إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

شكوى الوالدين --------للشيخ عائض القرني

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • شكوى الوالدين --------للشيخ عائض القرني

    شكوى الوالدين




    الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفه لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً.



    والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً على الله بإذنه وسراجاً منيراً.



    أما بعد..



    بينما الحجاج مشغولون بالطواف في الحرم، والشمس حارة والزحام كثيف ، والناس واقفون عند الكعبة المشرفة يسألون المولي جل جلاله..



    كان رجل من أهل اليمن يحمل لأمه على كتفيه، وقد تصبب عرقه واضطراب نفسه، وهو يطوف بها لأنها مقعدة، ويري أن من الواجب عليه أن يكافئها ، لأنه قد كان يوماً ت الأيام حملاً في بطنها ثم طفلاً في حضنها.



    سهرت لينام، وجاعت ليشبع، وظمئت ليروي، فظن أنه كافأها حقاً



    وكان ابن عمر الصحابي الجليل واقفاً عند المقام.



    فقال الرجل: السلام عليك يا ابن عمر، أنا الابن وهذه والدتي، أتري أني كافأتها؟



    قال ابن عمر : والذي نفسي بيده ولا بزفرة من زفراتها.



    فكل هذا التعب والإعياء والجهد لا يساوي زفرة واحدة زفرتها في ساعة الولادة.



    هذه صورة واحدة من صور المعاناة التي يقدمها الوالد وتقدمها الوالدة لهذا الإنسان.



    جلس الرسول صلي الله عليه وسلم بين أصحابه، وإذا بشيخ كبير يدلف عليهم يتكئ علي عصاه، وقد احدودب ظهره ورق عظم واشتعل رأسه شيباً.



    وقف علي رأس المعلم الجليل يشكو إليه من مظلمة من أبنه الذي عقه وتولي عنه في كبره.



    فقال : يا رسول الله ابني ظلمني، ربيته صغيراً ، فجعت ليشبع، وظمئ ليروي ، وتعبت ليرتاح.



    فلما اشتد ساعده تغمط حقي وأغلظ لي ولوي يدي.



    فقال صلي الله عليه وسلم : (( وهل قلت فيه شيئاً))؟



    قال: نعم يا رسول الله.



    قال: (( ماذا قلت))؟



    قال: قلت:



    غدوتك مولــوداً وعلتك يافعاً تعمل بما أجري عليك وتنهل



    إذا لليلة ضاقتك بالسقم لم أبت لسقمك إلا شاكيــاً أتململ



    كأني أنا الملدوغ دونك بالذي لدغت به دوني فعيناي تهمل



    فلما بلغت السن والغاية التي إليها بدا ما فيك كنت أؤمل



    جعلت جزائي غلظة وفظاظة كأنك أنت المنعم المفضــل



    فليتك إذ لم ترع حق أبوتي فعلت كما الجار المجاور يفعل



    فدمعت عيناه صلي الله عليه وسلم وقال: (( علي بالابن)).



    فذهب الصحابة فقادوا ابنه فإذا هو في جسم البغل!



    فأوقفه أمامه وأخذ بتلاليب ثوبه وقال: (( أنت ومالك لأبيك)) ، والمعني : أنت كمثل الرقيق لهذا الوالد يبيعك ويشتريك، فما أنت إلا من متاعه ودنياه.

    وهذه الصورة تتكرر كثيراً في عالم اليوم، مرات من أناس شبوا علي الطوق وقويت سواعدهم واشتدت كواهلم وكبرت جماجمهم، فعقوا ربهم أولاً فما عرفوا بيوته، وأعرضوا عن كتابه وع سنة رسوله صلي الله عليه وسلم .



    ثم عقوا الوالدين في وقت الضعف



    فلم نعد نرى إلا الشيوخ والعجائز وهم يبكون من ذلكم العقوق الأليم.



    وكم رأينا من طاعن في السن يدب على الأرض دبيباً يشكو ابنه.



    ونحن نرفع شكواه إلي الواحد الأحد الذي ينصف سبحانه، والذي لا تسقط عنده مظلمة.



    يروي لنا المعصوم صلي الله عليه وسلم قصة ثلاثة خرجوا إلي الصحراء من بني إسرائيل، فأظلم عليهم الليل البهيم، فصعدوا جبلاً ودخلوا غاراً ، فانطبقت عليهم الصخرة فسدت أبواب الغار، فلا اتصال ولا عشيرة ولا قبيلة ولا أهل.



    وهذه ساعة الاضطرار، )أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوء)(النمل: الآية62).



    ولا يجيب المضطر إلا هو سبحانه، ولا يكشف المكروب إلا هو سبحانه، ولا يفرج عن المغموم إلا هو سبحانه.



    ولقد ذكرتك والظلام مخيم والأسد تزأر في ربا الصحراء



    في وحشة لو غبت عني ساعة لوجدتني شلوا من الأشلاء



    ضل الطريق فقمت أدعو في الدجي متضرعاً في حندس الظلماء



    فأتوا يدفعون الصخرة فما اندفعت، وليس عندهم لا طعام ولا كساء ولا شراب.



    بل هو الموت المحقق.



    فاتصلت حبالهم بحبال الله، والتجأوا إليه سبحانه.



    فقال قائل منهم: والله لا ينجيكم أحد إلا الله، فادعوه بصالح أعمالكم.



    فقام الأول فتذكر أعماله فما وجد أحسن ولا أطيب من بره بوالديه.



    فخاطب الله علام الغيوب الذي يعلم السر واخفي وقال: اللهم إنك تعلم أنه كان لي والدان شيخان كبيران وكنت لا أقدم عليهما أهلاً ولا ولداً، وقد غبت يوماً فأتيت وإذا هما نائمان فحلبت غبوقهما ـ أي لبنهما في الليل ـ فقمت بالإناء علي رأسهما حتى طلع الصباح والصبية يتضاغون ( أي يصيحون ) تحت قدمي أحداً عليهما.



    اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء مرضاتك فاكشف عنا ما نحن فيه.



    فانزاحت الصخرة قليلاً عن باب الغار غير أنهم لا يستطيعون الخروج.



    فقام الآخر .. إلى آخر الحديث المشهور.



    ويقول المعصوم صلي الله عليه وسلم : (( لا يدخل الجنة قاطع)).



    ويقول صلي الله عليه وسلم : (( لما خلق الله الرحم تعلقت بالعرش وقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة))، أي: أشكو إليك القطيعة في الدنيا فأنصفني من القاطع.



    (( قال الله لها : ألا ترضين أن اصل من وصلك، وأن أقطع من قطعك؟ قالت: بلي، قال: فذلك لك)).



    فالقاطع يقطعه الله: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) (محمد22،23) .



    وقد قرن سبحانه حقه بحق الوالدين في القرآن كثيراً، فقال: )وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً) (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً) (الاسراء:23/24).



    فكلمة (أف) علي صغر حروفها لا يجوز أن تقال للوالدين.



    فكيف بمن تنعم في القصور والفلل وأهان والديه؟



    وكيف بمن قدم زوجته على أمه؟



    وكيف بمن أغلظ في الخطاب وعصى في الجواب؟



    إنها صور تتكرر في مجتمعنا ونراها ونسمعها كثيراً.



    فليت أصحاب العقوق يتعظون بتلكم الآيات والأحاديث التي تحذرهم من هذا المسلك الأليم، الذي لا يستحقه الأبوان اللذان تعبا وشقيا وربيا.



    وليتهم يعتبرون بقصص الصالحين وببرهم بوالديهم.



    كان ابن سيرين يقدم لوالدته الطعام ولا يأكل من الإناء الذي تأكل منه خشية أن تسبق يده إلى لقمة تشتهيها.



    وكان الإمام أحمد على جلالته يخدم والدته في البيت حيث لم يكن لها إلا هو بعد الله معيناً.



    فكان يصنع طعامها ويكنس بيتها ويقوم بالأعمال عنها.



    وللعقوق صور كثيرة، منها عقوق الوالدين كما سب وهو اشهره.



    ولكن هناك عقوق من نوع آخر، وهو عقوق الأمة لبارئها كما نري، حيث انصرفت عن دينها وعن طاعة ربها وأصبحت تقلد الكافر البعيد في كل أحواله وسلوكياته، متوهمة أن التطور والحضارة يكونان في ذلك التقليد وتلك التبعية.



    وما علمت أن الحضارة والرقي هي في التميز بشخصيتها وتحقيق كتاب ربها وسنة نبيها صلي الله عليه وسلم على الواقع.



    اسأل الله أن يسدد هذه الأمة ويعيدها إلى مجدها من جديد لتكون خير أمة أخرجت للناس.



    والله أعلم، وصلي الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

  • #2
    رد : شكوى الوالدين --------للشيخ عائض القرني

    باركـ الله فيكـ أخيتي في ميزان حسناتك إن شاء الله ...اللهم إغفر لنا تقصيرنا وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك

    تعليق

    جاري التحميل ..
    X