قال الصالحون...يوصونك
نحو المعـالي
التربية الإيمانية في الطريق الدعوي واجبة، و تجاوزها إلى الشكل السياسي المحض محفوف بالمخاطر، وقد
ينتج أفئدة فيها قسوة، ليس لها من الصفاء وفرة نصيب، ويؤدي إلى رجحان النفس الأمارة بالسوء على النفس
الزكية، وكل من يفقه آداب الإسلام وسننه يدرك تماما أن هذا السوء المعني ليس من شرطه أن يكون حالكا ثقيل
الوطأة موغلا في الإغراب والإيذاء، وإنما يكفيه أن يكون لممًا وصغائر وحالات ريائية وتحاسدية، مثلاً، لأن الميزان الإيماني حساس جداً، ولفظ السوء يشمل هذه الأمراض القلبية، ومن ثم لزم أن يكون محيط الدعاة بريئا منها، بعيداً
عنها
كن رابط الجأش وارفع راية الأمل * * * وسر إلى الله في جد بلا هزل
وإن شعرت بنقص فيك تعرفه * * * فغذ روحك بالقرآن واكتمل
وحارب النفس وامنعها غوايتها * * * فالنفس تهوى الذي يدعو إلى الزلل
قال الصالحون...يوصونك
الحازم من نظر في العواقب نظر المراقب، وعرف الإضاعة، ولم يجعل الحلم بضاعة،
فإنما العمل الحقيق: عمل يصعدك ويرقيك.
فالحذر الحذر أن يعجل للنفس سيرها، ويفارق القفص طيرها، وهي بالغرض الفاني متثبطة،
وبصحبته مغتبطة.
وإنك محتاج إلى جذبة توقد مصباح الهمة، في ديجور هذه الغفلة المدلهمة.
فلا تكن مثل فلان، فإنما هو غريق، وتائه لا يبدو له طريق.
اجعلن أقلل من الدنيا الشعار.
فإن الدنيا منزل عبور، لا مستقر حبور، ومعبر وممر، لا وطن ومستقر.
أتطلب ما يطغيك، وعندك ما يكفيك؟
وما الأموال إلا كالظلال!
كل ما أغفل القلوب عن ذكره - تعالى -فهو... دنيا.
وكل ما أوقف القلوب عن طلبه فهو.... دنيا.
وكل ما أنزل الهم بالقلب فهو..... دنيا.
فاستقم على طريقة السلف، واتجر في أسواق العمل بمالك لا بالسلف.
وانظر لمن ملك الدنيا بأجمعها: هل راح منها بغير القطن والكفن؟
وانظر كم تركت الفتن من قلب مقلب، وهوى مغلب، وكم سار في طريقها من كادح،
وكثر الهاجي وقل المادح، وكم تعددت أسماؤها، واتحدت أرضها وسماؤها.
الصدأ قد أتلف من النفوس وجهها الفطري الصقيل، فكيف ستستقبل ما يلقى عليها من قول ثقيل؟
الخطب جليل، والمتفطن قليل، ولكن التنسيق يغني بإذن الله عن الكثرة.. وما الكف إلا أصبع… ثم أصبع.
وليس سواء عالم وجهول.
وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى.
فكن الحر.. وقدها بزمام.
فيا رب نفس بالتذلل عزت.
والقلب يصدأ إن لم تجله حينا.
فجالس من تكلمك صفته، ولا تجالس من يكلمك لسانه.
وقصر الأمل... وبالغ في العمل.
فإنه ما طلعت شمس إلا وعظت بأمس.
وإنك أسير عهد وشعور، وليس لك من فداء.
حماك الله من الأوهام الطارقة، والعقول المفارقة.
فافخر بزيت مصباحك، وبالأحبار، وليفرح الغافلون بخمر كؤوسهم وبالأوتار.
واعلم أن الحصيرة عرش الداعية.
وأن منابر الدعاه ترسم مسار الحياة.
واهنأ بالسكينة في ظلال التفويض.
وليكن آخر ما تدعو... أن الحمد لله رب العالمين
من كتاب رسائل العين لمحمد أحمد الراشد
إســلام نــور
(كتيبة الدعاة الاسلامية)
تعليق