنتم تعلمون.
فمن أظلم ومن أجهل ممن ترك الله الواحد الصمد وتعلق بغيره واعتمد عليه وخضع له ورجاه.
آنانكه بجر روي تو جاي نگرانند كوته نظرانند چه كوته نظرانند
(الذين يبحثون عن وجه غير وجهك لا ريب أنهم قصارى النظر وما أقصر نظرهم)
الخلاصة أن الدعوة التي ذكرت في هاتين الآيتين هي الدعوة التي بعث الأنبياء عليهم السلام لأجلها، وهي الدعوة إلی التوحيد الخالص، إلی عبادة الله وحده وهذه هي النظرية التي تؤثر في جميع شئون الإنسان عمله وسلوكه وخلقه واجتماعه وتغيير مصيره، فالإنسان الذي يعلم علم اليقين أن الله تعالی هو الخالق المالك المتصرف في الأمور والقدير علی كل شيء، وإنه فعال لما يريد، ولا ينفع شيء ولا يضر إلا باذنه وإرادته، فالإنسان الذي يحمل هذه العقيدة يتوجه إلی الله في جميع أموره في المصيبة والراحة والضيق والسعة ويحصل علی بصيرة يعرف بها حقيقة الأسباب ويتيقن أن الأسباب كلها كغطاء علی قدرة الله، فهو يری يد القدرة الإلهية وراء كل سبب وشيء.
ولو فهم المعجبون بالقوة المادية والمؤمنون بقوة الكهرباء والبخار في الغرب والشرق، لعلموا أن وراء هذه القوة المادية قوة أخرى هي مصدر القوة جميعاً وتلك قدرة الله الأحد الصمد الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه يرجع كل أمر، وهو الذي خلق الكهرباء والبخار وكل قوة نراها ولا يرى هذه الحقيقة إلا ذو بصيرة رزقه الله فهما صحيحاً.
أما الذي يجهل هذه الحقيقة فمثله كمثل بدوي ذهب إلی محطة القطار فوجد رجلاً يحمل علمين أحدهما أخضر والآخر أحمر، كلما تحرك الأخضر تحرك القطار وكلما تحرك الأحمر توقف، فظن هذا البدوي الجاهل أن العلمين هما الذان يسببان حركة القطار ووقوفه، فالناس یضحکون علی هذا البدوي ويقولون إن هذا المسكين لا يدري أن الذي يحرك القطار أو يوقفه هو السائق الجالس في القطار، بل الذي يمعن النظر يقول إن المحرك أو مولد الكهرباء هو الذي يسير القطار، ولولاه لما استطاع السائق تحريكاً أو إيقافاً، فكذلك الإنسان المؤمن الموّحد يعتقد أن الله هو الذي يدبر الأمر ويدير هذا العالم وهو يضحك علی الذين يحكمون علی ظاهر الأشياء ويؤمنون بقوة الكهرباء والآليات. نعم! إن المؤمن البصير يری قدرة الله وراء كل قوة مادية ويعلم أن الله بيده ملكوت كل شيء، وهو الذي خلق الماء والنار والأشياء كلها، وأن مشیئته وحكمه جاريان في الكون كله وفي الأشياء كلها، ونعم ما قال العارف جلال الدين الرومي رحمه الله:
خاك وباد وآب وآتش بنده اند با من وتو مرده با حق زنده اند.
(التراب والريح والماء والنار كلها عبيد له إنها أموات في نظري و نظرك ولكنها أحياء مع الحق.)
أي لا سبيل إلی النجاة من الضلال في الدنيا ومن العذاب في الآخرة إلا باختيار التوحيد والاجتناب عن الشرك، فوحدوا الله ولا تشركوا به شيئاً تحفظوا من الضلال والعذاب.
ثم ذكر صفة ثانية للرب سبحانه وتعالی فقال: «الذي جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقاً لك».
ذكر الله سبحانه وتعالی في الآية الأولی النعم التي توجد في الإنسان نفسه، وأما في هذه الآية فذكر النعم التي توجد في الكون وفي البيئة التي يعيش فيها الإنسان؛ فالنعم أقسام: قسم في الأنفس وقسم في الآفاق، وذكر الجميع في الآيتين.
ومن النعم الآفاقية، الأرض التي جعلها الله فراشاً لبني آدم، فلا جعلها ليناً رقيقاً كالماء حتى لا يمكن القرار عليها، ولا جعلها صلباً كالحديد والحجر حتي يصعب الاستفادة منها حسب حوائجنا كالحرث والزرع فيها، بل جعلها بين اللين والصلب، وسخرها للناس وسهل الاستفادة منها.
أما جعل الأرض فراشاً فلا يلزم منه أن لا تكون مدورة كالكرة، وإنما عبر عن صفتها بالفراش باعتبار رؤية عامة الناس لأنها تتراءى كالفراش المبسوط.
والنعمة الثانية جعل السماء سقفاً جميلاً ممتعاً، والنعمة الثالثة نزول الماء من السماء، وليس معناه أن الماء لا ينزل من السحاب، لأن السماء تطلق علی كل شيء عالٍ في المحاورات.
وقد ذكر القرآن المجيد في مواضع عديدة أن الماء ينزل من السحاب كما قال عزمن قائل: «أفرأيتم الماء الذي تشربون * أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون». [الواقعة: آية 69]
وقال في مقام آخر: «وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجاً» [النباء: آية 14]
والنعمة الرابعة أن الله سبحانه و تعالی خلق وأخرج بالماء فواكه يأكلها الإنسان ويتغذی بها، فالأفعال الثلاثة الأولی للرب سبحانه و تعالی [جعل الأرض فراشاً، وجعل السماء سقفاً، وأنزل الماء من السماء] هي أفعال لا دخل للإنسان فيها، بل الإنسان لم يكن موجوداً حينما خلق الله الأرض والسماء وأنزل من السماء ماءً، ولا ينكر هذا جاهل فضلاً عن عاقل، نعم! ههنا أعمال يقوم بها الإنسان، فهو يحرث الأرض ويمهدها ويلقي البذرة فيها ثم يجتهد لمحافظة ما ينبت من الأرض حتى يثمر، فربما يخيل إلی أحد أن الزرع نتيجة جهد الإنسان وتخطيطه وتدبيره، فأراد الله سبحانه وتعالی أن يبين هذه الحقيقة أنه لا دخل لسعي الإنسان وكفاحه في الإنبات والزرع، وانما ينحصر سعيه وكفاحه في تمهيد الأرض وإزالة الموانع للإنبات.
فالإنسان يحضّر الأرض ويحرثها ويقطع الأشجار والحشايش التي تمنع الإنبات ويلقي السماد، فهو بهذه الأعمال يمهد الطريق لما ينبت من الأرض، فلا هو ينبت الزرع ولا هو يخرج الأوراق والأثمار، وإنما هو الله الذي يفعل ذلك كله بقدرته. الإنسان يسقي الزرع والنبات ويحافظ عليهما ويحرسهما من الحشرات وما يضرهما، ولكن الله هو الذي خلق الماء وأنزله من السماء وأسكنه في الأرض، فالإنسان لم يتجاوز عمله إلا بأن أوصل الماء الذي خلقه الله إلی الزرع الذي خلقه الله في وقت مناسب بقدر معلوم، وإلی هذا أشار القرآن الكريم:
«أفرأیتم ما تحرثون * ءأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون» [الواقعة: آية 64]
وليست الإجابة عن هذا السؤال إلا أن يقال: لا ريب أن الله هو الذي يفعل ذلك كله، ينبت الزرع ويخلق الأشجار. فتبين مما ذكر أن الإنسان كما لا يوثر جهده في خلق الأرض والسماء ونزول الأمطار، فكذلك لا يؤثر جهده في الزرع والإنبات وخروج الأثمار من الأشجار، بل الله سبحانه وتعالی يفعل ذلك كله بقدرته الكاملة وحكمته البالغة وهو الحكيم القدير.
الخلاصة أن الله سبحانه وتعالی بين في الآية أربع صفات تختص بالله تعالى ولا توجد في المخلوق. فلما تبين أن الله تعالی هو الذي خلق الإنسان من العدم وخلق له الأرض والسماء والماء والتراب، فإذن لا عبودية إلا لله، ولا تليق العبادة إلا له، ومن أظلم ممن خلقه الله وهو محتاج إليه تعالی في كل شئونه ثم يسجد لغيره ويطرح علی عتبته ويكون عبدا له، وهل غفلة وكفران فوق هذا. ولله درّ الرومي حيث قال عن لسان الإنسان الغافل:
نعمت را خورده عصيان مي كنم نعمت از تو من بغيري مي تنم
(اتمتع بنعماتك ثم أعصيك النعماء كلها منك ولكني اتعلق بغيرك)
إن الله سبحانه وتعالی إنما فضل الإنسان علی سائر الخلق وسخر له ما في السماوات والأرض ليتضرع هو لعبادته ولا ينظر إلا إليه ولا يعبد إلا إياه ولايستعين إلا به وتكون حاله كما قال الشاعر:
بگذر از ياد گل وگلبن كه هيچم ياد نيست در زمين وآسمان جز ذكر حق آباد نيست
(دع عنك ذكری الزهوروذكر الحديقة فلا أذكر شيئاً منهما
فلايبقي عندي في الأرض والسماء إلا ذكر الله)
إن الإنسان الغافل نسي الله تعالی لرعونات نفسه، فلما ترك باب الواحد الأحد صار عبداً ذليلاً لملايين من الناس، وفي هذا يقول الشاعر باللغة الأردية:
ايك در چهوڑ كے ہم ہوگۓ لاكهوں كے غلام
ہم نے آزادي عرفي كا نہ سوچا انجام
(تركنا باباً واحداً فصرنا عبيد الألوف فلم نتفكر في عافية الحرية التي كنا نبغيها.)
وقد أراد الله سبحانه وتعالی أن يحررنا من براثن هذا الرق، فقال عز من قائل: «لا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون»
أي إذا عرفتم أيها الناس أن الله هو الذي أوجدكم من العدم فسواكم ورباكم، خلقكم من نطفة ثم جعلكم إنساناً جميلاً عاقلاً واعياً سميعاً بصيراً ومهد لكم الأرض للحياة وأنزل لكم من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم، فهل يكون له ندّ وشريك يستحق العبادة، كلا! فلا تشركوا به شيئاً وأنتم تعلمون.
فمن أظلم ومن أجهل ممن ترك الله الواحد الصمد وتعلق بغيره واعتمد عليه وخضع له ورجاه.
آنانكه بجر روي تو جاي نگرانند كوته نظرانند چه كوته نظرانند
(الذين يبحثون عن وجه غير وجهك لا ريب أنهم قصارى النظر وما أقصر نظرهم)
الخلاصة أن الدعوة التي ذكرت في هاتين الآيتين هي الدعوة التي بعث الأنبياء عليهم السلام لأجلها، وهي الدعوة إلی التوحيد الخالص، إلی عبادة الله وحده وهذه هي النظرية التي تؤثر في جميع شئون الإنسان عمله وسلوكه وخلقه واجتماعه وتغيير مصيره، فالإنسان الذي يعلم علم اليقين أن الله تعالی هو الخالق المالك المتصرف في الأمور والقدير علی كل شيء، وإنه فعال لما يريد، ولا ينفع شيء ولا يضر إلا باذنه وإرادته، فالإنسان الذي يحمل هذه العقيدة يتوجه إلی الله في جميع أموره في المصيبة والراحة والضيق والسعة ويحصل علی بصيرة يعرف بها حقيقة الأسباب ويتيقن أن الأسباب كلها كغطاء علی قدرة الله، فهو يری يد القدرة الإلهية وراء كل سبب وشيء.
ولو فهم المعجبون بالقوة المادية والمؤمنون بقوة الكهرباء والبخار في الغرب والشرق، لعلموا أن وراء هذه القوة المادية قوة أخرى هي مصدر القوة جميعاً وتلك قدرة الله الأحد الصمد الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه يرجع كل أمر، وهو الذي خلق الكهرباء والبخار وكل قوة نراها ولا يرى هذه الحقيقة إلا ذو بصيرة رزقه الله فهما صحيحاً.
أما الذي يجهل هذه الحقيقة فمثله كمثل بدوي ذهب إلی محطة القطار فوجد رجلاً يحمل علمين أحدهما أخضر والآخر أحمر، كلما تحرك الأخضر تحرك القطار وكلما تحرك الأحمر توقف، فظن هذا البدوي الجاهل أن العلمين هما الذان يسببان حركة القطار ووقوفه، فالناس یضحکون علی هذا البدوي ويقولون إن هذا المسكين لا يدري أن الذي يحرك القطار أو يوقفه هو السائق الجالس في القطار، بل الذي يمعن النظر يقول إن المحرك أو مولد الكهرباء هو الذي يسير القطار، ولولاه لما استطاع السائق تحريكاً أو إيقافاً، فكذلك الإنسان المؤمن الموّحد يعتقد أن الله هو الذي يدبر الأمر ويدير هذا العالم وهو يضحك علی الذين يحكمون علی ظاهر الأشياء ويؤمنون بقوة الكهرباء والآليات. نعم! إن المؤمن البصير يری قدرة الله وراء كل قوة مادية ويعلم أن الله بيده ملكوت كل شيء، وهو الذي خلق الماء والنار والأشياء كلها، وأن مشیئته وحكمه جاريان في الكون كله وفي الأشياء كلها، ونعم ما قال العارف جلال الدين الرومي رحمه الله:
خاك وباد وآب وآتش بنده اند با من وتو مرده با حق زنده اند.
(التراب والريح والماء والنار كلها عبيد له إنها أموات في نظري و نظرك ولكنها أحياء مع الحق.)
لا ينجو الإنسان إلا بفضل الله ورحمته
«لعلكم تتقون»: ومن الجدير بالتدبر أن كلمة «لعل» للترجي وهي تستعمل حيث أن يكون وقوع مدخولها متيقناً، ولكن من البديهي أن نتيجة الإيمان والتوحيد هي النجاة والدخول في الجنة قطعاً كما وعدالله سبحانه وتعالی، فلعل الحكمة في اختيار هذ الأسلوب أن الله سبحانه وتعالی أراد أن يعلّم الإنسان أنه لا ينجو ولا يدخل الجنة بعمله بل بفضل الله وكرمه، فليس التوفيق بالإيمان والعمل الصالح علة للنجاة بل هو علامة لها. ولا يكون إلا ما أراد الله تعالی.
«لعلكم تتقون»: ومن الجدير بالتدبر أن كلمة «لعل» للترجي وهي تستعمل حيث أن يكون وقوع مدخولها متيقناً، ولكن من البديهي أن نتيجة الإيمان والتوحيد هي النجاة والدخول في الجنة قطعاً كما وعدالله سبحانه وتعالی، فلعل الحكمة في اختيار هذ الأسلوب أن الله سبحانه وتعالی أراد أن يعلّم الإنسان أنه لا ينجو ولا يدخل الجنة بعمله بل بفضل الله وكرمه، فليس التوفيق بالإيمان والعمل الصالح علة للنجاة بل هو علامة لها. ولا يكون إلا ما أراد الله تعالی.
عقيدة التوحيد هي التي تضمن الأمن والهدوء في العالم
اعلم أن التوحيد أول ركن أساسي للإسلام، وأن عقيدة التوحيد ليست بنظرية فحسب بل هي عقيدة تحدث انقلاباً في الفكر والعمل وتكوّن الإنسان الكامل وتحل مشكلاته وهي معقل للإنسان في كل حال ودافعة لكل هم وغم، وذلك لأن عقيدة التوحيد توحي وتؤكد أنه لا يحدث شيء في الكون إلا بإذن الله وإرادته ومشيئته، والحوادث كلها مظاهر لقدرة الله وحكمه البالغة.
هر تغيير مین هے غيب كي آواز هر تجدد ميں ہیں ہزاران راز
(نداء الغيب يسمع وراء كل حادث وفي كل تغيير توجد ألوف من الأسرار)
وبديهي أن الذي رسخت في قلبه هذه العقيدة واستولت علی تفكيره وصارت حاله فتصير هذا العالم جنة له وينجو من كل شر وفساد، كيف وهو يعتقد أن الله هو الذي فعل ما شاء وقدر ما أراد، ويتمثل أمام عينيه هذا الواقع الذي أشار إليه الشاعر:
از خدا دان خلاف دشمن ودوست كه دل هر دو در تصرف اوست
(إعلم أن كل ما صدر من العدو أو الصديق فبإذن الله وإرادته لأن قلوبهما بيد الله.)
هذه هي العقيدة التي تجعل الإنسان غنیا وتحفظه من كل خوف وسوء. فيكون حاله كما قال السعدي الشيرازي:
موحد چه بر پاي ريزي زرش چه فولاد هندي نهي بر سرش
اميد وهراسش نباشد زكس همين است بنياد توحيد وبس
(إن الموحد سواء عليه أألقيت علی رجليه الدراهم والدنانير أم سلت عليه المهند، لأنه لا يرجو إلا الله فلا يخاف إلا الله، وهذا هو أساس التوحيد وأصله)، وهذا هو مفهوم كلمة التوحيد، وهذا هو معنى لا إله إلا الله، ولكن لا يعزبنّ عن البال أن الإقرار اللساني بالتوحيد لا يكفي ما لم يقترن به اليقين القلبي واستحضار معنی هذه الكلمة، لأن روح التوحيد أن تراه واحداً لا أن تقر بأنه واحد فقط.
وكم من عبد يقول لا اله إلا الله، وإن المقرين بـ"لا إله إلا الله" كثيرون يتجاوز عددهم الملايين، وازداد عددهم في هذا الزمن فوق ما كان قبل هذا، ولكن أكثرهم يقرون باللسان ولمّا يدخل الإيمان في قلوبهم ولم يصبغوا بصيغة التوحيد، وهذا هو الفرق بينهم وبين سلفهم الصالح. ولو كان هؤلاء مثل سلفهم لما غلب عليهم أحد، ولو كانوا حاملين لعقيدة لا اله إلا الله لما هانوا علی القوی الكبری. ألا ترى نبياً من عباد الله يقوم تجاه الخلق ويتحداهم فيقول: "كيدون فلا تنظرون"، ألا تری صحابة النبي صلی الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان كيف دوّخوا العالم واستولوا علیه في مدة يسيرة، لأنهم كانوا يحملون حقيقة لا إله إلا الله في جنباتهم، وهذا كان سر قوتهم ونجاحهم، فمنحهم الله تعالى ما منح.
مم راق لي
اعلم أن التوحيد أول ركن أساسي للإسلام، وأن عقيدة التوحيد ليست بنظرية فحسب بل هي عقيدة تحدث انقلاباً في الفكر والعمل وتكوّن الإنسان الكامل وتحل مشكلاته وهي معقل للإنسان في كل حال ودافعة لكل هم وغم، وذلك لأن عقيدة التوحيد توحي وتؤكد أنه لا يحدث شيء في الكون إلا بإذن الله وإرادته ومشيئته، والحوادث كلها مظاهر لقدرة الله وحكمه البالغة.
هر تغيير مین هے غيب كي آواز هر تجدد ميں ہیں ہزاران راز
(نداء الغيب يسمع وراء كل حادث وفي كل تغيير توجد ألوف من الأسرار)
وبديهي أن الذي رسخت في قلبه هذه العقيدة واستولت علی تفكيره وصارت حاله فتصير هذا العالم جنة له وينجو من كل شر وفساد، كيف وهو يعتقد أن الله هو الذي فعل ما شاء وقدر ما أراد، ويتمثل أمام عينيه هذا الواقع الذي أشار إليه الشاعر:
از خدا دان خلاف دشمن ودوست كه دل هر دو در تصرف اوست
(إعلم أن كل ما صدر من العدو أو الصديق فبإذن الله وإرادته لأن قلوبهما بيد الله.)
هذه هي العقيدة التي تجعل الإنسان غنیا وتحفظه من كل خوف وسوء. فيكون حاله كما قال السعدي الشيرازي:
موحد چه بر پاي ريزي زرش چه فولاد هندي نهي بر سرش
اميد وهراسش نباشد زكس همين است بنياد توحيد وبس
(إن الموحد سواء عليه أألقيت علی رجليه الدراهم والدنانير أم سلت عليه المهند، لأنه لا يرجو إلا الله فلا يخاف إلا الله، وهذا هو أساس التوحيد وأصله)، وهذا هو مفهوم كلمة التوحيد، وهذا هو معنى لا إله إلا الله، ولكن لا يعزبنّ عن البال أن الإقرار اللساني بالتوحيد لا يكفي ما لم يقترن به اليقين القلبي واستحضار معنی هذه الكلمة، لأن روح التوحيد أن تراه واحداً لا أن تقر بأنه واحد فقط.
وكم من عبد يقول لا اله إلا الله، وإن المقرين بـ"لا إله إلا الله" كثيرون يتجاوز عددهم الملايين، وازداد عددهم في هذا الزمن فوق ما كان قبل هذا، ولكن أكثرهم يقرون باللسان ولمّا يدخل الإيمان في قلوبهم ولم يصبغوا بصيغة التوحيد، وهذا هو الفرق بينهم وبين سلفهم الصالح. ولو كان هؤلاء مثل سلفهم لما غلب عليهم أحد، ولو كانوا حاملين لعقيدة لا اله إلا الله لما هانوا علی القوی الكبری. ألا ترى نبياً من عباد الله يقوم تجاه الخلق ويتحداهم فيقول: "كيدون فلا تنظرون"، ألا تری صحابة النبي صلی الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان كيف دوّخوا العالم واستولوا علیه في مدة يسيرة، لأنهم كانوا يحملون حقيقة لا إله إلا الله في جنباتهم، وهذا كان سر قوتهم ونجاحهم، فمنحهم الله تعالى ما منح.
مم راق لي