بـــــــــــ الله الرحمن الرحيم ــــــــسم
هدف الإسلام كدين من الأديان السماوية أن يبني الإنسان من جميع نواحيه، فشرَّع لأجل ذلك أحكاماً ووضع قوانين
وتوعَّد من خالفها بالعقوبة ووعد من وافقها بالأجر والثواب، كل ذلك من أجل أن يحمله على التحلي بالقيم السامية
والأخلاق الفاضلة، فالعمل بالأحكام الشرعيَّة يشكّل الحد الأدنى من هذه الأخلاق، هذا الحدّ الذي لا يمكن التهاون به
والتسامح في تركه، وبلوغ هذا الحد يؤسس لقيام عملية البناء الإنساني والتكامل البشري من خلال التحلّي بالأخلاق
الكريمة التي تركت دون رتبة الإلزام الشرعي لكي يطلبها الإنسان من تلقاء نفسه رغبة في الوصول إلى مقام العبودية
الحقيقيَّة لله تعالى وخلافته في الأرض، ونيل الأجر الجزيل والثواب العظيم على تطوعه هذا، وفي هذا الميدان يتفاضل
البشر شرفاً وخسَّة وسمواً وضِعةً، فمن بلغ أعلى مراتبها بلغ درجة الكمال كالنبي صلى الله عليه وسلم ثم الأدنى فالأدنى.
وقد جاءت صفات عباد الرحمن و اخلاقهم في سورة الفرقان الآيات (63 - 77):
قال تعالى :
{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَمًا * وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا * وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا * وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا * وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتابًا * وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا * وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا * أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاَمًا * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا}
ويوضح لنا - أ.د السيد نوح أستاذ علوم الحديث شرح هذه الايات والمغزى منها :
الأصل في ترتيب الآيات أنه سر من أسرار هذا الكتاب يرد الأمر فيه إلى الله عز وجل، ولا بأس من التماس بعض الحكم، ولا
يمكن أن تكون قطعية، وإنما هي من قبيل الظن والتخمين والعيش مع جو الآيات.. معلوم أن التواضع من أحسن الأخلاق
التي تجمع الناس والتي تؤلف بينهم ومثل هذا التواضع لا يتأتى إلا بمجاهدة النفس بحيث تحلم على الغليظ، وترأف
بالضعيف، وتكظم غيظها، ويغذي الاثنين المواظبة على قيام الليل، ولن ينجح قيام الليل إلا بالخوف من عذاب الله عز
وجل، ومع قيام الليل لا بد من النفقة، ولكن مع الاعتدال والبُعْد عن الشرك لا سيما الشرك الخفي وهو الرياء، وكذلك
البعد عن كبائر الذنوب من القتل، والزنى، وشهادة الزور، ومنه الكذب، والإصغاء الجيد لآيات الله سبحانه، والتدبر فيها
ذلك كله يخدم الخلقين التواضع والحلم، وإن صح هذان الخلقان مع الناس كان العبد محل رضا من الله وقبول؛ إذ رضا
الناس نابع من رضا الله لما جاء في الحديث "إن الله إذا أحب عبدًا نادى يا جبريل إني أحب فلانًا فأحبه فيحبه جبريل، ثم ينادي جبريل يا أهل السماوات إن الله يحب فلانًا فأحبوه فيحبه أهل السماوات، ثم يوضع له القبول في الأرض.." الحديث
كأن المطلوب حسن الخلق مع الناس ورأس ذلك التواضع والحلم، والناس لا يرون منا صلاة ولا صومًا ولا تبتلاً ولا ذكرًا ولا دعاء، إنما يرون أثر ذلك حتى قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن العبد ليدرك بحسن الخلق ما لا يدركه الصائم القائم"، وقال: "أثقل شيء في الميزان يوم القيامة حسن الخلق"
تعليق