إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

التعصب باعتباره سجناً للعقل

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • التعصب باعتباره سجناً للعقل



    عبدالوهاب كاشف ... جريدة عكاظ ... 8/9/1427هـ

    من أهم مشاكل كثير من الناس أنهم يسجنون عقولهم في دوائر ضيقة من المعرفة والاهتمامات والمعلومات لا يرون ما وراءها من حقائق ومعارف ربما لو عرفوها لتغيرت مسارات حياتهم وعقلياتهم. ومن أنواع سجون العقل التطرف والتعصب، لأي فكر أو دين أو عقيدة سياسية (لأن التعصب يجعل الإنسان أعمى يبحث عن تبريرات لأية حقيقة مهما كانت مخالفة للمصالح الإنسانية والعقل والعدل) والتقليد والاتباع للاخرين في تصرفاتهم (التدخين- شرب الخمر- الإسراف- الديون- التفاخر) والعنصرية لجماعة أو طائفة أو عرق وهي تلبس ثوب الوطنية أحياناً وتلبس ثوب الدين أحياناً حتى تعطي لنفسها شرعية وتبريراً لممارسة العنصرية والتسلط والعنف والإقصاء والاضطهاد، ويتفرع من التعصب الديني نوع من سجون العقل هو احتقار العقل والتفكير والمنطق والبحث عن الحقيقة واحتقار حضارات وأديان وثقافات وانجازات الأمم الأخرى والتقليل من شأنها وقوتها وأثرها وفضلها على العالم وعلى المتعصب نفسه الذي يعيش عالة على منتجات الحضارات الأخرى من أدوية وسيارات وأجهزة ونظم ووسائل اتصال وعلوم، وبعض الناس يسجنون أنفسهم في شعارات لا يحاولون مناقشتها علمياً مثل أن المسلمين يملكون وحدهم حل مشاكل العالم وان الحضارة الإسلامية وحدها في العالم صاحبة الفضل على سكان الأرض وان العرب وحدهم في الكون أهل العدل والأخلاق وانكار واخفاء دور الحضارات الأخرى وإيجابياتها وتضخيم سلبياتها . هذه الشعارات مع المبالغة في تأليه الأموات خلقت أجيالاً من الشباب المتطرف الذي لا يعرف الحقائق ولم يسمح له بمعرفتها لأنه عاش في سجن فكري صنعه المنتفعون والمتاجرون بالدين، ومن صور سجن العقل الغرق في التفاصيل ونسيان الحقائق الكبرى الكلية (مثلا أن الأديان هدفها إقامة العدل ونشر مكارم الأخلاق) وتفسير النصوص وانتقائها حسب ما يتوافق مع رغبات العنف والعنصرية والرغبة في الإرهاب والتسلط والإقصاء. وعقلية النقل وتقديس النصوص دون تفكير حر ومناقشة لأقوال أصحاب الآراء ومحاولة البحث عن الحقائق والآراء الأخرى تقود الانسان إلى زنزانة فكرية، وخلق الأساطير حول الماضي وتضخيم أدوار الأموات واختلاق القصص عن معجزات وكرامات لا يؤيدها العقل والعلم تبهر الشباب وتجعل فكرهم وعقولهم منقادة أوتوماتيكيا لتقديس القبور والأموات والماضي لأن نصف الحقيقة محجوب عنهم فهم لا يعرفون اخطاء هؤلاء الأبطال الأسطوريين حتى وصلنا إلى عبادة وتأليه بعض الأقدمين مثل احمدو بامبا والسيد البدوي الذين يحج لهما الملايين سنويا وتحولت المذاهب إلى أديان، وهناك تجهيل متعمد للناس بحيث لا يعرفون الحقائق والآراء الأخرى حتى تبقى فئات من الناس تحت سيطرة الإرهابيين والمتطرفين وأصحاب المصالح في الزعامة والمال والوجاهة والسياسة، إذا سلبت إنساناً إمكانية الوصول إلى المعلومات ونعمة العقل يصبح آلة تقودها وتستغلها وتدمر صاحبها وهو مسرور ومتحمس لتدمير نفسه في سبيل هدف يرى جزءاً صغيراً من الحقائق عنه وربما تكون معلومات مزيفة، بعض الناس يسجن عقله في أهداف صغيرة في الحياة مثل تشجيع الكرة أو جمع المال أو الصراع مع الآخرين وفي الحياة أهداف أجمل وأعظم هي المعرفة وعمل الخير ومحبة المساكين والتعلم والهوايات والمهارات والحرف ورؤية الطبيعة الجبال الأشجار الطيور الفراشات النجوم والبحار، ومن المسالك التي تقود الإنسان إلى سجن العقل التربية الخاطئة من أسرة جاهلة منغلقة أو معلم من ضحايا التعصب الديني أو العنصري وسرعة التصديق والانقياد والتقليد دون محاولة البحث عن الحقائق وسذاجة بعض الناس ومستوى الذكاء الذي لا يجعله يحاول البحث عن المعرفة ويتقبل ما يقال له فوراً. والمفاتيح للخروج من سجون العقل هي القراءة في مختلف العلوم وعن مختلف الحضارات والأديان والعقائد والثقافات والبلدان والشعوب وقراءة الموسوعات العالمية ومعرفة اللغات والسفر بقصد المعرفة والبحث عن الحقيقة في كل أمر والتفكير بأسلوب علمي منطقي وربط الأسباب بالمسببات والنظرة الشاملة للكون والحضارات والإنسانية واحترام الشعوب وحضاراتها ودورها وأثرها في حياة الإنسان الحالية والموازنة بين إيجابياتها وسلبياتها وزرع الرغبة في البحث عن الحقائق والرغبة في التعلم من الآخرين والتخلص من الغرور والاستعلاء وأوهام التفوق لأن ذلك سجن عقلي لا فكاك منه ولا إفراج فالغرور يفصل الإنسان عن الحقيقة والواقع والحياة.
جاري التحميل ..
X