بسم الله الرحمن الرحيم
الطريقة الشرعية في إقامة الدولةالإسلامية
الطريقة الشرعية في إقامة الدولةالإسلامية
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، وعلىاله وصحبه ومن سار على دربه واهتدى بهداه إلى يوم القامة .
أما بعد:
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز :" وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " ، ولكن
لو أن الله سبحانه ترك المجال لكل شخص أن يعبده بالطريقة التي يختارها ، لتصرف كل شخص على هواه ، ولأعتبر أنه يعبد الله حق العبادة ، ولما كان هناك مجال لمحاسبته ،لذلك فإن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان ، وطلب منه أن يعبده ووضع له نظاما لعبادته ، فقد فرض عليه فروضا ، وأمره أن يؤديها ، وحدد له أشياء وأمره أن يجتنبها، فإذا تبع هذه الأوامر ، واجتنب ما نهاه عنه يكون قد عبده حق عبادته ، وإلا فلا .
ومن بين الفروض التي افترضها الله على الإنسان الصلاة والزكاة ، فقال سبحانه : " وأقيموا الصلاة واتوا الزكاة " ، ولكن لو نظرنا في كل القران الكريم وبحثنا فيه ،لما وجدنا كيفية أداء الصلاة ، ولوجدنا كيفية أداء الصلاة في السنة النبوية المطهرة، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" صلوا كما رأيتموني أصلي " ، وبالتالي فلا يجوز لأي مسلم أن يؤدي الصلاة بكيفية مختلفة عن الكيفية التي صلى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولو قام بحركات مختلفة فلا يعتبر قد صلى .
ولو أن مسلما قام وتوضأ فأحسن الوضوء ثم قام فصلى الظهر قبل أن يؤذن الظهر ، فلا يكون قد صلى الظهر ، ولو أنه قام فصلى الظهر بعد الأذان ، واتجه في القبلة نحو المسجد الأقصى فإنه لا يكون قد صلى ، مع أن الأقصى هو القبلة الأولى ، ولو أصر أن الأقصى هوالقبلة الصحيحة يعتبر كافرا لأنه أنكر شيئا معلوما من الدين بالضرورة ، مع أنه قام بأداء فرض .
ومن الفروض التي فرضها الله علينا الحج ، حيث قال تعالى :" ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " ، ولو بحثنا أيضا في القران عن كيفية أداء الحج لما وجدنا أيضا ، ولكن نجد ذلك من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حيث قال :" خذوا عني مناسككم " فلا يجوز لأي مسلم أن يحج بكيفية مختلفة ، ولا يجوز له أن يتبع ترتيبا مختلفا في أداء شعائر الحج.
ومن الفروض التي فرضها الله علينا أيضا فرض عظيم جدا ، ألا وهو – الحكم بما أنزل الله تعالى – حيث قال تعالى : {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ }المائدة49.
لقد أمرالله سبحانه وتعالى في هذه الآية رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ، أن يحكم بين الناس بما أنزل الله ، وحذره من أن يتبع أهواء الناس ، ولا تفكيره ولا رأيه ، وحذره شديد التحذير من أن يفتنه الناس ( أي يحرفوه ) ولو عن جزء بسيط مما أنزل الله سبحانه ,
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتطبيق هذه الآية خير التطبيق ، ولم يقبل من قريش أو غيرها أي أمر فيه مناقضة ولو بسيطة للإسلام ، ولا تنازل ولو عن جزء بسيط من الإسلام ،
" والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه ".
وقد بين الله عظم إثم من لم يحكم بما أنزل الله ، حيث أنه اعتبر من لم يقم بذلك ، كافرا ، أو ظالما ، أوفاسقا ، }وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } ، }وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفاسقونَ }، }وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْظالمون }، وهذا كله قرينة واضحة على فرضية الحكم بما أنزل الله .
والحكم بما أنزل الله لا يمكن أن يطبق إلا في ظل دولة إسلامية ، لذلك كان وجود الدولة الإسلامية فرض . حيث أن القاعدة الشرعية تقول :" ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب " .
وكما أن وجود جماعة تعمل لإقامة الدولة الإسلامية فرض ، لأن الدولة لا يمكن أن يقيمها فرد أو مجموعة أفراد ، وإنما تقيمها جماعة تؤمن بالفكرة وتعمل لإيجادها في واقع الحياة ، ولذلك تنطبق هنا أيضا القاعدة الشرعية السابقة.
ولأن الله سبحانه وتعالى طلب من المسلمين إيجاد هذه الجماعة ، حيث قال تعالى {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }آلعمران104.
ولكن ........ كيف يمكن العمل لإيجاد هذه الدولة الغائبة هذه الأيام ،وهي فرض ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
لو بحثنا في القران الكريم أيضا ، لما وجدنا جوابا لهذاالسؤال ، بينما نجد الجواب الشافي في سيرة رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام، وبيان ذلك ما يلي :
كل كتب السيرة تجمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمكة ، مر بثلاث مراحل هي :
1- التثقيف السري وترسيخ العقيدة .
2- التفاعل مع الأمة والصدع بالدعوة .
3- طلب النصرة .
والآن نأتي على بيان هذه المراحل بشيء من التفصيل البسيط .
أولا : التثقيف السري وترسيخ العقيدة :
وهذا ما كان يقوم به رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في دار الأرقم بن أبي الأرقم ، حيث أنه كان يجتمع مع أصحابه سرا في هذه الدار يبلغهم ما نزل عليه من أي الذكر الحكيم التي كانت كلها تركز على تركيز العقيدة ، وإعمال العقل البشري في الكون والإنسان والحياة .
وقد استمر عليه أفضل الصلاة والسلام على ذلك مدة ثلاث سنوات ، إلى أن نزلت اية : {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ } الحجر94،وقد خرجت هذه الدار رجالا أتقياء أنقياء مؤمنين بربهم متوكلين عليه ، لا يزعزعهم عن ذلك كيد كائد ولا مكر ماكر .
ثانيا : وبعد نزول اية : {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ }الحجر، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فجمع أصحابه ممن كان في الدار، فاصطفوا بصفين، كان على رأس أحدهما سيدنا عمر بن الخطاب ، وعلى رأس الثاني سيدنا حمزة بن عبدالمطلب ، وخرجوا في أرجاء مكة يهللون ويكبرون ، فما كان من قريش إلا أن رمتهم بالحجارة والأشواك ، ولكنهم صمدوا وصبروا وأعلنوا بذلك عن أن هناك دين جديد له أتباع أشداء ، يعملون له ، ويدعون لتطبيقه في واقع الحياة .
ثم بعدها قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتفاعل مع قريش بالصراع الفكري ، حيث أنه كان يعمل على تسفيه أفكارهم وبيان زيفها ويستبدلها بأفكار الإسلام الصحيحة ، وكان أيضا يعمل على بيان خطط الكفار للمسلمين ، وفضحهم ، وكان في ذلك متحديا سافرا ، فقد كان يقول : {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ }المسد1، ويقول للكفار : {إِنَّكُمْ وَمَاتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ }الأنبياء98.
ثالثا: بعد وفاة عمه أبي طالب وزوجه خديجة رضي الله عنها ، انتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلى خطوة جديدة ، ألا وهي التعرض للقبائل القوية ،ودعوتهم للإسلام ثم طلب النصرة منهم لحماية هذا الدين، وقد تعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك إلى ثلاث عشرة قبيلة أو خمس عشرة قبيلة أو إحدى وعشرين قبيلة حسب كتب السيرة ، ولاقى أثناء ذلك شتى صنوف التعذيب والإغراء ، وكلنا يعلم قصته صلى الله عليه وسلم مع ثقيف .
إن تكرار العمل والإصرار عليه رغم التعرض أثناءه للتعذيب والإغراءات لقرينة على أن هذا العمل فرض ، وكما ذكرنا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كرر طلب النصرة على الأقل ثلاث عشرة مرة ، وهذا يدل على أن طلب النصرة فرض .
ثم بعد ذلك نصر الله صلى الله عليه وسلم بالأوس والخزرج في المدينة مع أنهما كانتا قبيلتين متناحرتين ، فأقام دولة الإسلام في يثرب ، وبعدها قام بتطبيق كل أحكام الإسلام التي كانت قد نزلت جملة واحدة ، وكان يطبق كل حكم جديد ينزل بشكل فوري ، وعلى أتم وجه .
أيها الإخوة المسلمون الكرام :
إننا وكما أخذنا كيفية صلاتنا وحجنا وزكاتنا وصيامنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يجب علينا أيضا أن نأخذ طريقة إقامة دولة الإسلام عنه أيضا ، وأن لا نلتفت إلا تفكيرنا، وأن ذلك العمل يوصل أو لا يوصل ، فالعمل فرض ، والطريقة محددة ، وهي فرض ، فيجب علينا اذن أن نعمل لإيجاد الدولة الإسلامية وبالطريقة الشرعية ، التي حددها الله سبحانه وتعالى ونفذها رسوله الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام : }َمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }الحشر7.
ولذلك فإنني أيها الإخوة المسلمين أدعوكم جميعا للعمل مع العاملين لاستئناف الجياة الإسلامية بدولة الإسلام .
وإنه والله وعد من الله سبحانه : {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُواالصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنقَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْوَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَايُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُالْفَاسِقُونَ }النور55
إن الله لا يخلف الميعاد ، وأعلموا دوما أن العبرة دوما بصحة الفكرة ونقائها ، وليس بالعدد ولا بالعدة ، وتذكروا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :"بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبي للغرباء " .
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، اللهم اهدنا واهد بنا واجعلنا سببا لمن اهتدى يارب العالمين .
اللهم اجعلنا من العاملين المخلصين لنصرة هذا الدين .
واخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تعليق