اللهم صلي على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
بحبك يا حوار... (على هامش فضيحة الرسوم الدنمركية)!
يبدو أننا المسلمون اكتشفنا "العلاج السحري" لكل أنواع الأزمات الدولية (الدولية فقط) , و يبدو أن هذا العلاج ليس سوى "الحوار..ثم الحوار ... ثم الحوار" ! هذا صحيح , فلا يمكن للمسلم اليوم أن يمر عليه يوم واحد دون أن يسمع – أو يقرأ - عن "ثقافة الحوار" و "ضرورة الحوار" و "جمال عيون الحوار" و "خفة دم الحوار" ...الى آخر قائمة المزايا . و أصبحت الدعوة الى الحوار و السعي إليه و التغزل بمحاسنه و الهتاف باسمه عند كل أزمة طارئة نكون طرفا فيها واجبا مقدسا على المسلمين كشكل من أشكال الاعتذار نتبرع به لكي ينظر إلينا الآخر (أيا كان) بأدنى قدر من الاحترام , و إلا , فلا احترام !
و أنا شخصيا مع الحوار " قلبا و قالبا" لأنه وسيلة التفاعل الأمثل بين البشر عند الأزمات سواء في الأسرة الواحدة أو في البلد الواحد أو بين شعوب الأرض , و لأنه – عندما يكون حقيقيا – يؤتي ثمارا مذهلة و يختصر المسافات و يجنب الجميع دمارا و مواجهات لا معنى لها ! لكن هذا من الناحية النظرية فقط, و من منطق "ما يفترض أن يكون" , أما الواقع فشيء آخر , و من المؤسف أننا –المسلمون - لا نزال " أسرى النظرية " و في حالة هروب دائم من الواقع و قواعده الاستثنائية الخاصة !
فبعد الغزو الامريكي-الاوروبي لافغانستان ردا على هجمات 11/9 ثم غزو العراق و تدميره , و ما نتج عن ذلك من توتر بين شعوب (و ليس حكومات) العالم الاسلامي و الغرب ,كان الرد الرسمي الاسلامي الوحيد هو الدعوة الى "حوار الحضارات" و إعادة إحياء "حوار الأديان"!! و هو أمر مضحك لسبب واحد , هو أن هذا الخطاب اختصر الاسباب التي ادت بدول ديمقراطية كبرى تحمل الوية الحرية و حقوق الانسان الى احتلال بلدين مسلمين و جلب الدمار لشعوبهما تحت ذرائع لا تقنع حتى المعاتيه , اختصرها في سبب وحيد هو : (يوجد سوء تفاهم كبير بين المسلمين من جهة و الغرب من جهة أخرى) !! فأمريكا غزت افغانستان و العراق لا طمعا في تحقيق مكاسب استراتيجية و اقتصادية , لا طمعا في بترول العراق و ما جاوره , لا من أجل القضاء على القضية الفلسطينية و دعم اسرائيل استراتيجيا , لا , كل تلك الاسباب تخيلية محضة ,و السبب الوحيد و المنطقي لذلك العدوان هو تقصيرنا نحن المسلمين تجاه الغرب و عدم التواصل معه (رغم أن النبي وصى على سابع جار) و عزوفنا عن الجلوس مع الاخوة الغربيين و شرح وجهة نظرنا لهم باللغتين الانجليزية و الفرنسية (على طريقة الامم المتحدة) , فهُم – يا عيني – لا يعرفون عنا أي شيء و لو كنا قمنا بواجب الحوار معهم من زمان و "قبل الفاس ما توقع في الراس" لما جرى ما جرى و لكنا اليوم "سمن على عسل" !!
تكرر نفس الموقف إبان موجة الاستهزاء بالاسلام و النيل من اسم النبي (صلى الله عليه و سلم) و التي اجتاحت الدول الغربية منذ اكثر من عامين (و لا زالت) , كأزمة الرسوم الدنمركية , و تصريحات باب الفاتيكان ...الخ . و كالعادة خرج من بيننا من يتبنى نظرية (الخطأ ليس منهم , هم لا يعرفون الاسلام و نبيه , الخطأ منا نحن لأننا قصرنا في تعليمهم) !! و خرج وفد من علماء (أو أنصاف علماء ) مسلمين في رحلة "تعريف بالنبي" الى الدنمرك و جرت حوارات و ندوات و ورش عمل و "دروس خصوصية" للدنمركيين عن الاسلام و رسوله (صلى الله عليه و سلم) ,و عاد الوفد الى قواعده سالما بعد أن افحم الدنمركيين و رد إهانتهم للاسلام ! ألم أقل لكم أننا شطار في فن "العلاج بالحوار" ؟؟ لكن الدنمركيين عادوا و نشروا غسيلهم الوسخ مرة أخرى , فما رأي دعاة الحوار و عشاق الندوات الآن ؟
الغريب أننا لا نتبنى سياسة الحوار في حل الأزمات الداخلية التي تطرأ بين الدول الشقيقة , بل تقوم الدنيا و لا تقعد في بلد عربي إذا تعثر أحد مواطنيه في بلد عربي آخر و تقطع العلاقات أو تتوتر بين بلدين عربين بسبب برنامج في قناة فضائية !! أو يتم تسخير صفحات الجرائد في بلدين عربيين لفرش الملايات للبلد الآخر بسبب تصريح لمسؤول !
راودتني هذه الأفكار و أنا أتأمل حالة "السعار الحضاري" التي انتابت الدنمركيين من جديد و التي لم يعد يطفئها و يشفي غليلها إلا التطاول على نبي الإسلام ( صلى الله عليه و سلم ) و هذه المرة بحجة التضامن مع أحد مبدعي تلك" الرسوم العبقرية " و الذي يقال أن السلطات قد أحبطت مؤامرة لاغتياله من قبل مسلمين ! بالأمس نشروا الرسوم دفاعا عن "حرية الرأي" و اليوم "دفاعا عن الرسام" و لا أدري بأية حجة سيعيدون نشرها مرة أخرى في المستقبل
و كما هو متوقع فقد جاء الرد الإسلامي و العربي الرسميين هذه المرة أيضا في منتهى الفتور و السلبية ! فلم نسمع عن أي استدعاء لسفراء أو أي تحرك لوزارات خارجية للتصدي لهذا التطاول البربري المتكرر على نبي الاسلام , و يبدو أن الدنمركيين بإصرارهم على الإساءة قد نجحوا في فرض سياسة الأمر الواقع على المسلمين (و الذين يبدو أنهم هذه المرة قد بخلوا حتى بمقاطعة ألبان و أجبان الدنمرك ..الذي هو أضعف الإيمان) , و لو كنا اجتهدنا في حقنا ربع اجتهادهم في باطلهم لفكروا ألف مرة قبل طعننا مرة أخرى ! و أتخيل كيف سيكون الوضع لو أن الاساءة كانت بحق أحد رموز الأنظمة السياسية الاسلامية أو العربية أو لسياساته الحكيمة (بدلا من رسول الله صلى الله عليه و سلم) ,هل كان النظام ليسكت و يحتسب و يدعو لحوار و نقاش ؟ و لماذا التخيل , لنترك الواقع يجيب على هذا السؤال , و لا أقصد هنا عشرات الحالات التي توترت فيها العلاقات بين دول عربية مع دول أخرى بسبب المس بهيبة النظام أو الرئيس أو الملك المفدى , لا , تلك أمثلة قديمة . ساكتفي فقط بما ورد في ما يسمى ب"وثيقة الشرف الاعلامي العربي" التي صدرت بعد اجتماع وزراء الاعلام العرب بالقاهرة مؤخرا و الرامية – كما يدعون - الى تنظيم عمل وسائل الاعلام و الفضائيات العربية!! فقد نص أحد بنود الوثيقة على ضرورة (احترام الدول وقادتها بالابتعاد عن "تناول قادتها أو الرموز الوطنية والدينية بالتجريح)..!!! بمعنى آخر - و بينما الدنمركيون يتفننون في الاساءة لنبي الاسلام – فإن الاولوية لدى الانظمة العربية هي لاسكات اي صوت اعلامي عربي يجروء على تناول القادة (بلا خيبة) و الرموز الوطنية و لو بالنقد ( فالنقد عند العرب تجريح) !!! و طبعا تمت اضافة مصطلح "الرموز الدينية" لذر الرماد على العيون و ليس من قوة إيمان الانظمة , و هل يتساوى – في ميزان مؤمن - رئيس أو ملك أو سلطان عربي في القدر مع (رسول الله صلى الله عليه و سلم ) ؟؟؟
و بما أن الشيء بالشيء يُذكر , فقد عادت بي الذاكرة الى ما حدث في النمسا قبل 8 سنوات عندما دخل "حزب الحرية" اليميني المتطرف في تحالف سياسي مع الحكومة النمساوية مما أثار غضب إسرائيل و الدول الغربية من حكومة النمسا ! و سر غضب الاوروبيين و الاسرائيليين لم يكن لأن الحكومة النمساوية وضعت يدها في يد حزب يميني متطرف , لا , السبب هو "تصريحات" أدلى بها "جورج هايدر" رئيس حزب الحرية و امتدح فيها سياسة التوظيف في المانيا النازية , بالإضافة الى ان الرجل لم يخف إعجابه بالزعيم النازي "هتلر" و المنجزات الصناعية التي حققتها المانيا في عهده , تلك كانت جريمة هايدر و حزبه ! فكيف عوقب هايدر على جريمته "الشنعاء" ؟ ماذا كان رد فعل إسرائيل و الدول الأوروبية إزاء ذلك ؟ هل دعوا هايدر للاعتذار عن تصريحاته , أو طلبوه و حزبه الى حوار "حضاري" من أجل "تقريب وجهات النظر " و الوصول الى "أرضية مشتركة " بين أطراف الخلاف ؟؟ أبدا ً و الله . بل قطعت إسرائيل علاقتها بالنمسا و استدعت سفيرها من هناك , و حذت كثير من الدول الأوروبية حذوها و قام الاتحاد الأوروبي بتجميد العلاقات الدبلوماسية مع النمسا , و تمت محاصرة النمسا دبلوماسيا و بدا لوهلة و كأن طائرات حلف الناتو على وشك أن تقصف ذلك البلد بسبب تصريحات هايدر الذي لم يشتم اليهود و لم يستهزء بأنبيائهم و لم يمتدح الهولوكوست أو ينكرها , كل ما في الأمر أن الرجل معجب بسياسات هتلر الاقتصادية !! و كانت النتيجة أن اضطر هايدر للاستقالة من الحزب و الابتعاد عن الحياة السياسية , للأبد !
القصة السابقة توضح كيف دافع الأوروبيون و الصهاينة عن "كرههم" لهتلر و للنازية بكل الوسائل المتاحة , بينما نحن المسلمون لا نعرف كيف ندافع عن "حبنا " للرسول صلى الله عليه و سلم ,و عن كرامتنا كمسلمين ! أليست تلك مفارقة عجيبة ؟ و هي توضح كذلك كيف أن التحرك الرسمي الجاد هو أنجع السبل في كبح جماح السفهاء و المتطاولين , فلقد كفت حكومة الصهاينة و الحكومات الاوروبية شعوبها مؤنة الرد , و لهذا السبب تجد الشعوب الإسلامية نفسها في كل مناسبة وحيدة في ساحة التصدي لطوفان السفالة و الحقارة الذي يأتينا من الغرب , و لأن هَبّة الشعوب دائما ما تأتي عفوية و مشوبة بعدم التنظيم و العشوائية تبدو الحشود المسلمة الغاضبة و كأنها حشود همجية انطلقت من عقال ! و ينصب النقد و التحليل لا على "شغف المتطاولين" بالنيل من عرض الاسلام دون أي مبرر , بل على "همجية المسلمين و حبهم للعنف" , و بهذا يكون المتطاولون (في الدنمارك و غيرها) قد أصابوا عصفورين بحجر واحد , فمن جهة يشفون غليلهم و حقدهم على الدين الإسلامي و نبيه الكريم (صلى الله عليه و سلم) , و من جهة أخرى يبرهنون على صحة دعاواهم العنصرية ب"همجية المسلمين" و يبررون تطاولهم بأنهم " كانوا يرمون الى الكشف عن تلك الهمجية للعالم المتحضر " !!
و تكون النتيجة أن ينبري بعض الإعتذاريين من المسلمين ليدعوا الى حوار بين الأديان و الثقافات في محاولة يائسة لنفي تهم الهمجية و العنف عن المسلمين (أو لاستثمار الحدث في أغراض شخصية مشبوهة ) !! و بدلا من ان ننتقم للإساءة الحاصلة (و التي هي أصل المشكلة) نجد أنفسنا في وضعية الدفاع و كأننا نحن من بدأ بالشر!! إنها الحلقة المفرغة التي لا زلنا ندور فيها بينما تتفرج أنظمتنا من بعيد , تراقب و تترصد لكل من تسول له نفسه شتم الزعيم أو تجريحه أو خدش حياءه بكلمة "أبيحة".
مما سبق يتضح لنا الآتي :
1. أن "الحوار" ليس مجرد وسيلة لإثبات حسن النوايا و نفي تهم الهمجية , بل هو "أداة" لتحقيق أهداف مادية ملموسة .
2. إذا فشل الحوار في تحقيق الأهداف المرجوة منه , فإن الاستمرار فيه دليل ضعف و مهانة , و هو مضيعة للوقت.
3. لكي يحقق الحوار أهدافه فلا بد من أن يسبقه تحرك قوي على الأرض بهدف خلق أزمة موازية للأزمة الأصلية , لإعطاء الطرف الآخر حافزا لطلب الحوار و لاحترام نتائجه لاحقا.
4. الهجوم على ثوابت الأمة و دينها بالسخرية و الإساءة ليس "أزمة" بل "إعلان حرب" , و لا يجدي معه التروي و الهدوء و الدعوة للحوار (و كأنه ازمة اقتصادية أو دبلوماسية) بل لا بد من الرد بقوة و حزم (خاصة على المستوى الرسمي) .
5. ليس بالضرورة أن ننتظر إلى أن نصبح "أمة قوية" قبل أن نهب للدفاع عن مقدساتنا ( كما يروج بعض "صناع الخنوع " من عشاق الفضائيات و فنادق 6 نجوم) , بل لدينا من الإمكانات ما يمكن استغلاله "الآن" في إيقاف أيا كان عند حده !
6. الأنظمة العربية و الإسلامية بسلبيتها و عدم اكتراثها بما حدث تعتبر شريكة لسفهاء الدنمارك في جريمتهم , و عليه فلا بد من أن تأخذ نصيبها من نقمة الشعوب , عن طريق العصيان المدني حتى يتم قطع العلاقات نهائيا مع دولة الدنمارك , و مع الاتحاد الأوروبي إن لزم الأمر .
و أخيرا , أتمنى أن لا يخرج علينا أحد العلماء أو المشايخ داعيا للحوار أو مطالبا حكومة الدنمارك بأن "تعتذر" عن إعادة نشر الرسوم , فلقد سئمنا هذه اللغة "الأنثوية " و التي لا تصدر إلا عن نفسية مهزومة , و لا يمكن لأتباع محمد (صلى الله عليه و سلم) الحقيقيين أن يكونوا مهزومين, و سوف يرى سفهاء أوروبا ذلك عن قريب, إن شاء الله
عمر الغريب
بحبك يا حوار... (على هامش فضيحة الرسوم الدنمركية)!
يبدو أننا المسلمون اكتشفنا "العلاج السحري" لكل أنواع الأزمات الدولية (الدولية فقط) , و يبدو أن هذا العلاج ليس سوى "الحوار..ثم الحوار ... ثم الحوار" ! هذا صحيح , فلا يمكن للمسلم اليوم أن يمر عليه يوم واحد دون أن يسمع – أو يقرأ - عن "ثقافة الحوار" و "ضرورة الحوار" و "جمال عيون الحوار" و "خفة دم الحوار" ...الى آخر قائمة المزايا . و أصبحت الدعوة الى الحوار و السعي إليه و التغزل بمحاسنه و الهتاف باسمه عند كل أزمة طارئة نكون طرفا فيها واجبا مقدسا على المسلمين كشكل من أشكال الاعتذار نتبرع به لكي ينظر إلينا الآخر (أيا كان) بأدنى قدر من الاحترام , و إلا , فلا احترام !
و أنا شخصيا مع الحوار " قلبا و قالبا" لأنه وسيلة التفاعل الأمثل بين البشر عند الأزمات سواء في الأسرة الواحدة أو في البلد الواحد أو بين شعوب الأرض , و لأنه – عندما يكون حقيقيا – يؤتي ثمارا مذهلة و يختصر المسافات و يجنب الجميع دمارا و مواجهات لا معنى لها ! لكن هذا من الناحية النظرية فقط, و من منطق "ما يفترض أن يكون" , أما الواقع فشيء آخر , و من المؤسف أننا –المسلمون - لا نزال " أسرى النظرية " و في حالة هروب دائم من الواقع و قواعده الاستثنائية الخاصة !
فبعد الغزو الامريكي-الاوروبي لافغانستان ردا على هجمات 11/9 ثم غزو العراق و تدميره , و ما نتج عن ذلك من توتر بين شعوب (و ليس حكومات) العالم الاسلامي و الغرب ,كان الرد الرسمي الاسلامي الوحيد هو الدعوة الى "حوار الحضارات" و إعادة إحياء "حوار الأديان"!! و هو أمر مضحك لسبب واحد , هو أن هذا الخطاب اختصر الاسباب التي ادت بدول ديمقراطية كبرى تحمل الوية الحرية و حقوق الانسان الى احتلال بلدين مسلمين و جلب الدمار لشعوبهما تحت ذرائع لا تقنع حتى المعاتيه , اختصرها في سبب وحيد هو : (يوجد سوء تفاهم كبير بين المسلمين من جهة و الغرب من جهة أخرى) !! فأمريكا غزت افغانستان و العراق لا طمعا في تحقيق مكاسب استراتيجية و اقتصادية , لا طمعا في بترول العراق و ما جاوره , لا من أجل القضاء على القضية الفلسطينية و دعم اسرائيل استراتيجيا , لا , كل تلك الاسباب تخيلية محضة ,و السبب الوحيد و المنطقي لذلك العدوان هو تقصيرنا نحن المسلمين تجاه الغرب و عدم التواصل معه (رغم أن النبي وصى على سابع جار) و عزوفنا عن الجلوس مع الاخوة الغربيين و شرح وجهة نظرنا لهم باللغتين الانجليزية و الفرنسية (على طريقة الامم المتحدة) , فهُم – يا عيني – لا يعرفون عنا أي شيء و لو كنا قمنا بواجب الحوار معهم من زمان و "قبل الفاس ما توقع في الراس" لما جرى ما جرى و لكنا اليوم "سمن على عسل" !!
تكرر نفس الموقف إبان موجة الاستهزاء بالاسلام و النيل من اسم النبي (صلى الله عليه و سلم) و التي اجتاحت الدول الغربية منذ اكثر من عامين (و لا زالت) , كأزمة الرسوم الدنمركية , و تصريحات باب الفاتيكان ...الخ . و كالعادة خرج من بيننا من يتبنى نظرية (الخطأ ليس منهم , هم لا يعرفون الاسلام و نبيه , الخطأ منا نحن لأننا قصرنا في تعليمهم) !! و خرج وفد من علماء (أو أنصاف علماء ) مسلمين في رحلة "تعريف بالنبي" الى الدنمرك و جرت حوارات و ندوات و ورش عمل و "دروس خصوصية" للدنمركيين عن الاسلام و رسوله (صلى الله عليه و سلم) ,و عاد الوفد الى قواعده سالما بعد أن افحم الدنمركيين و رد إهانتهم للاسلام ! ألم أقل لكم أننا شطار في فن "العلاج بالحوار" ؟؟ لكن الدنمركيين عادوا و نشروا غسيلهم الوسخ مرة أخرى , فما رأي دعاة الحوار و عشاق الندوات الآن ؟
الغريب أننا لا نتبنى سياسة الحوار في حل الأزمات الداخلية التي تطرأ بين الدول الشقيقة , بل تقوم الدنيا و لا تقعد في بلد عربي إذا تعثر أحد مواطنيه في بلد عربي آخر و تقطع العلاقات أو تتوتر بين بلدين عربين بسبب برنامج في قناة فضائية !! أو يتم تسخير صفحات الجرائد في بلدين عربيين لفرش الملايات للبلد الآخر بسبب تصريح لمسؤول !
راودتني هذه الأفكار و أنا أتأمل حالة "السعار الحضاري" التي انتابت الدنمركيين من جديد و التي لم يعد يطفئها و يشفي غليلها إلا التطاول على نبي الإسلام ( صلى الله عليه و سلم ) و هذه المرة بحجة التضامن مع أحد مبدعي تلك" الرسوم العبقرية " و الذي يقال أن السلطات قد أحبطت مؤامرة لاغتياله من قبل مسلمين ! بالأمس نشروا الرسوم دفاعا عن "حرية الرأي" و اليوم "دفاعا عن الرسام" و لا أدري بأية حجة سيعيدون نشرها مرة أخرى في المستقبل
و كما هو متوقع فقد جاء الرد الإسلامي و العربي الرسميين هذه المرة أيضا في منتهى الفتور و السلبية ! فلم نسمع عن أي استدعاء لسفراء أو أي تحرك لوزارات خارجية للتصدي لهذا التطاول البربري المتكرر على نبي الاسلام , و يبدو أن الدنمركيين بإصرارهم على الإساءة قد نجحوا في فرض سياسة الأمر الواقع على المسلمين (و الذين يبدو أنهم هذه المرة قد بخلوا حتى بمقاطعة ألبان و أجبان الدنمرك ..الذي هو أضعف الإيمان) , و لو كنا اجتهدنا في حقنا ربع اجتهادهم في باطلهم لفكروا ألف مرة قبل طعننا مرة أخرى ! و أتخيل كيف سيكون الوضع لو أن الاساءة كانت بحق أحد رموز الأنظمة السياسية الاسلامية أو العربية أو لسياساته الحكيمة (بدلا من رسول الله صلى الله عليه و سلم) ,هل كان النظام ليسكت و يحتسب و يدعو لحوار و نقاش ؟ و لماذا التخيل , لنترك الواقع يجيب على هذا السؤال , و لا أقصد هنا عشرات الحالات التي توترت فيها العلاقات بين دول عربية مع دول أخرى بسبب المس بهيبة النظام أو الرئيس أو الملك المفدى , لا , تلك أمثلة قديمة . ساكتفي فقط بما ورد في ما يسمى ب"وثيقة الشرف الاعلامي العربي" التي صدرت بعد اجتماع وزراء الاعلام العرب بالقاهرة مؤخرا و الرامية – كما يدعون - الى تنظيم عمل وسائل الاعلام و الفضائيات العربية!! فقد نص أحد بنود الوثيقة على ضرورة (احترام الدول وقادتها بالابتعاد عن "تناول قادتها أو الرموز الوطنية والدينية بالتجريح)..!!! بمعنى آخر - و بينما الدنمركيون يتفننون في الاساءة لنبي الاسلام – فإن الاولوية لدى الانظمة العربية هي لاسكات اي صوت اعلامي عربي يجروء على تناول القادة (بلا خيبة) و الرموز الوطنية و لو بالنقد ( فالنقد عند العرب تجريح) !!! و طبعا تمت اضافة مصطلح "الرموز الدينية" لذر الرماد على العيون و ليس من قوة إيمان الانظمة , و هل يتساوى – في ميزان مؤمن - رئيس أو ملك أو سلطان عربي في القدر مع (رسول الله صلى الله عليه و سلم ) ؟؟؟
و بما أن الشيء بالشيء يُذكر , فقد عادت بي الذاكرة الى ما حدث في النمسا قبل 8 سنوات عندما دخل "حزب الحرية" اليميني المتطرف في تحالف سياسي مع الحكومة النمساوية مما أثار غضب إسرائيل و الدول الغربية من حكومة النمسا ! و سر غضب الاوروبيين و الاسرائيليين لم يكن لأن الحكومة النمساوية وضعت يدها في يد حزب يميني متطرف , لا , السبب هو "تصريحات" أدلى بها "جورج هايدر" رئيس حزب الحرية و امتدح فيها سياسة التوظيف في المانيا النازية , بالإضافة الى ان الرجل لم يخف إعجابه بالزعيم النازي "هتلر" و المنجزات الصناعية التي حققتها المانيا في عهده , تلك كانت جريمة هايدر و حزبه ! فكيف عوقب هايدر على جريمته "الشنعاء" ؟ ماذا كان رد فعل إسرائيل و الدول الأوروبية إزاء ذلك ؟ هل دعوا هايدر للاعتذار عن تصريحاته , أو طلبوه و حزبه الى حوار "حضاري" من أجل "تقريب وجهات النظر " و الوصول الى "أرضية مشتركة " بين أطراف الخلاف ؟؟ أبدا ً و الله . بل قطعت إسرائيل علاقتها بالنمسا و استدعت سفيرها من هناك , و حذت كثير من الدول الأوروبية حذوها و قام الاتحاد الأوروبي بتجميد العلاقات الدبلوماسية مع النمسا , و تمت محاصرة النمسا دبلوماسيا و بدا لوهلة و كأن طائرات حلف الناتو على وشك أن تقصف ذلك البلد بسبب تصريحات هايدر الذي لم يشتم اليهود و لم يستهزء بأنبيائهم و لم يمتدح الهولوكوست أو ينكرها , كل ما في الأمر أن الرجل معجب بسياسات هتلر الاقتصادية !! و كانت النتيجة أن اضطر هايدر للاستقالة من الحزب و الابتعاد عن الحياة السياسية , للأبد !
القصة السابقة توضح كيف دافع الأوروبيون و الصهاينة عن "كرههم" لهتلر و للنازية بكل الوسائل المتاحة , بينما نحن المسلمون لا نعرف كيف ندافع عن "حبنا " للرسول صلى الله عليه و سلم ,و عن كرامتنا كمسلمين ! أليست تلك مفارقة عجيبة ؟ و هي توضح كذلك كيف أن التحرك الرسمي الجاد هو أنجع السبل في كبح جماح السفهاء و المتطاولين , فلقد كفت حكومة الصهاينة و الحكومات الاوروبية شعوبها مؤنة الرد , و لهذا السبب تجد الشعوب الإسلامية نفسها في كل مناسبة وحيدة في ساحة التصدي لطوفان السفالة و الحقارة الذي يأتينا من الغرب , و لأن هَبّة الشعوب دائما ما تأتي عفوية و مشوبة بعدم التنظيم و العشوائية تبدو الحشود المسلمة الغاضبة و كأنها حشود همجية انطلقت من عقال ! و ينصب النقد و التحليل لا على "شغف المتطاولين" بالنيل من عرض الاسلام دون أي مبرر , بل على "همجية المسلمين و حبهم للعنف" , و بهذا يكون المتطاولون (في الدنمارك و غيرها) قد أصابوا عصفورين بحجر واحد , فمن جهة يشفون غليلهم و حقدهم على الدين الإسلامي و نبيه الكريم (صلى الله عليه و سلم) , و من جهة أخرى يبرهنون على صحة دعاواهم العنصرية ب"همجية المسلمين" و يبررون تطاولهم بأنهم " كانوا يرمون الى الكشف عن تلك الهمجية للعالم المتحضر " !!
و تكون النتيجة أن ينبري بعض الإعتذاريين من المسلمين ليدعوا الى حوار بين الأديان و الثقافات في محاولة يائسة لنفي تهم الهمجية و العنف عن المسلمين (أو لاستثمار الحدث في أغراض شخصية مشبوهة ) !! و بدلا من ان ننتقم للإساءة الحاصلة (و التي هي أصل المشكلة) نجد أنفسنا في وضعية الدفاع و كأننا نحن من بدأ بالشر!! إنها الحلقة المفرغة التي لا زلنا ندور فيها بينما تتفرج أنظمتنا من بعيد , تراقب و تترصد لكل من تسول له نفسه شتم الزعيم أو تجريحه أو خدش حياءه بكلمة "أبيحة".
مما سبق يتضح لنا الآتي :
1. أن "الحوار" ليس مجرد وسيلة لإثبات حسن النوايا و نفي تهم الهمجية , بل هو "أداة" لتحقيق أهداف مادية ملموسة .
2. إذا فشل الحوار في تحقيق الأهداف المرجوة منه , فإن الاستمرار فيه دليل ضعف و مهانة , و هو مضيعة للوقت.
3. لكي يحقق الحوار أهدافه فلا بد من أن يسبقه تحرك قوي على الأرض بهدف خلق أزمة موازية للأزمة الأصلية , لإعطاء الطرف الآخر حافزا لطلب الحوار و لاحترام نتائجه لاحقا.
4. الهجوم على ثوابت الأمة و دينها بالسخرية و الإساءة ليس "أزمة" بل "إعلان حرب" , و لا يجدي معه التروي و الهدوء و الدعوة للحوار (و كأنه ازمة اقتصادية أو دبلوماسية) بل لا بد من الرد بقوة و حزم (خاصة على المستوى الرسمي) .
5. ليس بالضرورة أن ننتظر إلى أن نصبح "أمة قوية" قبل أن نهب للدفاع عن مقدساتنا ( كما يروج بعض "صناع الخنوع " من عشاق الفضائيات و فنادق 6 نجوم) , بل لدينا من الإمكانات ما يمكن استغلاله "الآن" في إيقاف أيا كان عند حده !
6. الأنظمة العربية و الإسلامية بسلبيتها و عدم اكتراثها بما حدث تعتبر شريكة لسفهاء الدنمارك في جريمتهم , و عليه فلا بد من أن تأخذ نصيبها من نقمة الشعوب , عن طريق العصيان المدني حتى يتم قطع العلاقات نهائيا مع دولة الدنمارك , و مع الاتحاد الأوروبي إن لزم الأمر .
و أخيرا , أتمنى أن لا يخرج علينا أحد العلماء أو المشايخ داعيا للحوار أو مطالبا حكومة الدنمارك بأن "تعتذر" عن إعادة نشر الرسوم , فلقد سئمنا هذه اللغة "الأنثوية " و التي لا تصدر إلا عن نفسية مهزومة , و لا يمكن لأتباع محمد (صلى الله عليه و سلم) الحقيقيين أن يكونوا مهزومين, و سوف يرى سفهاء أوروبا ذلك عن قريب, إن شاء الله
عمر الغريب
تعليق