إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
أما بعد:
(`'•.¸(` '•. ¸ * ¸.•'´)¸.•'´)
(¸. •'´(¸.•'´ * `'•.¸)`'•.¸ )
فإن للشهوات سلطاناً على النفوس، واستيلاءاً وتمكناً في القلوب،، فتركها عزيز، والخلاص منها عسير، ولكن من اتقى الله كفاه، ومن استعان به أعانه: (( وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ )) فقد جرت سنة الله تعالى في خلقه أن من آثر الألم العاجل على الوصال الحرام أعقبه ذلك في الدنيا المسرّة التامة، وإن هلك فالفوز العظيم، والله تعالى لا يضيع ما تحمّل عبده لأجله. ، وإنما يجد المشقة في ترك المألوفات والعوائد من تركها لغير الله، أما من تركها مخلصاً لله فإنه لا يجد في تركها مشقة إلا أول وهلة؛ ليُمتَحن أصادق في تركها أم كاذب، فإن صبر على تلك المشقة قليلاً استحالت لذة، وكلما ازدادت الغربة في المحرم، وتاقت النفس إلى فعله، وكثرت الدواعي للوقوع فيه عظُم الأجرُ في تركه، وتضاعفت المثوبة في مجاهدة النفس على الخلاص منه.
ولا ينافي التقوى ميلُ الإنسان بطبعه إلى الشهوات، إذا كان لا يغشاها، ويجاهد نفسه على بغضها، بل إن ذلك من الجهاد ومن صميم التقوى، ثم إن من ترك لله شيئاً عوّضه الله خيراً منه، والعوض من الله أنواع مختلفة، وأجلّ ما يُعوّضُ به: الأنسُ بالله، ومحبته، وطمأنينة القلب بذكره، وقوته، ونشاطه، ورضاه عن ربه تبارك وتعالى، مع ما يلقاه من جزاء في هذه الدنيا، ومع ما ينتظره من الجزاء الأوفى في الآخرة .
فعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: ((ما من عبد ترك شيئاً لله إلا أبدله الله به ما هو خير منه من حيث لا يحتسب، ولا تهاون به عبد فأخذ من حيث لا يصلح إلا أتاه الله بما هو أشد عليه.)) { رواه وكيع في الزهد وأبو نعيم في الحلي وإسناده لا بأس به }
وفي رواية أخرى (( من ترك شيئا لله ، عوضه الله خيرا منه )) { صححه الألباني }
قال قتادة بن دعامة الجليل: لا يقْدِرُ رَجلٌ على حَرَامٍ ثم يَدَعه ليس به إلا مخافة الله عز وجل إلا أبْدَله في عاجل الدنيا قبل الآخرة ما هو خيرٌ له من ذلك.
(`'•.¸(` '•. ¸ * ¸.•'´)¸.•'´)
(¸. •'´(¸.•'´ * `'•.¸)`'•.¸ )
وسنذكر في هذا الموضوع قصص من واقع السلف الصالح رضوان الله عليهم
إن هذه القصص لأناس استشعروا عظمة الله وجلاله وهيبته.. استشعروا الخوف من الله وعقابه.. استشعروا يوم العرض عليه يوم لا ينفع مال ولا بنون.. استشعروا القرآن والسنة وهم المتقون لله.. وهم الذين يستحقون أن يعطوا من الأوقات لقراءة حوادثهم وسيرهم العظيمة...
(`'•.¸(` '•. ¸ * ¸.•'´)¸.•'´)
(¸. •'´(¸.•'´ * `'•.¸)`'•.¸ )
صهيب الرومي يترك ماله لله ::
كان صهيب الرومي رضي الله عنه ممن شرح الله صدورهم للإسلام ،وكان يعيش في مكة وبارك الله له في ماله ، فلما أراد الهجرة تبعه نفر من قريش حتى إذا أدركوه قال لهم : والله لقد علمتم أني من أرماكم رجلا ، ووالله لا تصلون إلي حتى أرمي بكل سهم من كنانتي رجلا منكم ، أولا أدلكم على خير من ذلك ؟ مالي بالمكان الفلاني خذوه وخلوا سبيلي ، فرجعوا وهاجر هو إلى الله ورسوله ، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال: ربح البيع يا صهيب أبا يحيى ، وفيه نزل قول الله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ) (البقرة:207). فهل هناك مقارنة بين ما تركه صهيب رضي الله عنه وبين ما عوضه الله عز وجل؟!!.
يقول مالك بن دينار رحمه الله تعالى: جنات النعيم بين الفردوس وجنات عدن ، فيها جوار خلقن من ورد الجنة يسكنها الذين هموا بالمعاصي ، فلما ذكروا الله عز وجل راقبوه فانثنت رقابهم من خشيته.
(`'•.¸(` '•. ¸ * ¸.•'´)¸.•'´)
(¸. •'´(¸.•'´ * `'•.¸)`'•.¸ )
قصة زواج المبارك والد عبد الله بن المبارك ::
وهي قصة عجيبة تدل على نفس المعنى ـ أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ـ فقد كان المبارك رقيقا فأعتقه سيده ، وعمل أجيرا عند صاحب بستان ، وفي يوم خرج صاحب البستان ومعه نفر من أصحابه إلى البستان وأمر المبارك أن يحضر لهم رمانا حلوا ، فجمع لهم فلما ذاقه قال للمبارك: أنت ما تعرف الحلو من الحامض؟ فقال المبارك:لم تأذن لي ان آكل حتى أعرف الحلو من الحامض.فظن صاحب البستان أن المبارك يخدعه ، وقال له: أنت منذ كذا وكذا سنة تحرس البستان وتقول هذا؟ثم سأل بعض الجيران عنه فشهدوا له بالخير والصلاح وأنهم ما عرفوا أنه أكل رمانة واحدة ، فجاءه صاحب البستان وقال له إذا أردت أن أزوج ابنتي فممن أزوجها؟ فقال المبارك: إن اليهود يزوجون على المال ، والنصارى يزوجون على الجمال ، والمؤمنين يزوجون على التقوى والدين فانظر من أي الناس أنت؟فقال:وهل أجد لابنتي من هو خير منك؟وعرضها عليه فقبل المبارك وبنى بها ورزق منها أولادا كان منهم عبد الله بن المبارك رحمه الله ، فيا سبحان الله ، عف عن الرمان فسيق إليه البستان وصاحبته ،ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.
(`'•.¸(` '•. ¸ * ¸.•'´)¸.•'´)
(¸. •'´(¸.•'´ * `'•.¸)`'•.¸ )
قصة الراعي مع عبد الله بن عمر ::
وهي من أعجب القصص التي تدل على هذا المعنى ، إذ سار عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ومعه بعض إخوانه فلقي راعي غنم فقال له ابن عمر: بعنا شاة من هذه الغنم ، فقال : إنها ليست لي إنها لسيدي ، فقال ابن عمر : قل لسيدك أكلها الذئب ، فقال الراعي: فأين الله؟ فبكى ابن عمر رضي الله عنه وظل يردد : فأين الله؟ ثم ذهب إلى سيده فاشتراه وأعتقه ، واشترى الغنم ووهبها له ، فانظر كيف عف عن شاة واحدة فأعتق ووهبت له الشياه كلها!!.
فيا أيها الحبيب: هل أيقنت الآن أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ؟ وهل علمت أن الأمر صبر ساعة ، وأن من يتصبر يصبره الله ومن يستعفف يعفه الله ؟
إن من ترك لله شيئاً عوضه الله خيراً منه، والعوض من الله أنواع مختلفة، وأجل ما يعوض به: الأنس بالله، ومحبته، وطمأنينة القلب بذكره، وقوته، ونشاطه، ورضاه عن ربه تبارك وتعالى، مع ما يلقاه من جزاء في هذه الدنيا، ومع ما ينتظره من الجزاء الأوفى في العقبى ؛ فحري بالعاقل الحازم، أن يتبصّر في الأمور، وينظر في العواقب، وألا يؤثر اللذة الحاضرة الفانية على اللذة الآجلة الدائمة الباقية.
(`'•.¸(` '•. ¸ * ¸.•'´)¸.•'´)
(¸. •'´(¸.•'´ * `'•.¸)`'•.¸ )
ولمن خاف مقام ربه جنتااان ::
وقال يحيى بن أيوب: كان بالمدينة فتى يُعجب عمر بن الخطاب رضي الله عنه شأنه، فانصرف ليلة من صلاة العشاء فتمثلت له امرأة ين يديه، فعرّضت له بنفسها ففتن بها ومضت، فاتبعها حتى وقف على بابها فأبصر وجلاً عن قلبه وحضرته هذه الآية (إن الذين اتقوا إذا مسّهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون) [سورة الأعراف: 201].
فخر مغشياً عليه، فنظرت إليه المرأة فإذا هو كالميت، فلم تزل هي وجارية لها يتعاونان عليه حتى ألقياه على باب داره، فخرج أبوه فرآه مُلقى على باب الدار لما به، فحمله وأدخله فأفاق، فسأله ما أصابك با بني؟ فلم يخبره فلم يزل به حتى أخبره، فلما تلا الآية شهق شهقة فخرجت نفسه، فبلغ عمر رضي الله عنه قصته فقال: ألا آذنتموني بموته؟ فذهب حتى وقف على قبره فنادى: يا فلان (ولمن خاف مقام ربه جنتان) [سورة الرحمن: 46] فسمع صوتاً من داخل القبر: قد أعطاني ربي يا عمر .
ووردت القصة على وجه آخر وهو: كان شابٌ على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ملازماً للمسجد والعبادة، فهويته جارية فحدث نفسه بها، ثم إنه تذكر وأبصر فشهق شهقة فغشي عليه منها، فجاء عمُّ له فحمله إلى بيته فلما أفاق قال:
يا عمّ انطلق إلى عمر فأقرئه مني السلام وقل له: ما جزاء من خاف مقام ربه؟ فأخبر عمر فآتاه وقد مات فقال: لك جنتان .
(`'•.¸(` '•. ¸ * ¸.•'´)¸.•'´)
(¸. •'´(¸.•'´ * `'•.¸)`'•.¸ )
فيمن ترك محبوبه حراماً فذل له حلالاً، أو أعاضه الله خيراً منه ::
قال أبو الفرج بن الجوزي رحمه الله تعالى:
بلغني عن بعض الأشراف أنه اجتاز بمقبرة فإذا جارية حسناء عليها ثياب سوادٍ، فنظر إليها فعلقت بقلبه فكتب إليها:
قد كنتُ أحسب أن الشمس واحدة *** والبدر في منظرٍ بالحسن موصوفُ
حتى رأيتُك في أثواب ثاكلةٍ *** سُودٍ وصدغُك فوق الخد معطوف
فرُحتُ والقلبُ مني هائم دَنِفٌ *** والكبد حرّي ودمع العين مذروف
رُدّي الجواب ففيه الشكر واغتنمي *** وصل المحب الذي بالحب مشغوف
ورمى بالرقعة إليها فلما قرأتها كتبت:
إن كنت ذا حسبٍ زاكٍ وذا نسبٍ *** إن الشريف بغض الطرف معروف
إن الزناة أُناسٌ لا خلاق لهم *** فاعلم بأنك يوم الدين موقوف
واقطع رجاك لحاك الله من رجلٍ *** فإن قلبي عن الفحشاء مصروف
فلما قرأ الرقعة زجر نفسه وقال: أليس امرأة تكون أشجع منك؟ ثم تاب ولبس مِدْرَعةً من الصوف والتجأ إلى الحرم، فبينما هو في الطواف يوماً وإذا بتلك الجارية عليها درعٌ من صوف فقالت له: ما أليق هذا بالشريف: هل لك في المباح؟ فقال: قد كنت أروم هذا قبل أن أعرف الله وأُحبه، والآن قد شغلني حبُّه عن حب غيره فقالت له: أحسنت ثم طافت وهي تنشد:
فطفنا فلاحت في الطواف لوائحٌ *** غنينا بها عن كلّ مرْأى ومَسْمَع .
(`'•.¸(` '•. ¸ * ¸.•'´)¸.•'´)
(¸. •'´(¸.•'´ * `'•.¸)`'•.¸ )
ختاما
هذا موضوع إجتهدت فيه لتعم الفائدة ومن إستطاع نشره فله الأجر وبارك الله فيكم
أرجو أن أكون وفقت في طرح الموضوع
أخوكم // حوتري القسام
لا تنسوني وأهلي من صالح دعائكم
تعليق