بعد الفجر وعندما استقرت عقارب الساعة على السادسة من صباح الجمعة الماضية كانت الإشارة بموعد الانطلاق ، خمسة جيبات عسكرية يستقلها خمس وثلاثون شرطيا من مكافحة المخدرات كانت تقترب من منزل من أطلقوا عليه "رأس الأفعى" المهرب والمروج للمخدرات في منطقة الجبل شرق حي الشجاعية .

المعلومات التي توفرت بحوزة مكافحة المخدرات تؤكد أن نواف حسنين يتاجر في المخدرات منذ سنوات عديدة ، وله باع طويل في تهريب المخدرات وترويجها بين المدمنين ، ولم تستطع الشرطة السابقة الوصول إليه ، كما أنه كان يحظى بغطاء من قبل القائمين على تلك الأجهزة.

بعد الحسم العسكري الذي مضى عليه عام ساد الحديث عن توبة حسنين ولم تعد له علاقة بالتهريب أو الترويج ، وغاب عن الواجهة .

مكافحة المخدرات التي عكفت على ملاحقة تجار ومتعاطي المخدرات ولم تدخر جهدا في مداهمة أوكار الجريمة ، تمكنت من التوصل لمعلومات حصلت عليها ممن قبضت عليهم في وقت سابق مفادها أن نواف لازال يعمل في الخفاء عبر الاستعانة بمروجين وموزعين للمخدرات التي يشرف بنفسه على تهريبها ، ليبقى بعيدا عن أعين مكافحة المخدرات .

وتشير المعلومات المتوفرة لدى مكافحة المخدرات بأن شخصا يدعى أبو خليل كان بمثابة الذراع الأيمن لنواف حسنين ويقوم بتسويق البضاعة التي يتم تهريبها .

"أبو عاصف " مدير مكافحة المخدرات في شمال قطاع غزة كان على رأس الحملة التي تمت بالتنسيق مع شرطة غزة ، وإعلام أعلى المستويات في الشرطة بموعد العملية التي كان من المتوقع أن تكون خطرة وحاسمة .

وبحسب أبو عاصف الذي يعمل في مكافحة المخدرات منذ أحد عشر عاما وبقي على رأس عمله بعد الحسم فان نواف حسنين يعد من أشرس وأخطر مهربي المخدرات عبر الحدود ، ويستغل عدداً من التجار الذين يدخلون إسرائيل لتهريب الحشيش والكوكايين داخل بضاعتهم المستوردة .

مكافحة المخدرات استخرجت أذنا من النيابة بمداهمة مكان تواجد نواف حسنين لإلقاء القبض عليه ، وذلك بعد عملية مراقبة طويلة تمكن خلالها المخبرون من تحديد المنزل الذي يتواجد فيه من بين ثلاثة منازل يمتلكها .

تقدمت جيبات الشرطة بصحبة سيارة إسعاف تحسبا لأي طارئ بخطى حذرة في الساعة السادسة صباحا التي تم اختيارها بدقة لتنفيذ العملية ، وذلك لما هو معروف أمنيا أن في هذا الوقت يكون رجال الحراسة توجهوا للنوم ، أو أنهكوا في حال بقوا مستيقظين .

قفز رجال الشرطة من الجيبات واتخذوا مواقعهم حسب الخطة التي تم وضعها ، فيما تقدم أبو عاصف باتجاه المنزل ، وطرق الباب ووجه النداء لنواف بأن هناك أمرا بالقبض عليه فكان الرد سريعا قائلا " مش نواف اللي يسلم حاله ، روحوا أحسن أطخخكوا كلو ، وانتو زيكو زي الشرطة القديمة " ، وبادر وإخوته بإطلاق النار تجاه أفراد الشرطة الذين اتخذوا من جدران المنزل سواتر لهم .

خطة المداهمين كانت تقضي بمحاولة إنهاء نواف ومن معه لذخيرتهم ومن ثم مطالبتهم بتسليم أنفسهم ، إلا أنه رفض ذلك بالرغم من قرب نفاد ذخيرته واستمر بإطلاق النار .

نزل نواف ومن معه من أعلى المنزل الذي تمركزوا عليه باتجاه بيت الدرج والمخازن وتعمدوا إطلاق النار باتجاه أبواب المخازن والجدران التي يحتمي بها أفراد الشرطة بهدف إصابة أكبر عدد منهم ، مما أدى لاستشهاد جمال أبو القمصان وإصابة سبعة آخرين .

سيارة الإسعاف المرافقة للحملة نقلت الشهيد إلى المستشفى على الفور وحاولت إخلاء الجرحى من المكان .

بعد وقوع إصابات في صفوف أفراد الشرطة ومفارقة أحدهم للحياة كان القرار بضرورة اقتحام المنزل ، حيث بدأ أفراد الشرطة بالرد على مصدر النيران وتمكنوا من الدخول إلى المنزل ، مما أدى للقضاء على نواف وعطاف ومروان حسنين لتكون بذلك قد طوت صفحة هامة في مكافحة الجريمة ، بعد أن فقدت فارسا من فرسانها الذين ضحوا بدمائهم من أجل وطنهم .

أفراد الشرطة الذين شاركوا في الحملة يتوقعون أن أشخاصا آخرين غير الثلاثة الذين أصابتهم نيران المكافحة كانوا مشاركين في إطلاق النار ، وتمكنوا من الفرار وذلك بعدما أكدوا أنهم تعرضوا لإطلاق النار من سلاح M16 ، ولم يعثروا عليه في المكان ، في الوقت الذي تمكنوا فيه من اعتقال ستة من أقارب حسنين ومصادرة قطع أخرى من السلاح وكميات من المواد المخدرة .

مشهد عائلة نواف حسنين وصغاره الذين لم يكفوا عن الصراخ كان له أثر بالغ في نفوس رجال المكافحة الذين أكدوا قضاءهم على من وصفوه " رأس الأفعى " .

أبو عاصف عاد ليشدد أنهم نجحوا في السيطرة على كبار تجار المخدرات واعتقالهم بالرغم من الخسائر التي لحقت بأفراد الشرطة ، وهدد التجار الذين لازالوا يروجون المخدرات بمحاسبتهم وتقديمهم للعدالة في حال لم يتخذوا قرارا بالتوبة ، وقال " لن نكف عن مطاردة المتورطين بتجارة وتعاطي المخدرات حتى نعلن عن خلو غزة من تلك المواد المدمرة " .

جماهير مخيم جباليا التي ينتمي إليه الشهيد القسامي جمال أبو القمصان شيعته عقب صلاة الجمعة الماضية بحضور عدد كبير جدا من رجال الشرطة الفلسطينية، وأفراد وحدة مكافحة المخدرات، وقيادة الأجهزة الأمنية في شمال غزة، وجمع كبير من قيادة حركة المقاومة الإسلامية حماس .

وخلال مسيرة التشييع التي جابت شوارع مخيم جباليا متجهه نحو مقبرة مشروع بيت لاهيا، ردد المشاركون الهتافات المساندة والداعمة للأجهزة الأمنية الفلسطينية التي استطاعت القضاء على هذا الوكر الذي ينشر سمومه بين الشباب.

ويذكر أن للشهيد أبو القمصان سجلا طويلا من الجهاد والمقاومة ضد العدو الصهيوني الغاصب، حيث أنه قد اعتقل في الانتفاضة الأولى، ثم بعدها في عام 1996م على يد أجهزة السلطة آنذاك، ثم اعتقل مرة ثانية في سجون العدو الصهيوني خلال انتفاضة الأقصى المباركة، ولم يخرج إلا منذ عامين، وبعد خروجه التحق بوحدة مكافحة المخدرات في شمال غزة، وجاء اليوم الذي يختتم فيه تاريخه الجهادي الذي استمر ما يزيد عن ثلاثين عاما بشهادة في سبيل الله ، مدافعا عن أمن المواطنين في قطاع غزة، ومقتحما على المفسدين أوكارهم وجحورهم.

ولكن صدمة المجتمع كانت أكبر عندما تَبنَّت حركة فتح القتيل تحت مسمى "الشهيد"، وعندما أعلنت بأن مقتله ورفاقه جاء ضمن "معركة الكرامة" ليقلبوا موازين البشريَّة وعقولها ويغيروا مفهوم "الكرامة"، وليتعدوا على تاريخ الثورة الفلسطينية التي قادت معركة "الكرامة" التي نعرفها والتي خاضها المقاتلون الفلسطينيون بمساعدة الجيش الأردني ضد الجيش الصهيوني في 21 مارس من عام 1968، إلى جانب الصدمة المترتبة على محاولة تقديم هؤلاء الزَّنادقة على أنهم أبناء هذه الحركة المعطاءة، غير عابئين بتلويث سمعة وتاريخ ونضال هذه الحركة في حال تبني تجار الحشيش والمخدرات، وغير عابئين بتشويه مصداقية وحقيقة الشهداء الفلسطينيين بعد أن يعرف العالم الخارجي أن كبار تجار المخدرات يحملون لقب "الشهداء" في قطاع غزة ويُلبسون أثواب الوطنيَّة.