إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

العلاقات الخاطئة في حياة ملتزمين

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • العلاقات الخاطئة في حياة ملتزمين

    العلاقات الخاطئة في حياة ملتزمين

    د.محمد داود




    للمجتمع الجديد أصداؤه، ولا نغالي إذا قلنا إن المجتمع بصورته المعاصرة التي نحياها - مجتمع جديد سريع التغير، تتلاحق فيه الأحداث وتتنوع بسرعة رهيبة.. مجتمع ضاقت فيه مساحة الخصوصية حتى كادت تختفي فيه الحدود؛ فتداخلت الأمور واهتزت كثير من القيم.

    إن المجتمع العالمي يعيش اليوم حالة إعصار مادي جارف يجتاح كل شيء، فعلى الرغم من تحقق الإشباع المادي، فإن جوعة القلب والروح زادت واشتدت وطأتها، واهتزت القيم النبيلة، فتباعدت المسافات بين القلوب، وأصبح لكل قيمة خلقية ثمن، وكل هذا ترك أصداءه على إنسان العصر.

    وعلى الرغم من أن الملتزمين يحاولون الثبات والصمود والتمسك بالقيم الأصيلة، والمحافظة على الثوابت الدينية، فإنهم لم يسلموا من الإعصار المادي الذي يعولم كل شيء ويكتسح في طريقه كل شيء، حتى المشاعر فأصابهم منه شظايا.

    ولعلّ أقوى أسباب التغير والتحول الذي أصاب المجتمع الإنساني في عصرنا هذا - مستحدثات التكنولوجيا، وبخاصة وسائل الاتصالات المختلفة من المحمول والكمبيوتر والفضائيات وشبكات المعلومات... إلخ، ذلك النسيج العنكبوتي الذي أحال العالم إلى قرية صغيرة، واختزل المسافات، وأوجد بعدًا جديدًا لتلاقي المشاعر والأفكار.. وما أدراك ما رسائل المحمول والحوارات المفتوحة في "غرف الدردشة"!.‍‍‍‍

    الغواية القديمة

    في الماضي كانت وسائل الغواية والانحراف بسيطة ومباشرة وبطيئة، وكانت خطوات إبليس في إغواء بني آدم بطيئة تأتي على مراحل وتأخذ في استدراج الإنسان إلى شراك الغواية خطوة خطوة، كما تروي لنا كتب التفسير والحديث في سبب نزول قوله تعالى:

    "كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ" (الحشر: 16).

    وتقول الروايات: إن رجلين خرجا للجهاد وكانت لهما أخت ليس له من يرعاها سواهما، فلم يجدا من يُؤمَن على أختهما سوى راهب يتعبد في صومعته، فتركا أختهما عنده.. وكان الراهب يضع لها الطعام بجوار الباب ثم يعود إلى صومعته، فأتاه الشيطان ووسوس له أن صنيعه هذا من فعل المتكبرين، فلماذا لا يقدم إليها الطعام بنفسه؟!

    وفعل الراهب، ثم أتاه إبليس فوسوس إليه أن يعلِّم هذه المرأة قواعد الدين، وهذا أمر لا غبار عليه.. واستطاع إبليس بهذه الحيلة أن يستدرجه إلى طول المجالسة والخلوة، وما يتبع ذلك من نظرات وهمسات، تطورت بعد ذلك إلى الوقوع في الفاحشة، وحملت المرأة منه، فلمَّا جاءها المخاض أمر إبليس الراهب أن يقتل الطفل كي يستر فضيحته عن الناس، ففعل!.

    ولما عاد الأخوان ذهب الشيطان إلى أحدهما في المنام وأخبره بشأن أخته مع الراهب، ودلَّه على مكان دفن الطفل.. ثم ذهب الرجلان إلى القاضي ليحكم في قضية أختهما مع ذلك الراهب الفاسق.. ولم يترك إبليس الفرصة تفر من يده، فها هي الضحية بين أصابعه يعبث بها كيف يشاء، ذهب إبليس إلى الراهب وأوهمه أن بإمكانه أن يخلصه من محنته في مقابل أن يسجد له سجدة واحدة.. ومرة أخرى قَبِلَ الراهب إغواء إبليس ودعوته للكفر، فسجد للشيطان، وعندها قال له الشيطان: "إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ"!

    هكذا كانت طرق الغواية بسيطة لا تعقيد فيها، ومرحلية تتدرج خطوة فخطوة حتى يتحقق لإبليس غرضه الأكبر، وهو دعوة الإنسان إلى الكفر والعياذ بالله.


    وسائل عصرية

    ومع التقنيات الحديثة نجد أن الأمر اختلف، حيث اختصرت المسافات أمام إبليس ومهدت له سبل الغواية، ويسرت له مهمته كي يؤديها في أسرع وقت وعلى أكفأ درجة في الأداء!، فإبليس -في إطار تقنيات العصر- يستطيع أن يستدرج ضحاياه إلى السقوط في حبائله بطرقٍ متعددة ومعقدة وغير مباشرة وبسرعة خاطفة، وهو ما نراه واضحًا في كثير من الحالات بين شبابنا وفتياتنا التي تبدأ بأمور عادية ليس فيها شائنة ثم تنتهي بالوقوع في الفخ الشيطاني، فهذا شاب ملتزم بدينه مطيع لربه، توقظه صديقته لصلاة الفجر، برسالة أو رنة من المحمول، ويتعاهدان على ذكر الله وإقام الصلاة! وتبدو هذه خطوة نحو تعميق الإيمان بالله والإخلاص في عبادته.. وشيئًا فشيئًا تضيق مساحة الذكر والطاعة، وتنمو مساحة الخصوصية في العلاقة، وتزداد خطوات إبليس في غوايتهما، وتنتهي المسألة بقصة غرام وعلاقة غير شرعية،



    استيقاظ الضمير

    وكثير من شبابنا قد تصحو ضمائرهم وتفيق من الغواية، فيشعر كلٌّ من الطرفين بالندم والرغبة في الرجوع إلى الله، ولكن قد يأتي الأمر بعد فوات الأوان، حيث يكونان قد أدمنا الأمر فلا يستطيعان الإقلاع عنه، وكلما حاول أحدهما أن ينهض من كبوته، راح إبليس يستدرجه لإسقاطه في شركه.

    أيضًا مع كساد سوق الزواج رأينا سعيًا من حواء وراء آدم تلاحقه باقتحام خصوصياته وتقديم خدمات خاصة، أملاً في لفت انتباهه ليتزوجها، وربما انتهت المسألة بعلاقة غير مشروعة يغلق معها باب الزواج حتى إشعار آخر.

    كل هذه الصور من اختلال العلاقات والقيم تدعونا إلى التساؤل: أين الخلل؟!، ويدفعنا إلى طرح العديد من الاستفسارات:

    - هل الآداب الإسلامية في العلاقة بين الجنسين أصبحت غير واضحة للشباب في إطار التقنية الحديثة؟!

    - أهو نقص في الوعي بالقيم الدينية التي تحمي الإنسان من السقوط في مهاوي الرذيلة وحبائل الغواية؟

    - أم هو الفراغ؟

    - أم هو عسر الحال وضيق ذات اليد؟!

    - أم أن الخلل كامن في صميم هذه الحضارة الماديَّة التي لا يهمها سوى إشباع النزوات والشهوات دون أن تلقي بالاً لحاجات الإنسان الروحية؟!

    والإجابة عن كل هذه التساؤلات تكمن في كلمة واحدة: الله، كما قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم:

    "قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ" (الأنعام: 91).

    فلننتبه إلى خطورة الأمر؛ لأنه يتعلق بمصير الإنسان، ولتسأل نفسك أيها الشاب ولتسأل كل فتاة نفسها قبل أن يسقطا في حبائل الغواية والانحراف عن طريق العلاقة المشتركة مجموعة من الأسئلة أهمها:

    - ما موضوع الحوار بينكما؟ هل هو نقاش علمي، أم هو نقاش حول قضية اجتماعية؟

    - وما حظ العقل فيه؟! وما حجم العواطف والمشاعر فيه؟!

    - هل هناك فارق بين الكلام وجهًا لوجه، والكلام عبر الهاتف أو النت؟!

    - هل اختفت حدود الوقت المناسب هنا وأصبحت بلا حدود في الليل والنهار؟!

    - هل هو مفتوح أم محدود كما أن الزيارات لها مواعيد، أم أن لها مواعيد مثل اللقاءات الجسدية؟

    - هل استكملت عُدَّتك لتحقيق حياة مستقرة لا يشوبها قلق ولا إحساس بالإثم، كي لا تنقلب اللذة العاجلة إلى عذاب في الدنيا والآخرة؟!

    - هل تشغل وقتك وتملأ حياتك بأعمال نافعة لك ولغيرك؟ لأن من لم يشغله عملُه شغله الشيطان!.

    - هل تدرك الفجوة القائمة بين القديم والجديد؟ وهل تحاول تحقيق معادلة التوفيق بين مطالب الدين والدنيا؛ فلا تفقد آخرتك ودنياك، ولا تحرم رضا الله -عز وجل- وتوفيقه؟


    [size=6]نصيحة واجبة
    [/size]

    فعلى كل فتاة وشاب أن يسأل نفسه هذه الأسئلة، وأقول لكل واحد منهما:

    لا تخدع نفسك، ولا تدع لشياطين الغواية عليك سبيلاً، وتأكد أن الشيطان يجرك إلى الغواية خطوة خطوة، فانتبه واحذر فإن الشيطان يأتي الملتزم من باب الطاعة، والإنسان ضعيف حين يترك لهواه وشهواته ونزواته وشيطانه، قال الله عز وجل: "وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفاً" (النساء: 28). ولا حول ولا قوة إلا بالله، فبحول الله وقوته يعود الضعف قوة، وينقلب العجز عزيمة وإرادة إذا ما تحلى الإنسان بالإيمان واستجاب لهدى ربه وتأتت له الأوصاف الإيمانية، قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ" (الأنفال: 24).

    ويجب أن تعلم كل فتاة، ويعلم كل شاب أن التقنيات الحديثة سلاح ذو حدين، يمكن استعمالها في الخير، كما يمكن أن تكون وسائل للشر وحبائل للشيطان.

    والله تعالى أرشدنا إلى الخير، قال عز من قائل:

    "وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ" (البقرة: 148).

    فليتخير كل إنسان لنفسه ما يحب أن يراه الله تعالى عليه، وآخر قولي: "وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ" (البقرة: 281).



    --------------------------------------------------------------------------------

    أستاذ الدراسات الإسلامية واللغوية بجامعة قناة السويس بمصر.

  • #2
    رد : العلاقات الخاطئة في حياة ملتزمين

    جزاك الله خيرا .. موضوع قيم

    تعليق


    • #3
      رد : العلاقات الخاطئة في حياة ملتزمين

      بوركت أخي بريق الانتصار على المرور

      تعليق


      • #4
        رد : العلاقات الخاطئة في حياة ملتزمين

        بارك الله فيك
        نحن بحاجة ماسة خصوصا في المنتديات الإسلامية لمراعاة الضوابط في الحوار بين الجنسين لوجود الكثير من التجاوزات
        فإن لم نرد الإلتزام بالضوابط من أجل أنفسنا فليكن من أجل الرسالة التي نحملها والفكر الذي نمثله لأننا تحت المجهر . فنحن قدوة لغيرنا شئنا أم أبينا

        تعليق


        • #5
          رد : العلاقات الخاطئة في حياة ملتزمين

          بارك الله فيك اخي على النقل .....

          لكن حقيقة كلنا يعلم انطلاقا من حديث النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن الحلال بيّن وإن الحرام بيّن ...))
          فالحلال واضح لا لبس فيه والحرام كذلك
          وقد يقول قائل والمشتبهات التي لا يعلمهن كثير من الناس
          فالجواب (( فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ))
          ووالله كل من يقترف اثما ولو زينه الشيطان له وجمّل صورته له وحسنها ليعلم علم اليقين في قرارة نفسه أنه يقترف إثما

          لذا قال الحبيب صلى الله عليه وسلم : (( الاثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس ..))
          فلنسأل انفسنا قبل الاقدام على أي أمر لا نعرف حكمه على وجه اليقين
          هل نحب أن يعلم بهذا الأمر كل الناس ؟؟

          فإن كان نعم فامض فأنت في أمان ...

          وإن كان لا فارجع ولا تجعل الله أهون الناظرين إليك ..

          زادنا الله حرصا وأمنا وإيمانا .

          تعليق


          • #6
            رد : العلاقات الخاطئة في حياة ملتزمين

            طرح راااائع
            بارك الله فيك أخى وجزاك كل خير

            تعليق

            جاري التحميل ..
            X