إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

التدرج في تطبيق الشريعة الإسلامية ... رؤية مغايرة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • التدرج في تطبيق الشريعة الإسلامية ... رؤية مغايرة

    بسم الله ، والصلاة والسلام على رسول الله ؛ وبعد :

    في رأيي – والله أعلم – أنه لا يوجد خلاف في مسألة التدرج في تطبيق أحكام الشريعة ؛ وإن كان يوجد فهو خلاف في المفاهيم والمصطلحات ، وهو خلاف تنوع ، وليس خلاف تضاد...

    أيضا – في رأيي – أنه يوجد لبس ، واختلاط بين أنواع التدرج المختلفة ، وهذه الأنواع هي :

    1) التدرج في التشريع :

    وهو حق لله وحده ، ولا يجوز لأحد أن يتدرج في التشريع ، ومن الخطأ – في رأيي القاصر – الإتيان بالآيات ، والأحاديث ، التي تدل على التدرج في التشريع ليُستدل بها على شرعية التدرج في التطبيق ..

    فمثلا لا يجوز الاستدلال بالتدرج في تحريم الخمر على مشروعية التدرج في تطبيق ذلك التشريع...

    يقول الدكتور الزحيلي في كتابه (التدرج في التشريع والتطبيق في الشريعة الإسلامية ) : (إن الأمور المحرمة قطعاً، والثابتة في النصوص كالزنا والربا والخمر لا يمكن التدرج بها بإقرارها وإباحتها مبدئياً ثم التدرج في إبطالها )

    وتبقى الحكمة من تدرج التشريع ، هي لله وحده الذي له حق التشريع ؛ فمن ذلك :

    1) اختبار إيمان المؤمنين ، وتمحيصه .
    2) التخفيف على المسلمين .
    3) تربية المسلمين ، وتعليمهم .

    ومن الأحكام التي تدل على تدرج التشريع :

    أ ) الصلاة ؛ فشرعت في أول الأمر صلاتين فقط، صلاة في الغداة، وصلاة في العشي، واستمر المسلمون على ذلك في مكة حتى نهاية العام العاشر للبعثة، ووقع الإسراء والمعراج، وفرض الله خمس صلوات على المسلمين، وكانت صلاة الظهر والعصر والعشاء ركعتين ركعتين، فأقرت في السفر، وزيدت في الحضر إلى أربع.

    ب) وكانت الزكاة في أول الأمر اختيارية، وكان المسلم يخرج ما شاء صدقة لله تعالى، لقوله عز وجل : (يسألونك ماذا ينفقون، قل: العفو) ، ثم فرضت الزكاة في السنة الثانية للهجرة، فقال تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها، وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم).

    ج ) وكذلك الصيام كان مفروضاً في يوم عاشوراء، وفي بعض الأيام المعدودات، حتى فرض الصيام شهراً كاملاً في رمضان .

    د) التدرج في عقوبة الزنا

    هـ)التدرج في تحريم الخمر

    و)التدرج في تحريم الربا

    ز)التدرج في فرض الجهاد

    وقد اكتمل ذلك التدرج في التشريع ، قال تعالى : (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )

    2) التدرج في تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية :

    وأقصد هنا التطبيق على مستوى المجتمع لا على مستوى الفرد ، وله حالتان :

    أ‌) حالة التمكين :

    والمقصود هنا تمكن المسلمين من تطبيق ، وتنفيذ أحكام الإسلام ، وفي هذه الحالة يوجد حالتان :

    1) مجتمع مسلم يستجيب طواعية لأحكام الإسلام دون صعوبة أو تملص ، ففي هذه الحالة يجب
    تطبيق أحكام الإسلام كلها ، تطبيقا فوريا ، يستوي في ذلك الأحكام الأساسية أو تلك الفرعية ،
    يستوي في ذلك ، الواجبات ، والسنن ، المحرمات ، والمكروهات .

    2) مجتمع مسلم اشتدت فيه غربة الإسلام ، ويصعب معه تطبيق جميع أحكام الإسلام الأساسية
    ، والفرعية ، وفي هذه الحالة ، يجب تطبيق الأحكام الشرعية الأساسية - التي تثبت بالنصوص
    القاطعة، وتواتر النقل فيها تواتراً حقيقياً أو معنوياً - تطبيقا فوريا ، وتكون بمثابة نقطة الصفر
    ، التي يجب الانطلاق منها لتطبيق جميع الأحكام الشرعية .

    يقول الدكتور الزحيلي تحت بند " لا تدرج في العقيدة " : (إن عقيدة المسلم تقوم على الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وهي تتعلق بالفكر والقلب، وهي أمور نظرية، فلا تخضع للتدرج، لأنها جازمة باتة، ولا تقبل المساومة، ولا التجزؤ، ولا المهادنة في إعلانها رسمياً، والنطق بها أمام العالم في الداخل والخارج، وهي في الغالب أمور فردية وشخصية، ولا علاقة لها بالتنظيم والتقنين والتشريع. )

    ويقول أيضا تحت بند " المعلوم من الدين بالضرورة " : (إن الأحكام الشرعية الأساسية تثبت بالنصوص القاطعة، وتواتر النقل فيها تواتراً حقيقياً أو معنوياً، واستقر العمل عليها بالقبول، وأصبحت مسلمات في الدين، فلا تحتاج إلى دليل كأركان الإسلام، وأصول المباحثات والعقود، وكبائر المنهيات والمحرمات، فهذه الأحكام لا تقبل التدرج أيضاً كأمور العقيدة، لأنها ثوابت الشرع التي يقوم عليها، وتحدد الإطار العام للشريعة، ومقاصد التشريع، وإن المساس بها يخل بالموازين والأسس التي يقوم عليها المجتمع . )

    ويقول أيضا : (إن الأمور المحرمة قطعاً، والثابتة في النصوص كالزنا والربا والخمر لا يمكن التدرج بها بإقرارها وإباحتها مبدئياً ثم التدرج في إبطالها، لأنها تدخل تحت الفقرة الثالثة ضمن المعلوم من الدين بالضرورة، لذلك يجب الإعلان عنها، والتصريح بتحريمها، مع التوعية الكافية، وتهيئة الأجواء لها، ويمكن تأخير إنزال العقوبة بفاعلها ريثما تستقر أمور الدولة والقضاء الإسلامي، وإصدار التشريع اللازم لها . )

    ويقول الدكتور محمد الشريف في كتابه (التدرج في تطبيق الشريعة الإسلامية ) تحت بند " وجوب التطبيق الفوري عند الإمكان " : (ويدل لذلك قوله – تعالى – ( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم) وقوله – عز وجل – ( فاستبقوا الخيرات ) ، وقوله – سبحانه وتعالى – ( وماكان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالة مبيناً) ) .

    إلى قوله : (قال ابن رجب : -
    والتحقيق في هذا أن الله لا يكلف العباد من الأعمال مالا طاقة لهم به ، وقد اسقط عنهم كثيراً من الأعمال بمجرد المشقة رخصة عليهم ، ورحمة لهم ، وأما المناهي ، فلم يعذر أحد بارتكابها بقوة الداعي والشهوات ، بل كلفهم تركها على كل حال ، وأن ما أباح أن يتناول من المطاعم المحرمة عند الضرورة ما تبقى معه الحياة لا لأجل التلذذ والشهوة ، ومن هنا يعلم صحة ما قاله الإمام أحمد : إن النهي أشد من الأمر ، وقد روى عن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وصحبه سلم – من حديث ثوبان وغيره أنه قال : " استقيموا ولن تحصوا" يعني : لن تقدروا على الاستقامة كلها. )



    ومن الأدلة التي تدل على وجوب التطبيق الفوري عند التمكين :

    1) قوله تعالى : (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور )

    2) قوله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة، ولا تتبعوا خطوات الشيطان، إنه لكم عدوٌّ مبين )

    3) قوله تعالى : ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم ، واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ، فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم، وإن كثيراً من الناس لفاسقون . أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون )

    4) وقوله تعالى : ( وماكان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالة مبيناً)

    5) قوله صلى الله عليه وسلم : (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه )

    6) موقف أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه من الذين فرقوا بين الصلاة والزكاة .


    يقول الدكتور محمد الشريف : (أما الرد على القائلين بعدم جواز التدرج في تطبيق الشريعة : فإننا لا نخالفكم فيما ذكرتم من وجوب تطبيق الشريعة ، وفي وجوب الأخذ بها كاملة ،ولكن عند الاستطاعة لأنه " لا يكلف الله نفسا إلا وسعها". )


    ب ) حالة الاستضعاف :

    وفي هذه الحالة يجب على المسلمين أن يطبقوا أحكام الشريعة على حسب استطاعتهم ؛ والأدلة على ذلك :

    1) قوله تعالى : (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت، ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به )

    2) قوله تعالى : (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر )

    3) قوله تعالى : (وما جعل عليكم في الدين من حرج )

    يقول ابن تيمية ـ رحمه الله ـ عن النجاشي : " ونحن نعلم قطعاً أنه لم يكن يمكنه أن يحكم بينهم بحكم القرآن، فإن قومه لا يقرونه على ذلك، والنجاشي وأمثاله مع ذلك سعداء في الجنة، وإن كانوا لم يلتزموا من شرائع الإسلام ما لا يقدرون على التزامه، بل كانوا يحكمون بالأحكام التي يمكنهم الحكم بها "

    " وسئل الشيخ ابن تيمية عن رجل متول ولايات ومقطع إقطاعات وعليهـا من الكلف السلطانية ما جرت به العادة، وهو يختار أن يسقط الظلم كله، ويجتهد في ذلك بحسب ما قدر عليه، وهو يعلم أنه إن ترك ذلك وأقطعها غيره، وولي غيره، فإن الظلم لا يترك منه شيء، بل ربما يزداد، وهو يمكنه أن يخفف تلك المكوس التي في إقطاعه، فيسقط النصف، والنصف الآخر جهة مصارف لا يمكنه إسقاطه، فإنه يطلب منه لتلك المصارف عوضها وهو عاجز عن ذلك لا يمكنه ردها، فهل يجوز لمثل هذا بقاؤه على ولايته وإقطاعه، وقد عرفت نيته واجتهاده وما رفعه من الظلم بحسب إمكانه، أم عليه أن يرفع يده عـن هذه الولاية والإقطاع، وهو إذا رفع يده لا يزول الظلم، بل يبقى ويزداد، فهل يجوز له البقاء على الولاية والإقطاع كما ذكر؟ وهل عليه إثم في هذا الفعل أم لا؟ وإذا لم يكن عليه إثم، فهل يطالب على ذلك أم لا؟ وأي الأمرين خير له: أن يستمر مع اجتهاده في رفع الظلم وتقليله؟ أم رفع يده مع بقاء الظلم وزيادته؟ وإذا كانت الرعية تختار بقاء يده لما لها في ذلك من المنفعة به، ورفع ما رفعه من الظلم، فهل الأولى له أن يوافق الرعية أم يرفع يده؟ والرعية تكره ذلك؛ لعلمها أن الظلم يبقى ويزداد برفع يده؟.


    فأجاب: الحمد لله، نعم إذا كان مجتهداً في العدل ورفع الظلم بحسب إمكانه، وولايته خير وأصلح للمسلمين من ولاية غيره، واستيلاؤه على الإقطاع خير من استيلاء غيره كما قد ذكر، فإنه يجوز له البقاء على الولاية والإقطاع، ولا إثم عليه في ذلك، بل بقاؤه على ذلك أفضل من تركه إذا لم يشتغل إذا تركه بما هو أفضل منه، وقد يكون ذلك عليه واجباً إذا لم يقم به غيره قادراً عليه، فنشر العدل بحسب الإمكان ورفع الظلم بحسب الإمكان فرض على الكفاية، يقوم كل إنسان بما يقدر عليه من ذلك إذا لم يقم غيره في ذلك مقامه، ولا يطالب والحالة هذه بما يعجز عنه من رفع الظلم "


    يقول العز بن عبد السلام ـ رحمه الله ـ: "ولو استولى الكفار على إقليم عظيم، فولوا القضاء لمن يقدم مصالح المسلمين العامة، فالذي يظهر: إنفاذ ذلك كله، جلباً للمصالح العامة ودفعاً للمفاسد الشاملة، إذ يبعد من رحمة الشرع ورعايته لمصالح العباد تعطيل المصالح العامة وتحمل المفاسد الشاملة؛ لفوات الكمال فيمن يتعاطى توليتها لمن هو أهل لها"

    يقول الدكتور محمد الشريف : (عند العجز عن تطبيق أحكام الشريعة كاملة لسبب من الأسباب القاهرة، يجوز تطبيق أحكامها جزئيا، والعمل بالتدرج للتوصل إلى التطبيق الكامل لأحكام الشريعة. )



    3 ) التدرج في الدعوة :

    وذلك بإظهار محاسن الدين ، وتحبيب الناس فيه ، وعدم التنفير منه ، والدعوة إليه بالرفق ، والحكمة والموعظة الحسنة ....

    ومن الأدلة على التدرج في الدعوة :

    1) قوله تعالى : (الذين يتبعون النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل، يأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، ويحل لهم الطيبات ، ويحرم عليهم الخبائث، ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم )

    2) قوله تعالى : (ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة )

    3)قوله صلى الله عليه وسلم : (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان )

    4)وقال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لأميريه معاذ وأبي موسى الأشعري رضي ا لله عنهما ـ لما يعثهما إلى اليمن" بشرا ولا تنفرا، ويسرا ولا تعسرا، وتطاوعا ولا تختلفا"

    5)عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية، لأمرت بالبيت فهدم، فأدخلت فيه ما أخرج منه، وألزقته بالأرض، وجعلت له بابين، باباً شرقياً وباباً غربياً، فبلغت به أساس إبراهيم )

    6)روي مسلم في صحيحة عن أبي أمامة قال : قال عمرو بن عبسة السلمي : كنت وأنا في الجاهلية أظن الناس على ضلالة ، وأنهم ليسوى على شئ وهم يعبدون الأوثان ، فسمعت برجل بمكة خبر أخباراً ، فقعدت على راحلتي ، فقدمت عليه ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفياً ، جراء عليه فومه ، فتلطفت حتى دخلت عليه بمكة ، فقلت : ما أنت ؟
    قال : " أنا نبي " .
    فلت : " ما نبي ؟
    قال : " أرسلني الله " .
    فقلت : وبأي شئ أرسلك ؟
    قال : " أرسلت بصلة الأرحام ، وكسر الأوثان ، وأن يوحد الله لا يشرك به شئ".

    7) وروي البخاري عن الزهري قال : أخبرني سعيد بن المسيب عن أبيه ، قال:
    لما حضرت أبا طالب الوفاة ، جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده ابا جهل ، وعبدالله بن أبي أمية فقال :
    " أي عم ، قل لا إله إلا الله كلمة التوحيد " ، لأن بها نجاته من الخلود في عذاب النار ، فهي أولى الأولويات ، بالنسبة إلى عمه في هذه الحالة ، التي هو عليها على مقربة من عتبة الموت ، وهي الخطوة الواجبة الأولى للدخول في الإسلام.

    8)ما رواه الإمام أحمد وأبو داود بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بايع ثقيفًا على الإسلام اشترطوا عليه أن لا صدقة عليهم ولا جهاد، فقبل منهم النبي صلى الله عليه وسلم، وقال بعد أن بايعهم: ”سيتصدقون ويجاهدون إذا أسلموا.“

    9)في صحيح البخاري عن أم عطية رضي الله عنها قالت: ”بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ علينا: ﴿أن لا يشركن بالله شيئًا﴾، وﻧﻬانا عن النياحة. فقبضت امرأة يدها فقالت:
    "أسعدتني فلانة أريد أن أجزيها". فما قال لها النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا. فانطَلَقت ورجعت، فبايعها“. وفي رواية عند الإمام أحمد: ”فكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وافقها على ذلك، فذهبت فأسعدت ثم رجعت فبايعت النبي صلى الله عليه وسلم.“ والإسعاد هو نياحة المرأة مع أخرى .

    10)حديث الأعرابي الذي دخل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وشرع يبول فيه، فنهره أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عليه السلام: ”لا تزرموه، دعوه“. فتركوه حتى فرغ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له: ”إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، وإنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن“، وأمر بدلوٍ من ماء فصبّ عليه .

    11)أخرج البخاري عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: "إنما نزل أول ما نزل سورة من المفصل، فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول ما نزل لا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندع الخمر أبداً، ولو نزل : لا تزنوا، لقالوا: لا ندع الزنا أبداً"

    12) منع عمر رضي الله عنه المؤلفة قلوبهم من سهم الزكاة، لأنه وجد أن الغاية قد فقدت في زمنه بدفع الزكاة لهم، لأن دين الله تعالى ظهر، والأمر قد استقر، ولم يجد في عصره من يستحق التأليف في نظره، ولم يبق دور للمؤلفة قلوبهم الذين كانوا يأخذون هذا السهم عندما كان الإسلام ضعيفاً وأراد أن يؤلفهم، فلما قويت دولة الإسلام زال السبب إلى إعطائهم، ولم يبق للإسلام حاجة في تأييدهم، بل صاروا على العكس في حاجة إلى الاعتزاز به، وبذلك فقد تغيرت الحاجة والمصلحة، وفقد السبب، فتغير الحكم لفقدان سببه أو توفر شرطه .



    4 ) التدرج في تعليم أحكام الشريعة :

    وذلك بالترفق في تعليم الأهم ثم المهم من أحكام الشريعة ، وهذا ما يبينه الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذاً رضي الله عنه إلى اليمن، قال: إنك ستأتي قوماً أهل كتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم، وترد على فقرائهم ..."

    سئل الإمام مالك رحمه الله تعالى عن الرقيق العجم، يُشترون فيشهر رمضان وهم لا يعرفون الإسلام ويرغبون فيه، لكن لا يفقهون ما يُراد منهم، فهل يُجبرون على الصيام أم يُطعمون ؟ فقال : (أرى أن يُطعموا ولا يمنعوا الطعام ويرفق بهم حتى يتعلموا الإسلام، ويعرفوا واجباته وأحكامه . (


    وفي معنى ما أفتى به الإمام مالك رحمه ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية، حيث جاء في فتاواه :

    ”فالعالم في البيان والبلاغ كذلك، قد يؤخر البيان والبلاغ لأشياء إلى وقت التمكّن، كما أخر الله سبحانه إنزال آيات وبيان أحكام إلى وقت تمكّن رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليمًا إلى بياﻧﻬا .فإذا حصل من يقوم بالدين من العلماء أو الأمراء أو مجموعهما كان بيانه لما جاء به الرسول شيئًا فشيئًا بمنزلة بيان الرسول لما بعث به شيئًا فشيئًا. ومعلوم أن الرسول لا يبلّغ إلا ما أمكن علمه والعمل به، ولم تأت الشريعة جملة، كما يقال: إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع. فكذلك المجدد لدينه والمحيي لسنته لا يبّلغ إلا ما أمكن علمه والعمل به، كما أن الداخل في الإسلام لا يمكن حين دخوله أن يلّقن جميع شرائعه ويؤمر كلها. وكذلك التائب من الذنوب والمتعلم والمسترشد، لا يمكن في أول الأمر أن يؤمر بجميع الدين ويذكر له جميع العلم فإنه لا يطيق ذلك. وإذا لم يطقه لم يكن واجبًا عليه في هذه الحال، وإذا لم يكن واجبًا لم يكن للعالم والأمير أن يوجبه جميعه ابتداءً، بل يعفو عن الأمر والنهي بما لا يمكن علمه وعمله إلى وقت الإمكان، كما عفا الرسول عما عفا عنه إلى وقت بيانه. ولا يكون ذلك من باب إقرار المحرمات وترك الأمر بالواجبات، لأن الوجوب والتحريم مشروط بإمكان العلم والعمل، وقد فرضنا انتفاء هذا الشرط .فتدبر هذا الأصل فإنه نافع. ومن هنا يتبين سقوط كثير من هذه الأشياء، وإن كانت واجبة أو محرمة في الأصل، لعدم إمكان البلاغ الذي تقوم به حجة الله في الوجوب أو التحريم، فإن العجز مسقط للأمر والنهي وإن كان واجبًا في الأصل، والله أعلم.“



    5) التدرج في التربية على الإسلام :

    والمقصود هنا على مستوى الفرد لا على مستوى المجتمع ، وتمثل الواجبات ، والمحرمات نقطة الصفر ، التي ينطلق منها المسلم ( بعد تعلم دينه بالتدرج الذي أشرت إليه سابقا ) في طريقه إلى الله ...

    ومن الأدلة التي تدل على التدرج في التربية :

    1) قوله تعالى : (فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا )
    2) قوله تعالى : (إنَّ الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا)
    3) وأكد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أرشد أحد الصحابة، فقال له: "قل: آمنت بالله ثم استقم"
    4) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن دين الله يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه"
    5) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن هذا الدين متين، فأوغلوا به برفق "
    6) قوله صلى الله عليه وسلم : (القصدَ القصدَ تبلغوا)
    7) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله قال من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته )


    وصلي اللهم وسلم على سيدنا محمد ، وعلى آله ، وصحبه وسلم ...

    كتبه / أحمد سمير سالم
جاري التحميل ..
X