تويت
بسم الله الرّحمن الرّحيم
سبب تحريم لحم الخنزير
سبب تحريم لحم الخنزير
السؤال:
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أكثر حديث الناس في هذه الأيام عن مرض أنفلونزا الخنزير وكما نعلم فإن الخنزير في ديننا حرام. وسؤالي لكم: أليس يدل هذا الوباء على كون تحريم الخنزير سببه الأمراض التي يسببها للبشر؟ نرجو منكم الإجابة بالتفصيل. وبارك الله فيكم وفي مجلتكم.
الجواب:
الكاتب: ياسين بن علي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
البحث في سبب التحريم أو التحليل هو بحث في العلة أي في الأمر الذي من أجله حرّم الشارع الشيء أو أحلّه. وبعبارة أخرى، فإن البحث في السبب مبني على سؤالنا: لماذا حرّم الشارع الشيء أو لماذا أحلّه؟
ومعرفة سبب التشريع أي سبب التحليل والتحريم متوقفة على النص الذي ورد فيه التحليل أو التحريم، فإن فهم التعليل من النص، قلنا بالعلة، وإن لم يفهم التعليل، توقفنا. فمسألة التعليل لا دخل للعقل فيها. قال علي رضي الله عنه: "لو كان الدين بالرأي لكان باطن الخف أحق بالمسح من أعلاه" (قال ابن حجر في الفتح: أخرجه أحمد وأبو داود والدارقطني ورجال إسناده ثقات). وأخرج البخاري في الصحيح: "قال أبو الزناد إن السنن ووجوه الحق لتأتي كثيرا على خلاف الرأي فما يجد المسلمون بدا من إتباعها من ذلك أن الحائض تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة".
وأخرج مسلم: "عن معاذة قالت: سألت عائشة فقلت ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت أحرورية أنت؟ قلت لست بحرورية ولكني أسأل. قالت: كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة".
فقد أنكرت عائشة رضي الله عنها السؤال على معاذة، وسألتها: أحرورية أنت، وذلك لأنها خشيت عليها أن تكون قد تلقت السؤال من الخوارج الذين جرت عادتهم باعتراض السنن بآرائهم، فأثارت انتباهها إلى الخطأ في السؤال وفي كيفية التفكير التشريعي، ثم أحالتها على النص المبين للحكم دون تعليل، وكأنها قالت لها: دعي السؤال عن علة لم ترد في النص، والتزمي بالنص من باب الانقياد إلى الشارع.
وأما بالنسبة للحم الخنزير، فقد جاءت النصوص بتحريمه دون بيان علّة التحريم.
قال تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}. وقال: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ} وقال: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
فهذه النصوص لم تعلل تحريم الخنزير، لذلك لا حاجة لنا للبحث في العلة.
وأما ما يقوله بعض الناس من كون الخنزير قد حرم لما يسببه من أمراض، أو لأنه نجس ويأكل النجاسة، ففيه وجه من الصحة عقلا، إلا أنه منتقض من وجوه أخرى. فلحم الغنم قد يسبب الأمراض، ومع ذلك فهو حلال. وبعض الحيوانات تأكل النجاسة وتسمى الجلالة وليست محرمة الأكل في صحيح أقوال العلماء. وقد سمعنا من قبل عن أنفلونزا الطيور، ولم يقل أحد بحرمة الدجاج مثلا.
والحاصل، فإن لحم الخنزير حرام، ولم يرد نص (فيما أعلم) بتعليل حرمته. والله أعلم.
13 جمادى الأولى 1430هـ
تعليق