إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الإِمَامُ الطَّبَرِيّ

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الإِمَامُ الطَّبَرِيّ



    (

    قال الخطيبُ البغدادي : " كان من كبار أئمة العُلماء ، ويُحكم بقولِه ، ويُرجَع إلى معرفتِه وفضلِه "


    " الطبري " و " طبرستان " :

    منذ أن فَتَح العَرَب المسلمُون بلاد فارس ، وتوغّلُوا فيما وراءها ، واسْتوْطنُوا تلك الدِّيار بزَغَ نجمُها ، وأشْرَق ضياؤها ، وكثُر ذكْر " أصبهان " و " خراسان " وغيرهما مَع ما تلهج بِهِ أسماء الأعْلام من الرِّجال ، سواء كان على صعيد الفتح ، أو على صعيد العِلم والمعْرفة ، كما حفلت بطون الكُتُب بذكر أسماء العلماء الأَفْذَاذ ، منهُم مَن يرجع نسبُه إلى أصل عربي ، ومنهُم من هُوَ من أهْل تلك البلاد ، وقد اصْطَبَغَ كليَّةً وتلبَّس بالإسلام الحنيف لسانًا وقلبًا ، وعقلاً وروحًا .

    وإنا لنعجز - في كثير من الأحيان – عن تعداد أولئك الأعلام الذين أَثْرَوُا المكتبة الإسلامية ، وأمدُّوهَا بغزير علمِهِم ، وما تفتحت عنه قرائح عُقولهِم وعلُومهم ؛ ثم خلَّفوا تراثًا هائلاً ، ما يزال إلى يومنا هذا مصدر عِلم وفِهم ، ومرجعًا وافيًا في كل فن .

    وإمامنا " الطبريُّ " - رحمه الله تعالى - ، الذي نترجمُ لَهُ هُو أحَد الذين نبغُوا من أهل تلك الدِّيار نبوغًا عظيمًا ، ودوَّى اسمُهُ في الآفاق طوال القرن الثالث الهجري ، ومطلع القرن الرابع ، وكان أحد أركان العلم على مدى عُقُود من السنين ، والذي لا يزال حتى يومنا هذا بما صنَّف وكَتَب – مصدر ثقة واحترام وتقدير - ، في مُختلف العلوم والفنون الإسلامية خاصَّة تاريخه : (( تاريخ الأُمم والمُلوك )) ، وتفسيره الذي يعتبر – وبحقّ – أبا التفاسير .

    وإمامنا – رحمهُ الله – لا تقتصر شهرتُهُ على كتابَيْه المذكورين ، في التاريخ والتفسير ، ولكن يتعدى ذلك إلى إتقانِهِ لعلم القراءات ، واللُّغة ، والحديث ... إتقانا متميزًا ، وغيرها من العلوم والمعارف أيضا ، وقد برع فيها جميعًا ، وشهد له بذلك أساطين عصرِهِ ، ومَن بعدهم .

    وله أيضًا النظم الجميل ، وإن كان مقلًا ، وما قالهُ من الشِّعْر إنما هُو خطرات في مناسبات ، ولكنه مُحكم وجيد ، وينبئ عن شاعريِّةٍ كامنة ، وسَلِيقةٍ وطَبع.

    ولقيَ إمامُنا " الطبريُّ " في حياتِهِ محنةًً ، شأن الكثيرين من الأئمَّة الأعلام ، ذوي الرأي الحُر ، وقولَة الحقِّ ، لا يَخْشَوْنَ فيها إلا الله تعالى .

    ونَحن لا يسعُنا أن نؤيد أو نُعارض ، ونفوِّض الأمر في صَدَد ذلك إلى الله تعالى ، فهُوَ أعلمُ بالنوايا ، وخفايا القُلُوب ، وما انطوت عليه الجروح .

    لقد وُجدَ – رحمه الله – في عَصْر اشتدَّت فيه ريحُ المذهبيَّة ، وعصبيتها المقيتة ، نتيجة تفاعلات وأحْداث سياسيَّة ، وتقلبات عنيفة ، من ثَمَّ كانت له اجتهاداتٌ وآراء ، مما حفزَ البعْض إلى اتهامِهِ بالرَّفض .

    ونَحنُ لو اطلعنا على تََفْسيرِه ، وتاريخه ، ومصنَّفاتِهِ ، قد نشتمُّ منها بعض الرائحة ولكن من غَيْر غُلُوٍ ولا تَطَرُّف ، ولا تعصُّب ، ولقد أنصفَهُ من هذه النزعة – التُّهمة – الكثير من العُلماء ، من أهل السنَّة والجماعة ، ممَّن عاصرُوه ، أو ممَّن جاءوا بعده .

    ولم يكتف المتعصِّبُون ضدَّه برميه بهذه التُّهمة ، بل تجرؤوا إلى أبْعد من ذلك ، إلى فِرْية اتِّهامِهِ بالإلْحاد ، غباءً وجهلاً ، وجُرأةً على الله تعالى ، وهل يُعْقَل هذا بالنسبة لعالمٍ جليل ، صادق الإيمان ، قوي اليقين ، متفتِّح الذهن ، مفسِّرٍ لكتاب الله ، القُرآن العظيم والذكر الحكيم .

    وبعد ، فهيَّا أخي القارئ نستجلي معًا حياة هذا الإمام ، بكلِّ ظروفها ومُعطياتها ، وما خلَّفه لنا من تُراث علمي ، والله الموفِّق والهادي إلى سواء السَّبيل .


    اسمُهُ ونَسبُه :

    هو : محمد بن جرير بن يزيد بن كثير 1 بن غالب

    وكُنْيَتُه : " أبو جعفر " ؛ عربي الأصْل ، ولم يكن له ولد اسمه " جعفر " ، لأنه لم يتزوَّج أصلاً ، وإنما تكنَّى بِهِ التزامًا بآداب الشرع والسنَّة الشريفة ، أما عروبة النسب فعليها الأكثرون ، وإن ذهب المستشرق " بروكلمان " إلى أنه أعجمي النَّسب ، ونسبته إلى " طبرستان " ، إقليم من أقاليم بلاد " فارس " .


    مَوْلِدُهُ ونشأَتُه :

    وُلدَ في بلدة " آمل " ، إحدى مدُن الإقليم ، وهي أكبر مدنه على الإطلاق ، وغَلَبتْ عليه النسبةُ إلى الإقليم بدلاً من بَلَد الولادة ؛ وقد كانت ولادتُه عام أربعة وعشرين ومائتين (( 224هـ )) ؛ وقال بعضهم (( 225هـ )) ؛ وفيها كانَتْ نَشْأَتُه حتى بَلَغَ أشُدَّه .

    ومنذُ نعومة أظفارِهِ ظهر نُبُوغُه ، وميله إلى العِلْم ؛ وكانت تلك الدِّيار ، وما يجاورها ويُحيط بها موئِلاً لكثير من العلماء الأفذاذ .

    يقول الأستاذ " محمد الزحيلي " في كتابه : " الإمام الطبري " 2 : (( ونشأ " الطبري " بـ " آمُل " ، وتربى في أحضان والِدِه ، وغَمَرهُ برعايتِه ، وتفرَّس فيه النباهة والذكاء والرغبة في العِلْم ، فتولى العناية بِه ، ووجَّهه منذ الطفولة إلى حفظ القرآن الكريم ، كما هي عادَة المسلمين في منهاج التربية الإسلامية ، وخاصَّةً أن والده رأى حُلُمًا ، تفاءل به خيراً عند تأويله .

    قال الإمام " الطبري " : (( رأى لي أبي في النَّوم أنني بين يدي رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ومعي مخلاة مملوءة بالأحجار ، وأنا أرمي بين يديه ، ولما قصَّ رؤياه على صديقه ، قال له : إن ابنكَ إن كبُر نصَحَ في دين الله ، وذبَّ عن شريعتِه ، فحرص أبي على معُونتي على طلب العِلْم ، وأنا يومئذٍ صبي صغير )) 3 .


    لماذا لم يَتَزَوَّج " الطَّبَرِيّ " ؟ :

    سُؤال قد يتبادَرُ إلى الذِّّهن ، خاصَّة في شَخْص أو امرئٍ مدركٍ وعالم بالسُنَّة .

    والذي يُتابعُ مراحل حياة الإمام " الطَّبريّ " ، ويقف على مكوناته الخَلقيَّة والخُلُقيَّة ، يدرك أن عزوفه عن الزواج لم يكُن لعلَّة أو قُصُور ، إنما شَغَلَه العِلْم ، واستغرقَهُ الدَّرس والتَّحصيل ، شأنُهُ في ذلك شأن كثير من العُلماء الأفذاذ .

    ولقد وصَفَ مَسْلَمَة بن قاسم " الإمام الطبريّ " فقال : (( كان حَصُورًا لا يعرفُ النِّساء ، شَغَلَه طَلَب العِلْم وهو ابن اثنَتَي عشرة سنة ، ولم يزل طالبًا للعلم ، مولعًا بِه ، إلى أن مات )) 4 اهـ .


    بداية مبكِّرة :

    ومن قول " مَسْلَمَة بن قاسم " : نَعْلَم أن الإمام " الطبري " _رحمه الله _ قد أقْبَل على طَلَب العِلْم والمعرفة في سنٍّ مبكرة ، وذلك بتشجيع من والدهِ ، صاحب الرؤيا .

    وكان أوّل توجّهه إلى المساجد ومعاهد القرآن الكريم في بَلَدِه " آمُل " ، فحفظ القرآن الكريم وهو ابن سبع سنين ، وأتْقَن قراءته ، وعرف أحكَامَه ، وصلى بالناس إمامًا وهو ابن ثماني سنوات ، ثم بدَأ يكتُبُ الحديث الشريف وهو في التاسعة من عمره ، ووهب نفسه للعلم وهو في مقتبل شبابه 5 .

    ومُنذ طفولتِه ظهرت فيه سماتُ النُّبُوغ ، والتَّفَتُّح الحاد ، والذكاء الخارق ، والذهن المتوقد ، وملكات الحفظ والاستيعاب ، وكان والده – كما سبق وعرفنا – حريصًا على توفير كُلِّ الإمكانات لولده النجيب ، وخصَّه بعنايته ورعايتِه ، والمال اللازم للإنفاق على العلم والتعلُّم 6 .


    الانتقال من " آمُل " :

    ومع بُلُوغِه الثانية عشر من عُمره ، كان الإمام " الطبريّ " قد اسْتُوْعُبُ علوم بلدِه ، كما ازداد ظمأً إلى العلم ، ومن ثَمَّ بدأ الرِّحلة في الطَّلب ، وكان ذلك سنة ستٍ وثلاثين ومائتين ( 236 هـ ) .

    وكانت البلاد المجاورة له في " طَبَرستان " أوَّل مقاصده ، ثم إلى " بلاد الري " ، يأخذُ من علمائها الحديث واللُّغة والتاريخ والتفسير ، لا يكلّ ولا يملّ ، ليلاً ونهارًا دائبًا .

    جاء في " معجم الأدباء " لـ " ياقوت الحموي " 7 :

    (( فأول ما كتب الحديث ببلده ثم بالريّ وما جاورها ، وأكثر من الشُّيوخ حتى حصّل كثيرًا من العِلْم ، وأكثر من " محمد بن حميد الرازي " ومن " المثنى بن إبراهيم الأُبلِّي " وغيرهما )) اهـ .

    ويحدثنا الإمام " الطبري " عن نفسه فيقول :

    (( كنَّا نكتُب عند " محمد بن حميد الرازي " فيخرج إلينا في الليل مرات ، ويسألنا عمَّا كتبْناه ، وكان في قرْية من قرى " الري " ، بينها وبين الريّ قطعة ـ ثمّ نَغدو كالمجانين حتى نصير إلى " ابن حمَيْد " فَنَلحق مجلسه )) 8 .

    وقال " ياقوت " أيضًا :

    (( وكتب عن " أحمد بن حماد " كتاب " المبتدأ " و " المغازي " عن " سَلَمَة ابن المفضّل " عن " محمد بن إسحاق " وعليه بنى تاريخَه ، ويقال إنَّه كَتَب عن " ابن حُمَيْد " فوق مائة ألف حديث ؛ قال " أبو جعفر " – الطبري - : كان يقرأ علينا " ابن حُمَيْد " من التفسير )) اهـ .


    إلى " العراق " :

    جاء في الأثر : (( اثنان لا يشبعان : طالب علم وطالب مال )) 9 ؛ وصَدَقَت هذه الفراسة في إمامنا العظيم ، الإمام " الطبي " – عليه الرحمة والرضوان - .

    لقد أضحى كمن يشرب من ماء البَحْر ، كلما شرب ازداد عطشًا .

    وهذا العطش والظمأ إلى المزيد من العلم والمعرفة ، دفعه إلى الخروج من دائرة " طبرستان " إلى آفاق الأقطار والأمصار ؛ وكان أول اتجاهِه إلى " العراق " و " العراق " يومئذٍ محطُّ الرِّحال ومعقد الآمال لطلاب العلم ، إذ كانت تموجُ بالفُحُول في كلّ فن ، لقد كان في نيته الالتقاء بالإمام " أحمد بن حنبل " – رحمه الله - ، لكن المنيَّة عاجلت الإمام " أحمد " فتُوفي عام واحد وأربعين ومائتين ( 241 هـ ) ؛ قبل أن يصلها " أبو جعفر " وهكذا حُرِم " الطبري " من اللقاء والمشافهة ، ولكنه لمن يُحرم من لقاء عدد آخر من الأفذاذ العلماء ، إذ كانت " بغداد " يومئذٍ حاضرة العلم والعُلماء ، فكتب عن شيوخها وأكثر عنهم ، وسمع الحديث عن محدِّثيها ، والفقه من العلماء والفقهاء ، على مُختَلف المذاهب 10 .


    من " بغداد " إلى " البصرة " و " الكوفة " و " واسط " :

    وانتقل إمامنا – رحمه الله – من " بغداد " إلى " البصرة " ، وسمع الحديث فيها من " محمد بن موسى الحرشي " و " عماد بن موسى القزّاز " و " محمد بن عبد الأعلى الصَّنعائي " و " بِشْر بن معاذ " و " أبي الأشعث " و " محمد بن بشَّار ابن بُنْدار " و " محمد بن المعلي " 11 ... وهم ممَّن بقيَ من شيوخها في زمنه .

    وخرج من ثَمَّ إلى " واسط " ، وسمع الحديث – أيضًا - من بعض شيوخها ؛ وتوجّه بعد ذلك إلى " الكوفة " ، والتقى فيها بكبار علمائها ؛ وكتب الحديث عنهم ، منهم " أبي كُرَيب – محمد بن العلاء الهمذاني " و" هناد بن السَّري " و " إسماعيل بن موسى " 12 .


    العودة إلى " بغداد " .. والتفوُّق :

    وعاد الإمام " الطبري " إلى " بغداد " بعد جولته في " البصرة " و " الكوفة " و " واسط " ؛ إذا كانت " بغداد " بما فيها من علوم ومعارف ، وشيوخ أعلام ، تحتاج إلى أكثر مما أنفقه فيها من وقت زيارته الأولى .


    وفي هذه الزيارة طال مقامه فيها ، واستغرق في درس علوم القرآن عامّة ، وعلم القراءات خاصّة ، على " أحمد بن يوسف التَّغلبي " ، كما تلقّّى فقه الإمام " الشافعي " – رحمه الله – عن " الحسن بن محمد الصّباح الزّعفراني " ن وكتب عنه كتابًا في الفقه ، ودرّسه في " بغداد " على جماعة منهم ، : " أبو سعيد الإصطخري " وغيره .

    في هذه المرحلة ظهر نبوغ " الطبري "وإمامته العلميَّة ، وعَرَفَته حلقات التدريس ، وأقرّ له العلماء الأعلام بالتفوُّق والتقدُّم ، حتى إنه – رحمه الله – دَرَس الفقه الظاهري على يد " داوود بن علي " ... بقصد المعرفة ، وتنويعها ، من مصادرها المختلفة ؛ وينابيعها المتعدّدة .


    إلى " الشام " :

    ومن " بغداد " إلى " الشام " ، حيث الرصيد العلميّ فيها وفير كثير ، إذ كانت تلك الديار في يوم من الأيام حاضرة العهد الأموي ، تزخَرُ بالحركة والنشاط ، ومدِّ الفتوح ، وموئل العلم والعلماء ، فأتاها وزار أكثر مدنها " دمشق " و " حمص " و " حماه " و " حلب " و " بعلبك " ... و " بيروت " .

    وفي " بيروت " أخَذَ القرآن الكريم برواية الشاميّين عن " عباس بن الوليد " المقرئ البيروتيّ 13 ، وأقام هناك مدّةً يلتقي خلالها به ، ليُتقن ما يحفظ ويتلقى .


    ومن " الشام " إلى " مصر " :

    وكان إمامنا " الطبري " – رحمه الله – شديد الشغف والشوق إلى زيادة " مصر " التي كانت غنية بعلمائها ، ورؤوسهم الأفذاذ ، من محدِّثين وفقهاء ولغويِّين وغيرهم ؛ فشدَّ الرحال إليها وكان ذلك سنة ثلاث وخمسين ومائتين ( 253 هـ ) ؛ في أوائل عهد " أحمد بن طولون " .

    وفيها أخذ فقه الإمام " مالك بن أنس " على يد نوابغ التلامذة أمثال " يونس بن عبد الحكم " وبنيه : " محمد " و " عبد الرحمن " و " سعد " ، كما أخذ وتلقّى فقه الإمام " الشافعي " – خاصَّة " الجديد " على يد " الربيع بن سليمان الحراوي " و " الربيع بن سليمان الأزدي " و " إسماعيل بن يحيى بن إبراهيم المزني " و " محمد بن عبد الله بن الحكم " الذي جمع بين مذهبي " مالك " و " الشافعي " .


    التَّنقل بين " مصر " و " الشام " :

    ( أقام " الطبري " مدَّة بـ " مصر " ، ثم رغب العودة " الشام " ، فقضى إربَه العلمي بـ " الشام " ، ثم رجع ثانية إلى " مصر " سنة ست وخمسين ومائتين( 256 هـ ) ، والتقى أيضًا وللمرة الثانية بـ " يونس بن عبد الأعلى الصَّدفيّ " وأخذ عنه قراءة " حمزة " و " ورش " وكان بمصر وقت دخول " الطبري " إليها " أبو الحسن عليُّ بن سراج المصري " ، وكان متأدبًا فاضلاً ، ويلقى من يفد إلى " مصر " ، فتعرَّض إلى " الطبري " ، وبان له فضله في علوم اللُّغة ، وسأله عن شعر " الطِّرمَّاح " – وكان " الطبري " يحفظه عن ظهر قلب – فوجده فاضلاً في كلِّ ما يذاكره به في الأدب والعلم والشِّعر ، ودرس " الطبري " بمصر العَرُوض ، بعد أن سئل عنه ، وأصبح عروضيًا ) 14 .


    الحنين إلى الوطن :

    بعد هذه الرحلة الطويلة التي استغرقت سنين عددًا ، والتي حصَّل فيها إمامنا " الطبري " ما حصَّل من علوم ومعارف ، وأنق في سبيلها نصيبًا كبيرًا من مدَّخراته – القليلة - ، وقسطًا من عمره ، دبَّ في قلبه الحنين إلى الوطن .

    ( فترك " مصر " ، ورجع إلى وطنه ، وفي الطريق قصد مدينة السلام 15 " بغداد " ، وكتب فيها العلم ، ثم عاد إلى " طبرستان " ، ثم إلى مسقط رأسه وديار آبائه 16 ، وهو العالم المتمكِّن ، والباحث القدير ، والمناظر الفريد ، والداعية العامل .

    وكانت هذه الزيارة لـ " طبرستان " هي الأولى منذ أن فارقها في طلب العلم ، ولم يطُل المقام في بلده ، فرجع إلى " بغداد " ، ونزل في " قنطرة البَرَدان " واشتهر اسمه في العلم ، وشاع خََرُ بالفهم والتَّقدم ) 17 .

    ولقد قام الإمام " الطبري " بزيارة خاطفة إلى " طبرستان " سنة تسعين ومائتين ( 290 هـ ) ، حيث مكث فيها قليلاً ، ثمَّ جذبته " بغداد " مرَّة أخرى .

    وفي ظنِّنا أن زياراته إلى " طبرستان " السريعة كانت ذات هدفين ، أحدهما نوازع النَّفس إلى الوطن ، وثانيهما تحصيل ثمن الغلال من الأرض التي خلَّفها له والده ، إذ كان إمامنا " الطبري " – رحمه الله – قليل المال والكسب ، يعيش على ما خلفه له والده .


    الاستقرار في " بغداد " :

    لقد تقدَّم العمر بالإمام " الطبري " ؛ وكان قد حصّل ما حصَّل من جزيل العلم والمعرفة ، على اختلاف مقاصدهما وفنونهما ، وأصبح عالم عصره ، وفريد دره ؛ وآن للفارس أن يَتَرَجَّل ، وللمسافر أن يحطّ الرِّحال ؛ فاستقر في " بغداد " وانقطع فيها للتدريس والتأليف ) .

    ( وكانت " بغداد " مركز الفقهاء والعلماء والأدباء والنحويين والمتأدبين ، فالتقى " الطبري " بهم ، وتسامر معهم ، وأخذ منهم وأعطى ، ونال الثناء العاطر والمكانة العليا في نفوسهم ، واحتل مركز الصدارة ، وكانت له مناظرات وجولات مع معظم أهل العلم ) 18 .


    " الطبري " المثل الراقي في العلم والتعلم :

    يقول الأستاذ " محمد الزحيلي " في كتابه : ( الإمام الطبري ) 19 :

    ( ولكن " الطبري " – رحمه الله – حقّق عمليًّا وتطبيقيًّا وسلوكيًّا المثل القائل : (( اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد )) ، فبدأ التعلم في أحضان والديه ، وحفظ القرآن في كنف أسرته ، واستمرَّ حتى بلغ السادسة والثمانين من عمره ، فلم تفتر عزيمته، ولم يخفّ نشاطه ، ولم يجفّ أمله في العلم ، وتفاؤله في خدمة الدين حتى هذه السنة ؛

    وكان في شيخوخته قد بدأ بعدة كتب ، وقطع في كل منها شوطًا ، ولم يتمها ، كـ (( فضائل علي )) ، و (( فضائل أبي بكر )) ، و (( عمر )) ، و (( فضائل العباس بن عبد المطلب )) – رضي الله عنهم – و (( الموجز في الأصول )) ، و (( تهذيب الآثار )) كما وعد ، وقطع بكتاب (( الآدر )) في الأصول ، ولم يخرج منه شيء ، وأراد أن يعمل كتابا في القياس فلم يعمله ) 20 اهـ .

    يقول " أبو القاسم : الحسين بن حُبَيْش ، الورّاق " : ( كان قد التمس مني " أبو جعفر " أن أجمع له كتب الناس في القياس ، فجمعت له نيفًا وثلاثين كتابًا ، فأقامت عنده مُدَيْدَةً ، ثم كان من قطعه للحديث قبل موته بشهور ما كان ، فردَّها عليّ ، وفيها علامات له بحمرةِ قد علَّم عليها ) 21 .

    وفاته - رحمه الله - :

    لقد امتدّ العمر بالإمام " الطبري " ، فعاش ستّةً وثمانين عامًا ، قضاها في سبيل العلم ونشره ، وتضاعفت هذه الأعوام بما لا يعلمه إلا الله وحده ، لتبقى ذكرى هذا الإمام الجليل والعالم الفَذّ خالدة في التاريخ ، وليبقى اسمه يتردد على الألسنة ، تلهج بعلمه وفضله ولتتنقل كتبه ومصنفاته وآثاره العلمية بين أيدي الأجيال المتعاقبة ، ينتفعون بها ، ويترحمون على صاحبها .

    بقي الإمام " الطبري " مستوطنا " بغداد " ، عاصمة الدولة الإسلامية – في العهد العباسي – أعظم مركز للثقافة والعلم في العالم آنذاك ، يؤدي رسالته ، ويلتف حوله الطلاب والعلماء ، وعلى كتبه التي بدأ بعضها في آخر حياته ، حتى أسلم الروح إلى بارئها تعالى يوم السادس والعشرين ( 26 ) ، من شهر شوال سنة عشر وثلاثمائة ( 310 هـ ) في عصر الخليفة " المقتدر بالله " : ودفن " الطبري " ، في داره الكائنة بـ " رحبة يعقوب " بـ " بغداد " 22 .


    رحم الله إمامنا " الطبري " الذي كان عالم عصره ، ووحيد دهره ، الذي جمع من العلوم والفنون ما لم يجتمع لغيره ، والذي تبوأ المكانة المرموقة في أمته ومجتمعه ، وبين العلماء والطلاب ، والذي كان – وما يزال – في سويداء القلوب بين أبناء جيله وتلاميذه ، الذين نقلوا صورته وأخلاقه وشمائله وعلومه إلى الأجيال اللاحقة ، وبقي اسم " الطبري " وعلمه يتردد في كل مكان .

    يقول" ابن كثير " :

    وقد كانت وفاته وقت المغرب ، عشية يوم الأحد ليومين بقيا من شوال من سنة عشر وثلاثمائة ( 310 هـ ) ، وقد جاوز الثمانين بخمس سنين أو ست سنين ، وفي شعر رأسه ولحيته سواد كثير ) 23 .

    ويقول أيضا :

    ( كان أحد الأئمة الأعلام علمًا وعملاً بكتاب الله وسنة رسوله ) .

    ( ولما توفي اجتمع الناس من سائر أقطار " بغداد " وصلُّوا عليه بداره ، ودفن بها ومكث الناس يترددون إلى قبره شهورًا يصلّون عليه ) اهـ .

    ورثاه " ابن الأعرابي " فقال :


    حـدث مـُفظِع وخـطـب جـليلٌ *** دق عن مثله اصْطِبار الصبورِ

    قـام نـاعي العـلوم أجـمع لـما *** قام ناعي محمد بن جرير

    فـهـوت أنـجـمٌ لـهـا زاهـراتٌ *** مؤذنات رسومها بالدُّثورِ

    وتغشى ضياءها النير الإشراق *** ثـوب الدجـنَّـة الديـجــورِ

    وغَدَا روضها الأنيق هشيماً *** ثم عادت سهولها كالوعورِ

    يا أبا جعفر مضيت حميداً *** غير وانٍ في الجد والتشميرِ

    بين أجر على اجتهادك موفور *** وسعي إلى التقى مشكورِ

    مستحقاً به الخلود لدى جنته *** عدنٍ في غِبْطَة وسرورِ




    آثاره العلمية :

    لم تقتصر علوم الإمام " الطبري " وآثاره على علم واحد ، بل خاض – رحمه الله – ميدان مختلف العلوم الشرعية واللغوية وكان في كل منها إمامًا ومقدمًا .

    لقد كان – رحمه الله – إمامًا في السنة وعلوم الحديث ، وعدَّه الإمام " النووي " – رحمه الله – في طبقة " الترمذي " و " النسائي " .

    وكان أيضا إمامًا في القراءات ، واختار لنفسه قراءة ، وصنف في القراءات – أيضا - .

    ودرس التفسير بتعمق ، وصنف أعظم كتبه على الإطلاق في التفسير ، كتاب " جامع البيان في تأويل آي القرآن " ، الذي ضمَّ فيه علوم القرآن المختلفة ، حتى اعتُبِر " إمام المفسرين " أو " شيخ المفسرين " .

    كما كان – رحمه الله – إمامًا في الفقه ، وعلم الخلاف ، والفقه المقارن ، واختلاف العلماء ؛ وكان من الأئمة المجتهدين ، وصاحب مذهب مستقل ، ولقد تبعه بعض الناس على مذهبه رَدْحًا من الزمن ، وصنّف الكتب الجيِّدة في الفقه العام ، والفقه المقارن ، والفقه المذهبي .

    ومن أعظم إنجازاته – رحمه الله – إلى جانب تفسيره العظيم ، كتابه في التاريخ الذي يعتبر مرجعًا هامًا وأساسيًّا ، لدى كثير من الباحثين والمؤرخين ، وهو فيما قدّم يعتبر شيخ المؤرخين بلا منازعٍ ولا مدافع ، واسم الكتاب " تاريخ الرُّسل والملوك " 24 .

    هذا إلى جانب كتابه الأخير " تاريخ الرجال من الصحابة والتابعين " ، إلى شيوخه هو ؛ المعروف بـ " ذيل المذبل " .

    وكان أيضا – رحمه الله – من أئمة العربية ، في المعاني واللغة والصرف والعَروض والبيان ، بالإضافة إلى علمه بالفلسفة والمنطق والجَدَل .

    وكان عنده شيء من علم الطب والجبر والرياضيات .

    وكان – رحمه الله – أيضا عالمًا بأصول الدين والتوحيد ، وعلم الكلام ، وله كتب فيها .

    وكان عالمًا بالحديث ، وبلغ مرتبة الحافظ المحدِّث ، ولقد صنف في علم الحديث ومصطلحه ، كما التزم بمنهج المحدّثين في معظم كتبه .

    وكان عالمًا بأصول الفقه وقواعد الاجتهاد والاستنباط ، مما أهله أن يكون مجتهدًا صاحب رأي مستقل ومذهب .

    وكان عالمًا بآداب النفس وعلم الأخلاق والتربية ، وصنف فيها كذلك .

    وكان ... وكان ...

    مما يعجز القلم عن متابعة ما كان عليه الإمام الجليل " محمد بن جرير الطبري " ، ويلهث فلا يدرك الغاية ؛ لقد كان – رحمه الله – موسوعيَّا ، موسوعة علميَّة قائمة بذاتها .

    قال " الخراساني " :

    ( وله مصنفات مليحة في فنون عديدة ، تدل على سعة علمه ، وغزارة فضله ، وكان من الأئمة المجتهدين ) 25 اهـ .

    ووصفه " الخطيب البغدادي " فقال :

    ( وكان أحد أئمة العلماء ، يُحكم بقوله ، ويُرجع إلى رأيه ، لمعرفته وفضله ، وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه في أحدٌ من أهل عصره ؛ وكان حافظًا لكتاب الله تعالى ، عارفًا بالقراءات ، بصيرا بالمعاني ، فقيهًا في أحكام القرآن ، عالمًا بالسنن وطرقها ، صحيحها وسقيمها ، ناسخها ومنسوخها ، عارفًا بأقوال الصحابة والتابعين ، ومَن بعدهم من المخالفين في الأحكام ، ومسائل الحلال والحرام ، عارفًا بأيام الناس وأخبارهم ، وله الكتاب المشهور في " تاريخ الأمم والملوك " وكتاب في التفسير لم يصنِّف أحدٌ مثله ، وكتاب سماه " تهذيب الآثار " لم أر سواه في معناه ، إلا أنه لم يتمَّه ؛ وله في أصول الفقه وفروعه كتب كثيرة ، واختيار من أقاويل الفقهاء ، وتفرُّد بمسائل حُفِظت عنه ) 26 اهـ .

    ويقول " ياقوت الحموي " في " معجم الأدباء " 27:

    ( كان كالقارئ الذي لا يعرف إلا القرآن ، وكالمحدّث الذي لا يعرف إلا الحديث ، وكالفقيه الذي لا يعرف إلا الفقه ، وكالنحوي الذي لا يعرف إلا النحو ، وكالحاسب الذي لا يعرف إلا الحساب ، وكان عالمًا بالعبادات جامعًا للعلوم ، وإذا جمعت بين كتبه وكتب غيره ، وجدت لكتبه فضلًا على غيرها ) اهـ .

    وذكره " أبو علي الحسن بن علي الأهوازي المقرئ " ، وكذلك " ابن النَّديم " في الفهرست ، و " ابن خلكان " و " أبو العباس بن سُرَيح " و " الحافظ الذهبي " وغيرهم ، وأثنوا على علمه وفضله ومكانته ثناءً عظيمًا ، يطول الحديث لو أفردنا لكل منهم مقالته وديباجته .

    أسماء مصنفاته وآثاره العلمية التي ذكرها المترجمون والمؤرخون :

    1 – ( جامع البيان على تأويل آي القرآن ) – تفسير الطبري .

    2 – ( تاريخ الأمم والملوك ) – تاريخ الطبري .

    3 – ( ذيل المذيل ) .

    4 – اختلاف علماء الأمصار في أحكام شرائع الإسلام – ( اختلاف الفقهاء ) .

    5 – ( لطيف القول في أحكام شرائع الإسلام ) ( فقه الطبري ) .

    6 – ( الخفيف في أحكام شرائع الإسلام ) مختصر كتاب ( اللطيف ) .

    7 – ( بسيط القول في أحكام شرائع الإسلام ) ( في تاريخ الفقه ورجاله وأبوابه ) .

    8 – ( تهذيب الآثار ، وتفصيل الثابت عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من الأخبار سمَّاه القفطي : ( شرح الآثار ) .

    9 – ( آداب القضاة ) .

    10 – ( كتاب المسند والمجرد ) .

    11 – ( أدب النفوس الجيدة والأخلاق الحميدة ) .

    12 – ( الرد على ذي الأسفار ) ( ردُّ على المذهب الظاهري ) .

    13 – كتاب ( القراءات وتنزيل القرآن ) – ( منه نسخة خطِّية بمكتبة الأزهر الشريف ) .

    14 – ( صريح السنة ) .

    15 – ( البصير في معالم الدين ) ( في أصول الدين ) .

    16 – ( فضائل علي بن أبي طالب ) ( لم يتمه ) .

    17 – ( فضائل أبي بكر وعمر ) ( لم يتمه ) .

    18 – ( فضائل العباس ) ( لم يتمه ) .

    19 – كتاب في عبارة الرؤيا في الحديث ( لم يتمه ) .

    20 – مختصر مناسك الحج .

    21 – مختصر الفرائض في أنصبة المواريث .

    22 – الرد على ( ابن عبد الحكم ) على ( مالك ) – ( في علم الخلاف والفقه المقارن ) .

    23 – الموجز في الأصول ( لم يتمه ) .

    24 – الرمي بالنشاب ، أو رمي القوس ( يشك في نسبته إليه ) .

    25 – الرسالة في أصول الفقه .

    26 – العدد والتنزيل .

    27 – مسند " ابن عباس " .

    28 – كتاب المسترشد .

    30 – اختيار أقاويل الفقهاء .

    أخي القارئ :

    قد يهولك هذا العدد من المؤلفات والمصنفات التي خلفها الإمام " الطبري " – عليه رحمة الله - ، وقد تستكثرها ، ومن أجل إزادة الدهشة والشكِّ لديك ، نورد ما قاله " الخطيب البغدادي " في " تاريخ بغداد " 28 :

    ( وسمعت " عليّ بن عُبَيد الله بن عبد الغفار " اللغوي – السمسمي – يحكي : أن " محمد بن جرير - الطبري – مكث أربعين سنة يكتب في كل يوم أربعين ورقة ) اهـ .

    وهذا يعني أنه - رحمه الله – كتب نحو ستمائة ألف ورقة !!! ، وهذا – أيضا – لا يتهيأ لمخلوق إلا بحسن عناية الخالق – سبحانه وتعالى - .

    وقبل أن نتحدَّث عن تفسير الإمام " الطبري " رحمه الله ، الذي هو من صميم عملنا وبحثنا ، نذكر طائفة من تلاميذه ، كما ذكرنا من قبل شيوخه الذين تتلمذ عليهم وأخذ عنهم ، وكيف كان يتعامل مع ألئك الطلبة والتلاميذ .

    يذكر لنا " ياقوت " في " معجم الأدباء " جملةً من الحوادث التي تبيِّن صورة وصيغة التعامل التي كانت قائمة بين الإمام " الطبري وتلاميذه 29

    قال " أبو بكر بن كامل " – أحد التلاميذ - : ( جفاني بعض أصحابه في مجلسه ، فانقطعت عنه زمانًا ، ثم إنه لقيني فاعتذر إليَّ كأنه جني جناية ، ولم يزل في رفقه وكلامه حتى عُدت إليه ) اهـ .

    وقال " ابن كامل " أيضا :

    ( وكان عند " أبي جعفر " رواية " ورش " عن " نافع " ، عن " يونس بن عبد الأعلى " عنه ، وكان يقصد فيها ، فحرص " أبو بكر بن مجاهد " – مع موضعه في نفسه ، وعند " أبي جعفر " – أن يسمع منه هذه القراءة منفردًا ، فأبى إلا أن يسمعها مع الناس ، فما أثَّر ذلك في نفس ، " أبي بكر " ؛ وكان ذلك كرهًا أن يخصّ أحدًا بشيء من العلم ) 30 اهـ .

    ومن تلاميذه – رحمه الله - :

    1 – ( أبو الفرج المعاني بن زكريا النهرواني ) المعروف بـ " ابن الطرَّار " .

    2 – ( علي بن عبد العزيز بن محمد الدُّولابي ) .

    3 – ( أبو بكر محمد بن أحمد بن أبي الثَّلج ) .

    4 – ( أبو القاسم بن القرَّاد .

    5 – ( أبو الحسن أحمد بن يحيى بن علي بن بحبى بن أبي منصور ) .

    6 – ( أبو الحسن الدقيقي الحلواني ) .

    7 – ( أبو الحسن بن يونس ) .

    8 – ( أبو بكر بن كامل ) .

    9 – ( أبو إسحاق – إبراهيم بن حبيب السِّقطي ) .

    10 – ( ابن أبي نوبي ) .

    11 – ( ابن الحداد ) .

    12 – ( أبو مسلم الكجّي ) .

    13 – ( أبو الأفرج بن أبي العباس بن المغيرة الثَّلاج ) .

    14 – ( أبو محمد عبد الله بن أحمد بن جعفر الفرغاني ) .

    15 – ( أحمد بن كامل بن خَلَفَ بن شجرة ) .

    16 – ( سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي ) .

    17 – ( أبو شعيب الحرّاني ) .

    18 – ( عبد الغفار الخُصيبي ) .

    19 –( محمد بن أحمد بن حمدان ) ( أبو عمر النيسابوري ) .

    20- ( محمد بن شعيب بن إبراهيم ) .

    21 – ( محمد بن عبد الله الشافعي ) .

    22 – ( محمد بن علي بن إسماعيل ) – القفال الكبير - .

    23 – ( مخلد بن جعفر الباقرجي ) .

    24 – ( يوسف بن القاسم بن يوسف بن فارس بن سوّار ) .

    25 – ( أحمد بن عبد الله بن الحسين بالجُبني الكبَّائي ) .

    26 – ( أ؛/د بن موسى العباس ) .

    27- ( عبد الله بن أحمد بن الفرغاني )

    28 – ( عبد الواحد بن عمر بن محمد ) ( أبو طاهر البغدادي البزّار ) .

    29 – ( محمد بن أحمد بن عمر ) ( أبو بكر الضّرير الرّملي ) .

    30 – ( محمد بن محمد بن فيروز ) ( أبو عُبيد الله الكرْجي ) .

    وهؤلاء التلامذة الأعلام – على كثرتهم – تنوّعت علومهم فيما أخذوه عن شيخهم وإمامهم الإمام " الطبري " – عليه الرحمة والرضوان - .


    (( تفسير الطبري )) :

    ذلك هو مقصدنا وغايتنا ...

    ويعتبر تفسير الإمام " الطبري " – جامع البيان في تأويل آي القرآن – باتفاق وإجماع العلماء ، قدماء ومحدثين – موسوعة علميّة كبرى ، ودائرة معارف متعددة الأغراض ، متنوعة المعارف ؛ لأنه يحتوي على مختلف صنوف العلوم الدينية ، واللغوية ، مما يندر وجوده في تفسير آخر ، ومن أجل كل هذا عدَّ الذروة فر بابه وموضوعه ؛ وقال عنه الكثيرون بأنَّه " أبو التفسير " .

    ويقع هذا التفسير العظيم في ثلاثين جزءًا من الحجم الكبير ، يبدأ بمقدمة مُطَوَّلة شرح فيها محتويات الكتاب ، وعرَّف به ؛ واعتمد – رحمه الله – فيه على ما اشتهر من أقوال الصحابة والتابعين ، أمثال " ابن عباس " – رضي الله عنهما – " وسعيد بن جُبير " و " مجاهد بن جبر " و " قتادة بن دعامة السَّدوسي " و " الحسن البصري " و " عكرمة " – مولى " ابن عباس " و " الضَّحاك بن مزاحم " و " عبد الله بن مسعود " و " عبد الرحمن بن يزيد بن أسلم " و " ابن جريح " و " مقاتل بن حيان " وغيرهم من مفسِّري الصحابة والتابعين – رضي الله عنهم أجمعين - .

    وترجع أهمية هذا التفسير إلى أنه :

    1 – وفَّى الناحية التاريخية حقها ، وإلى أنه أقدم كتب التفاسير إطلاقًا .

    2 – واعتماده الناحية العلمية الموضوعية ، واحتوائه على كثير من العلوم والفنون الدينية .

    3 – وإلى كونه – فيما انتهجه – تراثًا حضاريًّا ، وفكرًا مؤصلاً وموردًا رئيسيًّا من موارد العلم .

    4 – وإلى اعتماد أكثر الذين كتبوا في التفسير من بعده عليه ، فكان مرجعهم الأول والأخير ، من بعد عصره إلى يومنا هذا .

    قال عنه " أبو بكر بن خُزَيمة " :

    ( نظرت فيه من أوله إلى آخره ، فما أعلم على أديم الأرض أعلم من " ابن جرير " ) 31 .

    وقال الإمام " النووي " :

    ( لم يصنِّف أحدٌ مثله ) 32 .

    وقال " أبو حامد الإسفراييني " : ( لو سافر رجلٌ إلى الصين حتى يحصل على كتاب تفسير " محمد بن جرير " لم يكن ذلك كثيرًا ) 33 .

    وقال الإمام " السُّيوطي " :

    ( وكتابه – التفسير – أجلُّ التفاسير وأعظمها ، فإنه يتعرَّض لتوجيه الأقوال ، وترجيح بعضها على بعض ، والإعراب ، والاستنباط ، فهو يفوق بذلك على تفاسير الأقدمين ) 34 .

    وقال شيخ الإسلام " ابن تيمية " :

    ( وتفسير " محمد بن جرير الطبري " هو من أجل التفاسير وأعظمها قدرًا ) .

    وقال أيضًا :

    ( وأما التفاسير التي في أيدي الناس ، فأصحها تفسير " محمد بن جرير الطبري " ، فإنه يذكر مقالات الَّلف بالأسانيد الثابتة ، وليس فيه بدعة ، ولا ينقل عن المتَّهمين )35 .

    وهناك شهادات أخرى لكثير من العلماء المهتمّين ، ولقد رأينا الاكتفاء بما قدَّمنا ؛ والله الموفق .


    أخلاقه وصفاته :

    قال عنه تلميذه " عبد العزيز بن محمد " :

    ( وكان " أبو جعفر " ظريفًا في ظاهره ، نظيفًا في باطنه ، حسن العشرة لمجالسيه ، متفقدًا لأحوال أصحابه ، مهذبًا في جميع أحواله ، جميع الأدب في مأكله وملبسه ، وما يخصه في أحوال نفسه ، منبسطًا مع إخوانه ، حتى ربما داعبهم أحسن مداعبة ، وربما جيء بين يديه بشيء من الفاكهة فيجري في ذلك المعنى ما لا يخرج من العلم والفقه والمسائل ، حتى بكون كأجدِّ جدِّ ، وأحسن علم ) 36 اهـ .

    وكان شديد الورع بالغ الزهد ، والحذر من الحرام ، والبعد عن مواطن الشبهة ، وقد دل على ذلك ما جاء على لسانه في كتابه ( آداب النفوس ) .

    وقال " ابن كثير " :

    ( وكان من العبادة والزهادة ، والورع والقيام في الحق لا تأخذه في ذلك لومة لائم ، وكان من كبار الصالحين ) اهـ .

    وكان عفيف اللسان أبيَّ النفس ، أنشد فقال :

    إذا أعسرت لم يعلم رفيقي *** واستغني فيستغني صديقي

    حيائي حافظ لي ماء وجهي *** ورفقي في مطالبتي رفيقي

    ولو أني سمحت ببذل وجهـي *** لكنت إلى العلا سهل الطريق


    وكان – رحمه الله – يكره بطر الغنيّ ، والمذلة من الفقير ، ويقول في ذلك :

    خُلُقان لا أرضى طريقهما *** بَطْر الغنى ومذلة الفقرِ

    فإذا غَنيت فلا تكن بطرًا *** وإذا افتقرت فتُه على الدهر

    وكان – رحمه الله – شديد التواضع في غير ذلَّة ولا مذلَّة ، غير متعال بعلمه ، محببًا إلى أصحابه وتلاميذه .

    هل كان " الطبري – رحمه الله – متشيِّعًا ؟؟

    والمراد بالتشيُّع المغالاة في الرفض ، والمغالاة أيضًا في حب " عليّ " – رضي الله عنه – وآل البيت ، إلى الدرجة التي يطعن من خلالها ببقية الصحابة ، وازدراء مواقفهم ، والتشنيع عليهم ، وسبِّهم سرًا وجهرًا .. ، فهذا مرفوضٌ ممقوت ، وخروج على أصول الدِّين ، وعقيدة أهل السنَّة والجماعة في المحبَّة ، ولم يكن – رحمه الله – يسب الصحابة .


    [IMG]http://eldam3a.**********/;O;O.gif[/IMG]




    [IMG]http://eldam3a.**********/;O;O.gif[/IMG]

  • #2
    رد : الإِمَامُ الطَّبَرِيّ

    السلآم ع ـليكم !

    أخي العزيز أبو صهيب !

    رزقك الله الفردوس الأعلى ، و جعلك ممن يلقآهم يضحك إليهم ، ويضحكون إليه !

    رآئع جدًأ جدًأ مآ قدمت ، بالنسبة لي مآ أفآده طرحك :

    * جعلتنآ نبحر إلى تلك العصور التي ضمت علمآء أفذآذ ، كم تشتآق القلوب والعقول إلى أمثآلهم ،

    فجعلتنآ نقرأ ولسآن حآلنآ يقول : جزآكم الله خيرًأ يآ إمآمنآ الطبري عن الأمة خير الجزآء !

    * جعلتنآ نتفكر في أهمية العلم أكثر و أكثر ، و كم أولوه من وقتهم ، وحيآتهم ، وجسدهم وقبل ذلك

    روحهم ، فكمآ ذكر الإمآم الغزآلي : ( إن هذآ العلم لن يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك ) !

    * تنبهنآ بنعمة عظيمة أنعمهآ الله علينآ نغفل عن شكرهآ وهي نعمة توفر الكتب بين أيدينآ ، فهآ

    نحن نجد أبآ أيوب الأنصآري رضي الله عنه يرحل مسآفآت ومسآفآت ( ولآ يخفى علينآ معنى السفر

    في ذلك الوقت ) لعقبة بن عآمر يسأله أن يحدثه بحديث عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) حدثه

    بحديث وآحد وآحد فقط ثم ركب رآحلته و رجع !

    كم أفنوا حيآتهم في طلب العلم ، ونحن ندرسه بالتكييف ، وكتب محققة ومرتبة ، بدقآئق معدودة

    تتصفح الانترنت و تحصل أعظم الكتب !

    ( أعنآ ع ـلى ذكرك وشكرك وحسن عبآدتك يآ رب )

    مآ أعظم مآ قدمت إمآمنآ الطبري ، فلآ غنى لطآلب علم في التفسير عن " جآمع البيآن "

    ولآ غنى لطآلب التآريخ عن تآريخ الملوك !

    ولآ غنى ولآ غنى .....! ولآ غنى لطآلب علم في أي علم أن يتتبع الطبري فلآ بد و أن يرى أنه كتب

    له شيئ !

    ولآ نقول أنه قطف من كل بستآن زهرة ، إنمآ مر ع ـلأى كثير من البسآتين ، وحصدهآ كلهآ !

    أين أمثآل الطبري في عصرنآ ،" الخير في وفي أمتي" نعم ، لكن "إن الله لا يقبض العلم انتزاعا

    ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء"

    زآدك الله علمًا وورعًا وتقوىً أخي ، بوركت !


    تعليق


    • #3
      رد : الإِمَامُ الطَّبَرِيّ

      للرفع رفع الله قدركم

      هؤلآء أئمتنآ ، لنتعلم سيرتهم ، لآردود و كم من قرآءة !

      تعليق


      • #4
        رد : الإِمَامُ الطَّبَرِيّ

        الإمام الطبري رحمة الله عليه إمام كبير من أئمة المسلمين و طود شامخ من بحور علم التفسيروقد تعرض الى المحنة سببت له الأذى والحصار من ذوي العقول الضيقة فتعرض الى الضرب بالحجارة ومنع من صعود المنبر وإنتهي بهم الأمر الى منعه من الخروج من بيته ولما مات منع أن يدفن في مقابر المسلمين ومنع الناس من الصلاة عليه ولم يوار التراب الا ليلا وصلى عليه بعض الناس في داره خفية ودفن بها رضى الله عليه لا حول ولا قوة الا بالله بسبب أنه خالفهم في تفسير بعض الأيات منها الأية 79 من سورة الإسراء والأية 64 من سورة المائدة
        لكن الأمام الذهبي وهو تلميذ الشيخ إبن تيمية ذكر أن الحنابلة ظلموا الإمام الطبري فقال في كتابه سير أعلام النبلاء ج 14 ص 273 (ما أعلم على أديم الأرض أعلم من محمد بن جرير ولقد ظلمته الحنابلة)

        تعليق


        • #5
          رد : الإِمَامُ الطَّبَرِيّ

          رحمة الله على علمائنا جميعا

          تعليق

          جاري التحميل ..
          X