الثبات على الدين
الكاتب : نبيل العوضي
- الثقة بنصر الله والمستقبل لهذا الدين يجب أن تملأ قلب كل مؤمن
جاء رجل من اليهود إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال:" آية في كتابكم تقرؤونها لو نزلت علينا معشر يهود لاتخذنا ذلك اليوم عيدا!! فقال عمر: وأي آية؟ قال اليهودي: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة:3] فقال عمر رضي الله عنه: إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه والمكان الذي نزلت فيه، نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة في يوم الجمعة وهو عيد عندنا.
إن الله جل وعلا قد أرسل الرسل وأنزل الكتب على البشر ليقيم عليهم الحجة {رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّـهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّـهُ عَزِيزًا حَكِيمًا } [النساء:165] وجعل خير الأنبياء وسيدهم خاتما لهم، ووعد الله أن يحفظ كتابه من التحريف والنسيان الى آخر الزمان، وجعل هذا الدين وهو الاسلام صالحا لكل زمان ومكان، ووعد عباده بأن يتم هذا النور حتى لا يدع بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين بعز عزيز او بذل ذليل.
لقد بدأ الاسلام غريبا وسيرجع كما بدأ غريبا فطوبى للغرباء، ولهذا وصى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالتمسك بالأعمال الصالحة والتسابق إليها آخر الزمان فهي الملجأ من الفتن، قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم «بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا». [صحيح]
والإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله للبشر ولن يقبل الله ديناً سواه { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85]، هذا الدين له أنصاره ودعاته الذين ضحوا في صدر الإسلام بأرواحهم وأموالهم، ولن يمر يوم إلا وطائفة من هذه الأمة تذود عن دين الله وتنصره، قد يخالفها الناس وقد يخذلونها لكنها لا تبالي إلا برب البشر، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم «لاتزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك» [صحيح]، وقد يرى هؤلاء وغيرهم من أهل الإيمان أياما سميت (أيام الصبر) ومع هذا فهم ثابتون على الحق باقون «القابض فيه على الدين كالقابض على الجمر» فلله درهم.
إن المؤمن يخاف دوما من عدم الثبات ويسأل الله دوما أن يثبته على الدين { رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران:8] وكان من أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم «اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك» ومن يرى أحوال الناس اليوم يخاف على نفسه الفتنة، ويكثر من الدعاء بالثبات، ويحافظ على تلاوة القرآن وفهمه وتدبره { كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ۖ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} [الفرقان:32] ويلتزم الأعمال الصالحة ويكثر منها { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} [النساء:66]، وما أجمل قراءة قصص الانبياء وسيرهم والتأسي بهم خصوصا في مثل زماننا هذا {كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ۖ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} [الفرقان:32] و«ذكر الله» والإكثار منه يثبت المؤمن على الدين وان كان أمام العدو {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّـهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال :45].
إن الثقة بنصر الله وأن المستقبل لهذا الدين لابد ان يملأ قلب كل مؤمن، فمهما تكالب الأعداء على أمتنا فان الله غالب على أمره، ولهذا وصف الله أتباع الأنبياء بالثقة بالنصر وعدم الوهن مهما أصابهم من أذى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّـهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [آل عمران :146]، وفي حديث حذيفة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «تكون النبوة فيكم ما شاء الله ان تكون ثم يرفعها اذا شاء ان يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم يرفعها اذا شاء ان يرفعها، ثم تكون ملكا عاضا ما شاء الله ان تكون ثم يرفعها اذا شاء ان يرفعها، ثم تكون ملكا جبريا ما شاء الله ان تكون ثم يرفعها اذا شاء ان يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة».إننا اليوم في أمس الحاجة لتعلم الدين وأصوله وأحكامه عقيدة وشريعة وتعليمها لأبنائنا وبناتنا وأهلينا، فالعلم سلاح المؤمن في زمان الفتنة، والعلم بالقرآن وتدبره وفهمه والعلم بالسنة وما فيها من أشرف العلوم وأجلها، فما أروع أن يتعلم المسلم معنى «لا إله الا الله» ويعلم شروطها وأدلتها، ويعلم معنى «محمد رسول الله» وما يدخل تحتها وما يبنى عليها، وكلما تعلم العبد تلك العلوم وغاص في المعاني علم حاجته الى تلك العلوم وأرتفع عند الله في الايمان درجات { يَرْفَعِ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة:11].الاختلاف في الدنيا سنة ماشية وطبيعة بشرية { وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ } [هود:118] وقد يختلف الناس على صغائر الأمور وقد يختلفون على عظائمها، قد يختلفون في الفروع وقد يختلفون على الأصول، ولكن المؤمن يدعو ربه أن يهديه لما أختلف فيه من الحقب إذنه وسوف يعلم الناس جميعا في يوم من الأيام من كان على الحق ومن كان على خلافه، ففي ذلك اليوم سيجتمع الخلائق عند الواحد القهار ويحكم الله بينهم فيما كانوا فيه يختلفون، أسأل الله تعالى ان يثبتنا على دينه، والا يميتنا إلا على الإسلام، وأن يحسن لنا الختام، وأن يجمعنا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، آمين.
بتصرف يسير
بوركتم اختكم
عاشقة نابلس
تعليق