إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الاسرار في أبواب النار الجزء الثاني

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الاسرار في أبواب النار الجزء الثاني

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الباب الأول / الجحيم :

    إن كان الهاوي في جهنم من أهل الجحيم فهو من أصحاب المال والجاه والسلطان الذين غرتهم الحياة الدنيا فنسبوا الجلالة والعظمة والكبرياء لمقامهم وأعرضوا وتناسوا مقام الله العظيم . قال تعالى (( وأمّا من أوتي كتابه بشماله فيقول يليتني لم أوت كتبيه * ولم أدر ما حسابيه * يليتها كانت القاضية * ما أغنى عنّي ماليه * هلك عنّي سلطنيه * خذوه فغلوه * ثم الجحيم صلوه * ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه )) .

    فهو قبل أن يصير إلى ما يستحقه في جهنّم فإنّه يخبر بهذا الخبر التعيس حتى يسودّ وجهه ويسوده الذلّ والصغار ، وذلك عندما يؤتى كتبه بشماله كما قال تعالى (( وأمّا من أوتي كتبه بشماله ... )) .

    وانظر إلى الذلّ والصغار التي تعتريه وانظر إلى شحوب وجهه ولكأنك تسمع نبرات صوته وهو يقول (( يليتني لم أوت كتابيه * ولم أدر ما حسابيه * يليتها كانت القاضية )) . فلمّا أوتي كتابه وعرف ما فيه ، تمنّى لو لم يؤتى كتابه حتى لا يدري عن الحساب الذي ينتظره شيئا ، ولم تقف أمانيه إلى هذا الحدّ ، بل تمنى الموت ، مع أنّه من المستحيل أن يتمنّاه في دنياه ، بل يكرهه ، ولا يحب أن يسمع عنه شيئا ! . وياللعجب ! حتى وفي هذا الموقف المهين يتمنّى ! . ولكن .. هل تتحقق أمانيه ، كما كانت تتحقق في دنياه ؟ .

    (( ما أغنى عنّي ماليه * هلك عنّي سلطنيه )) . هذه هي الحقيقة التي تغافل عنها الإنسان والتي يجب أن يؤمن بها ، كي يتخلّص من هذه العبودية ، ألا وهي عبودية الشهوة ، شهوة المال والسلطان . وإن كانت في ظاهرها ملكاً وسلطانا . نعم إنّ الغنى ليس غنى المال أو السلطان ، نعم أيها الإنسان .. والذي بيده ملكوت كل شيء ، إنّها التقوى .. إنّها الحسنات التي بها يتبين غنى الإنسان أو فقره . وهذا الميزان قد وضعه رب كلّ شيء الذي تكفّل لك بالرزق وطلب منك الحسنات . فلماذا إذن هذا اللهث والركض وراء هذه العبودية المذلّة وهذا الفقر الحقيقي ! .

    (( خذوه فغلوه * ثم الجحيم صلّوه * ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه )) نعم إنّه العدل الحكيم الذي لا يظلم مثقال ذرّه ، تأخذه زبانية الجبّار عز وجلّ وتغلّه بالأغلال ثم تسجنه في الجحيم ويسلك فيها بالسلاسل . وقد قيل أن السلسلة التي يُسلك فيها ، تدخل في دبره وتخرج من فيه . فتأمّل هذه السلسلة التي طولها يساوي سبعون ذراعاً حيث تدخل في دبره فتخرج من فيه . نسأل الله العافية .

    (( إنّه كان لا يؤمن بالله العظيم * ولا يحضّ على طعام المسكين * فليس له اليوم ههنا حميم * ولا طعام إلا من غسلين )) شخص بغروره وكبريائه قد عظّم نفسه فكيف يؤمن بعظمة الخالق عز وجل ، وإن كان قد تناسى عظمة الخالق عز وجل فكيف يذكر هذا المسكين الضعيف ؟ . بل يكفي لنسيان ذلك المسكين ما كان يُقدّم إليه من ألذّ الأطعمة والمشروبات .

    أمّا اليوم فليبحث عن تلك الكثرة التي كانت حوله ، أين رحلوا عنه ؟ . إنّهم فرّوا ! فليس هنا حميم (( فليس له اليوم ههنا حميم )) . وليبحث عن تلكم الأطعمة الشهيّة والمشروبات الباردة ، إلى أين صارت ؟ . إنّها قد تلاشت واضمحلّت ، فليس له هنا طعاماً البتّة إلا الغسلين شرّ الطعام وأخبثه (( ولا طعامٌ إلا من غسلين )) .

    الباب الثاني / الحريق :

    عندما تتأمّل هذه الدركة في القرآن الكريم تجد أنّ الهاوي فيها تعساً له حقّ التعاسة ، فيالخيبته من هالك . تجدها أشدّ الدركات عذاباً في جهنّم . إنّها الحريق التي نفى الله جلّ جلاله عن نفسه الظلم لأهلها ثلاث مرات حيث يقول ذي العزة والجبروت ::

    - (( وذوقوا عذاب الحريق * ذلك بما قدّمت أيديكم وأنّ الله ليس بظلاّمٍ للعبيد )) سورة ءال عمران ( 181 ) .
    - (( وذوقوا عذاب الحريق * ذلك بما قدمت أيديكم وأنّ الله ليس بظلاّمٍ للعبيد )) سورة الأنفال ( 50 ) .
    - (( ونذيقه يوم القيمة عذاب الحريق * ذلك بما قدمت يداك وأنّ الله ليس بظلاّمٍ للعبيد )) الحج ( 9 ) .

    فهي أشدّ الدركات عذاباً لدخول ءال فرعون فيها وأئمة أهل الكفر من المشركين الذين قتلوا في بدر ، حيث قرنهم الله عز وجلّ بعضهم ببعضٍ فيها ، إذ يقول المولى العظيم عزّ وجلّ (( ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق * ذلك بما قدمت أيديكم وأنّ الله ليس بظلاّمٍ للعبيد * كدأب ءال فرعون والذين من قبلهم كفروا بئايت الله فأخذهم الله بذنوبهم إنّ الله قويٌّ شديد العقاب )) الأنفال ( 50- 52 ) .
    فهذه الأية نزلت على أهل بدر من المشركين الذين قتلوا فيها وقد قرنهم الله بآل فرعون ، وقد كتب الله جلّ جلاله على ءال فرعون أشدّ العذاب كما قال عز وجلّ (( ويوم تقوم الساعة أدخلوا ءال فرعون أشدّ العذاب )) غافر ( 46 ) .

    فالذين يأخذهم الله متلبسين بذنوبهم وهم يقاتلون أولياء الله المستضعفين أو المجاهدين فإنّ مصيرهم لإلى الحريق . والعياذ بالله .

    وهذه الدركة ليست مقتصرة على هؤلاء القوم فقط ، بل تخطت اليهود ، إخوان القردة والخنازير ، الذين تفنّنوا بقتل الأنبياء ، وتجرؤا على جلال الله عزّ وجل ولكن العزّة الإلهية قد إردتهم إلى أشدّ العذاب حيث يقول ذي العزة والجبروت (( لقد سمع الله قول الذين قالوا إنّ الله فقيرٌ ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بعير حقّ ونقول ذوقوا عذاب الحريق )) ءال عمران ( 182 ) .

    كما أنّ هؤلاء اليهود الذين حرّفوا ما جاءهم في الكتاب فآمنوا ببعض وكفروا ببعض ، ليست عنهم ببعيد ، حيث يقول الله عزّ وجل (( أفتؤمنون ببعض الكتب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزيٌ في الحيوة الدنيا ويوم القيمة يُردّون إلى أشدّ العذاب ... )) البقرة ( 85 ) . جتى أصدرت تلك العزة الإلهية ذلك المرسوم الإلهي بقوله تعالى (( إنّ الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنت ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنّم ولهم عذاب الحريق )) الروج ( 10 ) .

    فكلّ من فتن المؤمنين والمؤمنات فتنةً تردّهم عن دينهم ، سواءاً بالقول كمن قال مثلاً قولة اليهود عليهم لعائن الله تعالى عندما قالوا (( إنّ الله فقيرٌ ونحن أغنياء )) يريدون فتنة إخوانهم الذين أسلموا عندما نزلت آية (( من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً )) . أو بالفعل كما فعل ذلك الملك الطاغية بالمؤمنين والمؤمنات عندما حفر لهم الأخدود وأحرقم بالنار كي يرتدّوا عن دينهم ، فإنّ لهم عذاب جهنّم متمثلاً بعذاب الحريق . وهذا مصداقاً لقوله تعالى (( ومن النّاس من يجدل في الله بغير علمٍ ولا هدىً ولا كتبٍ منير * ثاني عطفه ليُضل عن سبيل الله له في الدنيا خزيٌ ونُذيقه يوم القيمة عذاب الحريق )) الحج ( 9 ) .

    وما كان ربط عذاب جهنّم بعذاب الحريق في قوله تعال (( إنّ الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنت ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنّم ولهم عذاب الحريق )) إلا إشارة من المولى عزّ وجلّ بعظم هذه الدركة . ولكأنّ عذاب هذه الدركة يُساوي عذاب جهنّم بأكملها لعظمتها . أجارنا الله وإيّاكم منها .

    ولرغم أنّ هذا المرسوم الإلهي العنيف امتُزج بأسلوب العزّة والعظمة إلا أنّه وفي الوقت نفسه قد تلوّن بلون الرأفة والرحمة الإلهية ، فمع أنّه هذه الآية خطاب إنذار وتهديد إلاّ أنّه فيها دعوة للإنابة والتوبة والرجوع إلى الله تعالى (( ثم لم يتوبوا )) . فسبحان من رحمته سبقت غضبه ! .

    الباب الثالث / السعير :

    عندما تتأمّل هذه الدركة تجد أنّ الهاوي فيها هو إمّا جنيّا أم شيطانا . فالسعير هي دركة الجنّ والشياطين الذين تمردّوا على أوامر الله عزّ وجلّ وهذا كما هو واضح في الآيات التي تتحدث عن عذاب السعير . فهذه الدركة وإن كان للإنسان نصيب منها إلا أنّها قد أعدّت أساساً للجنّ والشياطين .

    - قال تعالى (( ولقد زينّا السماء الدنيا بمصبيح وجعلنها رجوماً للشيطين وأعتدنا لهم عذاب السعير )) الملك ( 5 ) .
    - قال تعالى (( ولسليمن الريح غدوّها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجنّ من يعمل بين يديه بإذنه ومن يُزغ منهم عن أمرنا نُذقه من عذاب السعير )) سبأ ( 12 ) .

    أمّا ذلك الإنسان صاحب النفس الشرّيرة التي تلوّنت بلون الشياطين حتى أصبح عوناً ونصيراً لهم فإنّه منهم من حزب الشيطان ، كما قال ذو العظمة والكبرياء (( إنّ الشيطن لكم عدو فاتّخذوه عدواّ إنّما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحب السعير )) فاطر ( 6 ) .

    ومن الأنفس التي تلونت بلون الشياطين حتى اصبحوا من حزب الشيطان هم اليهود اخوان القردة والخنازير الذين غضب الله عليهم حيث يقول ذي العزة والجبروت عنهم (( استحوذ عليهم الشيطن فأنسهم ذكر الله أولئك حزب الشيطن إلا إن حزب الشيطن هم الخسرون )) المجادلة ( 19 ) .

    كما أنّ هناك أعمالاً مخصوصة قد صرّح بها القرآن ، من عمل بها كان من أصحاب السعير :
    - قال تعالى (( إنّ الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنّما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا )) النساء ( 10 ) . فآكل أموال اليتامى ظلما فهو معهم في السعير .
    - قال تعالى (( بل كذّبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذّب بالساعة سعيرا )) الفرقان ( 11 ) . فالمكذّب بأمر الساعة فهو منهم من أصحاب السعير .
    - قال تعالى (( وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه ءاباءنا أولو كان الشيطن يدعوهم إلى عذاب السعير )) فاتباع دين الآباء والأجداد دون علم أو بيّنة هو في الحقيقة اتّباع للشيطان الداعي إلى عذاب السعير .

    فهؤلاء القوم من النّاس هم المجادلون في دين الله بغير علم حيث مرادهم في دين الله بحسب مراد هواهم ومتطلبات أنفسهم الشيطانية التابعة لمتطلبات الشياطين . قال تعالى (( ومن النّاس من يجدل في الله بغير علمٍ ويتّبع كلّ شيطنٍ مريد * كُتب عليه أنّه من تولاه فإنّه يُضله ويهديه إلى عذاب السعير )) . نعوذ بالله من جهنّم .
جاري التحميل ..
X