إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الحكومة بين مذاهب خلع (الحكومة)!

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الحكومة بين مذاهب خلع (الحكومة)!

    المقصود بكلمة الحكومة الأولى ، أي الحكم الفاصل بين مذاهب الناس في خلع الحكومات إن حادت إلى السبيل الجائر .

    وفيما سأذكره تجاوز لايخفى أعني من جهة ضبط العزو إلى قائلين بأعيانهـم ،فليس هذا هو المقصود ، إنما هي أفكار منثورة في ساحة الفكر ، فالمقصود العبــرة ..

    المذهب الاول : مذهب العدد !

    وهذا المذهـب ، مبني على أن الحكومات الجامعة لأمر المسلمين ، تقضي عليها دورة مــن العدد معروفة ، يتغير الحاكم على أساسها ، فما هي إلا سنة أمضاها الله في التاريخ :

    كما :

    قال ابن كثير رحمه الله : ( وقد حكى ابن الجوزي عن أبي بكر الصولي أنه قال‏:‏ الناس يقولون كل سادس يقوم بأمر الناس من أول الإسلام لابد أن يخلع .

    قال ابن الجوزي‏:‏ فتأملت ذلك فرأيته عجباً قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم الحسن فخلعه معاوية ، ثم يزيد ومعاوية بن يزيد ومروان وعبد الملك، ثم عبد الله بن الزبير فخلع وقتل، ثم الوليد ثم سليمان ثم عمر بن عبد العزيز ثم يزيد ثم هشام ثم الوليد بن يزيد فخلع وقتل، ولم ينتظم لبني أمية بعده أمر حتى قام السفاح العباسي ثم أخوه المنصور ثم المهدي ثم الهادي ثم الرشيد ثم الأمين فخلع وقتل، ثم المأمون والمعتصم والواثق والمتوكل والمنتصر ثم المستعين فخلع ثم قتل، ثم المعتز والمهتدي والمعتمد والمعتضد والمكتفي ثم المقتدر فخلع ثم أعيد فقتل، ثم القاهر والراضي والمتقي والمكتفي والمطيع ثم الطائع فخلع، ثم القادر والقائم والمقتدي والمستظهر والمسترشد ثم الراشد فخلع وقتل‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 12/266‏)‏

    ونحن مع الأيام متربّصون ، ولله الأمر من قبل ، ومن بعد ، ولكن أكثـــر الناس لايعلمون ( قلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) .



    المذهب الثاني : مذهب المنبطحة ، وهم طائفتان :

    المنبطحة !

    والمنبطحة الغلاة !

    وإنما سميناهم المنبطحة ، لانهم ينبطحون للسلطة القائمة من إشتراط شيء لشرعيتها .

    أما الطائفة الاولى من أهل هذا المذهب ، فهم القائلون بأنّ الحاكم في الإسلام لايُخلع قط ، ذلك أنهم أسقطوا شروط الإمامة كلّها ـ حالا إن لم يكن مقالا ـ فإذا لم يبق شــرط ، لم يلزم من عدمه عدم أصـلا ، فكأن وجود ذات الحاكم ـ عندهم ـ هو الشرط لاسواه ، وهذا من أعجب المذاهـب ، وأبطلها وأشدها ضررا على الإسلام والمسلمين ، وهو السائد في بعض الأقطار ، وينسبه بعض المتعصّبة من الحنفية إلى الحنابلة ظلما وزورا ، وهم منه براء ، فقد ذكروا كغيرهم من الفقهاء من المذاهب الأربعة ، شروط الإمامة ، التي يعزل الحاكم بانتفاءها ، وقد قدمنا ذلك في مقال سابق بعنوان الدفاعْ عَنْ عَقيدَة الموحّدين وَردْ باطلِ المُفْسـِدين فيِ تَعبيِدِ النّاس للْـوطنيةوتشويه معنى البيعة الشرعيةوإمامة المسلمين

    وإنما قلنا أن هذا المذهب من أبطل المذاهب وأشدها ضررا على الإسلام والمسلمين ، لأن الفساد العام في الدين عقيدة وعملا ، الذي يترتب على التهاون في شروط الإمامة ، لايقارن به فساد ، ولا يقاس به خبالٌ على البلاد والعباد .

    لاسيّما في هذا الزمن ، ذلك أن الدولة ربطت حياة الناس كلها بمؤسساتها ، تبثُّ إليهم ما يُرى وما يُسمع في بيوتهم منذ الطفولة ، وتعلّمهم بعدها في مدارس تقوم هي على كل ما يُدرّس فيها ، وتشرف على جميع وسائل الإعلام ، وصناعة الوعي الخاص والعام ، حتى المساجد ، وما يقال فيها تقف الدولة عليه حرفا حرفا ، وتصرف الخطباء إليه صرفا ،

    وأصبحت معايش الناس غالبا مرتبطة بيد الدولة ، فبإمكانها أن تفرض عليهم أن يقولوا ويفعلوا ما يضمن لهم بقاء معايشهم ، وأسباب حياتهم .

    ويدخل في ذلك حتى الفتوى المخبرة عن أحكام الله تعالى ، فأعلى هيئات الفتوى تقول ما تريده الدولة ، قبل ما يريده الله تعالى من فوق سبع سماوات ، فما أعظمها من جناية على الشرع ، وما أقبحها من جريمة شنيعة ، وسبب لضلال الخلق .

    والمقصود أن الخلل في نظام الدولة ، ليس كما كان فيما مضى ، مع ما كان فيه من خطورة ، غير أنـه اليوم إنحرافٌ يسـرى إلى عامة المسلمين ، سريان النار في الهشيم ، فإذا أضيف إلى ذلك ارتباط الدولة بنظام عالمي أشد كفرا ونفاقا ، وأعظم جاهلية ، قد غدا يتدخل حتى في عقائد البشـر وثقافاتهم وأخلاقهم ، طوعا أو كرها ، فقد طم الوادي على القريّ .

    ولهذا كانت منزلة إمامة الدين خطيرة ، قال شيخ الإسلام : ( يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين ، بل لاقيام للدين والدنيا إلا بها ) .مج28/390

    وقال : ( وهاتان السبيلان الفاسدتان ـ سبيل من انتسب إلى الدين ، ولم يكمله بما يحتاج إليه من السلطان والجهاد والمال ، وسبيل من أقبل على السلطان والمال والحرب ، ولم يقصد به إقامة الدين ـ هما سبيلا المغضوب عليهم والضالين ) مج28/395

    ولهذا ورد في الأحاديث : ( إن أخوف ما أتخوّفه على أمّتي آخر الزمان ثلاثا : إيمانا بالنجوم ، وتكذيبا بالقدر ، وحيف السلطان ) ، كما ورد : (إنّ أخوف ما أخاف على أمتي ، كل منافق عليم اللسان ) ، ينظر في طرق الحديثين سلسلة الأحاديث الصحيحة للعلامة الألباني رحمه الله الجزء الثالث .

    ذلك أن ولاة الأمر هم العلماء والأمراء ، والأمراء إنما طاعتهم تابعة للعلماء ، لأنهم مأمورون بإقامة الشريعة ليس لهم وظيفة سواها ، ولهذا قدم الله تعالى طاعة الله وطاعة رسوله ، ثم أعقب بطاعة ولاة الأمر ، ليُعلم أن طاعتهم مشروطة بإلتزام الوحي ، وإقامة الشــرع ، فإذا فسد العلماء والسلطان ، فلا تسأل عن فساد الناس ، ولهذا كان ذلك أخوف ما يخافه صلى الله عليه وسلم على أمته .

    وبهذا يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أخوف ما يخاف على أمته ، فساد العقيدة ، وفساد النظام السياسي .

    غير أنه وياللأسى ، لم يعد يلتفت إلى هذا الخطر ، وصار من العلماء من يحرم على الأمّة أن تصلح نظامها السياسي الذي به صلاح دينها ، واستقامة أمرها ، وعـز شأنها .

    وجُعل الحديث عن النظام السياسي في الإسلام ، وعن شروط الإمامة ، ومدى مطابقة ذلك لواقع الأمة ، وأن شرعية الدولة منوطة بقدر إلتزامها بها أصلا ، من أشد المحظورات ، ولم يعد يدرس في جامعات الشريعة إلا لماما ، وضـرب عليه صفحا ، وطوي عنه كشـحا .

    وأختزل النظام السياسي في الإسلام الذي به قوام الدين ، وقيام الأمة ، إلى مراسيم يصدرها نظام منبت عن شريعة الإسلام ، خارج عن إطار منظومته السياسية الشرعية أصـلا ، لم ينطلق منها ، ولايريد أن يتحمل مسؤوليتها ، ثم جعل نفسه لايحل لأحد أن يسأله عما يفعل !!

    وهكذا تحولت الكيانات التي وضعها المحتل ليحقق بها أهدافه ، الممزّقـة للأمة الواحدة ، الممعنة في أسباب الإنهزام والضعف ، إلى أنظمة لافرق بين شرعيتها والخلافة الراشدة!

    ونطق بهذه الضلالة العمياء ، وقام بها وقعد في العلن والخفاء ، المطموس على بصائرهم من ذوي المناصب الدينية .

    وأصبحت هذه الطائفة المنبطحة تؤصّل لهذا المذهب الباطل ، وتكرّس في الأمة الضلال والفساد ، وتسليط الأعداء .

    وغدت فئة ضالّة ، متمرغة في أوحال الجهل ، مليئة بعفن سوء المقصد ، وغثاثة وخباثة الأهــداف .

    واما الطائفة الثانية : وهم المنبطحة الغلاة

    فهم من فروع دين القاديانية ، أو بهم تتشبه أقوالهم ، وإليهم تأوي أفكارهم ، وهم القائلون بأن من تسلط على الرقاب ، وصارت بيده أعمدة الدولة والأسباب ، وجبت له دينـاً الطاعة ، وذلّت له كلّ الجماعة ، حتى لو كان مرتكسا في الكفر المحض ، صليبيا أو صهيونيا ، أو من أركان الرفض .

    وهذا المذهب ليس له سابقة في الزمان في أهل العقول السليمة ، من جميع المذاهب الفكرية ، إنما يصنع في دوائر الإستخبارات المحتلة ، فهي طائفة أجهل من أن يرد عليها ، أو يٌشتغل بغير حكاية مذهبهم ونسبته إليها .

    المذهب الثالث : مذهب القدريّة السياسيّة !


    وهؤلاء قوم أساؤوا فهم نصوص من الوحي نزلت بالحق ، وكلام أئمة العلم الناطقين بالصدق ، فانزلوها في غير منازلها ، ووضعوها في غير مواضعها ،

    وجعلوا ـ بسوء فهمهم ـ الصبر هو الفريضة الوحيدة على الرعية من المسلمين ، في حالة فســاد السلطة السياسيّة ، مهما انحـرف إنحرافها ، وبالغا ما بلغ عن الحق إنصرافهــا !!

    ذلك أنهم قالوا : ليس على الرعية من المسلمين سوى الرضا ، بما قدر الله وقضى ، فليمض القــدر بما فيه ، من آتاه الله الملك لاحساب ولا عذاب ، يفعل ما يشاء ، ، ومن كره رد يده في فيه !

    فهم في مذهبهم السياسي الخبيث هذا ، كمثل القدرية المثبتة ، الجبرية المتعنّتة ، في ضلالهم العقدي .

    وسلف هذه الفئة الضالة ، من ضلّ من هذه الأمّة في باب الإمامة ، كمثل ما قاله التيجاني الصوفي : ( وسلِّموا للعامة وولاة الأمر ما أقامهم الله فيه من غير تعرض لمنافرة أو تبعيض أو تنكير ، فإن الله هو الذي أقام خلقه فيما أراد ، ولا قدرة لأحد أن يخرج الخلق عما أقامهم الله فيه " جواهر المعاني " (2/165-166)

    وكما ذكر ابن كثير : ( وقد كان يزيد ـ يعني يزيد بن عبدالملك بن مروان ـ هذا يكثر من مجالسة العلماء قبل أن يلي الخلافة، فلما ولي عزم على أن يتأسى بعمر بن عبد العزيز، فما تركه قرناء السوء، وحسنوا له الظلم‏ ، قال حرملة‏:‏ عن ابن وهب، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، قال‏:‏ لما ولي يزيد بن عبد الملك قال‏:‏ سيروا بسيرة عمر، فمكث كذلك أربعين ليلة، فأتي بأربعين شيخاً فشهدوا له أنه ما على الخلفاء من حساب ولا عذاب‏ ( البداية والنهاية 9/260

    كما حكى اللهُ تعالى عن المشركين :

    ( وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِنْ دُونِـهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّالْبَلاَغُ الْمُبِينُ ) ..

    وتتعلق هذه الفئة الضالة بمتشابه نصوص الوحي ، زاعمين الاحتجاج بما ورد في الصبر على جور الولاة من أحاديث ، وما جاء من كلام العلماء في القديم والحديث :

    قالوا :


    فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: من كره من أميره شيئا فليصبر عليه، فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبراً فمات عليه، إلا مات ميتة جاهلية. أخرجه البخاري.


    و عن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: ستكون أثرة وأمور تنكرونها ، قالوا : يا رسول الله، فما تأمرنا ؟ قال: تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم. أخرجه البخاري.



    وعن أم سلمة مرفوعاً‏:‏ ‏(‏سيكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن كره برئ ومن أنكر سلم ولكن من رضي وبايع قالوا أفلا نقاتلهم قال لا ما صلوا‏)‏ ، ونحوه حديث عوف بن مالك الآتي وفي مسند الإسماعيلي من طريق أبي مسلم الخولاني عن أبي عبيدة بن الجراح عن عمر رفعه‏:‏ ‏‏قال‏:‏ أتاني جبريل فقال إن أمتك مفتتنة من بعدك فقلت من أين قال من قبل أمرائهم وقرائهم يمنع الأمراء الناس الحقوق فيطلبون حقوقهم فيفتنون ويتبع القراء الأمراء فيفتنون قلت فكيف يسلم من سلم منهم قال بالكف والصبر إن أعطوا الذي لهم أخذوه وإن منعوه تركوه‏‏.‏ أخرجه مسلم



    وعن عوف بن مالك الأشجعي قال‏:‏ ‏(‏سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏ خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم قال قلنا يا رسول اللّه أفلا ننابذهم عند ذلك قال لا ما أقاموا فيكم الصلاة إلا من ولى عليه وال فرآه يأتي شيئاً من معصية اللّه فليكره ما يأتي من معصية اللّه ولا ينزعن يداً من طاعة‏)‏‏.‏



    وعن حذيفة بن اليمان‏:‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيكم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان أنس قال‏:‏ قلت كيف أصنع يا رسول اللّه إن أدركت ذلك قال‏:‏ تسمع وتطيع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع‏)‏‏.‏



    وعن عرفجة الأشجعي قال‏:‏ ‏(‏سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏ من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه‏)‏‏.‏ رواها أحمد ومسلم



    وعن عبادة بن الصامت قال‏:‏ ‏(‏بايعنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا تنازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من اللّه برهان‏)‏‏ متفق عليه



    وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ( متفق عليه .

    وقال: ( من أكرم سلطان الله أكرمه الله، ومن أهان سلطان الله أهانه الله) أخرجه الإمام أحمد والبيهقي.


    و عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : ( من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني ) . أخرجه البخاري

    قالوا : وكذا قال أئمة العلم والإيمان :



    قال أحمد أبو الحارث: "سألت أبا عبد الله في أمر كان حدث ببغداد، و هم قوم بالخروج فقلت يا أبا عبد الله ما تقول في الخروج مع هؤلاء القوم فأنكر ذلك عليهم و جعل يقول: سبحان الله الدماء الدماء لا أرى ذلك و لا آمر به، الصبر على ما نحن فيه خير من الفتنة يسفك فيها الدماء و يستباح فيها الأموال و ينتهك فيها المحارم أما علمت ما كان الناس فيه (يعني أيام الفتنة) قلت: و الناس اليوم أليس هم في فتنة يا أبا عبد الله قال: و إن كان فإنما هي فتنة خاصة فإذا وقع السيف عمت الفتنة و انقطعت السبل، الصبر على هذا، و يسلم لك دينك خير لك، و رأيته ينكر الخروج على الأئمة، و قال: الدماء لا أرى ذلك و لا آمر به" (أخرجه الخلال في السنة ج1 ص132

    و قال الإمام أبو الحسن الأشعري رحمه الله: ( و أجمعوا على السمع و الطاعة لأئمة المسلمين و على أن كل من ولي شيئا من أمورهم عن رضى أو غلبة و امتدت طاعته من بر و فاجر لا يلزم الخروج عليهم بالسيف جار أو عدل و على أن يغزوا معهم العدو و يحج معهم البيت و تدفع إليهم الصدقات إذا طلبوها و يصلي خلفهم الجمع و الأعياد ) ,,رسالة أهل الثغر ص296

    و قال الطحاوي رحمه الله: "و لا نرى الخروج على أئمتنا و ولاة أمورنا، و إن جاروا، و لا ندعو عليهم و لا ننزع يدا من طاعتهم و نرى طاعتهم من طاعة الله عز و جل فريضة، مالم يأمروا بمعصية، و ندعوا لهم بالصلاح و المعافاة" العقيدة الطحاوية ص47 48


    و قال النووي رحمه الله: ( أجمع العلماء على وجوب طاعة الأمراء في غير معصية ). شرح مسلم-12/222



    و قال ابن قدامة رحمه الله: "فكل من ثبتت إمامته وجبت طاعته و حرم الخروج عليه لقول الله تعالى: " يأيها الذين ءامنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم" المغني ج12 ص237 238



    قال القرطبى رحمه الله : (والذى عليه الأكثر من العلماء أن الصبر علــى طاعة الإمام الجائر أولا من الخروج عليه لان فى منازعاته والخروج عليه استبدال الأمــن بالخوف ، وإراقة الدماء وانطلاق أيدى السفهاء ، وشن الغارات على المسلمين والفساد فى الأرض ) تفسير القرطبى 2/108ـ109



    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ( وأما أهل العِلم والدين والفضل فلا يرخصون لأحد فيما نهى الله عنه من معصية ولاة الأمور وغشهم والخروج عليهم بوجه من الوجوه، كما قد عُرف من عادات أهل السُنة والدين قديماً وحديثاً، ومــن سيرة غيرهم ). مجموع الفتاوى 35/12



    وقال أيضا : ( ... ولهذا روي أن السلطان ظل الله في الأرض، ويقال: ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة واحدة بلا سلطان، والتجربــــــة تبين ذلك... فالواجب اتخاذ الإمارة ديناً وقربة يتقرب بها إلى الله ، فإن التقرب إليه فيهـــا بطاعته وطاعة رسوله من أفضل القربات، وإنما يفسد فيها حال أكثــــر الناس لابتغاء الرياسة أو المال) مجموع الفتاوى ج28/290-291



    قال الحافظ ابن كثير رحمه الله-: ( والإمام إذا فسق لا يعزل بمجرد فسقـــه على أصح قول العلماء ولا يجوز الخروج عليه لما فى ذلك من إثارة الفتنة ووقوع الهرج وسفك الدماء الحرام ونهب الأموال وفعل الفواحش مع النساء وغيرهن وغير ذلك مما كل واحدة فيها من الفساد أضعاف فسقه كما جرى مما أتقدم إلى يومنا هذا ) البداية والنهاية 8 / 223 ـ 224

    قال ابن قيم الجوزية -رحمه الله-: ( إن النبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمتـه إيجاب إنكار المنكر ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وابغض إلى الله ورسوله فإنه لا يسوغ إنكاره وإن كان الله يبغضه ويمقت أهله وهذا كالإنكار على الولاة بالخروج عليهم فإنه أساس كل شر وفتنة إلى آخر الدهر ، وقد استأذن الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم فى قتال الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها وقالوا : أفلا نقاتلهم قال : " لا ما أقاموا الصلاة " ، وقال : " من رأى من أميره ما يكرهه فليصبر ولا ينزعن يداً من طاعته" ، ومن تأمل ما جرى على الإسلام فى الفتن الكبار والصغار رآها من إضاعة هذا الأصل وعدم الصبر على المنكر ، فطلب إزالته فتولد منه ما هو اكبر منه فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يرى فى مكة اكبر المنكرات ولا يستطيع تغييرها بل لما فتح الله مكة وسارت دار الإسلام عزم على تغيير البيت ورده على قواعد إبراهيم ومنعه من ذلك ـ مع قدرته عليه ـ خشية وقوع ما هو أعظم منه من عدم احتمال قريش لذلك لقرب عهدهم بالإسلام وكونهم حديثي عهد بكفر ولهذا لم يأذن فى الإنكار على الأمراء باليد بما يترتب عليه من وقوع ما هو أعظم منه .. إعلام الموقعين 3 /4


    و قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قال ابن بطال: ( وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب، والجهاد معه، وأن طاعته خير من الخروج عليه، لما في ذلك من حقن للدماء، وتسكين الدهماء ). فتح الباري 13/7 .

    ولا ريب أن كلّ ما جاء به الوحي على العين والرأس ، يجب على كل مسلم إتباعه ، ظاهرا وباطنا ، وكذا ما قاله الأئمة المهديّون ، الذين جعل الله تعالى الرشاد في قولهم مستقرا كامنا .



    وأن شعار أهل السنة والجماعة ، النصح للأئمة ، والحفاظ على وحدة المسلمين ، والتجافي عن طلب الرئاسة بالدماء ، والبراءة من الخروج على السلطة بركوب الفتن ، فهو سبيل الشقــاء ..



    وكانوا هم ولازالوا صمام الأمان ، الذي به حفظت الأمة من التمزق دهورا ، فبقيت القرون تبني لعزها بين الأمم من الأمجاد قصـورا ،



    غير أنّ هذا كلّـه ، إنما ورد في سياق الأمر بالحفاظ على وحدة الأمّة الحاملة لرسالتها ، الحاكمة بشريعتها .



    ترجيحا لهذا الجانب الأعظم ، على المجازفة بوسائل غير آمنة لإزالة الظلم على آحاد الرعية ، الظلـم الذي لم يبلغ إزاحة توجُّه الأمة الحضاري ، وتمزيقها ، والتحاكم إلى غير شريعتها .



    فتلك النصوص وكلام العلماء ، في شأن سلطة تستظلّ بظل الشريعة ، لم تستبدلها بغيرها ، تجمع الأمـّة تحت فسطاطها ، وتحمي ثغورها من أعداءها ،



    ثم يقع منها بما في السلطة من دواعي التسلطّ المنطوية في طبيعتها ، أنواعا من الظلم والتعـدّي على الرعيـّـة ، لم تتوفر وسائل سلمية لمحاربتها ، وفي غيرها من الوسائل عواقب تثمر مفاسد أشــد ضررا على الأمّة من تلك المظالم .



    فالصبـر هنا ، إنما هـو على تحمل أخـفِّ المفسدتين ، خشية وقوع أشدهما .



    هذا هو فقه هذه النصوص الشرعية ، بما يتلائم مع مقاصد الشريعة ، وبناءهــا على تحقيق مصالح العباد ، ودرء الشر عنهم والفســاد ،،



    فأين هذا فيما نحن فيـــه اليوم ،،

    من هذه الطواغيت الملعونــة ، الذين جعلوا مال الله بأيديهم وأيدي أعداء الإسـلام دولا ، وعباد الله خولا ، وكتاب الله دغلا ، ونصبوا في الأمّة الكفر ، وهتكوا كلّ ما بينهم وبين الله من ســتر .

    وأسلموا أرض الإسلام ومقدّراته لأعدائه ، وفتحوا الأبواب لكل ذي ضلالة يدعو لإهواءه ، وأعانوا على الفساد في أرض الإسلام وبحره وسماءه .

    أقشعرت الأرض والله من كفرهم ، وأظلمت السماء من فجورهم ، وظهر الفساد في البر والبحر من ظلمهــم ، وذهبت البركات ، وقلت الخيرات ، وهزلت حتى الحيوانات ، وتكدرت الحياة من فسقهم .

    وبكي ضوء النهار ، وظلمة الليل ، من أعمالهم الخبيثة ، وجرائمهم الفظيعة ، واشتكى الأحياء والأموات ، وتبرأت منهم الأرضون والسماوات .

    يكذبون ويتصنعون الصدق، ويدعون نصر الدين والفضيلـة ، ويقترفون الإلحاد والرذيلة، خانوا الله ، ورسوله ، ودينه ، أتوا كل صغيرة وكبيرة ، واقترفوا كل فاحشة وجريرة ..



    فسادهم على العباد أعظم من كل فساد ، وضررهم على البلاد أشدّ من ضرر فرعون وثمود وعــاد .



    هـم الجبت والطاغوت ، ملعونون في كلّ الملكوت ،



    أتوا من الكفر البواح ، والشرك الصُراح ، ما وجب على المؤمنين بـه خلعهم بالســلاح ، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم : ( إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من اللّه برهان ) ..



    فهذا النص مبيّن للأمد الذي يتوقف عنده الأمر بالصبر على الجور ، وما يجب على المسلمين بعده من خلع السلطة بالقوة ، والدعاء إلى الإنقلاب عليه بالثورة .



    فإن قيل : فما الفرق بين أهل هذا المذهب وسابقه ؟!



    فالجواب أن هاتين الطائفتين أهل "الكهنوت" ، من مطايا الجبت والطاغوت، إن احتجت بالقدر مع الإقرار بفساد السلطة دخلت على هذا المذهب ، وإن جعلت السلطة الضالة المفسدة أهل العدل والإحسان ، والبر والإيمان ، دخل فيها المذهب الأوّل ، وقد يتداخلان ، ويتآلفان ، كما يتآلف الباطل مع أشكاله في كل زمان ومكان .



    وقد ذكرنا أنه ليس المقصود تعيين القائلين ، بل تفنيد الأقوال ، وتمييز الحقّ من الضــلال .

    وسيأتي ـ بمشيئة الله وعونه ـ مزيد ردّ عند الترجيح ، وبيان الطريق إلى الثورة ، واضحا جليا بالقول الفصيــح ..



    كتبه الشيخ : حامد بن عبدالله العلي فك الله أسره


    الموضوع يتبع بإذن الله
جاري التحميل ..
X