إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

فقه (ابن الرومي) ..!!

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فقه (ابن الرومي) ..!!

    للشيخ ناصر الفهد
    ---------------------------
    فقه (ابن الرومي) ..!!

    يسمى عصرنا هذا عصر (السرعة) ...

    سرعة في (المواصلات) ...

    سرعة في (الاتصالات) ...

    سرعة في كل شيء ...

    وحتى الطعام ... دخلته السرعة ... وصار هذا الوقت عصراً للوجبات السريعة ...

    ومن المعلوم أن الذين طوروا وسائل السرعة هذه ، واخترعوا أدواتها .. هم الكفار ...

    ولا يعزى للمسلمين في الوقت الحاضر شيء منها...

    إلا أن هناك تطويراً غفل عنه الكثيرون ...

    وهو من إنتاج بعض العباقرة من المنتسبين للأمة الإسلامية ...

    إنتاج عبقري ... من عباقرة ...

    وهو تطوير (الفتوى) ... و (علوم الشرع) ...
    فـ(علوم الشرع) :
    كانت – إلى وقت قريب – لا يتكلم فيها إلا فحول العلماء المحققين ، حتى لو كانوا من أهل البدع ...

    إلا أنها في عصر السرعة طورت ... حتى صار (أي طرطور) يتكلم فيها ...

    وصارت المسألة التي يؤلف فيها الفحول المجلدات لتقريرها بالأدلة ...

    يكتفي فيها ذلك (الطرطور) بعمود صغير ، يقرر رأيه ، ويسفه قول أولئك الفحول ...

    وصار العلماء الأكابر ... يناطحهم المتخصص في (الأسمدة) ...

    وهذا إنجاز لا يستهان به من إنجازات (المطوراتية) ...

    جعل (الطراطير) في مصاف (الأئمة الفحول) ...

    فنحن في عصر السرعة ...

    وطورت (عقيدة المسلمين) ... فصارت القضايا التي يفاصل فيها المتقدمون غيرهم ...

    ويشرعون بسببها الرماح ... وينصبون الأسنة ...

    صارت بفضل المطوراتية : (رأيا يقبل النقاش) ...

    فصار التوحيد (وجهة نظر) ...
    و الكافر (أخا) ...
    والرافضي مسلما ...
    والكفار (أحبابا) و (أصحابا) ...

    كما أن (المطوراتية) اكتشفوا خللاً في (الموروث) ...

    فرأوا أن المتقدمين أخطأوا حينما وضعوا (الجهاد) في (الجغرافيا) ..

    فصححوا ذلك الخطأ ... وقاموا بنقله إلى (التاريخ) ...
    وهذا إنجاز لا يستهان به أيضاً ...
    فنحن في عصر السرعة ...

    ومن إنجازات (المطوراتية) :
    عمل (توسعة للإسلام) ...
    فإنهم رأوا أن الإسلام كان ضيقا في العصور الماضية ...
    فأرادوا أن يستوعب أكبر عدد من الناس ...
    فقاموا بتوسيعه ...

    فإذا كان الصحابة رضي الله عنهم بدأوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم بتكفير أمم من الناس وإخراجهم من الإسلام وقتالهم ...

    فهذا لأن مساحة (الإسلام) كانت ضيقة في وقتهم ، قبل التوسعة ...
    لا يستوعب تلك الأعداد ...
    وإذا (وسع) الإسلام حتى يستوعب الناس على شتى أفكارهم ...
    فما الحاجة إلى لفظ (مرتد) ؟ ...
    وما الحاجة إلى (حد الردة) ؟...
    فقالوا : (باي باي : حد الردة) ...
    وعقبال باقي (الحدود) ...

    ومن أعمال (المطوراتية) :
    تطوير (الفتوى) :
    فقد دخلت (الفتوى) في هذا الزمن (موسوعة غينيس ) بصفتها حققت الرقم القياسي في (السرعة) الذي عجز عن تحقيقه المتقدمون ...
    وهذا مما يحسب لهؤلاء...

    كما ظهرت :
    (فتاوى: حسب الطلب) ...
    و (فتاوى : سفري ) ...
    و (فتاوى : بفرخة) ...
    فصار الربا الاستهلاكي حلالاً ...
    وبقاء المرأة المسلمة مع الكافر لا بأس به...
    وأكل الطعام الذي يحتوي على نسبة قليلة من الخنزير (هنيئا مريئا) ...
    ولم ينس (المطوراتية) الدجاج من كرمهم ...
    فإنهم اكتشفوا خطأ في (اللغة) ...
    حيث زعم العرب أن (بهيمة الأنعام) هي : الإبل والبقر والغنم ...
    فرأوا أن العرب حجروا واسعاً حين أخرجوا (الدجاج المسكين) من (بهيمة الأنعام) ...
    فأدخلوا (الدجاج) في (حوش) : (الأنعام) ...
    وجوزوا التضحية بها على بركة الله ...

    والبقية في الطريق ...

    فنحن في عصر السرعة ..
    ولا يزال العمل على (تطوير الإسلام) جارياً على قدم وساق ...

    ولقد استطاع (المطوراتية) عمل هذه الإنجازات في وقت يسير بسبب اتباعهم لأصول الاستدلال عند فقيههم (ابن الرومي الشاعر) ...
    وذلك أن له أصلاً من (أصول الفقه) في القدرة على (تحليل الحرام ) عند النظر إلى خلاف الفقهاء ...
    ولكن المشكلة أن أصله هذا لا يذكر في أبواب (أصول الفقه) ...
    وإنما يذكر في أبواب (الأدب الماجن) ...

    فهذا (الشاعر ابن الرومي) ، لمس حاجته إلى شرب الخمر ...
    فنظر في خلاف أهل العلم ...
    فرأى أن العراقيين يفرقون بين النبيذ – وهو عصير غير العنب – فيجيزونه ما لم يصل إلى حد الإسكار ...
    ويحرمون ما عداه من المسكرات ...
    بينما ذهب الحجازيون إلى التسوية بين الشرابين وتحريمهما ...
    فاستطاع (ابن الرومي) – بقدرته التطويرية – أن ينتزع إباحة الخمر من هذا الخلاف ...

    فأخذ من قول العراقيين : إباحة النبيذ ...
    وأخذ من قول الحجازيين : أن حكم الشرابين واحد ...
    والنتيجة من (ضرب الطرفين في الوسطين) = الخمر حلال ...

    فقال :
    أبـاح الـعراقي النـبـيذ وشربـه ========== وقال : الحرامان المدامــة والسكر
    وقال الحجازي :الشرابان واحـــد ======= فحلت لنا من بين اختلافهما الخمر
    سآخذ من قوليهما طــرفيـهمـا ========== وأشربـها لا فارق الوازر الــوزر

    فهذا أصل (المطوراتية) سواء بسواء (1)....
    كتبه /
    ناصر بن حمد الفهد
    الخميس : 14 / 6 / 1423 ___________

    (1) وخذ مثالين تؤكد لك أن أصل (المطوراتية) الفقهي هو (أصل ابن الرومي) هذا :

    المثال الأول : إباحة الربا الاستهلاكي :
    قالوا : يجوز للمسلم في بلاد الغرب غير القادر على السكن ونحو ذلك أن يقترض من بنوكهم قرضا ربويا ، بناء على قول للحنفية في ذلك .

    قلت : وإنما نسبوا هذا القول للحنفية بناء على أصل ابن الرومي المتقدم ، وإلا فالحنفية يقوم مذهبهم في هذه المسألة على أمرين :
    الأول : أن المعاملة الربوية تكون بين مسلم ، وكافر (حربي) .
    والثاني : أن المسلم إذا دخل دار (الحرب) يجوز له أخذ مال الكفار بأي طريق يقدر عليه ، ومنه (الربا) إذا كانت (الزيادة) للمسلم ، لا ؛ للكافر .
    وهؤلاء الذين استندوا على قول الحنفية : لا يرون تلك الديار (دار حرب) ، ولا يرون للمسلم أن يستولي على مال الكافر بأي طريق ، ولا يجعلون (الزيادة الربوية) للمسلم ، بل هو الذي يدفعها للكافر ، فأين هذا القول من قول الحنفية ، وإنما أخذوا ( طرف) قول الحنفية ، وتركوا الباقي ، كما أخذ (ابن الرومي) (طرف) قول الحجازيين ، وترك الباقي .

    والمثال الآخر : أجازوا للمرأة إذا أسلمت أن تبقى تحت زوجها وإن كان كافرا ، ونسبوا هذا المذهب لبعض التابعين ولشيخ الإسلام ابن تيمية :
    قلت : وهذا القول لا يقول به أحد من المسلمين ، بل كلهم مجمعون على ما ورد في القرآن والسنة من عدم جواز بقاء المسلمة تحت الكافر ، وإنما قول شيخ الإسلام وغيره هو : أن العقد لا ينفسخ بإسلامها ، بل لو أسلم زوجها ولو بعد سنوات فإنها تعود إليه بالنكاح الأول ، ولا يحتاج إلى عقد جديد ، وأما بقاؤها معه فلا يقوله الشيخ ولا غيره ؛ إلا على أصل (ابن الرومي) ، حيث يؤخذ بـ(طرف) قوله ، وهو عدم فسخ العقد ، ويترك الباقي .

  • #2
    محنة الفرد المسلم في مجتمع لا يحكمه الإسلام

    يا صاحب الفضيلة . هذه هي المرة الثالثة التي أوجه فيها رسالتي إليكم . وأكتفي هنا بأن أسجل صورة ملخصة للرسالتين السابقتين .
    إني أكتب هذه الرسالة إلى فضيلتكم مبتدئًا إياها بتهنئتكم على ما وهبكم الله من سعة الإطلاع وغزارة العلم ، ونظرتكم الثاقبة إلى المسائل الدينية والدنيوية ، ثم توجيهاتكم القيمة . ولا أخال فضيلتكم إلا أن تعتبروني صادقًا فيما أقول ، لأنه ليس ثمة ما يدعوني إلى سوى الصدق.
    هذه الرسالة -سيدي - لا أريد الجواب عليها بالراديو أو التلفاز ، فهي شخصية بحتة ، ولهذا تجد فضيلتكم مع هذا ظرفًا معنونًا باسمي .
    يا صاحب الفضيلة ، قد ظهر في هذا العصر أمور ومعاملات لم تكن موجودة أيام الصحابة والتابعين والأئمة ، وأنا أعلم أن الإسلام غير عاجز عن حلها . ولكن أين المجتهدون ؟ ولو وجدوا ، فمن يجمعهم لحل كل غامض ؟ ثم أيضًا أين هم العلماء الذين صارعوا الحياة المادية ( التجارة ومشاكلها ، وتغير النظم ومتاعبها ، وتجدد المعاملات بأنواعها ) فعلا ، فعرفوا قسوتها وذاقوا أتعابها ؟ إن أغلب علماء الدين يعرفون فقط ما دونته كتب الفقه القديمة عن المعاملات والجنايات وغيرها ، لمجرد وظيفة قضاء وما أشبهها . ولذلك فهم لا يعرفون مدى الصعوبات التي تدونها الكتب ، مع أن الحل موجود في الكتاب والسنة ، إما بالنصوص الخاصة أو بالنصوص العامة ، ولو وجد التعمق والاجتهاد. مثلهم بذلك مثل الطبيب الذي يصف الدواء من الكتاب مع صرف النظر عن ظروف المرض والمريض. فأين أمثال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، الذي منع قطع يد السارق ، ومنع الزكاة عن المؤلفة قلوبهم ، ومنع حد شارب الخمر .. الخ لظروف خاصة ، ورغم وجود آيات ناصة ، فذلك هو العلم الصحيح والاجتهاد الحي ، الذي حق للإسلام أن يسمى به " الملة السمحة " .
    ومن المتأخرين ، زار البلاد الأجنبية التي أنا صاحب تجارة فيها ، شيخان عربيان من الراسخين في العلم ( لم أسترخصهما بأن أذكر اسمهما ، إنما يعرفهما فضيلتكم حق المعرفة ) فعرضت عليهما مسائل كان في خاطري منها شيء ، منها التأمين على البضائع المشحونة وغيرها لأن أهلها يصرون على ذلك ، أو نعوضهم نحن عما يتلف .
    ومنها : الاقتراض من البنوك لتوسعة العمل ومنه الكسب ، وكل هذه تشتمل على مبالغ ضخمة لا يمكن تطبيق ما جاء في الكتب عليها ، ولا العملاء ولا البنوك يوافقون على غير أنظمتهم بها .
    فأجاب أحدهما حفظه الله أنه لا يقدر أن يفتي بمثل هذه المسائل لأنها تحتاج إلى اجتهاد فإجماع. فقلت له : إني لا أطلب فتوى ولكن أريد رأيه الخاص بهذه المسائل المستجدة . فأجابني أنه إذا كانت المسألة مسألة إبداء رأي فهو حسب الظروف الراهنة لا يرى بأسًا بهذين الأمرين.
    أما الثاني فهو مبدئيًا لم يتردد بأن يقول لي " لا بأس " إنما اشترط أن يكون المؤمن عنده شركة غير مسلمة ، وأضاف أن المرحوم الشيخ بخيت أفتى بذلك .
    والآن قد استجد عندي مسألة ثالثة ، لا أطلب من فضيلتكم الفتوى من جهتها ، وإنما ألتمس أن تتكرموا بإبداء رأيكم فيها ، لأنها في الواقع مسألة عويصة وفي الصميم .
    والمسألة هي : أنا صاحب تجارة في بلاد أجنبية ليس لها دين رسمي في دستورها ، إنما حكومتها خليط من المسلمين وغيرهم ، وكل منهم يتبع القوانين الغربية ، وسكانها فيهم المسلمون وغير المسلمين ، وحكومتها تقول : إن كل ما تجبيه من مكوس وضرائب وجمارك …الخ هو لفائدة الشعب - مسلميهم وغير مسلميهم - ولكن المصيبة أن ضرائب تلك البلاد تصاعدية وباهظة فوق ما يتصوره العقل أو ترضى به النفس والذوق السليم . فلو كانت تلك الضرائب معقولة لهان الأمر ولم يظهر لديّ أي مشكلة . ولنأخذ أمثلة من ضرائبهم التصاعدية للدخل السنوي ، ( تاركين العشرات من أنواع الضرائب الأخرى ) ليتخيلها فضيلتكم :
    1. إذا كان دخلك السنوي 40,000 فالضريبة عليه 12,000
    2. إذا كان دخلك السنوي 100,000 فالضريبة عليه 75000
    3. إذا زاد دخلك السنوي عن 100,000 تصل الضريبة إلى 89 % .
    4. إذا جمعنا كل أنواع الضرائب التي يدفعها الإنسان سنويًا فقد تصل إلى 108 % من دخله . أي أنه يصرف على بيته وأيضا يدفع 8% من رأس المال ( لأن المصرف البيتي والشخصي لا يخصم من الدخل قبل تقدير الضريبة ) فأنا شخصيًا دفعت في العام الماضي : 70,000 كضريبة دخل فقط .
    فالسؤال الآن هو : هل يمكنني أن أنوي ما أدفعه أنه للقسم المسلم من السكان . وبذلك تسقط الزكاة لأني لو أخرجتها فوق ما أدفع للحكومة من تلك لثقل الحمل على كاهلي ؟
    وقبل أن تبدوا رأيكم بهذا السؤال ، أعرف أن لدى حضرتكم بعض الملاحظات عليه ، فها أنا أوضحها:
    ملاحظة فضيلتكم الأولى : ( أنت لم تدفع المبلغ اختيارًا ، بل جبرًا ) .
    جوابي : نعم ، ولو دفعته اختيارًا لما عرضت لي هذه المشكلة ، ولم يكن لزوم بحثها . أيضًا بإمكاني أن أنويها للمسلمين طوعًا لا كرهًا ، أو أنوي ما يجب إخراجه لهم .
    وفيما يلي أختصر بعض الملاحظات والجواب عليها . إذ كانت مطولة في أصل الرسالة .
    ملاحظة فضيلتكم الثانية : لم لا تترك هذه البلاد ؟
    الجواب : حكومة تلك البلاد اشتراكية فلا تسمح لي بإخراج نقودي من بلادهم .
    ملاحظة ثالثة : اخرج بنفسك ودع نقودك وابدأ العمل من جديد في بلاد عربية غير اشتراكية.
    الجواب : أنا الآن في ال65 من العمر ، ومع أني ولله الحمد محتفظ بحيويتي ، فالذي بعمري لا أقول : لا يمكنه ، بل أقول : إن ظروفه غير ظروف الشباب . وأنا علي مسئوليات عائلية ، ولي منزلة اجتماعية لا يسهل إزاءها التقشف .
    ملاحظة رابعة : هل تشكو من مرض ؟
    الجواب : جسماني لا ، ولكني مرهق عقليًا ومتوتر عصبيًا . وإلى حد ما فإنني بسبب ذلك خائر القوى ، فاقد الطمأنينة والاستقرار .
    ملاحظة خامسة : لماذا لا تعرض نفسك على طبيب نفساني ؟
    الجواب : لم أترك بابًا إلا طرقته . وقد هالني أن من يسمون أطباء نفسانيين هم أحوج الناس إلى العلاج . إذن لا يوجد طبيب نفساني بحق على الإطلاق . وإني أرى أن طبيبي النفساني يكمن في عالم ديني مثقف ، واسع الإطلاع ، مجرب ، يراعي الظروف والأحوال ، وإني أرجو الله أني في هذه الرسالة قد وجدت ضالتي المنشودة.
    تكرموا بدراسة ظروفي دراسة دقيقة ، ثم تفضلوا بإعطائي رأيكم الذي أرجو أن أجد فيه ما يريح النفس إن شاء الله .
    ع.س.

    الجواب :
    الأخ الفاضل حفظه الله ووفقه .
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
    فأبدأ رسالتي إليكم بإزجاء الشكر لكم على ما أضفتموه علي في رسائلكم السابقة من أوصاف وفضائل ، أسأل الله تعالى أن يجعلني لها أهلا ، وأن يحقق حسن ظنكم بي ، ويغفر لي ما لا تعلمون .
    وأثني بالمعذرة عن تأخري في الإجابة عن رسالتكم بل رسائلكم ، التي سرني ما تضمنته من معان تدل على فهم ووعي ، وخبرة بالحياة والناس ، والحقيقة أني أخرت الرد عليكم عن قصد حسن لا عن إهمال متعمد ، فقد كنت أؤمل أن أجد عند نفسي فراغًا يمكنني من كتابة رد مفصل على رسالتكم ، نظرًا لما اشتملت عليه من رغبة صادقة في معرفة حكم الإسلام - كما أتصوره على الأقل من وجهة نظري - في مسائل مهمة ، أصبحت جزءاً من حياتنا الحاضرة للأسف الشديد .
    ورغم طول المدة لم أتمكن من تحقيق ما رغبت فيه حتى جاءتني رسالتك الأخيرة ، فأجبرتني على أن أكتب لك شيئًا رغم ضيق الوقت وكثرة الشواغل ، ومشكلة أمثالنا : أن الواجبات عندهم أكثر من الأوقات ، والزمن لا ينتظر ، والناس لا يعذرون ، والعمر قصير ، والظهر كليل ، وقد قال حكيم : لا تسأل الله يخفف حملك ولكن سله أن يقوي ظهرك .
    إن المسائل التي سألت عنها كلها تنبع من عين واحدة ، وكلها يعبر عن مشكلة واحدة ، وهي مشكلة الفرد المسلم يعيش في ظل نظام غير إسلامي ، وحياة غير إسلامية .
    إن كل الأمور التي سألت عنها من التأمين على البضائع ، والاقتراض من البنوك لتوسعة التجارة ، ووجود ضرائب تصاعدية عالية في بعض البلاد ، مع ما يجب على المسلم في ماله من زكاة … كل هذه وأمثالها ، لم تكن لتحدث لو كان نظام الإسلام هو الذي يحكم الحياة ، ويقود المجتمع وفق شرع الله . ولكن مأساتنا أننا أخذنا أنظمة الحضارة الغربية وخاصة في المال والاقتصاد ،وهي أنظمة رأسمالية ، تقوم في الأساس على فلسفة للمال غير فلسفتنا ، ونظرة للحياة غير نظرتنا . فالربا يجري منها مجرى الدم في العروق ، لا تحيا إلا به ، ولا يمكنها الاستغناء عنه ، والمعاملات المشتملة على (الغرر) تسري في نظامها كله .. ولهذا يكون من الظلم أن نحاول نحن ترقيع هذا النظام بأجزاء إسلامية ، لأن هذه الأجزاء ستكون ( قطع غيار ) في غير جهازها وغير مكانها .
    إن خطأنا الأساسي أننا نستفتي الإسلام في مشكلات لم يصنعها هو ، ونريد منه أن يعالج أمراضًا جلبناها نحن من مكان آخر ، ولم نتبع أسلوب الإسلام في الوقاية منها .
    نستورد نظام المصارف أو البنوك بعجره وبجره ، كما أنشأته الرأسمالية الغربية الربوية اليهودية ، ونخضع رقابنا له ، ونجري معاملاتنا على أساس وجوده . ثم نقول للإسلام : حل مشكلاتنا مع البنوك الربوية .
    وجواب الإسلام الصحيح : أن دعوا هذه البنوك وأسسوا لأنفسكم مصارف أو (بنوكًا ) إسلامية الأساس تقوم على غير الربا وتتعامل بشرع الله - إن كنتم مؤمنين .
    وليس هذا بالمستحيل ولا بالمتعذر لو صدقت النيات وصحت العزائم ، فقد قيل : إذا صدق العزم وضح السبيل .
    وقد كتب كثير من الباحثين الإسلاميين المتخصصين في المالية والاقتصاد كثيرًا من البحوث الجيدة حول إقامة مصارف إسلامية ، ووضعوا مشروعات عملية لهذا ، ولا يحتاج الأمر إلا إلى التبني من جهات تملك المال والنفوذ .
    قد تقول : وما ذنب الفرد إذا انحرف المجتمع ، أو انحرفت الأنظمة والحكومات ؟ وماذا يستطيع أن يفعل وهو فرد ، لا يقطع عرقًا ولا يريق دمًا ؟
    والجواب : أن المجتمع ما هو إلا أفراده ، وقد ساهم هو بسكوته ورضاه ، بل بتعامله الإيجابي مع المؤسسات اللا إسلامية - في صنع الواقع المخالف للإسلام .
    وينبغي أن يظل الفرد المسلم غير راض عن نفسه ، وعن الأوضاع المعوجة من حوله وأن يبقى هذا الشعور حيًا متوقدًا بين جنبيه ، حتى يستطيع - بالتعاون مع أمثاله من المؤمنين الثائرين على حياتهم وعلى إنحرافات مجتمعهم أن يعملوا على تغيير الأوضاع اللا إسلامية إلى أوضاع إسلامية ، يومًا ما .
    إن هذه الشحنة هي رصيد هذا التغيير المنشود . وبدون هذه الشحنة النفسية من الغضب والنقمة لا أمل في أن يستقيم نظام أعوج ، أو يصحح وضع منحرف .
    لابد أن يبقى الفرد المسلم في ظل الأوضاع المذكورة شاعرًا بالإثم ، وبالضيق ، وبالتبرم ، فإن هذا الإحساس من بقايا الإيمان ، لأن معناه أنه لا يزال يرى المعروف معروفًا والمنكر منكرًا و أن أخطر ما تصاب به الأمة المسلمة أن تفقد - بطول رؤيتها للمنكرات وإلفها لها - إحساسها بها ، وتمييزها لها ، فلا تلبث أن يختلط عليها الأمر ويلتبس عليها السبيل ، وتضطرب في حياتها الموازين ، حتى ترى المعروف منكرًا والمنكر معروفًا . وقد تتوغل في الضلال ، فتنتهي إلى مرحلة أسوأ وأقبح ، وهي أن تأمر بالمنكر وتنهى عن المعروف ، وربما تفعل ما فعلت بنو إسرائيل ، فتقتل الذين يأمرون بالقسط من الناس .
    إني أشعر ويشعر كل عالم غيور فاهم لحقيقة الإسلام وحقيقة الأوضاع من حوله ولا يأخذ الأمور بظواهرها ، ومن سطوحها لا من أعماقها - أشعر بأن الفرد المسلم يعاني من هذه الأوضاع ما ينوء به ظهره ، إذا أراد أن يحيا مسلمًا حقًا ، غير مخدوش الإسلام .
    ولكني أشعر بجوار ذلك أن من المخاطرة بدين المرء ، وبمصير المجتمع كله - إصدار ( فتاوى تبريرية ) غايتها محاولة إيجاد مخارج فقهية لإضفاء الشرعية على الواقع الذي يضغط علينا ضغطًا شديدًا ، ناسين أن رسالة الدين أن يرتفع بواقع الناس إلى مثله العليا ، لا أن يهبط بِمُثِلِه ليبرر واقع الناس .
    إن هزيمتنا الروحية والفكرية أمام الحضارة الغربية وشعورنا بالنقص تجاهها ، هي التي وضعتنا هذا الوضع الغريب ، وهي محاولة تطويع الدين للحياة ، بدل تطويع الحياة للدين .
    وأي حياة ؟ : إنها حياة لم نصنعها نحن بعقولنا وأيدينا مختارين ، بل صنعت لنا فأخذناها كما هي ، فنحن معها مجرد مستوردين يأخذون ما يصنع لهم ، لا منتجين يصنعون ما يلائمهم . وفرق كبير بين الصانع والمستورد . الصانع إيجابي منشيء ، والمستورد سلبي مستقبل .
    ولئن جاز استيراد السلع المادية على كراهة ، لا يجوز استيراد الأفكار والمذاهب ، وما ينبثق عنها من أنظمة تعبر عنها ، ولئن حدث ذلك في غفلة الزمن وغيبة الشخصية الإسلامية عن مسرح الواقع - لا يجوز أن يكون عملنا الفكري البحث عن فتاوى ، لإلباس الأوضاع الأجنبية زيًا شرعيًا .
    إن أول مظاهر السيادة والاستقلال أن نتحرر من عقدة النقص تجاه الغرب وفلسفته وحضارته وأنظمته ، وأن نصمم على أن نقول "لا" بملء فينا ، لكل ما لا يوافق ديننا .
    إننا لا نبقي للدين أي احترام إذا جعلنا مهمته تبرير الواقع وتسويغ ما يفعله الحكام ، الحكام يمينيين كانوا أو يساريين ، رأسماليين أو اشتراكيين . أي جعلناه مجرد ( موظف تشريفات ) عمله أن يرحب بكل وضع جديد ، ويبارك كل نظام مستحدث ، فهو في أيام سطوة الرأسمالية يحلل الربا والاحتكار والتظالم الاجتماعي ، وفي أيام سطوة الاشتراكية يجيز التأميم والمصادرات بحق وبغير حق ..
    المشكلة إذن ليست مشكلتك يا أخي وحدك ، ولكنها مشكلة الأمة الإسلامية في هذا العصر : هل تريد أن تعيش بالإسلام وتحيي نظامه وحضارته أم تريد أن تظل ذيلا للحضارة الغربية بشقيها الرأسمالي والاشتراكي .
    وبعبارة أخرى : هل تريد أن تعيش لرسالتها ، أصيلة تقود ولا تقاد وتُتبع ولا تَتبع أم تريد أن تحيا حياة القرود ، مهمتها التقليد والمحاكاة ؟
    الأمر يا أخي أكبر مما تتصور ، ويتصور بعض المتعجلين من المشتغلين بالفقه والفتوى ، فلا تحمل على علماء الدين إذا خالفوك في الاتجاه ، ولا ترمهم بجهل الدين والحياة ، وثق أن عمر - الذي تحدثت عنه في رسالتك - لو كان موجودًا اليوم لرفض هذه الأوضاع كلها ، وغيرها باسم الإسلام ، ولم يجعل أكبر همه أن يسوغها بأي سبيل .
    على أن المسائل التي سألت عنها ليست في درجة واحدة من حيث القبول والرفض ، ولعل أقربها إلى القبول عملية التأمين على البضائع فيمكن أن يكون لها وجه من الناحية الشرعية لولا أنها مشوبة بالربا ، كما هو الشأن في كل شركات التأمين حاليًا .
    ويمكن إجازة ذلك بحكم الظروف الراهنة ، وبقدر الحاجة ، بخلاف التأمين على الحياة ، فهو بعيد كثيرًا عن صور المعاملات الإسلامية ، ولا ضرورة إليه .
    أم الاقتراض من البنوك بالفوائد ، فهو حرام قطعًا ، لأنه الربا الذي لعن محمد صلى الله عليه وسلم آكله ومؤكله وكاتبه وشاهديه . ولا يحل مثل هذا الحرام القطعي إلا لضرورة ، مثل الحاجة إلى القوت للأولاد ، والكسوة الضرورية لهم ، وعلاج المريض الذي يخشى عليه من تفاقم المرض ونحو ذلك .
    أما التوسع في التجارة فليس ضرورة يباح لها مثل هذا الحرام الذي آذن القرآن أصحابه بحرب من الله ورسوله .
    وليعش المسلم قانعًا بالقليل من الحلال مباركًا له فيه ، بدل الكثير من الحرام الذي يمحقه الله في النهاية ، فالربا وإن أكثر فهو إلى أقل .
    أما موضوع ما تدفعه من ضرائب تصاعدية باهظة لتلك الدولة التي ذكرتها من الزكاة ، وهي دولة لا دينية ، ومن بين سكانها مسلمون ونيتك أن يكون هذا للمسلمين من رعاياها .. فهذا ما لا يجوز بحال . فإنما يصح أن يحتسب ما يؤخذ من المال زكاة إذا توافرت له شروط ثلاثة .
    1. أن يؤخذ ما يؤخذ باسم الزكاة ورسمها ، أي بشروطها ونسبها ومقاديرها الشرعية ، لأنها شعيرة من شعائر الإسلام الكبرى ، والشعائر لابد أن تبقى لها صورتها وعنوانها .
    2. أن يصرف في مصارف الزكاة الشرعية كما أمر الله في كتابه . وهذا مترتب على الأول .
    3. أن يدفع بنية الزكاة ، لأنها عبادة ولا تجزيء إلا بنية .
    فلو سلمنا بتحقيق الشرط الثالث وهو النية ، فمن أين لنا بالشرطين الأولين ؟
    ولقد رجحت في كتابي ( فقه الزكاة ) أن الضرائب الوضعية في البلاد الإسلامية نفسها لا يجوز أن تحتسب من الزكاة ، فكيف ببلاد وثنية أو لا دينية لعل المسلمين لا يصيبهم من دخل حكوماتها إلا الفتات لو أصابوه .
    وما اخترته هنا هو ما أفتى به العلامة المجدد السيد رشيد رضا ، وشيخ الأزهر الأسبق محمود شلتوت رحمهما الله . وقد قرأت أخيرًا أن مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية المنعقد في القاهرة في مايو 1965 اتخذ ذلك قرارًا هذا نصه :
    ( إن ما يفرض من الضرائب لمصلحة الدولة ، لا يغني القيام به عن أداء الزكاة المفروضة ) .
    ولهذا ، فإن عليك أن تقوى إرادتك ، وتعزم على إخراج زكاتك ، تطهيرًا لنفسك ومالك وشكرًا لنعمة الله عليك ، فما أظن تلك الضرائب تطهر نفسًا أو مالا أو تفي بشكر النعمة ، ولا أظنك تعتقد هذا أيضًا .
    ومعنى هذا أن المتدين يتحمل من الأعباء المالية ما لا يتحمله غيره ، وهذا صحيح . ولكن هذه ضريبة الإيمان والإسلام في عصر ضعف فيه الدين ، وقل اليقين ، ولهذا جاء في الحديث : ( أن القابض على دينه في هذا الزمان كالقابض على الجمر ) وكان المستمسك بدينه في خضم فتن هذا العصر له أجر خمسين من بعض الصحابة .
    وأعتقد أن في هذه الصفحات ما يكفي لتوضيح ما سألت عنه ، ووصله بجذوره الحقيقية ، وما كنت أحسب حين أمسكت بالقلم إلا أنني سأكتب لك سطورًا معدودة ، ولكن الله هو الذي قدر لي أن أكتب ما كتبت ، عسى أن يكون فيه نفع وعبرة .
    أما ما تشكوه من إرهاق الجسم ، وقلق النفس ، وتوتر الأعصاب ، فأنصحك بتلاوة القرآن تلاوة تدبر، والتضرع إلى الله تعالى والوقوف على عتبته موقف العبودية الخاشعة ، ومجالسة الصالحين ما استطعت وقراءة سيرهم ، ففي ذلك شفاء لما في الصدور .
    وإني لمعجب بكلامك العميق البصير عن الطب النفسي ورجاله ، وأسأل الله أن يشرح لك صدرك ، وييسر لك أمرك ، ويثبت على الحق قدميك ، ويجعل لك نورًا تمشي به في الظلمات ، وفرقانًا تميز به بين المتشابهات ، ويغنيك بحلاله عن حرامه ، وبطاعته عن معصيته ، وبفضله عمن سواه ، وأن يجعل لنا حظًا من هذه الدعوات معك. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

    تعليق


    • #3
      اخي الكريم فلسطين الاسلامية

      السلام عليكم

      الظاهر من مداخلتك اخي انك تقصد شيخا بعينه, و لكي لا يأخذنا الشيطان شمالا او يمينا و لكي تتضح امامنا الرؤيا, فقد احببت ان ارد عليك بما يدحض و يفند هذه الاتهامات. فالسؤال اعلاه هو لمواطن مسلم يعيش في الغرب يوجهه لفضيلة الشيخ يوسف القرضاوي طالبا منه مخرجا من ازمته, و ما عليك اخي سوى القراءة.


      من جهة ثانية, لا يسعنا في هذه الايام الا ان نوجه التحية لابن الرومي الذي ربما استند على شيء ما لكي يبرر هزيمته و انكساره امام رياح الهوى و الشيطان في حين اننا لا نرى ادلة لمن استند على مصلحة شخصية تمتد الى مضرة اجتماعية ليبرر لنفسه فتاوى يبرأ منها الله و رسوله. و ليس هناك اجمل من الامثلة:

      1- فتوى تحريم شتم اسرائيل -للمدخلي-
      2- كتاب- الرد الصاعق في تحريم الاكل بالملاعق- لابن مقبل-

      اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا


      التعديل الأخير تم بواسطة عمر; 27/08/2002, 12:36 AM.

      تعليق

      جاري التحميل ..
      X