إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

معوقات وضرورات المفاوضات المباشرة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • معوقات وضرورات المفاوضات المباشرة

    تمّ الاهتمام بزيارة كارتر إلى المنطقة من زاوية نتائجها المباشرة ، والمتعلقة بردود حركة المقاومة الإسلامية حماس على ملفات لها علاقة بالتهدئة والمعابر والأسرى،دون التركيز على أحداث أخرى وقعت في أثناء هذه الزيارة،ولعل من أبرزها قيام نائب رئيس الحكومة الإسرائيلية ورئيس حركة (شاس) إيلي يشاي بدعوة رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل للقاء بشكل مباشر وإطلاق المفاوضات حول ملف الأسرى ،والتي قوبلت_كما يعلم الجميع _ بالرفض.
    وفي ظل خروج هذا الأمر،ألا وهو التفاوض واللقاء المباشر ،من دائرة التحريم الشرعي ، فإن هناك تساؤلات تثار حول الأسس التي ارتكزت عليها حماس في اتخاذ هذا القرار.
    فهل ساهم في اتخاذه خطابها التعبوي والجماهيري الذي دأبت عليه وفرضته متطلبات المرحلة السياسية السابقة والمستند إلى موقف مسبق تجاه هذا الشكل من المفاوضات ،والذي عُبّر عنه في أكثر من مناسبة،ويتمثل بالاستعداد للتفاوض مع الجميع باستثناء الكيان الإسرائيلي .
    ولكن أليس من الواجب هنا الأخذ بعين الاعتبار أن الواقع الفلسطيني اليوم مختلف تماما عما كان عليه في عهد أوسلو وما قبله وبعده ، عندما تفردت جهة معينة بتمثيل هذا الشعب وفاوضت على حقوقه وفق منطق المساومة ضاربة عرض الحائط بكل الاعتبارات والضوابط الشرعية والدولية متماهية مع واقع دولي خاضع لهيمنة قطب أوحد مما يعني أن المشاركة في عملية المفاوضات _في حينه _ ما هو إلا قبول بالشروط والمحددات التي فرضها هذا الواقع والذي يتطلب التخلي عن المقاومة وسلاحها ،كما أن الخارطة السياسية الفلسطينية الداخلية قد تبدلت ولم تبقى على حالها، من حيث بروز مراكز ثقل سياسي وشعبي وما رافق ذلك من تنامي لظاهرة التعددية السياسية وانعكاس هذا الواقع على الوعي والفكر الجماهيري وهذا بدوره يقتضي تطور موازي في الخطاب السياسي لملائمة هذه التطورات، وبالتالي هل قرار رفض التفاوض المباشر صائب وخاصة أنه يشكل أهم عامل من عوامل الوجود السياسي لزمرة أثبت وبجدارة فشل منهجها وضرره الفادح بالحقوق الوطنية الفلسطينية.
    أم أن المفاهيم السائدة في الذهنية الفلسطينية والمتعلقة بالعملية التفاوضية وذلك لجهة اقتران هذه العملية بالتفريط والتنازل عن الثوابت والتجربة الفاشلة خلال المرحلة السابقة تقف حجر عثرة أمام التقدم في هذا المجال،وهنا نقول من قال أن مبدأ التفاوض بحد ذاته هو شكل من أشكال التنازل أو الاعتراف بالمحتل ،ألم يفاوض الشهيد عمر المختار في عام 1929المحتل الإيطالي ولما اكتشف عدم جديته انسحب وقاوم الإيطاليين حتى استشهد.
    أو أن فظاعة جرائم الاحتلال وممارساته البربرية شكلت حاجزا نفسيا يحول دون ذلك، إلا أن هذا الاعتبار لم يمنع الفيتناميين من التفاوض المباشر مع الأمريكان في عام 1968ولغاية 1972 على الرغم من القصف الوحشي لهونوي.
    وكيف يمكن للمقاومة أن تترجم برنامجها السياسي و تدحض ما اتهمت به من افتقارها للرؤية الوطنية وممارستها المقاومة فقط لأجل المقاومة وأنها بندقية عمياء وما إلى ذلك من مزاعم وظفت لفرض ممثلين لهذا الشعب ولتشويه عدالة نهجها .
    وأيضا هل يعزى الرفض إلى الموقف الدولي الذي يضع الحقوق الوطنية الفلسطينية تحت سقف القرارات الدولية ،وذلك في أحسن أحواله،أو ما يسمى بالمبادرات الدولية (كخارطة الطريق ورؤية بوش)وهي جميعها لا ترقى إلى مستوى الطموح الوطني ،ولكن من قال أن هذه المبادرات ملزمة للشعب الفلسطيني في الوقت الذي تخرقها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل،وهل القرارات الدولية والعملية التفاوضية منعت المقاومة الفيتنامية من مهاجمة المنطقة منزوعة السلاح وأو مهاجمة حكومة سايغون وإسقاطها مما اضطر المجتمع الدولي للاعتراف بالأمر الواقع .
    أو إلى الخشية من اتهام حماس بأنها دجّنت وأنها بالتفاوض إنما تقر بصوابية من سبقوها إليه،ولكن شتان ما بين موقف اليوم والأمس ،وما بين من اعتمد استراتيجية التفاوض كخيار وحيد ،مما اقتضاه الاعتراف المسبق بعدو شعبه والقبول بوضع حقوقه على طاولة هذه المفاوضات، ومن يأبى الاعتراف بهذا العدو ويوظف المفاوضات كتكتيك لخدمة المقاومة والمصالح الوطنية.
    المقاومة الفلسطينية تمثل أحد حركات التحرر الوطني ،وبالتالي فإنها قد تتقاطع وتتشابه معها في بعض القواسم المشتركة، وذلك على الرغم من الاختلافات الأيدلوجية ،على قاعدة أن تطلعات وأهداف هذه الحركات قد فرضت عليها المواجهة مع قوة عسكرية كبرى مقارنة مع إمكانياتها ،وقد حققت هذه الحركات إنجازات هامة ارتقت إلى مستوى دحر القوة المحتلة وفرض السيادة،والتي لم يكن هناك من سبيل لتحقيها لولا التكامل ما بين الدور السياسي والعسكري لهذه الحركات، فالعمل العسكري لأي مقاومة،على أهميته ، لن يتمكن وحيدا من تحقيق أهداف الشعوب المحتلة،ففي فيتنام تمّ القضاء على فرق عسكرية كاملة من الفرنسيين و الأمريكيين وهذا لم يغني عن التفاوض والعملية السياسية ،والجيش الجمهوري الإيرلندي لم تكن له إنجازات عسكرية تذكر ولم يتجاوز عدد أعضاؤه الثلاثة آلاف مقاتل ومع ذلك فقد فرض على بريطانيا (العظمى) الاعتراف بقيام دولة مستقلة ،وذلك في شمال إيرلندا عام 1930، من خلال المفاوضات السياسية التي قادها زعيمه (مايكل كولنز).
    إذاً ما الضير من دخول حماس في مفاوضات مباشرة مع العدو الإسرائيلي طالما لم تتناول هذه المفاوضات حقوق الشعب الفلسطيني بالتنازل أو التفريط ومستمدة من منطلق استراتيجي يضمن تحقيق الثوابت الوطنية وتمت تحت مظلة توافق وطني فلسطيني ، وفي الوقت نفسه تستبدل دور الوساطة لبعض الأطراف الدولية والإقليمية ،والتي لم تكن في يوم من الأيام دورا داعما للحقوق الوطنية الفلسطينية أو على الأقل حياديا بل وللأسف كان بمثابة وصاية استغلت ضعف الموقف السياسي الفلسطيني لفرض هيمنتها ومصالحها على حساب المصالح العليا للقضية الفلسطينية،وما المانع من مفاوضات مباشرة تعيد الاعتبار السياسي للفلسطينيين ومقاومتهم كحركة تحرر وطني ومن خلال رفع السقف السياسي الفلسطيني،وتكون عامل تجميع وتدعيم للوحدة الوطنية بدلا من التفريق والانقسام .
    وعليه كان لزاما على حماس أن تجري مراجعة لموقفها و معالجته من وجهة نظر سياسية تنطلق من مفهوم المصلحة الوطنية و تستند إلى معطيات تاريخية وواقعية مع الأخذ بعين الاعتبار متطلباتها .
جاري التحميل ..
X