بسم الله الرحمن الرحيم
محمد إسماعيل أحمد سويدان
إمام مسجد الأبرار محافظة خان يونس
إمام مسجد الأبرار محافظة خان يونس
خطبة بعنوان
قبل أن لا ينفع الندم حق الأبناء على الآباء
قبل أن لا ينفع الندم حق الأبناء على الآباء
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات اعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له خلق الخلائق فأتقن ما صنع , وشرع الشرائع فأحسن ما شرع , لاما نع لما أعطى ولا معطي لما منع , واشهد أن محمدا عبد الله ورسوله أقام صرح الفضيلة ورفع , ودفع أسباب الرذيلة ووضع , صلى الله عليه وعلى اله الطيبين الطاهرين أهل التقى والحياء والورع , وسلم تسليما كثيرا .
" يا أيها الذين امنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وانتم مسلمون "
يا أيها الذين الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا "
يا أيها الذين امنوا تقوا الله وقولا قولا سديدا , يصلح لكم أعمالكم , ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما "
إن اصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار
أما بعد :
قبل أن لا ينفع الندم حق الأبناء على الآباء
فانه ما من عبد إلا وانعم الله عليه بنعم عظيمة وكانت من أهم النعم التي انعم الله بها على الناس ألا وهي الأبناء قال ربنا جل وعلا " المال والبنون زينة الحياة الدنيا "
وقال ربنا جل وعلا " زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين "
إذا فالأبناء زينة انعم الله بها على الآباء وهبة وهبها الله لهم الم تسمع قول الله جل وعلا " لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور "
ولذلك هذه الزينة وهذه النعمة إن لم تصنها بحق الله وطاعته وتربيتها على المنهج الصحيح والعقيدة السليمة فإنها ستكون وبالا عليك
وقد عني الإسلام بتربية الأبناء عناية عظيمة اسمع قول الله جل وعلا " يوصيكم الله في أولادكم "
وقال ربنا جلا وعلا " يا أيها الذين امنوا قوا أنفسكم واهليكم نارا وقودها الناس والحجارة "
إذا هي وصية من الله عز وجل لعباده والوصية عندما تأتي من العبد لأخيه أو ابنه فانه يجب على الولي بعد ذلك الوفاء وتنفيذ الوصية وإلا كان الولد آثما وعاقا إن لم ينفذ ما أمره به والده سواء في حياته أو بعد مماته ولله المثل الأعلى فان الله لما أوصانا معاشر المسلمين فانه أمرنا أن نربي أبناءنا ونعدل فيما بنهم
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم " ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة "
وقال أيضا : إن الله سائل كل راع عما استرعاه الله أحفظ ذلك أم ضيع " رواه النسائي
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم أيضا : " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته والرجل راع في بيته ومسئول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها "
إذا هذه أحاديث تنذر من أهمل تربية أبنائه وتحذرهم من التساهل في تربية الأبناء واسمع الإمام ابن القيم ماذا يقول : " وكم ممن اشقي ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله ولده وتركه تأديبه وهو يظن انه يرحمه وهو يظلمه وانه يكرمه وهو يهينه ففاته انتفاعه بولده وفات عليه حظه في الدنيا والآخرة وإذا اعتبرت فساد الأولاد رأيت عامته من الآباء
وان الرسول صلى الله عليه وسلم رغب في تربيتهم والإحسان إليهم فقال : " لئن يؤدب الرجل ولده خير له من أن يتصدق بصاع " رواه الترمذي
وقال أيضا ما نحل والد والدا خير من أدب حسن "
وقال صلى الله عليه وسلم : " من رزق بثلاث بنات فأدبهن فأحسن تأديبهن كن له حجابا من النار "
هذا حديث للذين اعترضوا على قدر الله وكان مثالهم كما قال الله تبارك وتعالى : وإذا بشر احدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يزرون "
كيف تعترض على قدر الله والله قد وهبها لك " يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور " إلى من اعترض على هبة الله فيتب إلى الله قبل أن لا ينفع الدم
أيضا وليس أدل على ذلك من الخيرات الحسان , وما يجلبه الوالد يوم أن ربى ابنه على القران , فكان الولد شفيعا له يوم القيامة ويلبس تاج الوقار وشفاعة الأبناء الصالحين لآبائهم ثابتة إكراما للوالدين يوم أن ربوا أبناءهم على الصالحات على موائد القران وأبعدوهم عن الفضائيات المدمرة والأفكار الهدامة فنشا الأبناء صالحين وكل من انتفع بولدك يامسلم فهو في ميزان حسناتك إلى يوم الدين
فيا أيها الأب الغالي ويا أيتها الأم الغالية كونوا عونا لأبنائكم علموهم ما ينفعهم في الدنيا والآخرة ولا تكونوا خصماء لا تعاتبوهم وتؤنبوهم على الصغيرة والكبيرة فتلكن قلبونا واسعة لأبنائنا نقنعهم نعلمهم نربيهم وندعو لهم بالصلاح والفلاح واحذر كل الحذر أن تدعو على ولدك إياك إياك لربما توافق دعوتك ساعة إجابة وحينها لا ينفع الندم
ذكر أبو نعيم في الحلية عن رجل زار صديقا له وكان عنده بنتا صغيرة في حجمها كبيرة في عمرها
فسأله عنها وعن سبب ما هي فيه فقال الرجل " يوم أن كان عمرها 5 سنوات وكنت اتوضا فجاءت وسكبت الماء على فقلت لها آنذاك قطع الله سنك فوافقت ساعة إجابة وهي الآن تكبر في عمرها لكن جسمها لا يتغير "
أيضا أوصيك أيها الأب الغالي إن لا تغلظ على أبنائك ولا تترك لهم الحبل على الغارب فكن بين هذا وذاك تابعهم في دروسهم اسأل عنهم في مدارسهم قم بتشجيعهم على حفظ القران لتفوز بخيري الدنيا والآخرة
واليك بعضا من الصور المشرقة في تربية السلف لأبنائهم
الإمام سفيان الثوري وما أدراك ما سفيان الثوري انه فقيه العرب ومحدثهم انه أمير المؤمنين في الحديث أتدرون من كان خلفه ومن علمه وأدبه انه أمه واسمع ماذا تقول له " يا بني اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي " بل إنها كانت تنصحه وتعلمه فتقول : " يا بني إن كتبت عشرة أحرف فانظر هل ترى في نفسك زيادة في خشيتك ووقارك فان لم تر ذلك فاعلم أنها تضرك ولا تنفعك "
أيضا وهذا العلامة الفقيه الحبر الذي دنت له قطوف الحكمة محمد بن إدريس الشافعي أيضا كانت أمه خلفه تعلمه وتوقظه للصلاة وتحفزه لطلب العلم فكان احد أئمة الدنيا الأربعة
وهكذا مثالهم كثير ممن انتبهوا لأبنائهم وربوهم على الهدى والتقى والعلم الصحيح
واختم بهذه القصة والتي نقلتها عن احد الدعاة الموثوقين في السعودية يقول:
كان عندنا شيخ اسمه الشيخ سليمان وكان يحفظ القران في المسجد يقول الشيخ سليمان بينما وأنا اعلم الأطفال القران لاحظت طفلا في الخامسة عشر من عمره ينظر إلينا بشغف كبير فعزمت على أن اذهب إليه وادعوه للانضمام للحلقة ففعلت وبدا هذا الولد في الحفظ وكان نشيطا جدا في الحفظ لكنني لا حظت عليه شرود البال كان فخرجنا ذات يوم في رحلة فانطلق الأولاد يلعبون ويمرحون وهو جالس بعيدا عنهم لوحده ويبكي فذهبت إليه وجلست معه وسألته عن سر بكائه فانظروا ماذا قال , قال ياشخ والله إني أحبكم وأحب أهل القران واتنمى أن أكون معكم لكن والدي يمنعني ويضربني فقال الشيخ عزمت على أن اذهب لوالده وعندما طرقت الباب فتح والده الباب وقال لي أنت الشيخ الذي يعلم ابني خالد القران قلت نعم قال فجذبني من ثيابي وتفل في وجهي ثم دفعني بقوة وقل إياك أن تجلس مع خالد يقول الشيخ سليمان فانقطع الولد عن حلقة التحفيظ وانتقلوا للعيش في قرية أخرى ومرت السنوات ولم أرى فيها خالد وذات يوم أصلي في مسجد من المساجد وإذا بي أحس بيد غليظة على كتفي فالتفت فإذا هو والد ذاك الولد خالد فسلمت عليه وسالت عن حاله وعن حال ابنه خالد فقال وهو يبكي خالد ليس كما كنت تعرف خالد تغير وأصبح شابا تعرف على رفقاء سوء فتعلم شرب الدخان والمخدرات وأصبح يشتمني ويضربني وأنا أبوه فرد عليه الشيخ قائلا والعبرة تخنقه : " يا عم ذاك زرعك وهذا حصادك " أنت الذي منعته عن القران وعن الرفقاء الصالحين قال مرت الأيام وذات ليلة خرجت بسيارتي في ساعة متأخرة لأحضر الدواء لأحد ابنائي فمررت على منزل ذاك الشاب خالد فلاحظت وجود سيارات الشرطة على الباب فاقتربت من البيت فوجدت أخاه الأصغر يبكي على الباب فسألته فقال لي رجع خالد متأخرا وهو سكران من اثر المخدرات فطرق الباب فخرج والدي ورفض أن يدخله فحاول أن يدخل ويدفع أبي بيديه ويشتمه فاخرج والدي عصاة وضرب بها خالد فاخرج خالد خنجرا كان معه وطعن والدي عدة طعنات وهو الآن في المستشفي يقول الشيخ سليمان وفي اليوم التالي توفي والد خالد وهو الآن في قبره يسال وأما خالد فيعض أصابع الندم في سجنه ولكن هيهات أن ينفع الندم
بارك الله لي ولكم في القران الحكيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم
تعليق