بسم الله الرحمن الرحيم
غزوة بدر الكبرى
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد النبي الأمي الأمين، وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
ففي مثل هذا اليوم: السابع عشر من رمضان في العام الثاني للهجرة، كان حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، على رأس جيش قليل العدد والعدة فلم يكن يتجاوز ال313 رجلا، إلا أنه كان قوي الإيمان راسخ العقيدة، لملاقاة قافلة لقريش يقودها أبو سفيان بن حرب، حتى يستعيد المسلمون بعض ما استولت عليه قريش من أموالهم التي تركوها في مكة عندما هاجروا إلى يثرب، إلا أن أبا سفيان علم بالخبر فغير طريق القافلة، فتحول الأمر إلى قتال بين المسلمين وقريش التي كان لها ألف مقاتل مجهزين بالعتاد والعدة، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أدنى ماء من بدر، فقام الحباب بن المنذر وقال:" يا رسول الله: أرأيت هذا المنزل، أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدم أو نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: بل هو الحرب والرأي والمكيدة، فقال: فإن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم، فننزله ثم نغور ما وراءه من الآبار، ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ماء، ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون، فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحول إلى المكان والرأي اللذين أشار بهما الحباب رضي الله عنه"
وقاتل المسلمون في ذلك اليوم قتالا شديدا ثم كان النصر حليفهم، وقد قتل من قريش 70 مقاتلا، وأسر مثل ذلك العدد، واستشهد من المسلمين 14 رجلا.
وانتهت المعركة بانتصار جيش الحق، جيش الإسلام، جيش رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولنا في هذه المعركة عظات وعبر كثيرة، سأركز على اثنتين منها:
1- موقف الحباب بن المنذر رضي الله عنه، الذي كان من أهل الحرب، حيث قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم:" أرأيت هذا المنزل، أمنزل أنزلكه الله، فليس لنا أن نتقدم أو نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة".
وهنا لنا وقفة، فقول الحباب بن المنذر أمنزل أنزلكه الله فليس لنا أن نتقدم أو نتأخر عنه، يدل دلالة واضحة على وجوب التسليم لأمر الله سبحانه وتعالى، حتى وإن رأى الناس أن ذلك مخالف لمصلحتهم ولمصلحة الإسلام، لأنه أكمل فقال:" يا رسول فإن ذلك ليس بمنزل" بعد أن علم أن ذلك من رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحرب، وهذا الكلام ينفي بشكل قاطع ما يقوله البعض أن الشرع جاء لمراعاة مصالح العباد، ويؤكد على ضرورة التزام أمر الله سبحانه وتعالى، حتى وإن رأينا أن فيه هلاكنا، ففيه حياتنا الحقيقية الأخروية.
وهذا الموقف يبين أيضا أن القيادة يجب عليها أن تستمع لآراء الناس خصوصا إن كانوا من أهل العلم والخبرة، حتى وإن كان رأيهم يخالف رأيها، ولا تعيب عليهم، ولا تقول ما أدراكم أنتم بذلك، ونحن لسنا بحاجة لنصيحة، ونحن عندنا علماءنا، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبل الرأي من صحابي واحد، مع أنه هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أعلم الناس بالدين.
2- أن هذه الغزوة وقعت في السنة الثانية للهجرة، أي بعد إقامة دولة الإسلام بعامين، وهي حسب كل كتب السيرة كانت المعركة الأولى الحقيقية بين المسلمين والكفار، حيث أنه كان قبلها غزوة تسمى غزوة ودان، إلا أنه لم يحصل فيها قتال.
وهذا يدل دلالة واضحة عملية على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يقم دولته بالجهاد.
3- عدد المسلمين في هذه الغزوة كان أقل من ثلث الكفار، إلا أن النصر كان حليفهم، فقد كان لهم إمام يقاتل من ورائه ويتقى به، ألا وهو حبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما نحن اليوم فعددنا يفوق عدد من يغزونا من الكفار، إلا أن النصر دائما يكون حليفهم، والهزيمة تكون لنا، فما السبب في ذلك.
السبب في ذلك أيها الإخوة أنه ليس لنا راع، وليس لنا جنة، وليس لنا إمام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" الإمام جنة يتقى به، ويقاتل من ورائه"، فمنذ أن سقطت دولة الإسلام، والهزائم تتوالى على هذه الأمة، ولن تعود الأمة لسابق عهدها إلا بعودة دولتها وإمامها الجنة.
اللهم يا الله يا كريم أعنا على إقامة دولة الإسلام يا رب العالمين، اللهم واجعلنا من جندها العاملين المخلصين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.