قلـم : محمد ياغي
ما الذي يقصده النائب الدكتور صلاح البردويل، بقوله: إن "حماس" تلقت رسالة من كارتر فيها شروط أقسى من شروط "الرباعية"، وطلب منها التوقيع عليها حتى يسلـمها لجورج ميتشل ليتمكن الأخير من رفعها إلى أوباما ليقوم بدوره بدفع عملية السلام إلى الأمام، متجاوزاً ضغط اللوبي الإسرائيلي.
مواقع "حماس" الإلكترونية نقلت عن قيادات في الحركة أن كارتر طالب "حماس" بقبول الـمبادرة العربية، وحل الدولتين.. هل يقصد البردويل أن قبول هاتين الـمسألتين أكثر قسوة من شروط الرباعية؟ ثم يعود البردويل ــ الذي كان يتحدث في ندوة سياسية نظمتها صحيفة (فلسطين) بحسب موقع فلسطين للإعلام ــ ليقول: حماس "ليست مستهدفة في علاقاتها وتكتيكاتها، بل في ثوابتها، و"حماس" حتى اللحظة لـم تتنازل ولا أتوقع أن تخضع لأي ابتزاز سياسي فيما يتعلق بالثوابت... هذا قرار إستراتيجي؛ ليس على مستوى "حماس" بل على مستوى أعلى من "حماس" بكثير"! قرار إستراتيجي وليس من "حماس"، ممن إذاً؟
أهو من قيادة حركة الإخوان الـمسلـمين العالـمية، فلا يوجد أعلى من قيادة "حماس" غيرها. أم هو قرار متفق عليه مع حلفاء "حماس"، لكن كيف يكون ذلك أعلى من قيادة "حماس"؟ هل قرارات قيادة حركة الإخوان الـمسلـمين العالـمية ملزمة لـ"حماس"؟ خالد مشعل يقول إن جذور "حماس" التاريخية مرتبطة بحركة الإخوان، لكنها الآن حركة تحرر وطني، ولديها ما يميزها عن الإخوان الذين يتحركون في العالـم العربي بطريقة ميكافيلية إلى حد ما... ضد سورية مثلاً الـمتحالفة مع إيران، الـمتحالفة مع "حماس"... مع حكومة نور الدين الـمالكي في العراق، صديقة أميركا، أميركا ليست من أصدقاء "حماس". مع السودان الـمتهم رئيسه بأعمال إبادة... مع قيادة اليمن التي تخوض نوعاً من أنواع الحروب الأهلية... مع الجزائر التي أعطى رئيسها الحق لنفسه بتعديل الدستور... مع تحالف الرابع عشر من آذار في لبنان الـمتهم جزء منه بالتحالف سابقاً مع إسرائيل وارتكاب مجازر ضد اللبنانيين والفلسطينيين، خصوم حزب الله، صديق "حماس".
من هو صاحب القرار الإستراتيجي الذي لا يمكن لـ "حماس" أن تتجاوزه؟! هل يقصد البردويل أن حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية أكبر من "حماس" لتقرر الأخيرة بشأنها؟ كيف يمكن إذاً لها أن تدعي أنها تمثل الشعب الفلسطيني وأنها قائدة لحركة تحرر، ولـماذا انتخبها الشعب الفلسطيني إن كانت في لحظة تاريخية محددة، لا تستطيع أن تقرر ما هو في مصلحة من انتخبها؟ تصريحات البردويل، أيضاً، فيها تناقض، فهو يتحدث عن مرونة وصلت حد إعطاء الرئيس عباس الحق بمفاوضة الإسرائيليين سابقاً، والسماح لوزراء "حماس" بلقاء أو الاتصال بوزراء إسرائيليين لتيسير وتسهيل حياة الفلسطينيين، ثم يعود للقول: إن الثوابت لا تراجع عنها... على ماذا إذاً سيتم التفاوض مع إسرائيل إن كانت "حماس" ستقول لأي اتفاق لا، طالـما يتعارض مع ثوابتها... ما هي هذه الثوابت؟ كان على البردويل أن ينطق بها... لكنه ربما تركها لخطاب مشعل الـمؤجل ليوم أمس... ولعله استبقه بالتلـميح إلى أن بعض قيادات "حماس" لن تقبل بالاعتراف بإسرائيل تحت أي ظرف، حتى لو كان الـمقابل إنهاء الاحتلال كاملاً وقيام دولة فلسطينية.
لست ممن يدعي وجود أجنحة متعددة داخل "حماس"، بعضها يرغب بالتحرر قليلاً من عبء الأيديولوجيا، ليمكن "حماس" من الحصول على قبول دولي وإنهاء حصار غزة، ووراثة حركة التحرر الوطني الفلسطيني ومنظمة التحرير بعد أن فقدت "فتح" مكانتها وتأثيرها لحساب السلطة الفلسطينية. لكن مؤخراً، كانت هناك أصوات ممن يدعون صداقة "حماس" وهم منها أو يقفون على يمينها، ممن طالبوا بطرد أحمد يوسف مستشار رئيس الوزراء الـمقال، إسماعيل هنية، بحجة قيامه بمراسلات وأحاديث تعكس لغة "عرفاتية" ولا تعكس أفكار "حماس". وبعضهم الآخر طالب بإعادة "حماس" تأكيدها تمسكها بتحرير فلسطين من بحرها لنهرها، وأن الهدنة وليس الاعتراف الـمتبادل، هو أقصى ما يمكن لـ"حماس" الـموافقة عليه والتعهد به، مقابل الدولة كاملة السيادة وعودة اللاجئين. لكن كل هذه الـمطالبات ــ وحاجة مشعل لإلقاء خطاب لتأكيد ثوابت "حماس" بعد الرسالة التي استلـمتها حماس من كارتر، وخطاب كل من أوباما ونتنياهو ــ تعكس احتمالين:
الأول: أن هناك حراكاً داخل "حماس" ونقاشاً قد يكون منذ بعض الوقت ــ ربما منذ نجاحها في الانتخابات التشريعية ــ حول الحاجة لقبول حل الدولتين، أو الـمبادرة العربية، لتحقيق اختراق دولي وعربي مؤثر، ولإظهار الاستعداد لـمرونة سياسية حقيقية، وقد وصل ذلك النقاش إلى مرحلة ما بعد رسالة كارتر، تتطلب من قيادة "حماس" السياسية، أن تحسم الجدل بشأنها، وبالتالي كان خطاب مشعل الذي يركز على ثوابت "حماس" السياسية لينهي الجدل الداخلي بشأنها، بالقول إن "حماس" سياسياً، هي هي، ولا تغير في رؤيتها السياسية ولا في رؤاها للـمستقبل.
أو ثانياً: أن تكون "حماس" قد استلـمت رسالة من كارتر، لـم تفصح سابقاً عن مضمونها، لكنها تتضمن تكرار شروط الرباعية، مقابل وعود أميركية سخية، لجهة فك الحصار، والقبول الدولي بها، وإعطاء ضوء أخضر فيما يتعلق بالـمصالحات الداخلية للسلطة في رام الله، وبالتالي كان قرار "حماس" بالحاجة لخطاب مشعل، لنقل هذا الحوار إلى العلن، بتأكيد رفض "حماس" هذه الشروط أياً كانت الـمغريات، ولدرء أية شكوك بشأن ثبات الحركة على مواقفها.
مما لا شك فيه أن الظروف الـمحيطة بـ"حماس" قاسية، وقاسية جداً أيضاً. في غزة حصار خانق مستمر منذ ثلاث سنوات، ومستمر حتى بعد حرب خلفت الآف الشهداء الجرحى، وعشرات الآلاف من الـمشردين بلا مأوى، ودمار كبير في بنية تحتية فقيرة أصلاً... وحصار سياسي عربي إلى حد ما، مستمر منذ قيام "حماس" برفض اتفاقات أوسلو وسعيها للإطاحة بها.. وحصار سياسي وملاحقة مستمرة في الضفة منذ سيطرة "حماس" على غزة قبل سنتين... وحصار دولي سياسي مستمر، ليس بسبب رفض الاعتراف بإسرائيل ولكن بسبب محاربة إسرائيل... كل ذلك يتطلب صموداً وتضحيةً بلا شك، وهو ما فعلته "حماس" إلى الآن، لكن ذلك يتحول تدريجياً ومع الزمن، إلى نوع من الانتحار السياسي، لأن الـمطلوب لتعزيز الصمود هو سياسة واقعية تأخذ بالاعتبار، ليس ما هو "أعلى" من "حماس" ولكن ما هو في حدود وقدرات الشعب الفلسطيني على تحقيقه.
وحتى لا يجنح الخيال بأحد، فإن دولة على حدود العام 1967، كاملة السيادة، منزوعة الـمستوطنات، عاصمتها القدس العربية، ودون حتى عودة للاجئين إلى الأماكن التي شردوا منها، وبمعاهدة سلام مع إسرائيل في نهاية الـمطاف، تتطلب مقاومة مستمرة بأشكالها الـمختلفة، مصحوبة بإسناد عربي وخطوط إمداد، وتأييد دولي سياسي.
الرابط:
ما الذي يقصده النائب الدكتور صلاح البردويل، بقوله: إن "حماس" تلقت رسالة من كارتر فيها شروط أقسى من شروط "الرباعية"، وطلب منها التوقيع عليها حتى يسلـمها لجورج ميتشل ليتمكن الأخير من رفعها إلى أوباما ليقوم بدوره بدفع عملية السلام إلى الأمام، متجاوزاً ضغط اللوبي الإسرائيلي.
مواقع "حماس" الإلكترونية نقلت عن قيادات في الحركة أن كارتر طالب "حماس" بقبول الـمبادرة العربية، وحل الدولتين.. هل يقصد البردويل أن قبول هاتين الـمسألتين أكثر قسوة من شروط الرباعية؟ ثم يعود البردويل ــ الذي كان يتحدث في ندوة سياسية نظمتها صحيفة (فلسطين) بحسب موقع فلسطين للإعلام ــ ليقول: حماس "ليست مستهدفة في علاقاتها وتكتيكاتها، بل في ثوابتها، و"حماس" حتى اللحظة لـم تتنازل ولا أتوقع أن تخضع لأي ابتزاز سياسي فيما يتعلق بالثوابت... هذا قرار إستراتيجي؛ ليس على مستوى "حماس" بل على مستوى أعلى من "حماس" بكثير"! قرار إستراتيجي وليس من "حماس"، ممن إذاً؟
أهو من قيادة حركة الإخوان الـمسلـمين العالـمية، فلا يوجد أعلى من قيادة "حماس" غيرها. أم هو قرار متفق عليه مع حلفاء "حماس"، لكن كيف يكون ذلك أعلى من قيادة "حماس"؟ هل قرارات قيادة حركة الإخوان الـمسلـمين العالـمية ملزمة لـ"حماس"؟ خالد مشعل يقول إن جذور "حماس" التاريخية مرتبطة بحركة الإخوان، لكنها الآن حركة تحرر وطني، ولديها ما يميزها عن الإخوان الذين يتحركون في العالـم العربي بطريقة ميكافيلية إلى حد ما... ضد سورية مثلاً الـمتحالفة مع إيران، الـمتحالفة مع "حماس"... مع حكومة نور الدين الـمالكي في العراق، صديقة أميركا، أميركا ليست من أصدقاء "حماس". مع السودان الـمتهم رئيسه بأعمال إبادة... مع قيادة اليمن التي تخوض نوعاً من أنواع الحروب الأهلية... مع الجزائر التي أعطى رئيسها الحق لنفسه بتعديل الدستور... مع تحالف الرابع عشر من آذار في لبنان الـمتهم جزء منه بالتحالف سابقاً مع إسرائيل وارتكاب مجازر ضد اللبنانيين والفلسطينيين، خصوم حزب الله، صديق "حماس".
من هو صاحب القرار الإستراتيجي الذي لا يمكن لـ "حماس" أن تتجاوزه؟! هل يقصد البردويل أن حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية أكبر من "حماس" لتقرر الأخيرة بشأنها؟ كيف يمكن إذاً لها أن تدعي أنها تمثل الشعب الفلسطيني وأنها قائدة لحركة تحرر، ولـماذا انتخبها الشعب الفلسطيني إن كانت في لحظة تاريخية محددة، لا تستطيع أن تقرر ما هو في مصلحة من انتخبها؟ تصريحات البردويل، أيضاً، فيها تناقض، فهو يتحدث عن مرونة وصلت حد إعطاء الرئيس عباس الحق بمفاوضة الإسرائيليين سابقاً، والسماح لوزراء "حماس" بلقاء أو الاتصال بوزراء إسرائيليين لتيسير وتسهيل حياة الفلسطينيين، ثم يعود للقول: إن الثوابت لا تراجع عنها... على ماذا إذاً سيتم التفاوض مع إسرائيل إن كانت "حماس" ستقول لأي اتفاق لا، طالـما يتعارض مع ثوابتها... ما هي هذه الثوابت؟ كان على البردويل أن ينطق بها... لكنه ربما تركها لخطاب مشعل الـمؤجل ليوم أمس... ولعله استبقه بالتلـميح إلى أن بعض قيادات "حماس" لن تقبل بالاعتراف بإسرائيل تحت أي ظرف، حتى لو كان الـمقابل إنهاء الاحتلال كاملاً وقيام دولة فلسطينية.
لست ممن يدعي وجود أجنحة متعددة داخل "حماس"، بعضها يرغب بالتحرر قليلاً من عبء الأيديولوجيا، ليمكن "حماس" من الحصول على قبول دولي وإنهاء حصار غزة، ووراثة حركة التحرر الوطني الفلسطيني ومنظمة التحرير بعد أن فقدت "فتح" مكانتها وتأثيرها لحساب السلطة الفلسطينية. لكن مؤخراً، كانت هناك أصوات ممن يدعون صداقة "حماس" وهم منها أو يقفون على يمينها، ممن طالبوا بطرد أحمد يوسف مستشار رئيس الوزراء الـمقال، إسماعيل هنية، بحجة قيامه بمراسلات وأحاديث تعكس لغة "عرفاتية" ولا تعكس أفكار "حماس". وبعضهم الآخر طالب بإعادة "حماس" تأكيدها تمسكها بتحرير فلسطين من بحرها لنهرها، وأن الهدنة وليس الاعتراف الـمتبادل، هو أقصى ما يمكن لـ"حماس" الـموافقة عليه والتعهد به، مقابل الدولة كاملة السيادة وعودة اللاجئين. لكن كل هذه الـمطالبات ــ وحاجة مشعل لإلقاء خطاب لتأكيد ثوابت "حماس" بعد الرسالة التي استلـمتها حماس من كارتر، وخطاب كل من أوباما ونتنياهو ــ تعكس احتمالين:
الأول: أن هناك حراكاً داخل "حماس" ونقاشاً قد يكون منذ بعض الوقت ــ ربما منذ نجاحها في الانتخابات التشريعية ــ حول الحاجة لقبول حل الدولتين، أو الـمبادرة العربية، لتحقيق اختراق دولي وعربي مؤثر، ولإظهار الاستعداد لـمرونة سياسية حقيقية، وقد وصل ذلك النقاش إلى مرحلة ما بعد رسالة كارتر، تتطلب من قيادة "حماس" السياسية، أن تحسم الجدل بشأنها، وبالتالي كان خطاب مشعل الذي يركز على ثوابت "حماس" السياسية لينهي الجدل الداخلي بشأنها، بالقول إن "حماس" سياسياً، هي هي، ولا تغير في رؤيتها السياسية ولا في رؤاها للـمستقبل.
أو ثانياً: أن تكون "حماس" قد استلـمت رسالة من كارتر، لـم تفصح سابقاً عن مضمونها، لكنها تتضمن تكرار شروط الرباعية، مقابل وعود أميركية سخية، لجهة فك الحصار، والقبول الدولي بها، وإعطاء ضوء أخضر فيما يتعلق بالـمصالحات الداخلية للسلطة في رام الله، وبالتالي كان قرار "حماس" بالحاجة لخطاب مشعل، لنقل هذا الحوار إلى العلن، بتأكيد رفض "حماس" هذه الشروط أياً كانت الـمغريات، ولدرء أية شكوك بشأن ثبات الحركة على مواقفها.
مما لا شك فيه أن الظروف الـمحيطة بـ"حماس" قاسية، وقاسية جداً أيضاً. في غزة حصار خانق مستمر منذ ثلاث سنوات، ومستمر حتى بعد حرب خلفت الآف الشهداء الجرحى، وعشرات الآلاف من الـمشردين بلا مأوى، ودمار كبير في بنية تحتية فقيرة أصلاً... وحصار سياسي عربي إلى حد ما، مستمر منذ قيام "حماس" برفض اتفاقات أوسلو وسعيها للإطاحة بها.. وحصار سياسي وملاحقة مستمرة في الضفة منذ سيطرة "حماس" على غزة قبل سنتين... وحصار دولي سياسي مستمر، ليس بسبب رفض الاعتراف بإسرائيل ولكن بسبب محاربة إسرائيل... كل ذلك يتطلب صموداً وتضحيةً بلا شك، وهو ما فعلته "حماس" إلى الآن، لكن ذلك يتحول تدريجياً ومع الزمن، إلى نوع من الانتحار السياسي، لأن الـمطلوب لتعزيز الصمود هو سياسة واقعية تأخذ بالاعتبار، ليس ما هو "أعلى" من "حماس" ولكن ما هو في حدود وقدرات الشعب الفلسطيني على تحقيقه.
وحتى لا يجنح الخيال بأحد، فإن دولة على حدود العام 1967، كاملة السيادة، منزوعة الـمستوطنات، عاصمتها القدس العربية، ودون حتى عودة للاجئين إلى الأماكن التي شردوا منها، وبمعاهدة سلام مع إسرائيل في نهاية الـمطاف، تتطلب مقاومة مستمرة بأشكالها الـمختلفة، مصحوبة بإسناد عربي وخطوط إمداد، وتأييد دولي سياسي.
الرابط:
تعليق