عايشت المعاناة الرهيبة التى يعانيها مريض الكبد ،ورأيت بأم عينى ما تفعله مضاعفات هذا المرض الفتاك بجسد المريض؛ بين آلام رهيبة تفوق الاحتمال، ودماء غزيرة يلفظها الجسد المنهك، والكبد المتهتكة وبين غياب للعقل أثناء الغيبوبة الكبدية، يهذى فيها المريض هذيانا أليما، ينتزع العبرات من مآقى الملتفين حوله من الأهل والأصحاب، وبين انتفاخ البطن المريع وتضخم القدم الذى يعز معه لبس النعال، والهزال الشديد الذى يُلجأ صاحبه إلى فراشه لا يستطيع حراكا؛ بل لا يستطيع التقلب من شق إلى شق إلا بمساعدة الآخرين؛ بل تتوقف كل أجهزة الجسم؛ فلا إخراج إلا بالحقن الشرجية، ولا طعام ولا شراب إلا بالأجهزة الطبية، ولا نوم ولا راحة.علمت هنا لماذا عدّ النبى صلى الله عليه وسلم المبطون فى منزلة الشهداء، فقد روى البخارى ومسلم فى صحيحيهما عن أبى هريرة - رضى الله عنه- أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:"الشهداء خمسة: المطعون والمبطون والغرق وصاحب الهدم والشهيد فى سبيل الله" قال النووى رحمه الله فى شرح مسلم: "وأما المبطون فهو صاحب داء البطن وهو الإسهال.قال القاضى وقيل هو الذى به الاستسقاءوانتفاخ البطن وقيل هو الذى تشتكى بطنه وقيل هو الذى يموت بداء بطنه مطلقا انتهى " عشت وسط هذا الأجواء الرعيبة كل يوم يسقط أحد أصدقائى او أقاربى أو زملائى فى العمل بكل صدق والله يعلم أننى لاأبالغ لا يمر أسبوعا إلا وأسمع عن فلان من مدينتا الصغيرة وما يحيط بها من قرى قد سقط بمرض الكبد ليسوا شيوخا طاعنين بل شبابا يافعين، أنها مأسأة محافطتى المنكوبة بالانتشار المريع لمرض فيروسات الكبد الوبائية بى وسى، هذان الفيروسان الشرسان اللذان هاجما أكبادا مثقلة بسموم ومبيدات قاتلة حشيت بها أقوات المسلمين، تنوء بها الأكباد السليمة فزادتها وهنا على وهن، وزيارة سريعة لمركز الكبد بمحافظتى المنكوبة تبين مقدار الكارثة ؛طوابير اللاهثين وراء العلاج بالإنترفيرون المُنهك والغير مضمون النتائج ناهيك عن الغرف المليئة بالأشباح البشرية التى تليفت أكبادهم ولا يجدى معهم أى علاج، كان آخر ضحايا هذه المأساة، رجلا من الذين أخلصوا فى عملهم وتفانوا فيه كان فى أوج نضجه وفى قمة عطائه تجاوز الخمسين من عمره بقليل إنه ناظر مدرسة الأمل للصم ببلطيم الذى حمل مشروع إنشاء المدرسة على عاتقه؛ حتى أصبحت من أنجح مدارس التربية الخاصة بمحافظة كفر الشيخ كان يقضى فى المدرسة من الوقت ما لا يقضيه وسط أهله وأبنائه. آخر من يترك المدرسة ليريح جسده الضعيف ؛الذى أنهكه المرض، وسرعان ما يعود مساء، يتفقد أحوال تلاميذ القسم الداخلى، يطعم جائعهم، ويطمأنّ على مريضهم، ولا يعود إلى بيته إلا إذا أوى كل تلميذ أصم إلى فراشه، أنه الأستاذ طلبة صالح مواطن مصرى أصيل لا يعرفه كثير من الناس، لكنه يمثل نموذجا للإخلاص فى العمل، والتفانى من أجل هذه الفئة من التلاميذ، يسعد حينما يرى طالبا منهم يتقدم فى سباق فنى أو رياضى و كان دائما يردد قول الله تعالى وقد أغرورقت عيناه بالدموع "هذا خلق الله فأرونى ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون فى ضلال مبين" لقمان 11 نسأل الله عز وجل أن يجعل مرضه وإخلاصه فى عمله فى ميزان حسناته وأن ينزله منازل الشهداءوأن يشمله برحمته التى وسعت كل شئ وأن يرفع عنا هذا البلاء وحسبنا الله ونعم والوكيل
إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
ناظرى الشهيد ومحافطتى المنكوبة
تقليص
X
-
ناظرى الشهيد ومحافطتى المنكوبة
عايشت المعاناة الرهيبة التى يعانيها مريض الكبد ،ورأيت بأم عينى ما تفعله مضاعفات هذا المرض الفتاك بجسد المريض؛ بين آلام رهيبة تفوق الاحتمال، ودماء غزيرة يلفظها الجسد المنهك، والكبد المتهتكة وبين غياب للعقل أثناء الغيبوبة الكبدية، يهذى فيها المريض هذيانا أليما، ينتزع العبرات من مآقى الملتفين حوله من الأهل والأصحاب، وبين انتفاخ البطن المريع وتضخم القدم الذى يعز معه لبس النعال، والهزال الشديد الذى يُلجأ صاحبه إلى فراشه لا يستطيع حراكا؛ بل لا يستطيع التقلب من شق إلى شق إلا بمساعدة الآخرين؛ بل تتوقف كل أجهزة الجسم؛ فلا إخراج إلا بالحقن الشرجية، ولا طعام ولا شراب إلا بالأجهزة الطبية، ولا نوم ولا راحة.علمت هنا لماذا عدّ النبى صلى الله عليه وسلم المبطون فى منزلة الشهداء، فقد روى البخارى ومسلم فى صحيحيهما عن أبى هريرة - رضى الله عنه- أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:"الشهداء خمسة: المطعون والمبطون والغرق وصاحب الهدم والشهيد فى سبيل الله" قال النووى رحمه الله فى شرح مسلم: "وأما المبطون فهو صاحب داء البطن وهو الإسهال.قال القاضى وقيل هو الذى به الاستسقاءوانتفاخ البطن وقيل هو الذى تشتكى بطنه وقيل هو الذى يموت بداء بطنه مطلقا انتهى " عشت وسط هذا الأجواء الرعيبة كل يوم يسقط أحد أصدقائى او أقاربى أو زملائى فى العمل بكل صدق والله يعلم أننى لاأبالغ لا يمر أسبوعا إلا وأسمع عن فلان من مدينتا الصغيرة وما يحيط بها من قرى قد سقط بمرض الكبد ليسوا شيوخا طاعنين بل شبابا يافعين، أنها مأسأة محافطتى المنكوبة بالانتشار المريع لمرض فيروسات الكبد الوبائية بى وسى، هذان الفيروسان الشرسان اللذان هاجما أكبادا مثقلة بسموم ومبيدات قاتلة حشيت بها أقوات المسلمين، تنوء بها الأكباد السليمة فزادتها وهنا على وهن، وزيارة سريعة لمركز الكبد بمحافظتى المنكوبة تبين مقدار الكارثة ؛طوابير اللاهثين وراء العلاج بالإنترفيرون المُنهك والغير مضمون النتائج ناهيك عن الغرف المليئة بالأشباح البشرية التى تليفت أكبادهم ولا يجدى معهم أى علاج، كان آخر ضحايا هذه المأساة، رجلا من الذين أخلصوا فى عملهم وتفانوا فيه كان فى أوج نضجه وفى قمة عطائه تجاوز الخمسين من عمره بقليل إنه ناظر مدرسة الأمل للصم ببلطيم الذى حمل مشروع إنشاء المدرسة على عاتقه؛ حتى أصبحت من أنجح مدارس التربية الخاصة بمحافظة كفر الشيخ كان يقضى فى المدرسة من الوقت ما لا يقضيه وسط أهله وأبنائه. آخر من يترك المدرسة ليريح جسده الضعيف ؛الذى أنهكه المرض، وسرعان ما يعود مساء، يتفقد أحوال تلاميذ القسم الداخلى، يطعم جائعهم، ويطمأنّ على مريضهم، ولا يعود إلى بيته إلا إذا أوى كل تلميذ أصم إلى فراشه، أنه الأستاذ طلبة صالح مواطن مصرى أصيل لا يعرفه كثير من الناس، لكنه يمثل نموذجا للإخلاص فى العمل، والتفانى من أجل هذه الفئة من التلاميذ، يسعد حينما يرى طالبا منهم يتقدم فى سباق فنى أو رياضى و كان دائما يردد قول الله تعالى وقد أغرورقت عيناه بالدموع "هذا خلق الله فأرونى ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون فى ضلال مبين" لقمان 11 نسأل الله عز وجل أن يجعل مرضه وإخلاصه فى عمله فى ميزان حسناته وأن ينزله منازل الشهداءوأن يشمله برحمته التى وسعت كل شئ وأن يرفع عنا هذا البلاء وحسبنا الله ونعم والوكيل
الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد