إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

"شريان الحياة".. النخوة حينما تأتي من الآخر!

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • "شريان الحياة".. النخوة حينما تأتي من الآخر!

    "شريان الحياة".. النخوة حينما تأتي من الآخر!
    الاثنين 25 محرم 1431 الموافق 11 يناير 2010





    الإسلام اليوم

    في إعادة لما قام به أولئك النفرُ من العرب الذين تحركت النخوة في صدورهم وأحسوا بفظاعة الْجُرم الذي ارتكبته قريش ومن حالفها في حصار الرسول (صلى الله عليه وسلم) وبني هاشم في شِعب أبي طالب، جاءت قوافل "شريان الحياة" الثلاثة إلى قطاع غزة لكسر الحصار الذي فرضه الاحتلال الصهيوني منذ ما يقارب الأربع سنوات، لكن المفارقة هنا أن الذين كسروا الحصار في غزة هذه المرة ليسوا عربًا في غالبهم، بل أجانب غربيون يتقدمهم النائب البريطاني "جورج جالاوي" الذي صرَّح في أول قافلة قائلًا: "وصلنا في يوم مولد الرسول محمد "صلى الله عليه وسلم" بعد رحلة طويلة وصعبة.

    فقيمة قوافل "شريان الحياة" الثلاثة ليس بما تحمله من مواد إغاثية من طعام ودواء فقط, وإنما برسالتها القوية والمؤثرة, وهي القوافل التي اخترقت كياناتٍ وثقافاتٍ وشعوبًا مختلفة, صرخت فيهم وهي تمضي نحو غزة المحاصَرة, إن هناك أناسًا يُقتلون, يجوَّعون, يحاصَرُون على مسمع ومرأى العالم الذي يدعي التحضر والحرص على الإنسان وحقوقه.

    لقد أغضبت قوافل "شريان الحياة" المحاصِرين لغزة, وأحرجت القاعدين عن الفعل المؤثر لإزالة الحصار الذي لم يعدْ له مبرِّر, بعد مجزرة غزة التي استهدفت الإنسان ومؤسسات المجتمع وبنيته التحتية, أغضبهم عناد الرجل الذي أصر على العبور من معبر رفح, ليؤكد جالاوي ذلك البريطاني الثائر على السيادة العربية الخالصة على هذا المعبر, والذي يرفضها البعض العربي ويصر على إقحام الكيان الصهيوني في مسألة معبر رفح.

    شريان الحياة 1

    تعتبر قافلة "شريان الحياة 1" هي الأولى بين قوافل كسر الحصار التي وصلت غزة، تدخل من معبر رفح المصري، حيث كانت القوافل السابقة تأتي عبر البحر حيث تعترضها البوارج الحربية الإسرائيلية، وكان في ذلك إشارة رمزية لضرورة فتح هذا المعبر بصورة دائمة، فإذا كان غير العربي ينصر غزَّة ويقطع آلاف الأميال لإغاثتها، أليس حريًّا بالعرب أن يفعلوا ذلك من باب العروبة أو الإسلام أو الجوار أو الإنسانية؟!!

    ولعلَّ أهم ما أكدت عليه هذه القافلة أنه بالإصرار ينكسر الحصار فأعضاء القافلة الثلاثمائة قدموا على متن 120 مركبَة قطعت أكثر من عشرة آلاف كيلو متر، بعد رحلة برية دامت أكثرَ من ثلاثة أسابيع منذ انطلاقها من لندن يوم 14 فبراير 2009، مجتازةً الجزائر والمغرب وتونس وليبيا قبل أن تصلَ إلى مصر، وقبل أن تكسر حصار غزة كانت القافلة هي السبب ولأول مرة منذ 15 عامًا في فتح مؤقت للحدود بين المغرب والجزائر، فأي عزيمة هذه وأي إرادة تلك التي حملها أولئك الشجعان ليقولوا لطغاة العالم كفى ظلمًا لأهل غزة.

    ورغم المصاعب التي لاقتها القافلة من قِبَل السلطات المصرية لدخول القطاع إلا أنها وصلت، وحينها قال جالاوي: "القافلة تسعى لإيصال الأمانة التي حمَّلَها إياها مئات الآلاف من الأشخاص في بريطانيا من مختلف شرائح المجتمع بمن فيهم الفقراء والمحتاجون، من أجل ضمان أن يكون لكل طفل فلسطيني ملابس يرتديها ولكل مريض علاج يتناوله، ولكل من هدم منزله أن يجد سكنا يؤويه، إن القافلة تحمل رسالة إلى العالم مفادُها أن الشعب البريطاني ليس عدوًّا للأمة الإسلامية، وأن ممثل الرباعية للسلام ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير لا يمثِّل البريطانيين.

    وشهِدَت هذه القافلة توحد المسلمين حيث رافقها مسلمون بريطانيون وعرب ليؤكدوا على إسلامية القضية، كما أكد جالاوي على بُعدها الإنساني، كما أثبتت هذه القافلة أن غزة باتت رائدةَ الحرية وقِبلة المستضعَفين والمظلومين في أرجاء العالم، فصمودُها الأسطوري أمام رابع جيش في العالم جعل مقاومتها مدرسة لتلاميذ الحرية.

    شريان الحياة 2

    وفي السادس عشر من يوليو من العام الماضي، دخلت قافلة "شريان الحياة 2" قطاع غزة عبر معبر رفح البريّ يقودُها النائب البريطاني جورج جالاوي، وقادمة من الولايات المتحدة، وهو ما اعتُبِر نقطةَ تحوُّل.

    وعلَّقت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" على ذلك بقولها: "بعدما أخذت حركات التضامن موقعها في عدد من الدول الأوروبية، تمتدُّ الآن إلى الولايات المتحدة لتثبت أن حصار غزة لا بدَّ من كسرِه"، لافتةً إلى أن الشعب الأمريكي بحاجة إلى معرفة حقيقة للأمور، وما يعانيه الشعب الفلسطيني من جرَّاء الاحتلال الصهيوني.

    وأشارت الحركة إلى أن انطلاق قافلة "شريان الحياة 2" من الولايات المتحدة الأمريكية في ذكرى استقلالِها يعطي دلالةً كبيرةً لكل شعوب العالم المتحضر وحكوماتهم والمدافعين عن حرية الشعوب أن من حق الشعب الفلسطيني نيْلَ حريته واستقلالَه كبقية شعوب العالم الذين عانوا من ظلم الاحتلال؛ بما فيهم الشعب الأمريكي.

    وتَمَّ السماح للقافلة، التي تضم 200 متضامن بينهم جالاوي، و12 شاحنة تحمل أدوية، بعبور معبر رفح إلى غزة، وذلك بعد مفاوضات مع السلطات المصرية، فيما كان جالاوي قد وصل ميناء رفح على رأس القافلة، وبرفقته 55 شخصًا من النُّشطاء والمتضامنين مع الفلسطينيين؛ من بينهم أربعة حاخامات يهود ممن يناهضون سياسة الاحتلال الصهيوني.

    وكعادتها قرَّرت السلطات المصرية منع دخول شاحنات المساعدات عبر معبر رفح الحدوديّ، وطلبت من القافلة إدخالَها عبر معبر كرم أبو سالم، الذي تسيطر عليه قوات الاحتلال الصهيوني؛ الأمرُ الذي رفضتْه قيادةُ القافلة بشكلٍ قاطع، كما طلبت من أعضاء القافلة عدمَ المكوث في قطاع غزة أكثر من 24 ساعة، وسمحت فقط بإدخال بعض المساعدات الطبية للقطاع.

    شريان الحياة 3

    خطَّط النائب البريطاني وأعضاءُ قافلته "شريان الحياة 3" لدخول غزة في الذكرى الأولى للعدوان الصهيوني الإجرامي على القطاع يوم الـ27 من ديسمبر لعام 2009، إلا أن معوِّقات السلطات المصرية أخَّرَتْه إلى بدايات العام الجديد 2010، مما جعل جالاوي ورفاقه يتهمون السلطات المصرية بأنها قصدت من ذلك تفويت الفرصة للتذكير بالعدوان الإجرامي.

    وكانت قافلة "شريان الحياة 3" قد انطلقت من العاصمة البريطانية لندن في السادس من ديسمبر الماضي مرورًا بفرنسا وإيطاليا واليونان، وحاليًّا تركيا، ومن ثَمَّ إلى سوريا والأردن ومصر باتجاه غزة التي من المتوقع أن تصلها يوم 27 من الشهر الجاري.

    وفي الطريق انضمَّ إليها 65 سيارة وشاحنة مُحمَّلة بالمساعدات الطبية والإنسانية مقدَّمة من هيئة الإغاثة والتنمية التركية، وضمَّت ما يقارب 600 متضامن من أكثر من 40 دولة وتعرَّضت للعديد من المعوِّقات أثناء رحلتها إلى غزة؛ أبرزها تغيير خط سير القافلة بعد وصولها إلى ميناء العقبة، والاشتباك مع الأمن المصري في ميناء العريش وتعرُّضها للضرب بالهرَّاوات والغاز المسيل للدموع والرمل المذاب.

    بدأت هذه المعوِّقات لدى وصولها الأردن، حيث منعت أجهزة الأمن القافلة من التوجُّه إلى قلب العاصمة عمان باتجاه مجمع النقابات المهنية، حيث كان من المتوقَّع أن تخيم القافلة في محيط المجمع لمدة يومين.

    ومع استمرار رفض السلطات المصرية دخول القافلة ميناء نويبع عادت القافلة أدراجَها إلى ميناء اللاذقية بسوريا ومنه إلى العريش استعدادًا لدخول غزة، وفي العريش وقعت اشتباكات بين المتضامنين وقوات الأمن المصرية أسفرت عن وقوع عدد من الإصابات في الجانبين، وما زاد من صعوبة الأمر أن اشترطت مصر موافقة سلطات الكيان الصهيوني لدخول القافلة إلى القطاع، وهو ما رفضه أعضاءُ القافلة بشدَّة وأعلنوا دخولَهم في إضراب عن الطعام حتى تسمحَ لهم السلطات المصرية دخول القطاع.

    وبعد مناوشاتٍ واتهامات واشتباكات، وافقت السلطات المصرية على دخول القافلة للقطاع يوم السادس من يناير، وأعرب المشاركون في القافلة عن سعادتهم لتغلبِهم على الصعوبات التي واجهوها في ميناء العريش مرددين هتاف "الله أكبر" خلال خروجهم من الميناء، وكذلك "تحيا فلسطين".

    وفي الثامن من نفس الشهر أي بعد دخولِها بيومين، بدأت قافلة "شريان الحياة 3" بمغادرة قطاع غزة عبر معبر رفح البري، وكانت مصر سمحت بعبور القافلة بعد عرقلة كبيرة كما سمحت بعبور 139 شاحنةً كانت معهم، بينما رفضت عبور 45 سيارة كونها "لا تندرج تحت مسمى مساعدات إنسانية" وفق وصفها، فيما لقيت القافلة، التي سلمت المساعدات التي أحضرتها للجهات المعنية، ترحيبًا كبيرًا من الجماهير والحكومة الفلسطينية بغزة.

    وعقب سلسلة من المعوِّقات وقيام أجهزة الأمن المصرية باحتجاز 7 نشطاء من المشاركين في القافلة وهم فردان يحملان الجنسية البريطانية، و2 من تركيا، والآخرون من جنسيات أمريكية وماليزية وكويتية، سمحت السلطات المصرية لكافة المتضامنين من القافلة بالسفر دون احتجاز أحدٍ منهم، وقال الناطق الرسمي باسم "قافلة شريان الحياة 3" زاهر البيراوي: إنه بعد المعوِّقات العديدة التي قامت بها السلطات المصرية في مطار القاهرة سمحت السلطات لكافة المتضامنين بالسفر دون احتجاز أحدٍ منهم، وذلك بعد أن ناشدوا سفارات بلدانهم حلَّ أزمتهم التي نتجت من ادِّعاء السلطات المصرية ضياع بعض جوازات السفر الخاصة بأربعة متضامنين.

    وفورَ انتهاء أزمة قافلة "شريان الحياة3"، خرج وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط ليعلن آلية جديدة تمنع قوافل إغاثة قطاع غزة، وقال: إن هذه الآلية تقضي بتسليم مواد الإغاثة التي تذهب إلى قطاع غزة عن طريق الهلال الأحمر المصري، ومنه إلى الهلال الأحمر الفلسطيني"؛ مما يعني منع قوافل الإغاثة بشكلها الحالي، مثل "شريان الحياة"، من الذهاب إلى القطاع المحاصَر لتسليم المساعدات.

    وأضاف: "يمكن بمقتضى هذه الآلية قيام الراغبين في إرسال المعونات إلى الشعب الفلسطيني تسليمها إلى الهلال الأحمر المصري والسلطات المصرية في ميناء العريش، على أن تقوم السلطات بكافة الإجراءات الكفيلة بتسليمها إلى الهلال الأحمر الفلسطيني داخلَ قطاع غزة".

    إلا أن جالاوي لم يفوِّت الفرصة واتهم السلطات المصرية بأنها جزءٌ من الحصار الصهيوني على القطاع، قائلًا: إن "جدار العار" الذي تبنيه السلطات المصرية على الحدود مع قطاع غزة يحتاج إلى تحدٍّ، و"سأكون أنا من يتحدَّاه، وأوضح أن السلطات المصرية صادرت سيارتَه ومنعت سياراتٍ أخرى تابعة للقافلة من دخول القطاع، مضيفًا: "لن أتفاوض بعد اليوم مع أي فردٍ من حكومة مصر، ومن المستبعد أن تطأ قدماي أرضَها أبدًا طالما بقيت تحيط بها سياسة العار هذه".

    شريان الحياة والجدار الفولاذي

    في مارس 2009م قدَّمت الولايات المتحدة الأمريكية لحكومة مصر 32 مليون دولار لإنشاء منظومة للمراقبة الإلكترونية وغيرها من العتاد والمعدات الأمنية، لمنعِ حركة الغذاء والبضائع والأسلحة إلى غزة.. والآن بدأ تنفيذُ الخطة حول إقامة جدار تحت الأرض من فولاذ الحديد الصلب، لتشديد الحصار على قطاع غزة.

    وقالت كارين أبو زيد المفوضة العامة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا): إن الجدار الفولاذي "صنع في الولايات المتحدة" وقد تم اختبار مقاومته للقنابل وإنه أقوى من جدار "خط بارليف" الذي بنته دولة الاحتلال على امتداد الضفة الشرقية لقناة السويس بعد احتلالها لشبه جزيرة سيناء المصرية عام 1967.

    فكثيرةٌ هي الانتهاكات الإسرائيلية للسيادة المصرية التي يتم التغاضي عنها، وكم من مرة انتهك الطيران الإسرائيلي الأجواء المصرية، وكم من مرة قُتل وجُرح جنود مصريون، ثم مرّ ذلك مرور الكرام بعد اعتذارٍ عابرٍ، وأحيانًا من دون اعتذار.

    ولا يستطيع أحد أن يصدِّق تبريرات السلطات المصرية بأن الجدار الفولاذي الذي يُبنَى على طول محور صلاح الدين هو دفاع عن السيادة المصرية، بينما يعلم الجميع أنه جاء بضغوط أمريكية، وأنه صُنع في الولايات المتحدة، حتى لو جاء توقيته في ظلّ شعور القاهرة بضرورة الضغط على حركة حماس من أجل الموافقة على ما يُعرف بالورقة المصرية للمصالحة كما هي.

    وفرنسا التي تشارك مصر في حصار غزة وبناء هذا الجدار بالتعاون مع القوات الأمريكية هي نفسها فرنسا التي قَتلت آلاف المصريين في العدوان الثلاثي، لكن يبدو أن كل الأعداء يصبحون أصدقاءً عندما يكون الهدف القضاء على الإسلام والمسلمين.

    ومما يصعِّب الأمر هو أن ترى تركيا ودول أوروبا تقيم احتفالات ضخمة لاستقبال قافلة شريان الحياة بينما تجبرها مصر على المبيت في العراء وتمنعها من الوصول لغزة، ليبرزَ السؤال: هل أيضًا هذه القافلة خطرًا على أمن مصر القومي؟!

    وفي ذلك يقول المستشار طارق البشري: إنَّ بناء الحكومة المصرية "الجدارَ الفولاذي" على حدود قطاع غزة، سيحوِّل مصرَ إلى "حامٍ لأمن إسرائيل"، مؤكدًا تعارض هذا الجدار مع أمن مصر القومي.

    وأضاف، أنه يفترض على مصر أن تعتبر عدوها الأول هو الكيان الصهيوني لا قطاع غزة المُحاصَر، مشددًا على أن الحل "كي تحمي مصر أمنها وتمنع التهريب عبر الحدود مع غزة هو فتح معبر رفح لا غلقه وبناء جدار أيضًا".
جاري التحميل ..
X