البرد والشفاء في إقامة الحد على العملاء
بقلم:ديما عايدية
بعد إعلان الحكومة في غزة عن فتح باب التوبة للعملاء واستقبالهم بسرية تامة و بعد تنفيذ حكم الإعدام بعدد من العملاء-عليهم ما يستحقون- سمعنا صدوراً فرجت همومها بتطبيق حكم الله فاستراحت واستكانت، و من الجهة الأخرى صاحت أصوات نشاز كانت تراهن على أمر لا يجوز العبث به و لا تجاوزه.
إن تنفيذ حكم الله تعالى و إقامة الحدود الشرعية من أوجب الواجبات التي يجب أن تقام وتطبق في الإسلام، ولا يمكن أن يتغاضى عنها ولي الأمر لحجة أو لأخرى، فالحد حد، قال تعالى (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
وما شرعها الله تعالى إلا لما فيها من شفاء لما في الصدور من غل وحقد تجاه الجاني، كذلك إنها تترك درساً و عبرة لمن تسول له نفسه أن يقوم بما قام به غيره فنال عقابه، فكيف إذا كان الجرم تجسساً وعمالة؟ فيه بيع للدين والوطن والعرض والأرض!! وفيه معصية لأمر الله تعالى ونهية عن التجسس في قوله تعالى: "وَلا تَجَسَّسُوا".
جرت سنة الله في خلقه أن يكون في كل شعب خونة يبيعون آخرتهم بدنياهم، ويبيعون أمتهم لأعدائهم، حتى في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كان هناك منافقون (أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ ).
وقد أفتى العلماء المتقدمون والمتأخرون بأن الجاسوس مرتد عن الإسلام كافر يجب قتله،فقد روي عن الإمام مالك رضي الله عنه قوله: "الجاسوس المسلم الحكم الشرعي فيه القتل".
وقد قال تعالى: "إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ"
أما القول بأن رئيس الدولة هو من يحكم في القصاص ويأمر بإقامة الحد، وأن الحكومة في غزة هي حكومة غير شرعية لا يجوز لها إصدار مثل هذه الأحكام فإن الرد عليهم بالقول إن مثل هذه الأحكام لا تولد في يوم وليلة ولا تؤخذ في دقائق ولحظات، بل هي نتاج جهة كبيرة بذلت كل جهدها وطاقتها لأجل أن تطبق حكم الله تعالى، وتعلم علم اليقين أنه يجب التأني في إصدار الحكم، لأن القاضي مثلاً عندما يريد أن ينظر في قضية شرعية فإنه يؤجلها عدة مرات لكي يجمع الأدلة الكافية قبل النطق بالحكم.
أخرج أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجة والحاكم عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" القضاة ثلاثة اثنان في النار وواحد في الجنة: رجل علم الحق فقضى به فهو في الجنة، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار، ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار ".
ومن جهة أخرى لا يجب أن تترك هذه الفئة الضالة والخارجة من شعبنا والتي باعت دينها ودنياها بثمن بخس لبني صهيون تصول وتجول وتعيث في الأرض فساداً بحجة أنه لا يجب أن نقيم عليهم الحد لأن الحكومة غير شرعية (بزعمهم).
إنها شفاء لما في الصدور، برد وأمان لغليل ونار الجريمة وكذلك هي نصرة للحق و للشهداء الذين تربص لهم العدو بسبب عمالة ابن جلدتهم.
وما موقف الحكومة الشرعية اليوم إلا تعزيزاً لحدود الله جل في علاه، وفتح باب التوبة هو أكبر دليل على حرص أصحاب الشأن على أبناء الوطن، واهتمامهم بأفراده و هذه اليد الممدودة لمن سولت أو تسول له نفسه أن يقع في شباك العدو تنتظر من يأتيها ليتوب، فالله غفار الذنوب، رحيم بعبادة أرحم من الأم بولدها، وشفاء لمرضى القلوب، و مادامت السرية موجودة وحقوق التوابين محفوظة فما بال النفس لا تعود ولا تطمع برضا الله وترك ما يغضبه ويوجب عقابه؟! ومابالها لاتبرد برحمة الله؟
" قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ، قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ".
فرصة مفتوحة، وما على المذنبين إلا التوبة، وبعدها لن يندم التائب أبداً، "فاستغفر ربه وخر راكعاً وأناب فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ".
تعليق