أخرجوهم من حيث أخرجوكمأبو سعد العاملي
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اهتدى بهديهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين، وبعد
لا أظن أنه قد حصل إجماع لأهل الباطل في التاريخ كله، لمحاربة أهل الحق ،كما حصل في هذا الزمان ، وبالتحديد في الأشهر الأخيرة أي بعد انفجارات ما اصطلح عليه بانفجارات 11 سبتمبر بأمريكا.
وقد جاء ذلك بعد استتباب الأمن في أفغانستان وقيام دولة الإسلام فيها وإعلان حكومة طالبان تحديها للعالم كله بتطبيق تعاليم الإسلام والاستمرار قدماً في إيواء ونصرة الفارين بدينهم، وكل الغرباء في عالمنا الإسلامي، القابضين على دينهم كالقابضين على الجمر.
فمنذ أن تحولت أفغانستان إلى ملاذ آمن لهؤلاء المجاهدين، وفئة كل مسلم صادق يبتغي وجه الله ويسعى إلى العيش تحت ظل شرعه، سارعت دول الكفر بمساعدة من المرتدين والمنافقين وضعاف النفوس إلى شد الخناق على الإمارة الإسلامية، فجمعت الجموع وأعدت العدة والعتاد وأخرجت كل ما في جعبتها من أسلحة الدمار التي جربت والتي لم تُجرّب من قبل، لاستئصال شأفة هذه الدولة المباركة وطمعاً في إخماد نور الله في نفوس المسلمين وفتنتهم عن دينهم
فما أشبه اليوم بأمس الإسلام الأول، وما أسرع تداول الأيام بين الناس، وهاهي الأمة الوسط تعيش غربتها من جديد ،وهاهي أحزاب الباطل تجمع كيدها ومكرها لمواجهة هذه الفئات المجاهدة، وهاهي الآيات القرآنية تقرع آذاننا وكأنها تتنزل علينا من جديد.
{ وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل، ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه ، فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين، فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم ، وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين }.
يقول ابن كثير : قال أبو جعفر الرازي عن الربيع ابن انس عن أبي العالية في قوله تعالى
{ وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم } قال : هذه أول آية نزلت في القتال بالمدينة ، فلما نزلت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتل من قاتله ويكف عمن كف عنه حتى نزلت سورة براءة.
وقوله { ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين } أي قاتلوا في سبيل الله ولا تعتدوا في ذلك ويدخل في ارتكاب المناهي كما قاله الحسن البصري من المثلة والغلول وقتل النساء والصبيان والشيوخ الذين لا رأي لهم ولا قتال فيهم والرهبان وأصحاب الصوامع وتحريق الأشجار وقتل الحيوان لغير مصلحة كما قال ذلك ابن عباس وعمر بن عبد العزيز ومقاتل بن حيان وغيرهم، وقد جاء في صحيح مسلم عن بريدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول " أغزوا في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله ، أغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا الوليد ولا أصحاب الصوامع " رواه الإمام أحمد.
فأين أعداؤنا من كل هذه الحدود والأدبيات في القتال ، لقد عملوا بعكس هذا تماماً، حيث روّعوا النساء والأطفال والشيوخ وقتلوهم بعد أن هتكوا أعراض النساء وهدّموا المساجد على المصلين وأحرقوا المزارع والأشجار، حينما عجزوا عن مواجهة الرجال المجاهدين، فلجأوا إلى أساليب الجبناء بالرغم من تفوقهم العسكري والمادي .
{واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم} أي لتكون همتكم منبعثة على قتالهم كما همتهم منبعثة على قتالكم وعلى إخراجهم من بلادهم التي أخرجوكم منها قصاصاً ، وقوله تعالى { والفتنة أشد من القتل} ولما كان الجهاد فيه إزهاق النفوس وقتل الرجال، نبه تعالى على أن ما هم مشتملون عليه من الكفر بالله والشرك به والصد عن سبيله أبلغ وأشد وأعظم وأطم من القتل ولهذا قال { والفتنة أشد من القتل }، قال أبو العالية ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة والحسن وقتادة والضحاك والربيع بن أنس : أي الشرك أشد من القتل.
{واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل}.
إن الفتنة عن الدين اعتداء على أقدس ما في الحياة الإنسانية، ومن ثم فهي أشد من قتل النفس وإزهاق الروح وإعدام الحياة ، ويستوي أن تكون هذه الفتنة بالتهديد والأذى الفعلي أو بإقامة أوضاع فاسدة من شأنها أن تضل الناس وتفسدهم وتبعدهم عن منهج الله، وتزين لهم الكفر به أو الإعراض عنه..وأكرم ما في الإنسان حرية الاعتقاد، فالذي يسلبه هذه الحرية ويفتنه عن دينه ، فتنة مباشرة أو بالواسطة يجني عليه ما لا يجني عليه قاتل حياته ، ومن ثم يدفعه بالقتل ، لذلك لم يقل { وقاتلوهم} إنما قال{واقتلوهم}..
{واقتلوهم حيث ثقفتموهم } أي حيث وجدتموهم، في أية حال كانوا عليها، وبأية وسيلة تملكونها – مع مراعاة أدب الإسلام في عدم المثلة أو الحرق بالنار –.
والكفار في هذه الأيام يقاتلون المسلمين المجاهدين ويقتلونهم بشتى الوسائل والطرق التي لا تخطر على بال بشر، مخالفين بذلك كل الأعراف والقوانين الوضعية والمنزلة، لا يرقبون فيهم إلاًّ ولا ذمّة، ولا يراعون في ذلك حرمة ولا حدوداً ولا آداباً ، ومن هنا كان لزاماً وواجباً على هؤلاء المسلمين المجاهدين أن يعملوا بهذه الآيات، ويترصدوا هؤلاء الكفار ويقاتلوهم ويقتلوهم حيث ثقفوهم، ولا تأخذهم بهم رأفة في دين الله.
ينبغي إخراجهم من حيث أخرجوكم، أخرجوكم من دياركم بقوة السلاح وشردوكم في شعاب الجبال والصحاري والقفار أنتم وأهلوكم المستضعفين، ومن بقي منكم في هذه الديار قتلوهم ودمروا عليهم بيوتهم وأحرقوا مزارعهم وأمتعتهم وقتلوا بهائمهم .
وفتنوهم عن دينهم بعدما كانوا آمنين في ديارهم، فلا يستطيعون أن يعبدوا ربهم ولا أن يطبقوا شرائع دينهم، فهل بعد هذه الفتنة ما هو أشد وأدهى وأمر على المؤمن؟ وما قيمة هذه الحياة يا ترى إن لم يستطع المؤمن أن يعبد ربه ويطبق دينه ؟ إن الموت حينئذ يصير أهون وأفضل عنده من هذا العيش الذليل تحت سيطرة الكفر وبقيادة المرتدين.
هذا ما فعلته أحزاب الكفر لإخواننا في أفغانستان والشيشان وكشمير وفلسطين، أما الحكام المرتدون – الذين يعتبرون الوجه الثاني للكفار الأصليين وطابورهم الخامس في الداخل – فقد شردوا إخواننا المجاهدين وحرموهم من أهليهم وذويهم ومن حق ممارسة شعائر دينهم فضلاً عن أداء واجب الدعوة إلى الله أو بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
{ فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم} والانتهاء الذي يستأهل غفران الله ورحمته هو الانتهاء عن الكفر، لا مجرد الانتهاء عن قتال المسلمين أو فتنتهم عن الدين ، فالانتهاء عن قتال المسلمين وفتنتهم قصاراه أن يهادنهم المسلمون ولكنه لا يؤهل لمغفرة الله ورحمته ، فالتلويح بالمغفرة والرحمة هنا يقصد به إطماع الكفار في الإيمان لينالوا المغفرة والرحمة بعد الكفر والعدوان.
{ وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين} يقول سيد رحمه الله في ظلاله :"وإذا كان النص – عند نزوله – يواجه قوة المشركين في شبه الجزيرة ، وهي التي كانت تفتن الناس وتمنع أن يكون الدين لله ، فإن النص عام الدلالة، مستمر التوجيه، والجهاد ماض إلى يوم القيامة ، ففي كل يوم تقوم قوة ظالمة تصد الناس عن الدين وتحول بينهم وبين سماع الدعوة إلى الله والاستجابة لها عند الاقتناع والاحتفاظ بها في أمان، والجماعة المسلمة مكلفة في كل حين أن تحطم هذه القوة الظالمة وتطلق الناس أحراراً من قهرها، يستمعون ويختارون ويهتدون إلى الله.
وهذا التكرار في الحديث عن منع الفتنة بعد تفظيعها واعتبارها أشد من القتل، هذا التكرار يوحي بأهمية الأمر في اعتبار الإسلام، وينشئ مبدءاً عظيماً يعني في حقيقته ميلاداً جديداً للإنسان على يد الإسلام ، ميلاداً تتقرر فيه قيمة الإنسان بقيمة عقيدته ، وتوضع حياته في كفة وعقيدته في كفة أخرى ، فترجح كفة العقيدة ، كذلك يتقرر في هذا المبدأ من هم أعداء الإنسان ، إنهم أولئك الذين يفتنون مؤمناً عن دينه، ويؤذون مسلماً بسبب إسلامه ، أولئك الذين يحرمون البشرية أكبر عنصر للخير ويحولون بينها وبين منهج الله ، وهؤلاء يجب على الجماعة المسلمة أن تقاتلهم وأن تقتلهم حيث وجدتهم { حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله} وهذا المبدأ العظيم الذي سنه الإسلام في أوائل ما نزل من القرآن عن القتال ما يزال قائماً، وما تزال العقيدة تواجه من يعتدون عليها وعلى أهلها في شتى الصور..وما يزال الأذى والفتنة تلم بالمؤمنين أفراداً وجماعات وشعوباً كاملة في بعض الأحيان..وكل من يتعرض للفتنة في دينه والأذى في عقيدته في أية صورة من الصور وفي أي شكل من الأشكال ، مفروض عليه أن يقاتل وأن يقتل وأن يحقق المبدأ العظيم الذي سنه الإسلام فكان ميلاداً جديداً للإنسان.
فإذا انتهى الظالمون عن ظلمهم وكفوا عن الحيلولة بين الناس وربهم، فلا عدوان عليهم ، أي لا مناجزة لهم ، لأن الجهاد إنما يوجه إلى الظلم والظالمين ." انتهى.
فما أحوجنا إلى هذه التوجيهات الربانية، لكي نرفع عن أنفسنا هذا الظلم والقهر والاعتداء المستمر ، وما أحوج أمتنا إلى هذه الفئات المجاهدة الصابرة المرابطة على هذه الثغور الوعرة، وفي مواجهة هذه الأحزاب المتعددة المشارب والعقائد، ولكنها متحدة على اسئصال شأفة هذا الدين وإبادة هذه العصابات المجاهدة عن آخرها ،تلك أمنيتهم ، وذلك هو هدفهم ، ولكننا عندنا الخبر اليقين والصورة الكاملة وحقائق خفية لا يراها غيرنا ، ولا يمكن أن يؤمن بها إلا من أشرب في قلبه حب الله ورسوله، والشوق إلى لقائهما، هناك في العالم الأخروي ، في مقعد صدق عن مليك مقتدر.
بقلم: أبو سعد العاملي
منقول لكم للفائدة