الإيمان الحق إذا خالطت بشاشته القلوب أثمر مسارعة إلى طاعة الله ورسوله ، واستقامة في السلوك ، وحسنا في الأخلاق ، وسلامة في الصدر ، وتماسكا في بنيان المجتمع ، ورخاء في النعم ، وأمنا في الوطن .
وإليك صورا من أثر الإيمان إذا وقر في القلب :
1. قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{90} إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ{91}
في هذه الآيات بين الله للمؤمنين في الخمر بيانا شافيا ، وحرمها تحريما قاطعا ، ومع أن الخمر قد ألفتها النفوس ، واستحكم حبها في القلوب إلا أن ذلك لم يمنع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من الاستجابة لله ورسوله ، بل والمسارعة إلى ذلك .
أخرج البخاري عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ : كُنْتُ سَاقِىَ الْقَوْمِ فِى مَنْزِلِ أَبِى طَلْحَةَ فَنَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ ، فَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى . فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ : اخْرُجْ فَانْظُرْ مَا هَذَا الصَّوْتُ ؟قَالَ : فَخَرَجْتُ ، فَقُلْتُ : هَذَا مُنَادٍ يُنَادِى أَلاَ إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ . فَقَالَ لِى : اذْهَبْ فَأَهْرِقْهَا . قَالَ فَجَرَتْ فِى سِكَكِ الْمَدِينَةِ "
وأخرج الإمام أحمد عن عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ قَالَ : سَأَلُوا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنِ الْفَضِيخِ ، فَقَالَ : مَا كَانَتْ لَنَا خَمْرٌ غَيْرَ فَضِيخِكُمْ هَذَا الَّذِى تُسَمُّونَهُ الْفَضِيخَ ، إِنِّى لَقَائِمٌ أَسْقِيهَا أَبَا طَلْحَةَ وَأَبَا أَيُّوبَ وَرِجَالاً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِى بَيْتِنَا إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ : هَلْ بَلَغَكُمُ الْخَبَرُ ؟ قُلْنَا : لاَ . قَالَ : فَإِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ . فَقَالَ: يَا أَنَسُ ! أَرِقْ هَذِهِ الْقِلاَلَ . قَالَ : فَمَا رَاجَعُوهَا ، وَلاَ سَأَلُوا عَنْهَا بَعْدَ خَبَرِ الرَّجُلِ"
وأخرج عَنْ أَنَسٍ قَالَ : كُنْتُ أَسْقِى أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ ، وَأُبَىَّ بْنَ كَعْبٍ ، وَسُهَيْلَ ابْنَ بَيْضَاءَ ، وَنَفَراً مِنْ أَصْحَابِهِ عِنْدَ أَبِى طَلْحَةَ ، وَأَنَا أَسْقِيهِمْ حَتَّى كَادَ الشَّرَابُ أَنْ يَأْخُذَ فِيهِمْ ، فَأَتَى آتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، فَقَالَ : أَوَمَا شَعَرْتُمْ أَنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ ؟ فَمَا قَالُوا : حَتَّى نَنْظُرَ وَنَسْأَلَ. فَقَالُوا يَا أَنَسُ ! أَكْفِ مَا بَقِىَ مِنْ إِنَائِكَ. قَالَ فَوَاللَّهِ مَا عَادُوا فِيهَا ، وَمَا هِىَ إِلاَّ التَّمْرُ وَالْبُسْرُ ، وَهِىَ خَمْرُهُمْ يَوْمَئِذٍ "
فتأمل كيف سارع القوم إلى الانتهاء عن شرب الخمر ؟ بل وأهرقوها ، لم يتحايلوا على شرع الله ، ولم يسوفوا في تنفيذ أمر الله ، ولم ينتظروا ليسألوا ؛ لأنهم فعلوا ذلك استجابة لله ولرسوله ، ورغبة فيما عند الله ، وخوفا من عقابه .
2. قال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }الأحزاب59
فالآية فيها أمر للمؤمنات بوجوب ستر جميع وجوههن ، وقد فهم ذلك نساء الصحابة فامتثلن الأمر ، ولم يفعلن كما يفعل بعض نسائنا اليوم .
نعم امتثلن الأمر ، ولم يقلن الأمر ليس للوجوب ، ولم يعترضن على إيجابه عليهن ، ولم يقلن إن الإيمان في القلوب ، ولبس الحجاب لا يدل عليه ، كما أن عدم لبسه لا يدل على عدم الإيمان .ولم يقلن العبرة بالثقة ، وإذا وثق الرجل في زوجته أو أخته أو من تحت ولا يته فلا حاجة للإلزام بالحجاب ؛ كما هي دعوى بعض نساء اليوم .
أخرج أبو داود عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ : لَمَّا نَزَلَتْ (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ) خَرَجَ نِسَاءُ الأَنْصَارِ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِهِنَّ الْغِرْبَانُ مِنَ الأَكْسِيَةِ."
قال في عون المعبود : " ( كَأَنَّ عَلَى رُءُوسهنَّ الْغِرْبَان ): جَمْع غُرَاب
( مِنْ الْأَكْسِيَة ): جَمْع كِسَاء شَبَّهَتْ الْخُمُر فِي سَوَادهَا بِالْغُرَابِ ."
وروى البخاري عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ : يَرْحَمُ اللَّهُ نِسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلَ ، لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ ( وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) شَقَّقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهِ "
قال ابن حجر " قوله : ( مروطهن ) : جمع مرط وهو الإزار ، وفي الرواية الثانية " أزرهن " وزاد " شققنها من قبل الحواشي " .
قوله : ( فاختمرن ) : أي غطين وجوههن ؛ وصفة ذلك أن تضع الخمار على رأسها وترميه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر وهو التقنع ، قال الفراء : كانوا في الجاهلية تسدل المرأة خمارها من ورائها وتكشف ما قدامها ، فأمرن بالاستتار ، والخمار للمرأة كالعمامة للرجل "
وأخرج عنها أيضا أنها كَانَتْ تَقُولُ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ( وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) أَخَذْنَ أُزْرَهُنَّ فَشَقَّقْنَهَا مِنْ قِبَلِ الْحَوَاشِى فَاخْتَمَرْنَ بِهَا "
قال ابن حجر : " ولابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن عثمان بن خثيم عن صفية ما يوضح ذلك ، ولفظه " ذكرنا عند عائشة نساء قريش وفضلهن ، فقالت : إن نساء قريش لفضلاء ، ولكني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار أشد تصديقا بكتاب الله ولا إيمانا بالتنزيل ، لقد أنزلت سورة النور ( وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) فانقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل فيها ، ما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها فأصبحن يصلين الصبح معتجرات كأن على رءوسهن الغربان " ويمكن الجمع بين الروايتين بأن نساء الأنصار بادرن إلى ذلك ."
3. أخرج البخاري عن ابْن أَبِى أَوْفَى - رضى الله عنهما - يَقُولُ أَصَابَتْنَا مَجَاعَةٌ لَيَالِىَ خَيْبَرَ ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ وَقَعْنَا فِى الْحُمُرِ ويالأَهْلِيَّةِ ، فَانْتَحَرْنَاهَا فَلَمَّا غَلَتِ الْقُدُورُ ، نَادَى مُنَادِى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - اكْفَئُوا الْقُدُورَ ، فَلاَ تَطْعَمُوا مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ شَيْئًا . "
و عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جَاءَهُ جَاءٍ فَقَالَ : أُكِلَتِ الْحُمُرُ . فَسَكَتَ ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَقَالَ : أُكِلَتِ الْحُمُرُ . فَسَكَتَ ، ثُمَّ الثَّالِثَةَ فَقَالَ : أُفْنِيَتِ الْحُمُرُ . فَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى فِى النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ . فَأُكْفِئَتِ الْقُدُورُ ، وَإِنَّهَا لَتَفُورُ بِاللَّحْمِ ".
فتأمل إذعان القوم لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، واستسلامهم له أنهم في مجاعة ، واللحم قد نضج ، أكفأوا القدور ، ولم يطعموا مما طبخوا شيئا .
إن العالم الإسلامي يعاني اليوم من مشاكل كثيرة ، ويتعرض لموجات عاتية من الشهوات والشبهات ، ولا مخرج من ذلك بعد رحمة الله وفضله إلا بالتمسك بهدي الكتاب والسنة ، وتقوية الإيمان الصحيح في النفوس ، الذي يصلح القلوب ويهديها إلى علام الغيوب .
وإليك صورا من أثر الإيمان إذا وقر في القلب :
1. قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{90} إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ{91}
في هذه الآيات بين الله للمؤمنين في الخمر بيانا شافيا ، وحرمها تحريما قاطعا ، ومع أن الخمر قد ألفتها النفوس ، واستحكم حبها في القلوب إلا أن ذلك لم يمنع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من الاستجابة لله ورسوله ، بل والمسارعة إلى ذلك .
أخرج البخاري عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ : كُنْتُ سَاقِىَ الْقَوْمِ فِى مَنْزِلِ أَبِى طَلْحَةَ فَنَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ ، فَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى . فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ : اخْرُجْ فَانْظُرْ مَا هَذَا الصَّوْتُ ؟قَالَ : فَخَرَجْتُ ، فَقُلْتُ : هَذَا مُنَادٍ يُنَادِى أَلاَ إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ . فَقَالَ لِى : اذْهَبْ فَأَهْرِقْهَا . قَالَ فَجَرَتْ فِى سِكَكِ الْمَدِينَةِ "
وأخرج الإمام أحمد عن عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ قَالَ : سَأَلُوا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنِ الْفَضِيخِ ، فَقَالَ : مَا كَانَتْ لَنَا خَمْرٌ غَيْرَ فَضِيخِكُمْ هَذَا الَّذِى تُسَمُّونَهُ الْفَضِيخَ ، إِنِّى لَقَائِمٌ أَسْقِيهَا أَبَا طَلْحَةَ وَأَبَا أَيُّوبَ وَرِجَالاً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِى بَيْتِنَا إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ : هَلْ بَلَغَكُمُ الْخَبَرُ ؟ قُلْنَا : لاَ . قَالَ : فَإِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ . فَقَالَ: يَا أَنَسُ ! أَرِقْ هَذِهِ الْقِلاَلَ . قَالَ : فَمَا رَاجَعُوهَا ، وَلاَ سَأَلُوا عَنْهَا بَعْدَ خَبَرِ الرَّجُلِ"
وأخرج عَنْ أَنَسٍ قَالَ : كُنْتُ أَسْقِى أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ ، وَأُبَىَّ بْنَ كَعْبٍ ، وَسُهَيْلَ ابْنَ بَيْضَاءَ ، وَنَفَراً مِنْ أَصْحَابِهِ عِنْدَ أَبِى طَلْحَةَ ، وَأَنَا أَسْقِيهِمْ حَتَّى كَادَ الشَّرَابُ أَنْ يَأْخُذَ فِيهِمْ ، فَأَتَى آتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، فَقَالَ : أَوَمَا شَعَرْتُمْ أَنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ ؟ فَمَا قَالُوا : حَتَّى نَنْظُرَ وَنَسْأَلَ. فَقَالُوا يَا أَنَسُ ! أَكْفِ مَا بَقِىَ مِنْ إِنَائِكَ. قَالَ فَوَاللَّهِ مَا عَادُوا فِيهَا ، وَمَا هِىَ إِلاَّ التَّمْرُ وَالْبُسْرُ ، وَهِىَ خَمْرُهُمْ يَوْمَئِذٍ "
فتأمل كيف سارع القوم إلى الانتهاء عن شرب الخمر ؟ بل وأهرقوها ، لم يتحايلوا على شرع الله ، ولم يسوفوا في تنفيذ أمر الله ، ولم ينتظروا ليسألوا ؛ لأنهم فعلوا ذلك استجابة لله ولرسوله ، ورغبة فيما عند الله ، وخوفا من عقابه .
2. قال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }الأحزاب59
فالآية فيها أمر للمؤمنات بوجوب ستر جميع وجوههن ، وقد فهم ذلك نساء الصحابة فامتثلن الأمر ، ولم يفعلن كما يفعل بعض نسائنا اليوم .
نعم امتثلن الأمر ، ولم يقلن الأمر ليس للوجوب ، ولم يعترضن على إيجابه عليهن ، ولم يقلن إن الإيمان في القلوب ، ولبس الحجاب لا يدل عليه ، كما أن عدم لبسه لا يدل على عدم الإيمان .ولم يقلن العبرة بالثقة ، وإذا وثق الرجل في زوجته أو أخته أو من تحت ولا يته فلا حاجة للإلزام بالحجاب ؛ كما هي دعوى بعض نساء اليوم .
أخرج أبو داود عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ : لَمَّا نَزَلَتْ (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ) خَرَجَ نِسَاءُ الأَنْصَارِ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِهِنَّ الْغِرْبَانُ مِنَ الأَكْسِيَةِ."
قال في عون المعبود : " ( كَأَنَّ عَلَى رُءُوسهنَّ الْغِرْبَان ): جَمْع غُرَاب
( مِنْ الْأَكْسِيَة ): جَمْع كِسَاء شَبَّهَتْ الْخُمُر فِي سَوَادهَا بِالْغُرَابِ ."
وروى البخاري عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ : يَرْحَمُ اللَّهُ نِسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلَ ، لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ ( وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) شَقَّقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهِ "
قال ابن حجر " قوله : ( مروطهن ) : جمع مرط وهو الإزار ، وفي الرواية الثانية " أزرهن " وزاد " شققنها من قبل الحواشي " .
قوله : ( فاختمرن ) : أي غطين وجوههن ؛ وصفة ذلك أن تضع الخمار على رأسها وترميه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر وهو التقنع ، قال الفراء : كانوا في الجاهلية تسدل المرأة خمارها من ورائها وتكشف ما قدامها ، فأمرن بالاستتار ، والخمار للمرأة كالعمامة للرجل "
وأخرج عنها أيضا أنها كَانَتْ تَقُولُ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ( وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) أَخَذْنَ أُزْرَهُنَّ فَشَقَّقْنَهَا مِنْ قِبَلِ الْحَوَاشِى فَاخْتَمَرْنَ بِهَا "
قال ابن حجر : " ولابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن عثمان بن خثيم عن صفية ما يوضح ذلك ، ولفظه " ذكرنا عند عائشة نساء قريش وفضلهن ، فقالت : إن نساء قريش لفضلاء ، ولكني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار أشد تصديقا بكتاب الله ولا إيمانا بالتنزيل ، لقد أنزلت سورة النور ( وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) فانقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل فيها ، ما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها فأصبحن يصلين الصبح معتجرات كأن على رءوسهن الغربان " ويمكن الجمع بين الروايتين بأن نساء الأنصار بادرن إلى ذلك ."
3. أخرج البخاري عن ابْن أَبِى أَوْفَى - رضى الله عنهما - يَقُولُ أَصَابَتْنَا مَجَاعَةٌ لَيَالِىَ خَيْبَرَ ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ وَقَعْنَا فِى الْحُمُرِ ويالأَهْلِيَّةِ ، فَانْتَحَرْنَاهَا فَلَمَّا غَلَتِ الْقُدُورُ ، نَادَى مُنَادِى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - اكْفَئُوا الْقُدُورَ ، فَلاَ تَطْعَمُوا مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ شَيْئًا . "
و عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جَاءَهُ جَاءٍ فَقَالَ : أُكِلَتِ الْحُمُرُ . فَسَكَتَ ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَقَالَ : أُكِلَتِ الْحُمُرُ . فَسَكَتَ ، ثُمَّ الثَّالِثَةَ فَقَالَ : أُفْنِيَتِ الْحُمُرُ . فَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى فِى النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ . فَأُكْفِئَتِ الْقُدُورُ ، وَإِنَّهَا لَتَفُورُ بِاللَّحْمِ ".
فتأمل إذعان القوم لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، واستسلامهم له أنهم في مجاعة ، واللحم قد نضج ، أكفأوا القدور ، ولم يطعموا مما طبخوا شيئا .
إن العالم الإسلامي يعاني اليوم من مشاكل كثيرة ، ويتعرض لموجات عاتية من الشهوات والشبهات ، ولا مخرج من ذلك بعد رحمة الله وفضله إلا بالتمسك بهدي الكتاب والسنة ، وتقوية الإيمان الصحيح في النفوس ، الذي يصلح القلوب ويهديها إلى علام الغيوب .
تعليق