إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ختام العام الهجري

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ختام العام الهجري

    فضيلة العلامة د. صالح بن فوزان الفوزان

    الحمد لله حكم بالفناء على هذه الدار ، وأخبر أن الآخرة هي دار القرار ، وهدم بالموت مشيد الأعمار ، أحمده على نعمه الغزار ، وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد القهار ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، حذر من الركون إلى هذه الدار ، وأمر بالاستعداد لدار القرار ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الأطهار ، وسلم تسليمًا كثيرًا ما تعاقب الليل والنهار . أما بعد :

    أيها الناس : اتقوا الله تعالى ، وفكروا في دنياكم وسرعة زوالها ، واستعدوا للآخرة وأهوالها ، كل شهر يستهله الإنسان فإنه يدنيه من أجله ويقربه من آخرته . وخيركم من طال عمره وحسن عمله ، وشركم من طال عمره وساء عمله ، إنه ما بين أن يثاب الإنسان على الطاعة والإحسان ، أو يعاقب على الإساءة والعصيان ، إلا أن يقال فلان قد مات ، وما أقرب الحياة من الممات ، وكل ما هو آت آت ، وأنتم اليوم تودعون عامًا قد انتهى وانتقص من أعماركم ، وتستقبلون عامًا لا تدرون أتستكملونه أم لا !؟ فلنحاسب أنفسنا ماذا عملنا في العام المنصرم ؟ فإن كان خيرًا حمدنا الله ، واتبعناه بالخير ، وإن كان شرًا تبنا إلى الله منه واستدركنا بقية أيامنا قبل فواتها .

    قال ميمون بن مهران : ( لا خير في الحياة إلا لتائب ، أو رجل يعمل في الدرجات ) ، يعني : أن التائب يمحو بالتوبة ما سلف من السيئات ، والعامل يجتهد في علو الدرجات ، ومن عداهما فهو خاسر ، كما قال تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم : ﴿ وَالْعَصْرِ . إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ . إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ . [ العصر : 1 - 3 ] ، فأقسم الله تعالى بالعصر الذي هو الزمان الذي يعيش فيه الإنسان ، أن كل إنسان خاسر إلا من اتصف بهذه الأوصاف الأربعة : الإيمان . والعمل الصالح . والتواصي بالحق . والتواصي بالصبر على الحق .

    فهذه السورة العظيمة ميزان الأعمال يزن المؤمن بها نفسه فيبين له بها ربحه من خسرانه ، ولهذا قال الإمام الشافعي - رحمه الله - : ( لو فكر الناس كلهم فيها لكفتهم ) ، قال بعضهم : ( كان الصديقون يستحيون من الله أن يكونوا اليوم على مثل حالهم بالأمس ) ، يشير إلى أنهم لا يرضون كل يوم إلا بالزيادة من عمل الخير ، ويستحيون من عدم الزيادة ويعدون ذلك خسرانًا ، فالمؤمن لا يزداد بطول عمره إلا خيرًا . ومن كان كذلك فالحياة خير له من الموت ، وفي دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( اللهم اجعل الحياة زيادة لي من كل خير ، والموت راحة لي من كل شر ) . [ أخرجه مسلم ] ، وروى الترمذي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعًا : ( ما من ميت مات إلا ندم ، إن كان محسنًا ندم ألا يكون ازداد ، وإن كان مسيئًا ندم ألا يكون استعتب ) .

    رؤى بعض الموتى في المنام فقال : ( ما عندنا أكثر من الندامة ، ولا عندكم أكثر من الغفلة ) . ورؤى بعضهم في المنام فقال : ( ندمنا على أمر عظيم ، نعلم ولا نعمل ، وأنتم تعملون ولا تعلمون ، والله لتسبيحة أو تسبيحتان ، أو ركعة أو ركعتان في صحيفة أحدنا أحب إلينا من الدنيا وما فيها ) .

    عباد الله : الأعمال بالخواتيم فمن أصلح فيما بقي غفر له ما مضى ، ومن أساء فيما بقي أخذ بما مضى وما بقي ، الموتى يتحسرون على فوات أطماع الدنيا الفانية ، ما مضى من الدنيا وإن طالت أوقاته . فقد ذهبت لذاته وبقيت تبعاته ، وكأن لم يكن إذا جاء الموت وميقاته ، قال الله - عز وجل - : ﴿ أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ . ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ . مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ﴾ . [ الشعراء : 205 - 207 ] .

    وفي " صحيح البخاري " عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( أعذر الله إلى من بلغه ستين من عمره ) ، وفي " سنن الترمذي " : ( أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين ، وأقلهم من يحوز ذلك ) ، فيا من يفرح بكثرة مرور السنين عليه إنما تفرح بنقص عمرك ، قال بعض الحكماء : ( كيف يفرح من يومه يهدم شهره ، وشهر يهدم سنته ، وسنته تهدم عمره ، كيف يفرح من عمره يقوده إلى أجله ، وحياته تقوده إلى موته ) . يؤتى يوم القيامة بأطول الناس أعمارًا في الدنيا من المترفين التاركين لطاعة الله المرتكبين للمعاصي فيصبغ أحدهم في النار صبغة ثم يقال له : هل رأيت في الدنيا خيرًا قط ؟ هل مر بك نعيم قط ؟ فيقول : لا يا رب ، ينسى كل نعيم الدنيا عند أول مس من العذاب ، إنهم أولئك الذين أعطوا أعمارًا فضيعوها في اللهو والغفلة ، وأعطوا أموالاً فبذروها في الشهوات المحرمة ، عندما ذاقوا أول جزائهم نسوا كل ما أعطوا في الدنيا من الوقت والمال ، وكل ما ذاقوا من اللذة ونالوا من الشهوة ، هؤلاء الذين صرفوا عقولهم وأعمالهم واهتمامهم للعمل في دنياهم واتبعوا شهوات بطونهم وفروجهم ، وتركوا فرائض ربهم ، ونسوا آخرتهم ، حتى جاءهم الموت فخرجوا من الدنيا مذمومين مفلسين من الحسنات فاجتمعت عليهم سكرة الموت وحسرة الفوت ، وندموا حيث لا ينفعهم الندم : ﴿ وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى . يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي . فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ ﴾ . [ الفجر : 23 - 25 ] .

    فتذكروا أيها الناس ، بانقضاء العام انقضاء الأعمار ، وتذكروا بالانتقال للعام الجديد الانتقال إلى دار القرار . أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : ﴿ يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ . مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ . [ غافر : 39 - 40 ] .


    :قََالَ الْفُضَيْلُ بِنْ عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللهُ عَلَيْكَ بِطَرِيقِ الْحَقِّ وَلَا تَسْتَوْحِشْ لِقِلَّةِ السَّالِكِينَ وَإِيَّاكَ وَطَرِيقَ الْبَاطِلِ وَ لَا تَغْتَرْ لِكَثْرَةِ الْهَالِكِينَ قال العلامة محمد البشير الإبراهيمي -رحمه الله-: ( أوصيكم بالابتعاد عن هذه الحزبيات التي نَجَمَ بالشّر ناجمُها، وهجم ـ ليفتك بالخير والعلم ـ هاجمُها، وسَجَم على الوطن بالملح الأُجاج ساجِمُها، إنّ هذه الأحزاب! كالميزاب؛ جمع الماء كَدَراً وفرّقه هَدَراً، فلا الزُّلال جمع، ولا الأرض نفع! ).
جاري التحميل ..