إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مَنْ يَعْملْ سُوءاً يُجْزَ بهِ

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مَنْ يَعْملْ سُوءاً يُجْزَ بهِ

    إن النّفوس لتنخلع فَرَقاً وتنصدع قَلقاً، عندما يطرق سمعها قول الله تعالى في أشد آية وأخوفها: {لَيْسَ بِأمانيِّكُمْ ولا أَمانِيِّ أَهْل الكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ...} النساء - 123، لقد جاءت هذه الآية قاصمة الظهور، فأَيُّنا لا يُذنب ولا يعمل السوء؟

    لما نزلت هذه الآية شقّ ذلك على المسلمين، وبلغت منهم ما شاء الله فشكَوْا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «سدِّدوا وقاربوا فإن في كل ما أصاب المسلم كفّارة...» رواه الترمذي وسأل الصدِّيق النبي صلى الله عليه وسلم: «وإنّا لمجزيّون بكل سوء عملناه؟ فقال: «أما أنت يا أبا بكر وأصحابك فإنكم مَجزيّون بذلك في الدنيا حتى تلقَوْا الله ليس لكم ذنوب...» ابن مردويه؛ وقالت السيدة عائشة: «إنّا لنُجزى بكل ما عملناه، هلكنا إذاً! فقال النبي عليه الصلاة والسلام: «نعم يُجزى المؤمن في الدنيا في نفسه، في جسده فيما يؤذيه» رواه سعيد بن منصور.

    فالناس مجزيّون بما أساؤوا، فما يصيب المؤمن من نصَب ولا وصَب ولا همّ ولا حَزَن ولا أذىً ولا غمّ حتى الشّوكة يُشاكها إلا كفَّر الله بها من خطاياه!

    وتأتي العقوبة على قدْر الخطيئة، وقد أنزل ربنا من العذاب في الأمم المكذِّبة بقدر ما فعلوا من الفواحش والجرائم! فأقلّهم ذنباً كان أخفّهم عذاباً، فقوم ثمود كانوا الأقل ذنباً إذ جمعوا إلى الشِّرك عَقر الناقة، فأهلكهم الله بالصَّيحة فماتوا في الحال! وقوم عاد جمعوا إلى الشرك التجبّر والتكبّر والتوسّع في الدنيا فأخذهم الله بالريح الشديدة العاتية، وأصحاب مَدْين كان من سوء فعالهم الظلم في الأموال، فعذّبهم الله بالنار التي أحرقتهم وأموالهم، وأما قوم لوط الذين ابتدعوا أقبح الفواحش، فقد أخذهم الله بأنواع من العذاب لم يعذِّب بها أمة غيرهم، فجمع لهم بين الهلاك والرَّجم بالحجارة من السماء وطمس الأبصار وقلب الدّيار، وصدق الله تعالى إذ يقول: {فَكُلاًّ أَخَذْنا بذَنْبِهِ} العنكبوت - 40.

    إن سواد الأنام في هذا الزمان غارقون في الذنوب إلى الآذان، وهم يتفاوتون شدّة وبأساً، وعَدْواً وظلماً، بين كبائر الإثم وصغائر اللَّمم، وبين التعدي على حقوق العباد وعلى حدود رب العباد.

    والعجَب أن أكثر الناس في غمرة ساهون، وفي غفلة مُعرضون عن عواقب الذنوب، ورب خاطئٍ يفرح بالذنوب وبالمعاصي، وينسى يوم يُؤخذ بالنَّواصي؛ وإن أكثر ما عند أهل الدنيا الغَفلة، وأكثر ما عند الموتى النّدامة!

    فمن مَكر أو ظلم أو نَكث أو اعتدى فليرتقب العقاب العاجل قبل العذاب الآجل، فإن الجزاء الربّاني يلاحقه في الدنيا ولا يغادره حتى يؤلمه.

    وربما رأى العاصي إقبال الدنيا عليه، ووفرة النِّعم بين يديه، وسلامة البدن والأعضاء، وفوات الأسقام والآلام، فظن أن العقوبة لا تنزل به ولا تحلّ قريباً من داره، ويذهل هذا الغافل أن المعصية بعد المعصية عقاب المعصية، كما أن الحسنة بعد الحسنة ثواب الحسنة!

    وربما جازاه الله بأن يحرمه لذّة الطاعة وحلاوة المناجاة، وصفاء القلب، وسكينة النفس!

    إن الجزاء الإلهي في الدنيا لبالمرصاد لكل آثم وظالم، وكل عادٍ وصادّ، فمن نظر في العواقب سلم من النوائب، وشتّان بين الجزاء لابتلاء المؤمن على صبره، وبين الجزاء لمعاقبته على ذنبه.

    فتعطّروا بالاستغفار فقد فضحتكم روائح الذنوب، واحترزوا من المفاسد والعيوب قبل أن تصيبكم المفاتن والكروب، واسْتحيوا من الله حق الحياء مخافة أن يوبِقكم البلاء. والويل لمن عرف مرارة الجزاء ثم آثر لذة المعصية.}
جاري التحميل ..
X