إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الخلاصة في المفاصلة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الخلاصة في المفاصلة

    يعرف الله المسلمين حقيقة مكانهم في هذه الأرض , وحقيقة دورهم في حياة البشر: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) . .
    فيدلهم بهذا على أصالة دورهم , وعلى سمة مجتمعهم . .
    يلي ذلك التهوين من شأن عدوهم فهم لن يضروهم في دينهم , ولن يظهروا عليهم ظهورا تاما مستقرا . إنما هو الأذى في جهادهم وكفاحهم , ثم النصر ما استقاموا على منهجهم . وهؤلاء الأعداء قد ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله , بسبب ما اقترفوه من الآثام والمعصية وقتل الأنبياء بغير حق . .
    ويستثني من أهل الكتاب طائفة جنحت للحق , فآمنت , واتخذت منهج المسلمين منهجا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والسعي في الخيرات . .
    (وأولئك من الصالحين) . .
    ويقرر مصير الذين كفروا فلم يجنحوا للإسلام ; فهم مأخوذون بكفرهم , لا تنفعهم أموال ينفقونها , ولا تغني عنهم أولاد , وعاقبتهم البوار .
    وينتهي الدرس بتحذير الذين آمنوا من اتخاذ بطانة من دونهم , يودون لهم العنت , وتنفث أفواههم البغضاء , وما تخفي صدورهم أكبر , ويعضون عليهم الأنامل من الغيظ , ويفرحون لما ينزل بساحتهم من السوء ; ويسوؤهم الخير ينال المؤمنين . . ويعدهم الله بالكلاءة والحفظ من كيد هؤلاء الأعداء ما صبروا واتقوا (إن الله بما يعملون محيط) . .
    ويدل هذا التوجيه الطويل , المنوع الإيحاءات , على ما كانت تعانيه الجماعة المسلمة حينذاك من كيد أهل الكتاب ودسهم في الصف المسلم ; وما كان يحدثه هذا الدس من بلبلة . كما أنه يشي بحاجة الجماعة إلى التوجيه القوي , كي يتم لها التميز الكامل , والمفاصلة الحاسمة , من كافة العلاقات التي كانت تربطها بالجاهلية وبأصدقاء الجاهلية !
    ثم يبقى هذا التوجيه يعمل في أجيال هذه الأمة , ويبقى كل جيل مطالبا بالحذر من أعداء الإسلام التقليديين . وهم هم تختلف وسائلهم , ولكنهم لا يختلفون !
    (قال:رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي . فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين) . .
    دعوة فيها الألم . وفيها الالتجاء . وفيها الاستسلام . وفيها - بعد ذلك - المفاصلة والحسم والتصميم !
    وإنه ليعلم أن ربه يعلم أنه لا يملك إلا نفسه وأخاه . .
    ولكن موسى في ضعف الإنسان المخذول . وفي إيمان النبي الكليم . وفي عزم المؤمن المستقيم , لا يجد متوجها إلا لله . يشكو له بثه ونجواه , ويطلب إليه الفرقة الفاصلة بينه وبين القوم الفاسقين . فما يربطه بهم شيء بعد النكول عن ميثاق الله الوثيق . .
    ما يربطه بهم نسب . وما يربطه بهم تاريخ . وما يربطه بهم جهد سابق . إنما تربطه بهم هذه الدعوة إلى الله , وهذا الميثاق مع الله .
    وقد فصلوه . فانبت ما بينه وبينهم إلى الأعماق . وما عاد يربطه بهم رباط . .
    إنه مستقيم على عهد الله وهم فاسقون . .
    إنه مستمسك بميثاق الله وهم ناكصون . .
    هذا هو أدب النبي . . وهذه هي خطة المؤمن .
    وهذه هي الآصرة التي يجتمع عليها أو يتفرق المؤمنون . .
    لا جنس . لا نسب . لا قوم . لا لغة . لا تاريخ . لا وشيجة من كل وشائج الأرض ; إذا انقطعت وشيجة العقيدة ; وإذا اختلف المنهج والطريق . .
    يربى القرآن وعي المسلم بحقيقة أعدائه , وحقيقة المعركة التي يخوضها معهم ويخوضونها معه . إنها معركة العقيدة . فالعقيدة هي القضية القائمة بين المسلم وكل أعدائه . .
    وهم يعادونه لعقيدته ودينه , قبل أي شيء آخر , وهم يعادونه هذا العداء الذي لا يهدأ لأنهم هم فاسقون عن دين الله , ومن ثم يكرهون كل من يستقيم على دين اللهقل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله , وما أنزل إلينا , وما أنزل من قبل . وأن أكثركم فاسقون ? ?) فهذه هي العقدة ; وهذه هي الدوافع الأصيلة !
    وقيمة هذا المنهج , وقيمة هذه التوجيهات الأساسية فيه , عظيمة . فإخلاص الولاء لله ورسوله ودينه وللجماعة المسلمة القائمة على هذا الأساس , ومعرفة طبيعة المعركة وطبيعة الأعداء فيها . .
    أمران مهمان سواء في تحقيق شرائط الإيمان أو في التربية الشخصية للمسلم , أو في التنظيم الحركي للجماعة المسلمة . .
    فالذين يحملون راية هذه العقيدة لا يكونون مؤمنين بها أصلا , ولا يكونون في ذواتهم شيئا , ولا يحققون في واقع الأرض أمرا ما لم تتم في نفوسهم المفاصلة الكاملة بينهم وبين سائر المعسكرات التي لا ترفع رايتهم , وما لم يتمحض ولاؤهم لله ورسوله ولقيادتهم الخاصة المؤمنة به , وما لم يعرفوا طبيعة أعدائهم وبواعثهم وطبيعة المعركة التي يخوضونها معهم , وما لم يستيقنوا أنهم جميعا إلب عليهم , وأن بعضهم أولياء بعض في حرب الجماعة المسلمة والعقيدة الإسلامية على السواء .
    ***********************
    وقال تعالى :
    (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء . . بعضهم أولياء بعض . . ومن يتولهم منكم فإنه منهم . إن الله لا يهدي القوم الظالمين) . .
    هذا النداء موجه إلى الجماعة المسلمة في المدينة - ولكنه في الوقت ذاته موجه لكل جماعة مسلمة تقوم في أي ركن من أركان الأرض إلى يوم القيامة . .
    موجه لكل من ينطبق عليه ذات يوم صفة: الذين آمنوا . .
    ولقد كانت المناسبة الحاضرة إذ ذاك لتوجيه هذا النداء للذين آمنوا , أن المفاصلة لم تكن كاملة ولا حاسمة بين بعض المسلمين في المدينه وبعض أهل الكتاب - وبخاصه اليهود - فقد كانت هناك علاقات ولاء وحلف , وعلاقات اقتصاد وتعامل , وعلاقات جيره وصحبه . .
    وكان هذا كله طبيعياً مع الوضع التاريخي والاقتصادي والاجتماعي في المدينة قبل الإسلام , بين أهل المدينة من العرب وبين اليهود بصفة خاصة . .
    وكان هذا الوضع يتيح لليهود أن يقوموا بدورهم في الكيد لهذا الدين وأهله ; بكل صنوف الكيد التي عددتها وكشفتها النصوص القرآنية الكثيرة ; والتي سبق استعراض بعضها في الأجزاء الخمسة الماضية من هذه الظلال ; والتي يتولى هذا الدرس وصف بعضها كذلك في هذه النصوص .
    ونزل القرآن ليبث الوعي اللازم للمسلم في المعركة التي يخوضها بعقيدته , لتحقيق منهجه الجديد في واقع الحياة . ولينشى ء في ضمير المسلم تلك المفاصلة الكاملة بينه وبين كل من لا ينتمي إلى الجماعة المسلمة ولا يقف تحت رايتها الخاصة . المفاصلة التي لا تنهي السماحة الخلقية . فهذه صفة المسلم دائما . ولكنها تنهي الولاء الذي لا يكون في قلب المسلم إلا لله ورسوله والذين آمنوا . . الوعي والمفاصلة اللذان لا بد منهما للمسلم في كل أرض وفي كل جيل .
    (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء . . بعضهم أولياء بعض . ومن يتولهم منكم فإنه منهم , إن الله لا يهدي القوم الظالمين) .
    بعضهم أولياء بعض . .
    إنها حقيقة لا علاقة لها بالزمن . .
    لأنها حقيقة نابعة من طبيعة الأشياء . .
    إنهم لن يكونوا أولياء للجماعة المسلمة في أي أرض ولا في أي تاريخ . .
    وقد مضت القرون تلو القرون ترسم مصداق هذه القولة الصادقة . .
    لقد ولي بعضهم بعضا في حرب محمد صلى الله عليه وسلم والجماعة المسلمة في المدينة وولي بعضهم بعضا في كل فجاج الأرض , على مدار التاريخ . .
    ولم تختل هذه القاعدة مرة واحدة ; ولم يقع في هذه الأرض إلا ما قرره القرآن الكريم , في صيغة الوصف الدائم , لا الحادث المفرد . .
    واختيار الجملة الاسمية على هذا النحو . .
    بعضهم أولياء بعض . .
    ليست مجرد تعبير !
    إنما هي اختيار مقصود للدلالة على الوصف الدائم الأصيل !
    ثم رتب على هذه الحقيقة الأساسية نتائجها . .
    فإنه إذا كان اليهود والنصارى بعضهم أولياء بعض فإنه لا يتولاهم إلا من هو منهم . والفرد الذي يتولاهم من الصف المسلم , يخلع نفسه من الصف ويخلع عن نفسه صفة هذا الصف "الإسلام" وينضم إلى الصف الآخر . لأن هذه هي النتيجة الطبيعية الواقعية:
    (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) . .
    وكان ظالما لنفسه ولدين الله وللجماعة المسلمة . . وبسبب من ظلمه هذا يدخله الله في زمرة اليهود والنصارى الذين أعطاهم ولاءه . ولا يهديه إلى الحق ولا يرده إلى الصف المسلم:
    (إن الله لا يهدي القوم الظالمين) . .
    لقد كان هذا تحذيرا عنيفا للجماعة المسلمة في المدينة . ولكنه تحذير ليس مبالعا فيه . فهو عنيف . نعم ; ولكنه يمثل الحقيقة الواقعة . فما يمكن أن يمنح المسلم ولاءه لليهود والنصارى - وبعضهم أولياء بعض - ثم يبقى له إسلامه وإيمانه , وتبقى له عضويته في الصف المسلم , الذين يتولى الله ورسوله والذين آمنوا . .
    فهذا مفرق الطريق . .
    وما يمكن أن يتميع حسم المسلم في المفاصلة الكاملة بينة وبين كل من ينهج غير منهج الإسلام ; وبينه وبين كل من يرفع راية غير راية الإسلام ; ثم يكون في وسعه بعد ذلك أن يعمل عملا ذا قيمة في الحركة الإسلاميةالضخمة التي تستهدف - أول ما تستهدف - إقامة نظام واقعي في الأرض فريد ; يختلف عن كل الأنظمة الأخرى ; ويعتمد على تصور متفرد كذلك من كل التصورات الأخرى . .
    إن اقتناع المسلم إلى درجة اليقين الجازم , الذي لا أرجحة فيه ولا تردد , بأن دينه هو الدين الوحيد الذي يقبله الله من الناس - بعد رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وبأن منهجه الذي كلفه الله أن يقيم الحياة عليه , منهج متفرد ; لا نظير له بين سائر المناهج ; ولا يمكن الاستغناء عنه بمنهج آخر ; ولا يمكن أن يقوم مقامه منهج آخر ; ولا تصلح الحياة البشرية ولا تستقيم إلا أن تقوم على هذا المنهج وحده دون سواه ; ولا يعفيه الله ولا يغفر له ولا يقبله إلا إذا هو بذل جهد طاقته في إقامة هذا المنهج بكل جوانبه:الاعتقادية والاجتماعية ; لم يأل في ذلك جهدا , ولم يقبل من منهجه بديلا - ولا في جزء منه صغير - ولم يخلط بينه وبين أي منهج آخر في تصور اعتقادي , ولا في نظام اجتماعي , ولا في أحكام تشريعية , إلا ما استبقاه الله في هذا المنهج من شرائع من قبلنا من أهل الكتاب . .
    إن اقتناع المسلم إلى درجة اليقين الجازم بهذا كله هو - وحده - الذي يدفعه للاضطلاع بعبء النهوض بتحقيق منهج الله الذي رضيه للناس ; في وجه العقبات الشاقة , والتكاليف المضنية , والمقاومة العنيدة , والكيد الناصب , والألم الذي يكاد يجاوز الطاقة في كثير من الأحيان . .
    وإلا فما العناء في أمر يغني عنه غيره - مما هو قائم في الأرض من جاهلية . .
    سواء كانت هذه الجاهلية ممثلة في وثنية الشرك , أو في انحراف أهل الكتاب , أو في الإلحاد السافر . .
    بل ما العناء في إقامة المنهج الإسلامي , إذا كانت الفوارق بينه وبين مناهج أهل الكتاب أو غيرهم قليلة ; يمكن الالتقاء عليها بالمصالحة والمهادنة ?
    إن الذين يحاولون تمييع هذه المفاصلة الحاسمة , باسم التسامح والتقريب بين أهل الأديان السماوية , يخطئون فهم معنى الأديان كما يخطئون فهم معنى التسامح . فالدين هو الدين الأخير وحده عند الله . والتسامح يكون في المعاملات الشخصية , لا في التصور الاعتقادي ولا في النظام الاجتماعي . . إنهم يحاولون تمييع اليقين الجازم في نفس المسلم بأن الله لا يقبل دينا إلا الإسلام , وبأن عليه أن يحقق منهج الله الممثل في الإسلام ولا يقبل دونه بديلا ; ولا يقبل فيه تعديلا - ولو طفيفا - هذا اليقين الذي ينشئه القرآن الكريم وهو يقرر:
    (إن الدين عند الله الإسلام) . .
    (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه) . .
    (واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك) . .
    (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء . .
    بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم) . .
    وفي القرآن كلمة الفصل . .
    ولا على المسلم من تميع المتميعين وتمييعهم لهذا اليقين !
    ويصور السياق القرآني تلك الحالة التي كانت واقعة ; والتي ينزل القرآن من أجلها بهذا التحذير:
    (فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم , يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة) . .
    روى ابن جرير , قال:حدثنا أبو كريب , حدثنا إدريس , قال:سمعت أبي , عن عطية بن سعد . قال:جاء عبادة بن الصامت من بني الحارث بن الخزرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
    يا رسول الله . إن لي موالي من يهود كثير عددهم ; وإني أبرأ إلى الله ورسوله من ولاية يهود , وأتولى الله ورسوله . فقال عبد الله بن أبي [ رأس النفاق ]:إني رجل أخاف الدوائر . لا أبرأ من ولاية موالي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن أبي:" يا أبا الحباب . ما بخلت به من ولاية يهود على عبادة ابن الصامت فهو لك دونه " ! قال:قد قبلت ! فأنزل الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء) . . .
    وقال ابن جرير . "حدثنا هناد , حدثنا يونس بن بكير , حدثنا عثمان بن عبد الرحمن عن الزهري , قال:لما انهزم أهل بدر قال المسلمون لأوليائهم من اليهود:أسلموا قبل أن يصيبكم الله بيوم مثل يوم بدر . فقال مالك بن الصيف:أغركم أن أصبتم رهطا من قريش , لا علم لهم بالقتال ? أما لو أصررنا العزيمة أن نستجمع عليكم لم يكن لكم يد أن تقاتلونا . فقال عبادة بن الصامت:يا رسول الله إن أوليائي من اليهود كانت شديدة أنفسهم , كثيرا سلاحهم , شديدة شوكتهم . وإني أبرأ إلى الله ورسوله من ولاية يهود , ولا مولى لي إلا الله ورسوله . فقال عبد الله بن أبي:لكني لا أبرأ من ولاية يهود . إني رجل لا بد لي منهم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يا أبا الحباب أرأيت الذي نفست به من ولاية يهود على عبادة ابن الصامت ? فهو لك دونه ! " فقال:إذن أقبل . .
    قال محمد بن إسحق:فكانت أول قبيلة من اليهود نقضت ما بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم بنو قينقاع . فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة . قال:فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على حكمه . فقام إليه عبدالله بن أبي بن سلول - حين أمكنة الله منهم - فقال:يا محمد أحسن في موالي - وكانوا حلفاء الخزرج - قال:فأبطأ عليه رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - فقال:يا محمد أحسن في موالي . قال:فأعرض عنه . قال:فأدخل يده في جيب درع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أرسلني " وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأوا لوجهه ظللا . ثم قال:" ويحك ! أرسلني " . قال:لا والله لا أرسلك حتى تحسن في موالي . أربعمائة حاسر , وثلاثمائه دارع , قد منعوني من الأحمر والأسود , تحصدهم في غداة واحدة ? إني امرؤ أخشى الدوائر . قال . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" هم لك " . .
    قال محمد بن إسحق:فحدثني أبي إسحق بن يسار , عن عبادة , عن الوليد بن عبادة بن الصامت , قال:لما حاربت بنو قينقاع رسول الله صلى الله عليه وسلم تشبث بأمرهم عبدالله بن أبى وقام دونهم ; ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أحد بني عوف بن الخزرج . له من حلفهم مثل الذي لعبد الله بن أبي فجعلهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ إلى الله ورسوله من حلفهم , وقال:يا رسول الله أبرأ إلى الله ورسوله من حلفهم , وأتولى الله ورسوله والمؤمنين , وأبرأ من حلف الكفار وولايتهم . ففيه وفي عبدالله بن أبي نزلت الآية في المائدة: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء , بعضهم أولياء بعض) إلى قولهومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) . .
    وقال الإمام أحمد:حدثنا قتيبة بن سعيد , حدثنا يحيى بن زكريا بن أبى زيادة , عن محمد بن إسحاق , عن الزهري , عن عودة , عن أسامة بن زيد , قال:"دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على عبدالله بن أبى نعوده , فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " قد كنت أنهاك عن حب يهود " فقال عبدالله:فقد أبغضهم أسعد بن زرارة فمات . . [ وأخرجه أبو داود من حديث محمد بن إسحق ]
    فهذه الأخبار في مجموعها تشير إلى تلك الحالة التي كانت واقعة في المجتمع المسلم ; والمتخلفة عن الأوضاع التي كانت قائمة في المدينة قبل الإسلام ; وكذلك عن التصورات التي لم تكن قد حسمت في قضية العلاقات التي يمكن أن تقوم بين الجماعة المسلمة واليهود والتي لا يمكن أن تقوم . . غير أن الذي يلفت النظر أنها كلها تتحدث عن اليهود , ولم يجى ء ذكر في الوقائع للنصارى . . ولكن النص يجمل اليهود والنصارى . . ذلك أنه بصدد إقامة تصور دائم وعلاقة دائمة وأوضاع دائمة بين الجماعة المسلمة وسائر الجماعات الأخرى , سواء من أهل الكتاب أو من المشركين [ كما سيجيء في سياق هذا الدرس ] . . ومع اختلاف مواقف اليهود من المسلمين عن مواقف النصارى في جملتها في العهد النبوي , ومع إشارة القرآن الكريم في موضع آخر من السورة إلى هذا الاختلاف في قوله تعالى: لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا , ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا:إنا نصارى . . . الخ. .
    مع هذا الاختلاف الذي كان يومذاك , فإن النص هنا يسوي بين اليهود والنصارى - كما يسوي النص القادم بينهم جميعا وبين الكفار . .
    فيما يختص بقضية المحالفة والولاء . ذلك أن هذه القضية ترتكز على قاعدة أخرى ثابتة . هي:أن ليس للمسلم ولاء ولا حلف إلا مع المسلم ; وليس للمسلم ولاء إلا لله ولرسوله وللجماعة المسلمة . . ويستوي بعد ذلك كل الفرق في هذا الأمر . .
    مهما اختلفت مواقفهم من المسلمين في بعض الظروف . .
    على أن الله - سبحانه - وهو يضع للجماعة المسلمة هذه القاعدة العامة الحازمة الصارمة , كان علمه يتناول الزمان كله , لا تلك الفترة الخاصة من حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وملابساتها الموقوتة . . وقد أظهر التاريخ الواقع فيما بعد أن عداء النصارى لهذا الدين وللجماعة المسلمة في معظم بقاع الأرض لم يكن أقل من عداء اليهود . .
    وإذا نحن استثنينا موقف نصارى العرب ونصارى مصر في حسن استقبال الإسلام , فإننا نجد الرقعة النصرانية في الغرب , قد حملت للإسلام في تاريخها كله منذ أن احتكت به من العداوة والضغن , وشنت عليه من الحرب والكيد , ما لا يفترق عن حرب اليهود وكيدهم في أي زمان ! حتى الحبشة التي أحسن عاهلها استقبال المهاجرين المسلمين واستقبال الإسلام , عادت فإذا هي أشد حربا على الإسلام والمسلمين من كل أحد ; لا يجاريها في هذا إلا اليهود . .
    وكان الله - سبحانه - يعلم الأمر كله . فوضع للمسلم هذه القاعدة العامة . بغض النظر عن واقع الفترة التي كان هذا القرآن يتنزل فيها وملابساتها الموقوتة ! وبغض النظر عما يقع مثلها في بعض الأحيان هنا وهناك إلى آخر الزمان .
    وما يزال الإسلام والذين يتصفون به - ولو أنهم ليسوا من الإسلام في شيء - يلقون من عنت الحرب المشبوبة عليهم وعلى عقيدتهم من اليهود والنصارى في كل مكان على سطح الأرض , ما يصدق قول الله تعالى:
    (بعضهم أولياء بعض) . . وما يحتم أن يتدرع المسلمون الواعون بنصيحة ربهم لهم . بل بأمره الجازم , ونهيه القاطع ; وقضائه الحاسم في المفاصلة الكاملة بين أولياء الله ورسوله , وكل معسكر آخر لا يرفع راية الله ورسوله . .
    إن الإسلام يكلف المسلم أن يقيم علاقاته بالناس جميعا على أساس العقيدة . فالولاء والعداء لا يكونان في تصور المسلم وفي حركته على السواء إلا في العقيدة . .
    ومن ثم لا يمكن أن يقوم الولاء - وهو التناصر - بين المسلم وغير المسلم ; إذ أنهما لا يمكن أن يتناصرا في مجال العقيدة . .
    ولا حتى أمام الإلحاد مثلا - كما يتصور بعض السذج منا وبعض من لا يقرأون القرآن ! - وكيف يتناصران وليس بينهما أساس مشترك يتناصران عليه ?
    إن بعض من لا يقرأون القرآن , ولا يعرفون حقيقة الإسلام ; وبعض المخدوعين أيضا . . يتصورون أن الدين كله دين ! كما أن الإلحاد كله إلحاد !
    وأنه يمكن إذن أن يقف "التدين" بجملته في وجه الإلحاد . لأن الإلحاد ينكر الدين كله , ويحارب التدين على الإطلاق . .
    ولكن الأمر ليس كذلك في التصور الإسلامي ; ولا في حس المسلم الذي يتذوق الإسلام . ولا يتذوقالإسلام إلا من يأخذه عقيدة , وحركة بهذه العقيدة , لإقامة النظام الإسلامي .
    إن الأمر في التصور الإسلامي وفي حس المسلم واضح محدد . .
    الدين هو الإسلام . .
    وليس هناك دين غيره يعترف به الإسلام . .
    لأن الله - سبحانه - يقول هذا . يقول: (إن الدين عند الله الإسلام) . .
    ويقول: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه) . .
    وبعد رسالة محمد صلى الله عليه وسلم لم يعد هناك دين يرضاه الله ويقبله من أحد إلا هذا "الإسلام" . .
    في صورته التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم وما كان يقبل قبل بعثة محمد من النصارى لم يعد الآن يقبل . كما أن ما كان يقبل من اليهود قبل بعثة عيسى عليه السلام , لم يعد يقبل منهم بعد بعثته . .
    ووجود يهود ونصارى - من أهل الكتاب - بعد بعثه محمد صلى الله عليه وسلم - ليس معناه أن الله يقبل منهم ما هم عليه ; أو يعترف لهم بأنهم على دين إلهي . .
    لقد كان ذلك قبل بعثة الرسول الأخير . .
    أما بعد بعثته فلا دين - في التصور الإسلامي وفي حس المسلم - إلا الإسلام . .
    وهذا ما ينص عليه القرآن نصا غير قابل للتأويل . .
    إن الإسلام لا يكرههم على ترك معتقداتهم واعتناق الإسلام . . لأنه (لا إكراه في الدين) ولكن هذا ليس معناه أنه يعترف بما هم عليه "ديناً ويراهم على دين" . .
    ومن ثم فليس هناك جبهه تدين يقف معها الإسلام في وجه الإلحاد ! هناك "دين" هو الإسلام . . وهناك "لا دين" هو غير الإسلام . .
    ثم يكون هذا اللادين . .
    عقيدة أصلها سماوي ولكنها محرفه , أو عقيده أصلها وثني باقيه على وثنيتها . أو إلحاداً ينكر الأديان . .
    تختلف فيما بينها كلها . .
    ولكنها تختلف كلها مع الإسلام . ولا حلف بينها وبين الإسلام ولا ولاء . .
    والمسلم يتعامل مع أهل الكتاب هؤلاء ; وهو مطالب بإحسان معاملتهم - كما سبق - ما لم يؤذوه في الدين ; ويباح له أن يتزوج المحصنات منهن - على خلاف فقهي فيمن تعتقد بألوهية المسيح أو بنوته , وفيمن تعتقد التثليث أهي كتابيه تحل أم مشركة تحرم - وحتى مع الأخذ بمبدأ تحليل النكاح عامه . .
    فإن حسن المعامله وجواز النكاح , ليس معناها الولاء والتناصر في الدين ; وليس معناها اعتراف المسلم بأن دين أهل الكتاب - بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم هو دين يقبله الله ; ويستطيع الإسلام أن يقف معه في جبهه واحدة لمقاومة الإلحاد !
    إن الإسلام قد جاء ليصحح اعتقادات أهل الكتاب ; كما جاء ليصحح اعتقادات المشركين والوثنيين سواء .
    ودعاهم إلى الإسلام جميعاً , لأن هذا هو "الدين" الذي لا يقبل الله غيره من الناس جميعاً . ولما فهم اليهود أنهم غير مدعوين إلى الإسلام , وكبر عليهم أن يدعوا إليه , جابههم القرآن الكريم بأن الله يدعوهم إلى الإسلام , فإن تولوا عنه فهم كافرون !
    والمسلم مكلف أن يدعوا أهل الكتاب إلى الإسلام , كما يدعو الملحدين والوثنيين سواء . وهو غير مأذون في أن يكره أحداً من هؤلاء ولا هؤلاء على الإسلام . لأن العقائد لا تنشأ في الضمائر بالإكراه . فالإكراه في الدين فوق أنه منهي عنه , هو كذلك لا ثمره له .
    ولا يستقيم أن يعترف المسلم بأن ما عليه أهل الكتاب - بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم هو دين يقبله الله . .
    ثم يدعوهم مع ذلك إلى الإسلام ! . .
    إنه لا يكون مكلفاً بدعوتهم إلى الإسلام إلا على أساس واحد ; هو أنه لا يعترف بأن ما هم عليه دين . وأنه يدعوهم إلى الدين .
    وإذا تقررت هذه البديهيه , فإنه لا يكون منطقياً مع عقيدته إذا دخل في ولاء أو تناصر للتمكين للدين في الأرض , مع من لا يدين بالإسلام .
    إن هذه القضيه في الإسلام قضيه اعتقاديه إيمانيه . كما أنها قضيه تنظيميه حركيه !
    من ناحيه أنها قضيه إيمانيه اعتقاديه نحسب أن الأمر قد صار واضحاً بهذا البيان اذي أسلفناه , وبالرجوع إلى النصوص القرآنيه القاطعه بعدم قيام ولاء بين المسلمين وأهل الكتاب .
    ومن ناحية أنها قضية تنظيمية حركية الأمر واضح كذلك . .
    فإذا كان سعي المؤمن كله ينبغي أن يتجه إلى إقامة منهج الله في الحياة - وهو المنهج الذي ينص عليه الإسلام كما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم بكل تفصيلات وجوانب هذا المنهج , وهي تشمل كل نشاط الإنسان في الحياة . . فكيف يمكن إذن أن يتعاون المسلم في هذا السعي مع من لا يؤمن بالإسلام دينا ومنهجا ونظاما وشريعة ; ومن يتجه في سعيه إلى أهداف أخرى - إن لم تكن معادية للإسلام وأهدافه فهي على الأقل ليست أهداف الإسلام - إذ الإسلام لا يعترف بهدف ولا عمل لا يقوم على أساس العقيدة مهما بدا في ذاته صالحا - (والذين كفروا أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف) . .
    والإسلام يكلف المسلم أن يخلص سعيه كله للإسلام . .
    ولا يتصور إمكان انفصال أية جزئية في السعي اليومي في حياة المسلم عن الإسلام . .
    لا يتصور إمكان هذا إلا من لا يعرف طبيعة الإسلام وطبيعة المنهج الإسلامي . .
    ولا يتصور أن هناك جوانب في الحياة خارجة عن هذا المنهج يمكن التعاون فيها مع من يعادي الإسلام , أو لا يرضى من المسلم إلا أن يترك إسلامه , كما نص الله في كتابه على ما يطلبه اليهود والنصارى من المسلم ليرضوا عنه ! . .
    إن هناك استحالة اعتقادية كما أن هناك استحالة عملية على السواء . .
    ولقد كان اعتذار عبدالله بن أبي بن سلول , وهو من الذين في قلوبهم مرض , عن مسارعته واجتهاده في الولاء ليهود , والاستمساك بحلفه معها , هي قوله:إنني رجل أخشى الدوائر ! إني أخشى أن تدور علينا الدوائر وأن تصيبنا الشدة , وأن تنزل بنا الضائقة . .
    وهذه الحجة هي علامة مرض القلب وضعف الإيمان . .
    فالولي هو الله ; والناصر هو الله ; والاستنصار بغيره ضلالة , كما أنه عبث لا ثمرة له . . ولكن حجة ابن سلول , هي حجة كل بن سلول على مدار الزمان ; وتصوره هو تصور كل منافق مريض القلب , لا يدرك حقيقة الإيمان . .
    وكذلك نفر قلب عبادة بن الصامت من ولاء يهود بعد ما بدا منهم ما بدا . لأنه قلب مؤمن فخلع ولاء اليهود وقذف به , حيث تلقاه وضم عليه صدره وعض عليه بالنواجذ عبدالله بن أبى بن سلول !
    إنهما نهجان مختلفان , ناشئان عن تصورين مختلفين , وعن شعورين متباينين , ومثل هذا الاختلاف قائم على مدار الزمان بين قلب مؤمن وقلب لا يعرف الإيمان !
    ويهدد القرآن المستنصرين بأعداء دينهم , المتألبين عليهم , المنافقين الذين لا يخلصون لله اعتقادهم ولا ولاءهم ولا اعتمادهم . . يهددهم برجاء الفتح أو أمر الله الذي يفصل في الموقف ; أو يكشف المستور من النفاق .
    (فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده , فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين) .
    وعندئذ - عند الفتح - سواء كان هو فتح مكة أو كان الفتح بمعنى الفصل أو عند مجيء أمر الله - يندم أولئك الذين في قلوبهم مرض , على المسارعة والاجتهاد في ولاء اليهود والنصارى وعلى النفاق الذي انكشف أمره , وعندئذ يعجب الذين آمنوا من حال المنافقين , ويستنكرون ما كانوا فيه من النفاق وما صاروا إليه من الخسران !
    (ويقول الذين آمنوا:أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم ? حبطت أعمالهم , فأصبحوا خاسرين !) . .
    ولقد جاء الله بالفتح يوما , وتكشفت نوايا , وحبطت أعمال , وخسرت فئات . ونحن على وعد من الله قائم بأن يجيء الفتح , كلما استمسكنا بعروة الله وحده ; وكلما أخلصنا الولاء لله وحده . وكلما وعينا منهج الله , وأقمنا عليه تصوراتنا وأوضاعنا . وكلما تحركنا في المعركة على هدى الله وتوجيهه . فلم نتخذ لنا وليا إلا الله ورسوله والذين آمنوا . .
    والله يعد الذين آمنوا - في مقابل الثقة به , والالتجاء إليه , والولاء له وحده - ولرسوله وللمؤمنين بالتبعية . .
    ومقابل المفاصلة الكاملة بينهم وبين جميع الصفوف إلا الصف الذي يتمحض لله . . يعدهم النصر والغلبة:
    (ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) . .
    وقد جاء هذا الوعد بالغلب بعد بيان قاعدة الإيمان في ذاتها . . وأنها هي الولاء لله ورسوله وللمؤمنين ; وبعد التحذير من الولاء لليهود والنصارى واعتباره خروجا من الصف المسلم إلى صف اليهود والنصارى , وارتدادا عن الدين . .
    وهنا لفتة قرآنية مطردة . .
    فالله - سبحانه - يريد من المسلم أن يسلم لمجرد أن الإسلام خير ! لا لأنه سيغلب , أو سيمكن له في الأرض ; فهذه ثمرات تأتي في حينها ; وتأتي لتحقيق قدر الله في التمكين لهذا الدين ; لا لتكون هي بذاتها الإغراء على الدخول في هذا الدين . .
    والغلب للمسلمين لا شيء منه لهم . لا شيء لذواتهم وأشخاصهم . وإنما هو قدر الله يجريه على أيديهم , ويرزقهم إياه لحساب عقيدتهم لا لحسابهم ! فيكون لهم ثواب الجهد فيه ; وثواب النتائج التي تترتب عليه من التمكين لدين الله في الأرض , وصلاح الأرض بهذا التمكين . .
    كذلك قد يعد الله المسلمين الغلب لتثبيت قلوبهم ; وإطلاقها من عوائق الواقع الحاضر أمامهم - وهي عوائق ساحقة في أحيان كثيرة - فإذا استيقنوا العاقبة قويت قلوبهم على اجتياز المحنة ; وتخطي العقبة , والطمع في أن يتحقق على أيديهم وعد الله للأمة المسلمة , فيكون لهم ثواب الجهاد , وثواب التمكين لدين الله , وثواب النتائج المترتبة على هذا التمكين .
    كذلك يشي ورود هذا النص في هذا المجال , بحالة الجماعة المسلمة يومذاك , وحاجتها إلى هذه البشريات . بذكر هذه القاعدة من غلبة حزب الله . .
    مما يرجح ما ذهبنا إليه من تاريخ نزول هذا القطاع من السورة .
    ثم تخلص لنا هذه القاعدة ; التي لا تتعلق بزمان ولا مكان . .
    فنطمئن إليها بوصفها سنة من سنن الله التي لا تتخلف . وإن خسرت العصبة المؤمنة بعض المعارك والمواقف . فالسنة التي لا تنقض هي أن حزب الله هم الغالبون . .
    ووعد الله القاطع أصدق من ظواهر الأمور في بعض مراحل الطريق !
    وأن الولاء لله ورسوله والذين آمنوا هو الطريق المؤدي لتحقق وعد الله في نهاية الطريق !
    تقرير نوع العلاقة بين الجماعة المسلمة وأهل الكتاب
    يمضي هذا الدرس في بيان حال أهل الكتاب - من اليهود والنصارى - وكشف الانحراف فيما يعتقدون , وكشف السوء فيما يصنعون ; في تاريخهم كله - وبخاصة اليهود - كما يمضي في تقرير نوع العلاقة بينهم وبين المؤمنين عليهم ولا هم يحزنون) . .
    إنه الأمر الجازم الحاسم للرسول صلى الله عليه وسلم أن يبلغ ما أنزل إليه من ربه كاملا , وألا يجعل لأي اعتبار من الاعتبارات حسابا وهو يصدع بكلمة الحق . .
    هذا , وإلا فما بلغ وما أدى وما قام بواجب الرسالة . . والله يتولى حمايته وعصمته من الناس , ومن كان الله له عاصما فماذا يملك له العباد المهازيل !
    إن كلمة الحق في العقيدة لا ينبغي أن تجمجم ! إنها يجب أن تبلغ كاملة فاصلة ; وليقل من شاء من المعارضين لها كيف شاء ; وليفعل من شاء من أعدائها ما يفعل ; فإن كلمة الحق في العقيدة لا تملق الأهواء ; ولا تراعي مواقع الرغبات ; إنما تراعي أن تصدع حتى تصل إلى القلوب في قوة وفي نفاذ . .
    وكلمة الحق في العقيدة حين تصدع تصل إلى مكامن القلوب التي يكمن فيها الاستعداد للهدى . . وحين تجمجم لا تلين لها القلوب التي لا استعداد فيها للإيمان ; وهي القلوب التي قد يطمع صاحب الدعوة في أن تستجيب له لو داهنها في بعض الحقيقة !
    (إن الله لا يهدي القوم الكافرين) . .
    وإذن فلتكن كلمة الحق حاسمة فاصلة كاملة شاملة . . والهدى والضلال إنما مناطهما استعداد القلوب وتفتحها , لا المداهنة ولا الملاطفة على حساب كلمة الحق أو في كلمة الحق !
    إن القوة والحسم في إلقاء كلمة الحق في العقيدة , لا يعني الخشونة والفظاظة ; فقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة - وليس هنالك تعارض ولا اختلاف بين التوجيهات القرآنية المتعددة - والحكمة والموعظة الحسنة لا تجافيان الحسم والفصل في بيان كلمة الحق . فالوسيلة والطريقة إلى التبليغ شيء غير مادة التبليغ وموضوعه . والمطلوب هو عدم المداهنة في بيان كلمة الحق كاملة في العقيدة , وعدم اللقاء في منتصف الطريق في الحقيقة ذاتها . فالحقيقة الاعتقادية ليس فيها أنصاف حلول . .
    ومنذ الأيام الأولى للدعوة كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو بالحكمة والموعظة الحسنة في طريقة التبليغ , وكان يفاصل مفاصلة كاملة في العقيدة , فكان مأمورا أن يقول: (يا أيها الكافرون:لا أعبد ما تعبدون . .) فيصفهم بصفتهم ; ويفاصلهم في الأمر , ولا يقبل أنصاف الحلول التي يعرضونها عليه , ولا يدهن فيدهنون , كما يودون !
    ولا يقول لهم:إنه لا يطلب إليهم إلا تعديلات خفيفة فيما هم عليه , بل يقول لهم:إنهم على الباطل المحض , وإنه على الحق الكامل . . فيصدع بكلمة الحق عالية كاملة فاصلة , في أسلوب لا خشونة فيه ولا فظاظة . .
    وهذا النداء , وهذا التكليف , في هذه السورة:
    (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك - وإن لم تفعل فما بلغت رسالته - والله يعصمك من الناس . . إن الله لا يهدي القوم الكافرين) . .
    يبدو من السياق - قبل هذا النداء وبعده - أن المقصود به مباشرة هو مواجهة أهل الكتاب بحقيقة ما هم عليه , وبحقيقة صفتهم التي يستحقونها بما هم عليه . .
    ومواجهتهم بأنهم ليسوا على شيء . . ليسوا على شيء من الدين ولا العقيدة ولا الإيمان . .
    ذلك أنهم لا يقيمون التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم . ومن ثم فلا شيء مما يدعونه لأنفسهم من أنهم أهل كتاب وأصحاب عقيدة وأتباع دين:
    (قل:يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم . .) .
    وحينما كلف الرسول صلى الله عليه وسلم أن يواجههم بأنهم ليسوا على شيء من الدين والعقيدة والإيمان . .
    بل ليسوا على شيء أصلا يرتكن عليه ! حينما كلف الرسول صلى الله عليه وسلم بمواجهتهم هذه المواجهة الحاسمة الفاصلة , كانوا يتلون كتبهم ; وكانوا يتخذون لأنفسهم صفة اليهودية أو النصرانية ; وكانوا يقولون:إنهم مؤمنون . . ولكن التبليغ الذي كلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يواجههم به , لم يعترف لهم بشيء أصلا الا مما كانوا يزعمون لأنفسهم , لأن "الدين" وليس كلمات تقال باللسان ; وليس كتبا تقرأ وترتل ; وليس صفة تورث وتدعى . إنما الدين منهج حياة . منهج يشمل العقيدة المستسرة في الضمير , والعبادة الممثلة في الشعائر , والعبادة التي تتمثل في إقامة نظام الحياة كلها على أساس هذا المنهج . . ولما لم يكن أهل الكتاب يقيمون الدين على قواعده هذه , فقد كلف "الرسول" صلى الله عليه وسلم أن يواجههم بأنهم ليسوا على دين ; وليسوا على شيء أصلا من هذا القبيل !
    وإقامة التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم , مقتضاها الأول الدخول في دين الله الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فقد أخذ الله عليهم الميثاق أن يؤمنوا بكل رسول ويعزروه وينصروه . وصفة محمد وقومه عندهم في التوراة وعندهم في الإنجيل - كما أخبر الله وهو أصدق القائلين - فهم لا يقيمون التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم:[ سواء كان المقصود بقوله: (وما أنزل إليهم من ربهم) هو القرآن - كما يقول بعض المفسرين - أو هو الكتب الأخرى التي أنزلت لهم كزبور داود ] . . نقول إنهم لا يقيمون التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم إلا أن يدخلوا في الدين الجديد , الذي يصدق ما بين يديهم ويهيمن عليه . .
    فهم ليسوا على شيء - بشهادة الله سبحانه - حتى يدخلوا في الدين الاخير . . والرسول صلى الله عليه وسلم قد كلف أن يواجههم بهذا القرار الإلهي في شأنهم ; وأن يبلغهم حقيقة صفتهم وموقفهم ; وإلا فما بلغ رسالة ربه . .
    ويا له من تهديد !
    وكان الله - سبحانه - يعلم أن مواجهتهم بهذه الحقيقة الحاسمة , وبهذه الكلمة الفاصلة , ستؤدي إلى أن تزيد كثيرا منهم طغيانا وكفرا , وعنادا ولجاجا . .
    ولكن هذا لم يمنع من أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يواجههم بها ; وألا يأسى على ما يصيبهم من الكفر والطغيان والظلال والشرود بسبب مواجهتهم بها ; لأن حكمته - سبحانه - تقتضي أن يصدع بكلمة الحق ; وأن تترتب عليها آثارها في نفوس الخلق . . فيهتدي من يهتدي عن بينة , ويضل من يضل عن بينة , ويهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة:
    وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا , فلا تأس على القوم الكافرين . .
    وكان الله - سبحانه - يرسم للداعية بهذه التوجيهات منهج الدعوة ; ويطلعه على حكمة الله في هذا المنهج ; ويسلي قلبه عما يصيب الذين لا يهتدون , إذا هاجتهم كلمة الحق فازدادوا طغيانا وكفرا ; فهم يستحقون هذا المصير البائس ; لأن قلوبهم لا تطيق كلمة الحق ; ولا خير في أعماقها ولا صدق . فمن حكمة الله أن تواجه بكلمة الحق ; ليظهر ما كمن فيها وما بطن ; ولتجهر بالطغيان والكفر ; ولتستحق جزاء الطغاة والكافرين !
    ونعود إلى قضية الولاء والتناصر والتعاون بين المسلمين وأهل الكتاب - على ضوء هذا التبليغ الذي كلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى ضوء نتائجه التي قدر الله أن تكون في زيادة الكثيرين منهم طغيانا وكفرا . . فماذا نجد . . ?
    نجد أن الله - سبحانه - يقرر أن أهل الكتاب ليسوا على شيء حتى يقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم . .
    وحتى يدخلوا في الدين الأخير تبعا لهذه الإقامة كما هو بديهي من دعوتهم إلى الإيمان بالله والنبي في المواضع الأخرى المتعددة . .
    فهم إذن لم يعودوا على "دين الله" ولم يعودوا أهل "دين" يقبله الله .
    ونجد أن مواجهتهم بهذه الحقيقة قد علم الله أنها ستزيد الكثيرين منهم طغيانا وكفرا . . ومع هذا فقد أمر رسوله أن يواجههم بها دون مواربة . ودون أسى على ما سيصيب الكثيرين منها !
    فإذا نحن اعتبرنا كلمة الله في هذه القضية هي كلمة الفصل - كما هو الحق والواقع - لم يبق هنالك موضع لاعتبار أهل الكتاب . .
    أهل دين . .
    يستطيع "المسلم" أن يتناصر معهم فيه للوقوف في وجه الإلحاد والملحدين ; كما ينادي بعض المخدوعين وبعض الخادعين ! فأهل الكتاب لم يقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم ; حتى يعتبرهم المسلم (على شيء) وليس للمسلم أن يقرر غير ما قرره الله: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) . . وكلمة الله باقية لا تغيرها الملابسات والظروف !
    وإذا نحن اعتبرنا كلمة الله هي كلمة الفصل - كما هو الحق والواقع - لم يكن لنا أن نحسب حسابا لأثر المواجهة لأهل الكتاب بهذه الحقيقة , في هياجهم علينا , وفي اشتداد حربهم لنا , ولم يكن لنا أن نحاول كسب مودتهم بالاعتراف لهم بأنهم على دين نرضاه منهم ونقرهم عليه , ونتناصر نحن وإياهم لدفع الإلحاد عنه - كما ندفع الإلحاد عن ديننا الذي هو الدين الوحيد الذي يقبلة الله من الناس . .
    إن الله - سبحانه - لا يوجهنا هذا التوجيه . ولا يقبل منا هذا الاعتراف . ولا يغفر لنا هذا التناصر , ولا التصور الذي ينبعث التناصر منه . لأننا حينئذ نقرر لأنفسنا غير ما يقرر ; ونختار في أمرنا غير ما يختار ; ونعترف بعقائد محرفة أنها "دين إلهي , يجتمع معنا في آصرة الدين الإلهي . . والله يقول:إنهم ليسوا على شيء , حتى يقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم . . وهم لا يفعلون !
    والذين يقولون:إنهم مسلمون - ولا يقيمون ما أنزل إليهم من ربهم - هم كأهل الكتاب هؤلاء , ليسوا على شيء كذلك . فهذه كلمة الله عن أهل أي كتاب لا يقيمونه في نفوسهم وفي حياتهم سواء . والذي يريد أن يكون مسلما يجب عليه - بعد إقامة كتاب الله في نفسه وفي حياته - أن يواجه الذين لا يقيمونه بأنهم ليسوا على شيء حتى يقيموه . وأن دعواهم أنهم على دين , يردها عليهم رب الدين . فالمفاصلة في هذا الأمر واجبة ; ودعوتهم إلى "الإسلام" من جديد هي واجب "المسلم" الذي أقام كتاب الله في نفسه وفي حياته . فدعوى الإسلام باللسان أو بالوراثة دعوى لا تفيد إسلاما , ولا تحقق إيمانا , ولا تعطي صاحبها صفة التدين بدين الله , في أي ملة , وفي أي زمان !
    وبعد أن يستجيب هؤلاء أو أولئك ; ويقيموا كتاب الله في حياتهم ; يملك "المسلم" أن يتناصر معهم في دفع غائلة الإلحاد والملحدين , عن "الدين" وعن "المتدينين" . . فأما قبل ذلك فهو عبث ; وهو تمييع , يقوم به خادع أو مخدوع !
    إن دين الله ليس راية ولا شعارا ولا وراثة ! إن دين الله حقيقة تتمثل في الضمير وفي الحياة سواء . تتمثل في عقيدة تعمر القلب , وشعائر تقام للتعبد , ونظام يصرف الحياة . . ولا يقوم دين الله إلا في هذا الكل المتكامل ; ولا يكون الناس على دين الله إلا وهذا الكل المتكامل متمثل في نفوسهم وفي حياتهم . . وكل اعتبارغير هذا الاعتبار تمييع للعقيدة , وخداع للضمير ; لا يقدم عليه "مسلم" نظيف الضمير !
    وعلى "المسلم" أن يجهر بهذه الحقيقة ; ويفاصل الناس كلهم على أساسها ; ولا عليه مما ينشأ عن هذه المفاصلة . والله هو العاصم . والله لا يهدي القوم الكافرين . .
    وصاحب الدعوة لا يكون قد بلغ عن الله ; ولا يكون قد أقام الحجة لله على الناس , إلا إذا أبلغهم حقيقة الدعوة كاملة ; ووصف لهم ما هم عليه كما هو في حقيقته , بلا مجاملة ولا مداهنة . . فهو قد يؤذيهم إن لم يبين لهم أنهم ليسوا على شيء , وأن ما هم عليه باطل كله من أساسه , وأنه هو يدعوهم إلى شيء آخر تماما غير ما هم عليه . .
    يدعوهم إلى نقلة بعيدة , ورحلة طويلة , وتغيير أساسي في تصوراتهم وفي أوضاعهم وفي نظامهم وفي أخلاقهم . .
    فالناس يجب أن يعرفوا من الداعية أين هم من الحق الذي يدعوهم إليه . .
    (ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة) . .
    وحين يجمجم صاحب الدعوة ويتمتم ولا يبين عن الفارق الأساسي بين واقع الناس من الباطل وبين ما يدعوهم إليه من الحق , وعن الفاصل الحاسم بين حقه وباطلهم . .
    حين يفعل صاحب الدعوة هذا - مراعاة للظروف والملابسات , وحذرا من مواجهة واقع الناس الذي يملأ عليهم حياتهم وأفكارهم وتصوراتهم - فإنه يكون قد خدعهم وآذاهم , لأنه لم يعرفهم حقيقة المطلوب منهم كله , وذلك فوق أنه يكون لم يبلغ ما كلفه الله تبليغه !
    إن التلطف في دعوة الناس إلى الله , ينبغي أن يكون في الأسلوب الذي يبلغ به الداعية , لا في الحقيقة التي يبلغهم إياها . .
    إن الحقيقة يجب إن تبلغ إليهم كاملة . أما الأسلوب فيتبع المقتضيات القائمة , ويرتكز على قاعدة الحكمة والموعظة الحسنة . .
    ولقد ينظر بعضنا اليوم - مثلا - فيرى أن أهل الكتاب هم أصحاب الكثرة العددية وأصحاب القوة المادية . وينظر فيرى أصحاب الوثنيات المختلفة يعدون بمئات الملايين في الأرض , وهم أصحاب كلمة مسموعة , في الشئون الدولية . وينظر فيرى أصحاب المذاهب المادية أصحاب أعداد ضخمة وأصحاب قوة مدمرة . وينظر فيرى الذين يقولون:إنهم مسلمون ليسوا على شيء لأنهم لا يقيمون كتاب الله المنزل إليهم . .
    فيتعاظمه الامر , ويستكثر أن يواجه هذه البشرية الضالة كلها بكلمة الحق الفاصلة , ويرى عدم الجدوى في أن يبلغ الجميع أنهم ليسوا على شيء ! وأن يبين لهم "الدين" الحق !
    وليس هذا هو الطريق . .
    إن الجاهلية هي الجاهلية - ولو عمت أهل الأرض جميعا - وواقع الناس كله ليس بشيء ما لم يقم على دين الله الحق , وواجب صاحب الدعوة هو واجبة لا تغيره كثرة الضلال ; ولا ضخامة الباطل . . فالباطل ركام . .
    وكما بدأت الدعوة الأولى بتبليغ أهل الأرض قاطبة:أنهم ليسوا على شيء . .
    كذلك ينبغي أن تستأنف . .
    وقد استدار الزمان كهيئة يوم بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم وناداه:
    (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك - وإن لم تفعل فما بلغت رسالته - والله يعصمك من الناس . إن الله لا يهدي القوم الكافرين . قل: يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم) . (الظلال)
جاري التحميل ..
X