أخذت أسير عبر ممرات غرف الأطفال.. ولا أدري هل الأرض تحتي أم هي فوقي.. منذ أن قرر زوجي الزواج وأنا أعيش فوق السراب..
لا أكاد أشعر بشيء.. أتمسك وأنا أمشي بأي شيء لكي أشعر بالوجود وأنني ما زلت على قيد الحياة.. أنا مؤمنة بقدر الله ولكن لكل صدمة تأثيرها الذي تختلف مدته من شخص إلى آخر..
عندما أخبرني بذلك انطلقت الكلمات من فمي بهدوء غريب.. قلت وماذا في ذلك؟ اعمل ما شئت وما تراه وكنت أحرك يدي في الهواء متظاهرة بعدم المبالاة الكاذبة.. بينما قلبي يكاد يقفز في حنجرتي وأسمع دقاته في أذني..
ذهبت عنه.. وأنا أوهم من حولي بأنني قوية ولا يهمني ما يحدث؛ لأنه كان دائماً يتحدث في هذا الأمر كثيراً حتى أشعر وكأنه قد انتهى الأمر.. ومر عليه سنين أصبح يخرج ويدخل مشغولاً بإعداد المنزل الجديد..
هو يعلم أنه لا يوجد خادمة في المنزل تفرغ سلاّت القمامة فكان يرمي أوراقه فيها.. وعندما أفرغها أتصفح بعضها من باب الفضول فأجد فواتير آلات كهربائية ومطبخ ومجلس وغرفة نوم... طالما ساعدته في جمع المال والاقتصاد في كل شيء واستعمال أدوات المنزل بعناية حتى لا نقوم بالشراء من جديد وكان يصفني بالمرأة الواعية.. لم يهتم بذلك الشبح الذي يطوف على الغرف ليلاً.. أصبحت كالخيال.. تحت هذه الألبسة وربما تسقط يده عليّ في السرير ويعلو شخيره عنان السماء.. وكأنني كيس مخدة.. يترامى إلى مسامعي بعض أقواله بأني امرأة قوية وصالحة وأن هذا الأمر من حقه..
نسي أن هناك قلباً علاهُ غبار النسيان ويحتاج لمن يحنّ إليه ويشعره بالأمان ويصقله بالحب وإن لم يكن موجوداً فبالرحمة.. حملي هذه المرة لم أخبره به فهو مشغول ولا يهمه الأمر وأعراض الحمل تزداد يوماً بعد يوم.. وفي تلك الليلة لم تُغفلني الحُرقَةُ أن أهنأ بنوم فتسللت عبر الدرج إلى الأسفل.. أُريد ماءً بارداً أو مكعبات ثلج أقرضها قرضاً كفأر جائع..
ما إن نزلت حتى رأيت الأنوار تنبعث من باب (الصالة).. من تركها.. آه لو رآها لاشتعل غضباً فالميزانية لم تعد تتحمل وهو مقبل على هذا المشروع.. اقتربت هذه الهمسات والهمهمات وصلتني مع هدوء الليل فجعلته واضحاً..
اقتربت أكثر.. فضولي يدفعني أو هي غيرتي التي بدأت تعمل منذ مدة..
- نعم يا عزيزتي.. كل ما طلبته قمت بإحضاره حسب الألوان التي اخترتها..
لا.. لا.. ليس هذا مكلفاً.. فأنت غاليتي..
نعم ماذا تريدين؟.. كلا.. طلاقها؟! .. ولماذا؟!
اعتبريها مربية أو خادمة للأطفال فأنا لم أعد بحاجة إليها.. صدقيني.. لا تفكري فيها..
حسناً.. حسناً.. إذا كنت مصرة سأفكر في الأمر فأنا لا أريد أن نبدأ حياتنا بالمشاكل..
اسمعي.. ما صنعته في منزلنا..
ابتعدت عن الباب بعد أن ارتفعت الحُرقة علت حتى وصلت رأسي..
صعدت الدرج وتهالكت على الكرسي..
يريد الخلاص مني...
فقط أنا خادمة...
شعرت بدوران الكرة الأرضية في عيني وإعصار يلف الغرفة...
تردد كثيراً في مصارحتي بهذا الأمر..
لا أريد إخباره بأني أعرف.. أريده هو أن يقول هل يستطيع؟ هل يجرؤ؟
بلغت به الحيرة من أمره الكثير..
كم مرة التقت عينانا فيشعر بالمتاهة وأنه قزم صغير..
كم مرة هرب مني في وسط الحديث.. فلم يجد إلا أن يكتبها بيده في ورقة ويضعها على السرير في مكانه.. رفعتها وأخذت أقرأها حرفاً.. حرفاً..
أنت رفيقتي في الحياة.. لا أُنكر أنك جعلت مني إنساناً ناجحاً.. ولولاك لما وصلت إلى ما وصلت إليه.. لا تفهمي أنني جاحد.. بل لأني لا أستطيع الجمع بين اثنتين بحكم سني..
لقد تركت لك مسؤولية البيت والأولاد.. أعلم أنكِ تستطيعين تحمّلها فأنا أثق بك سآتي إليكم كلما سمحت لي الفرصة وإنك تعلمين رقم جوالي فاطلبي ما تريدين.. زوجك المحب عماد..
لم يبق منه سوى رقم الجوال هل هذا هو العماد الذي أتكئ عليه كلما اصطدمت بصخرة في حياتي؟
هل هذا هو الذي أستند إليه كلما ألقت بي ريح من رياح الحياة العاتية.. آلام تتجدد في جسدي تصعد ثم لا تلبث أن تهبط.. استيقظت وأنا أسبح في بحر من الدم.. لملمت نفسي وجاهدت حتى وصلت أقرب مستوصف..
الطبيبة: للأسف نزل الجنين وتحتاجين إلى عملية تنظيف..
هل عندك أحد يوصلك إلى المستشفى أم نوصلك بسيارة الإسعاف..؟
صمتي أوحى إليها بعجزي.. كبريائي أبى أن أستنجد به وهو سبب آلامي..
تم كل شيء وعدت إلى المنزل وما أن عدت إليه حتى رجعت مرة أخرى إلى المستشفى لمرافقة والدتي التي لم يستمر مرضها سوى أيام قلائل ثم فارقت الحياة..
الدموع لا تعرف سواي هكذا سوَّلت لي نفسي.. أحزاني تتواصل واتشح منزلي بثوب الحداد على موت كل شيء جميل فيه.. وأخذ الشيطان يغزل خيوط العنكبوت على صدري.. ويُشبك الأحزان الواحد بعد الآخر.. ساعده في ذلك ضعف نفسي وهواجسي..
وأبى الحزن إلا أن آخذ نفساً ليس طويلاً حتى جمع بعضه وهوى على رأسي بضربة موجعة..
خروج أختي المعاقة إلى الشارع.. الكُل انشغل عنها.. لقد كانت والدتي هي عينها وسمعها أبت إلا أن ترعاها هي بنفسها تريد الأجر والثواب.. صدمتها سيارة شاب تافه مغرور جعلها تغرق في دمائها وهرب ناسياً أنه هرب منا ولكنه لم يهرب من الله.. كل هذه الأمور تجري وبراكين وحمم تصب على سقف نفسي الكآبة وأنا وحيدة..
لم يكن هذا العماد من بين المعزّين فقد اكتفى بمكالمة أخي بالجوال وأنه غير موجود في البلد إذ أنه بعد مرور شهرين على زواجه نُقل إلى المستشفى.. عدم اتباعه لبرنامجه الغذائي جعله طريح الفراش جرّاء ارتفاع السكر والضغط – كنت أنا ممرضته الخاصة: أعطيه (الأنسولين) وأقوم بقياس الضغط- ولم يكن هذا سبباً.. بل هناك سبب أقوى منه: عروسه الرائعة.. أخذت كل ما أعطاها إياه من مجوهرات وقد كتب لها محتويات المنزل وطلبت الطلاق.. وكان عذرها أنها تريد شاباً يقفز معها لا أن تكون ممرضة.. أبناؤه ذهبوا لزيارته.. فأنا امرأة أجنبية فقط أرسلت معهم تهنئتي له بالسلامة وهذا يكفي..
وبعد مرور الأزمة طرق بابي مُسلَّماً وسأل عني حيث قال: هل أستطيع الرجوع؟
لا أكاد أشعر بشيء.. أتمسك وأنا أمشي بأي شيء لكي أشعر بالوجود وأنني ما زلت على قيد الحياة.. أنا مؤمنة بقدر الله ولكن لكل صدمة تأثيرها الذي تختلف مدته من شخص إلى آخر..
عندما أخبرني بذلك انطلقت الكلمات من فمي بهدوء غريب.. قلت وماذا في ذلك؟ اعمل ما شئت وما تراه وكنت أحرك يدي في الهواء متظاهرة بعدم المبالاة الكاذبة.. بينما قلبي يكاد يقفز في حنجرتي وأسمع دقاته في أذني..
ذهبت عنه.. وأنا أوهم من حولي بأنني قوية ولا يهمني ما يحدث؛ لأنه كان دائماً يتحدث في هذا الأمر كثيراً حتى أشعر وكأنه قد انتهى الأمر.. ومر عليه سنين أصبح يخرج ويدخل مشغولاً بإعداد المنزل الجديد..
هو يعلم أنه لا يوجد خادمة في المنزل تفرغ سلاّت القمامة فكان يرمي أوراقه فيها.. وعندما أفرغها أتصفح بعضها من باب الفضول فأجد فواتير آلات كهربائية ومطبخ ومجلس وغرفة نوم... طالما ساعدته في جمع المال والاقتصاد في كل شيء واستعمال أدوات المنزل بعناية حتى لا نقوم بالشراء من جديد وكان يصفني بالمرأة الواعية.. لم يهتم بذلك الشبح الذي يطوف على الغرف ليلاً.. أصبحت كالخيال.. تحت هذه الألبسة وربما تسقط يده عليّ في السرير ويعلو شخيره عنان السماء.. وكأنني كيس مخدة.. يترامى إلى مسامعي بعض أقواله بأني امرأة قوية وصالحة وأن هذا الأمر من حقه..
نسي أن هناك قلباً علاهُ غبار النسيان ويحتاج لمن يحنّ إليه ويشعره بالأمان ويصقله بالحب وإن لم يكن موجوداً فبالرحمة.. حملي هذه المرة لم أخبره به فهو مشغول ولا يهمه الأمر وأعراض الحمل تزداد يوماً بعد يوم.. وفي تلك الليلة لم تُغفلني الحُرقَةُ أن أهنأ بنوم فتسللت عبر الدرج إلى الأسفل.. أُريد ماءً بارداً أو مكعبات ثلج أقرضها قرضاً كفأر جائع..
ما إن نزلت حتى رأيت الأنوار تنبعث من باب (الصالة).. من تركها.. آه لو رآها لاشتعل غضباً فالميزانية لم تعد تتحمل وهو مقبل على هذا المشروع.. اقتربت هذه الهمسات والهمهمات وصلتني مع هدوء الليل فجعلته واضحاً..
اقتربت أكثر.. فضولي يدفعني أو هي غيرتي التي بدأت تعمل منذ مدة..
- نعم يا عزيزتي.. كل ما طلبته قمت بإحضاره حسب الألوان التي اخترتها..
لا.. لا.. ليس هذا مكلفاً.. فأنت غاليتي..
نعم ماذا تريدين؟.. كلا.. طلاقها؟! .. ولماذا؟!
اعتبريها مربية أو خادمة للأطفال فأنا لم أعد بحاجة إليها.. صدقيني.. لا تفكري فيها..
حسناً.. حسناً.. إذا كنت مصرة سأفكر في الأمر فأنا لا أريد أن نبدأ حياتنا بالمشاكل..
اسمعي.. ما صنعته في منزلنا..
ابتعدت عن الباب بعد أن ارتفعت الحُرقة علت حتى وصلت رأسي..
صعدت الدرج وتهالكت على الكرسي..
يريد الخلاص مني...
فقط أنا خادمة...
شعرت بدوران الكرة الأرضية في عيني وإعصار يلف الغرفة...
تردد كثيراً في مصارحتي بهذا الأمر..
لا أريد إخباره بأني أعرف.. أريده هو أن يقول هل يستطيع؟ هل يجرؤ؟
بلغت به الحيرة من أمره الكثير..
كم مرة التقت عينانا فيشعر بالمتاهة وأنه قزم صغير..
كم مرة هرب مني في وسط الحديث.. فلم يجد إلا أن يكتبها بيده في ورقة ويضعها على السرير في مكانه.. رفعتها وأخذت أقرأها حرفاً.. حرفاً..
أنت رفيقتي في الحياة.. لا أُنكر أنك جعلت مني إنساناً ناجحاً.. ولولاك لما وصلت إلى ما وصلت إليه.. لا تفهمي أنني جاحد.. بل لأني لا أستطيع الجمع بين اثنتين بحكم سني..
لقد تركت لك مسؤولية البيت والأولاد.. أعلم أنكِ تستطيعين تحمّلها فأنا أثق بك سآتي إليكم كلما سمحت لي الفرصة وإنك تعلمين رقم جوالي فاطلبي ما تريدين.. زوجك المحب عماد..
لم يبق منه سوى رقم الجوال هل هذا هو العماد الذي أتكئ عليه كلما اصطدمت بصخرة في حياتي؟
هل هذا هو الذي أستند إليه كلما ألقت بي ريح من رياح الحياة العاتية.. آلام تتجدد في جسدي تصعد ثم لا تلبث أن تهبط.. استيقظت وأنا أسبح في بحر من الدم.. لملمت نفسي وجاهدت حتى وصلت أقرب مستوصف..
الطبيبة: للأسف نزل الجنين وتحتاجين إلى عملية تنظيف..
هل عندك أحد يوصلك إلى المستشفى أم نوصلك بسيارة الإسعاف..؟
صمتي أوحى إليها بعجزي.. كبريائي أبى أن أستنجد به وهو سبب آلامي..
تم كل شيء وعدت إلى المنزل وما أن عدت إليه حتى رجعت مرة أخرى إلى المستشفى لمرافقة والدتي التي لم يستمر مرضها سوى أيام قلائل ثم فارقت الحياة..
الدموع لا تعرف سواي هكذا سوَّلت لي نفسي.. أحزاني تتواصل واتشح منزلي بثوب الحداد على موت كل شيء جميل فيه.. وأخذ الشيطان يغزل خيوط العنكبوت على صدري.. ويُشبك الأحزان الواحد بعد الآخر.. ساعده في ذلك ضعف نفسي وهواجسي..
وأبى الحزن إلا أن آخذ نفساً ليس طويلاً حتى جمع بعضه وهوى على رأسي بضربة موجعة..
خروج أختي المعاقة إلى الشارع.. الكُل انشغل عنها.. لقد كانت والدتي هي عينها وسمعها أبت إلا أن ترعاها هي بنفسها تريد الأجر والثواب.. صدمتها سيارة شاب تافه مغرور جعلها تغرق في دمائها وهرب ناسياً أنه هرب منا ولكنه لم يهرب من الله.. كل هذه الأمور تجري وبراكين وحمم تصب على سقف نفسي الكآبة وأنا وحيدة..
لم يكن هذا العماد من بين المعزّين فقد اكتفى بمكالمة أخي بالجوال وأنه غير موجود في البلد إذ أنه بعد مرور شهرين على زواجه نُقل إلى المستشفى.. عدم اتباعه لبرنامجه الغذائي جعله طريح الفراش جرّاء ارتفاع السكر والضغط – كنت أنا ممرضته الخاصة: أعطيه (الأنسولين) وأقوم بقياس الضغط- ولم يكن هذا سبباً.. بل هناك سبب أقوى منه: عروسه الرائعة.. أخذت كل ما أعطاها إياه من مجوهرات وقد كتب لها محتويات المنزل وطلبت الطلاق.. وكان عذرها أنها تريد شاباً يقفز معها لا أن تكون ممرضة.. أبناؤه ذهبوا لزيارته.. فأنا امرأة أجنبية فقط أرسلت معهم تهنئتي له بالسلامة وهذا يكفي..
وبعد مرور الأزمة طرق بابي مُسلَّماً وسأل عني حيث قال: هل أستطيع الرجوع؟
تعليق