كلكم راعي ومسؤول عن رعيته
من وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصية قالها بصفين "أما بعد فقد جعل الله لى عليكم حقا بولاية أمركم، ولكم على من الحق مثل الذى لى عليكم، فالحق أوسع الأشياء فى التواصف، وأضيقها فى التناصف لا يجرى لأحد إلا جرى عليه، ولا يجرى عليه إلا جرى له، ولو كان لأحد أن يجرى له ولا يجرى عليه لكان ذلك خالصا لله سبحانه دون خلقه لقدرته على عباده، ولعدله فى كل ما جرت عليه صروف قضائه، ولكنه جعل حقه على العباد أن يطيعوه، وجعل جزاءهم عليه مضاعفة الثواب تفضلا منه وتوسعا بما هو من المزيد أهله ثم جعل سبحانه من حقوقه حقوقا افترضها لبعض الناس على بعض فجعلها تتكافأ فى وجوهها، ويوجب بعضها بعضا، ولا يستوجب بعضها إلا ببعض، وأعظم ما افترض سبحانه من تلك الحقوق حق الوالى على الرعية وحق الرعية على الوالى فريضة فرضها سبحانه لكل على كل فجعلها نظاما لألفتهم وعزا لدينهم، فليست تصلح الرعية إلا بصلاح الولاّة، ولا تصلح الولاّة إلا باستقامة الرعية.
فإذا أدت الرعية إلى الوالى حقه، وأدى الوالى إليها حقها عز الحق بينهم وقامت مناهج الدين، واعتدلت معالم العدل وجرت على أذلالها السنن، فصلح بذلك الزمان، وطُمع فى بقاء الدولة ويئست مطامع الأعداء، وإذا غلبت الرعية واليها وأجحف الوالى برعيته، اختلفت هناك الكلمة وظهرت معالم الجور وكثر الإدغال فى الدين وتركت محاج السنن فعمل بالهوى، وعُطلت الأحكام، وكثرت علل النفوس فلا يستوحش لعظيم حقّ عطّل، ولا لعظيم باطل فُعل، فهنالك تذلّ الأبرار، وتعز الأشرار، وتعظم تبعات الله عند العباد فعليكم بالتناصح فى ذلك وحسن التعاون عليه، فليس أحد وإن اشتد على رضاء الله حرصه، وطال فى العمل اجتهاده، ببالغ حقيقة ما الله أهله من الطاعة، ولكن من واجب حقوق الله على العباد، النصيحة بمبلغ جهدهم، والتعاون على إقامة الحق بينهم، وليس امرئ وإن عظمت فى الحق منزلته، وتقدمت فى الدين فضيلته، بِفَوْق أن يعان على ما حمله الله من حقه، ولا امرئ وإن صغّرته النفوس واقتحمته العيون دون أن يعين على ذلك أو يعان عليه".
فأجابه عليه الصلاة والسلام رجل من أصحابه بكلام طويل يكثر فيه الثناء عليه ويذكر سمعه وطاعته فقال عليه السلام "إن من حق من عظم جلال الله فى نفسه وجل موضعه من قلبه أن يصغر عنده لعظم ذلك كل ما سواه، وإن أحق من كان كذلك لمن عظمت نعمة الله عليه ولطف إحسانه إليه فإنه لم تعظم نعمة الله على أحد إلا ازداد حق الله عليه عظما، وإن من أسخف حالات الولاة عند صالح الناس أن يُظن بهم حب الفخر ويوضع أمرهم على الكبر وقد كرهت أن يكون جال فى ظنكم أنى أحب الإطراء وإسماع الثناء، ولست بحمد الله كذلك، ولو كنت أحب أن يقال ذلك لتركته انحطاطا لله سبحانه عن تناول ما هو أحق به من العظمة والكبرياء.
إن الحق نقيض الباطل وجمعه حقوق وحقاق. وفى حديث التلبية "لبيك حقا حقا" أى غير باطل، قال أبو اسحق "الحق أمر النبى صلى الله عليه وسلم، وما أتى به من القرآن" والحق من أسماء الله تعالى، وقيل من صفاته. والحقوق عديدة ومتنوعة. وقد قيل الإسلام دين واجبات لأنه لو يقوم كل إنسان بواجباته لأخذ كل إنسان حقوقه فهناك حقوق بين الإنسان وأخيه الإنسان، وهناك حقوق بين الإنسان وبقية الكائنات وهناك حقوق بن الإنسان والله عز وجل. وإذا سارت الحقوق حسب ما شرعتها الشريعة الإلهية شمل الجميع العدل والصلاح، ولن يتحقق هذا إلا إذا شملت الاستقامة الرعية والراعي، ويشاع "عز الحق بينهم".
أما التواضع فهو من ميسرات انتصار الحق على الباطل وانعدام الكبرياء والتفاخر بالمغالاة فى الثناء والإطراء لأنها من الصفات الجالبة للغرور. وعلى الإنسان أن يعرف حقيقة نفسه فهو عبد مملوك لرب العالمين، وهو فقير لله عز وجل. فالتواضع يرفع من شأن الإنسان. قال عمر بن الخطاب "اجعلوا الناس عندكم فى الحق سواء، قريبهم كبعيدهم، وبعيدهم كقريبهم". وقال على بن أبى طالب "بين الحق والباطل مسافة أربعة أصابع، رأيت، سمعت، أى بين العين والأذن". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن التواضع لا يزيد العبد إلا رفعة، فتواضعوا يرفعكم الله". وقال يحيى ابن معاذ "التواضع حسن فى كل أحد لكنه فى الأغنياء أحسن، والتكبر سمج فى كل أحد لكنه فى الفقر أسمج". فالتواضع هو أن تقدر نفسك حق قدرها.
ويتحقق نظام الألفة بأداء الفرائض لعزة الدين، وصلاح الرعية بصلاح الولاة، وصلاح الولاة باستقامة الرعية. فإذا نال كل منهما حقه انتصر الحق ويئست مطامع الأعداء، والعكس بالعكس، فحذار من الخضوع للهوى الذى يجلب الذل، وتمسكوا بالتناصح، وحسن التعاون على إقامة الحق بين الجميع، قال تعالى "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" "المائدة آية 2".
فصلاح الرعية بصلاح الراعى ورباط وثيق بينهما، وتوفر الأمن والأمان ويوفران الثقة المتبادلة، وتحقق الطمأنينة والسكينة.
من وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصية قالها بصفين "أما بعد فقد جعل الله لى عليكم حقا بولاية أمركم، ولكم على من الحق مثل الذى لى عليكم، فالحق أوسع الأشياء فى التواصف، وأضيقها فى التناصف لا يجرى لأحد إلا جرى عليه، ولا يجرى عليه إلا جرى له، ولو كان لأحد أن يجرى له ولا يجرى عليه لكان ذلك خالصا لله سبحانه دون خلقه لقدرته على عباده، ولعدله فى كل ما جرت عليه صروف قضائه، ولكنه جعل حقه على العباد أن يطيعوه، وجعل جزاءهم عليه مضاعفة الثواب تفضلا منه وتوسعا بما هو من المزيد أهله ثم جعل سبحانه من حقوقه حقوقا افترضها لبعض الناس على بعض فجعلها تتكافأ فى وجوهها، ويوجب بعضها بعضا، ولا يستوجب بعضها إلا ببعض، وأعظم ما افترض سبحانه من تلك الحقوق حق الوالى على الرعية وحق الرعية على الوالى فريضة فرضها سبحانه لكل على كل فجعلها نظاما لألفتهم وعزا لدينهم، فليست تصلح الرعية إلا بصلاح الولاّة، ولا تصلح الولاّة إلا باستقامة الرعية.
فإذا أدت الرعية إلى الوالى حقه، وأدى الوالى إليها حقها عز الحق بينهم وقامت مناهج الدين، واعتدلت معالم العدل وجرت على أذلالها السنن، فصلح بذلك الزمان، وطُمع فى بقاء الدولة ويئست مطامع الأعداء، وإذا غلبت الرعية واليها وأجحف الوالى برعيته، اختلفت هناك الكلمة وظهرت معالم الجور وكثر الإدغال فى الدين وتركت محاج السنن فعمل بالهوى، وعُطلت الأحكام، وكثرت علل النفوس فلا يستوحش لعظيم حقّ عطّل، ولا لعظيم باطل فُعل، فهنالك تذلّ الأبرار، وتعز الأشرار، وتعظم تبعات الله عند العباد فعليكم بالتناصح فى ذلك وحسن التعاون عليه، فليس أحد وإن اشتد على رضاء الله حرصه، وطال فى العمل اجتهاده، ببالغ حقيقة ما الله أهله من الطاعة، ولكن من واجب حقوق الله على العباد، النصيحة بمبلغ جهدهم، والتعاون على إقامة الحق بينهم، وليس امرئ وإن عظمت فى الحق منزلته، وتقدمت فى الدين فضيلته، بِفَوْق أن يعان على ما حمله الله من حقه، ولا امرئ وإن صغّرته النفوس واقتحمته العيون دون أن يعين على ذلك أو يعان عليه".
فأجابه عليه الصلاة والسلام رجل من أصحابه بكلام طويل يكثر فيه الثناء عليه ويذكر سمعه وطاعته فقال عليه السلام "إن من حق من عظم جلال الله فى نفسه وجل موضعه من قلبه أن يصغر عنده لعظم ذلك كل ما سواه، وإن أحق من كان كذلك لمن عظمت نعمة الله عليه ولطف إحسانه إليه فإنه لم تعظم نعمة الله على أحد إلا ازداد حق الله عليه عظما، وإن من أسخف حالات الولاة عند صالح الناس أن يُظن بهم حب الفخر ويوضع أمرهم على الكبر وقد كرهت أن يكون جال فى ظنكم أنى أحب الإطراء وإسماع الثناء، ولست بحمد الله كذلك، ولو كنت أحب أن يقال ذلك لتركته انحطاطا لله سبحانه عن تناول ما هو أحق به من العظمة والكبرياء.
إن الحق نقيض الباطل وجمعه حقوق وحقاق. وفى حديث التلبية "لبيك حقا حقا" أى غير باطل، قال أبو اسحق "الحق أمر النبى صلى الله عليه وسلم، وما أتى به من القرآن" والحق من أسماء الله تعالى، وقيل من صفاته. والحقوق عديدة ومتنوعة. وقد قيل الإسلام دين واجبات لأنه لو يقوم كل إنسان بواجباته لأخذ كل إنسان حقوقه فهناك حقوق بين الإنسان وأخيه الإنسان، وهناك حقوق بين الإنسان وبقية الكائنات وهناك حقوق بن الإنسان والله عز وجل. وإذا سارت الحقوق حسب ما شرعتها الشريعة الإلهية شمل الجميع العدل والصلاح، ولن يتحقق هذا إلا إذا شملت الاستقامة الرعية والراعي، ويشاع "عز الحق بينهم".
أما التواضع فهو من ميسرات انتصار الحق على الباطل وانعدام الكبرياء والتفاخر بالمغالاة فى الثناء والإطراء لأنها من الصفات الجالبة للغرور. وعلى الإنسان أن يعرف حقيقة نفسه فهو عبد مملوك لرب العالمين، وهو فقير لله عز وجل. فالتواضع يرفع من شأن الإنسان. قال عمر بن الخطاب "اجعلوا الناس عندكم فى الحق سواء، قريبهم كبعيدهم، وبعيدهم كقريبهم". وقال على بن أبى طالب "بين الحق والباطل مسافة أربعة أصابع، رأيت، سمعت، أى بين العين والأذن". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن التواضع لا يزيد العبد إلا رفعة، فتواضعوا يرفعكم الله". وقال يحيى ابن معاذ "التواضع حسن فى كل أحد لكنه فى الأغنياء أحسن، والتكبر سمج فى كل أحد لكنه فى الفقر أسمج". فالتواضع هو أن تقدر نفسك حق قدرها.
ويتحقق نظام الألفة بأداء الفرائض لعزة الدين، وصلاح الرعية بصلاح الولاة، وصلاح الولاة باستقامة الرعية. فإذا نال كل منهما حقه انتصر الحق ويئست مطامع الأعداء، والعكس بالعكس، فحذار من الخضوع للهوى الذى يجلب الذل، وتمسكوا بالتناصح، وحسن التعاون على إقامة الحق بين الجميع، قال تعالى "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" "المائدة آية 2".
فصلاح الرعية بصلاح الراعى ورباط وثيق بينهما، وتوفر الأمن والأمان ويوفران الثقة المتبادلة، وتحقق الطمأنينة والسكينة.
من وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصية قالها بصفين "أما بعد فقد جعل الله لى عليكم حقا بولاية أمركم، ولكم على من الحق مثل الذى لى عليكم، فالحق أوسع الأشياء فى التواصف، وأضيقها فى التناصف لا يجرى لأحد إلا جرى عليه، ولا يجرى عليه إلا جرى له، ولو كان لأحد أن يجرى له ولا يجرى عليه لكان ذلك خالصا لله سبحانه دون خلقه لقدرته على عباده، ولعدله فى كل ما جرت عليه صروف قضائه، ولكنه جعل حقه على العباد أن يطيعوه، وجعل جزاءهم عليه مضاعفة الثواب تفضلا منه وتوسعا بما هو من المزيد أهله ثم جعل سبحانه من حقوقه حقوقا افترضها لبعض الناس على بعض فجعلها تتكافأ فى وجوهها، ويوجب بعضها بعضا، ولا يستوجب بعضها إلا ببعض، وأعظم ما افترض سبحانه من تلك الحقوق حق الوالى على الرعية وحق الرعية على الوالى فريضة فرضها سبحانه لكل على كل فجعلها نظاما لألفتهم وعزا لدينهم، فليست تصلح الرعية إلا بصلاح الولاّة، ولا تصلح الولاّة إلا باستقامة الرعية.
فإذا أدت الرعية إلى الوالى حقه، وأدى الوالى إليها حقها عز الحق بينهم وقامت مناهج الدين، واعتدلت معالم العدل وجرت على أذلالها السنن، فصلح بذلك الزمان، وطُمع فى بقاء الدولة ويئست مطامع الأعداء، وإذا غلبت الرعية واليها وأجحف الوالى برعيته، اختلفت هناك الكلمة وظهرت معالم الجور وكثر الإدغال فى الدين وتركت محاج السنن فعمل بالهوى، وعُطلت الأحكام، وكثرت علل النفوس فلا يستوحش لعظيم حقّ عطّل، ولا لعظيم باطل فُعل، فهنالك تذلّ الأبرار، وتعز الأشرار، وتعظم تبعات الله عند العباد فعليكم بالتناصح فى ذلك وحسن التعاون عليه، فليس أحد وإن اشتد على رضاء الله حرصه، وطال فى العمل اجتهاده، ببالغ حقيقة ما الله أهله من الطاعة، ولكن من واجب حقوق الله على العباد، النصيحة بمبلغ جهدهم، والتعاون على إقامة الحق بينهم، وليس امرئ وإن عظمت فى الحق منزلته، وتقدمت فى الدين فضيلته، بِفَوْق أن يعان على ما حمله الله من حقه، ولا امرئ وإن صغّرته النفوس واقتحمته العيون دون أن يعين على ذلك أو يعان عليه".
فأجابه عليه الصلاة والسلام رجل من أصحابه بكلام طويل يكثر فيه الثناء عليه ويذكر سمعه وطاعته فقال عليه السلام "إن من حق من عظم جلال الله فى نفسه وجل موضعه من قلبه أن يصغر عنده لعظم ذلك كل ما سواه، وإن أحق من كان كذلك لمن عظمت نعمة الله عليه ولطف إحسانه إليه فإنه لم تعظم نعمة الله على أحد إلا ازداد حق الله عليه عظما، وإن من أسخف حالات الولاة عند صالح الناس أن يُظن بهم حب الفخر ويوضع أمرهم على الكبر وقد كرهت أن يكون جال فى ظنكم أنى أحب الإطراء وإسماع الثناء، ولست بحمد الله كذلك، ولو كنت أحب أن يقال ذلك لتركته انحطاطا لله سبحانه عن تناول ما هو أحق به من العظمة والكبرياء.
إن الحق نقيض الباطل وجمعه حقوق وحقاق. وفى حديث التلبية "لبيك حقا حقا" أى غير باطل، قال أبو اسحق "الحق أمر النبى صلى الله عليه وسلم، وما أتى به من القرآن" والحق من أسماء الله تعالى، وقيل من صفاته. والحقوق عديدة ومتنوعة. وقد قيل الإسلام دين واجبات لأنه لو يقوم كل إنسان بواجباته لأخذ كل إنسان حقوقه فهناك حقوق بين الإنسان وأخيه الإنسان، وهناك حقوق بين الإنسان وبقية الكائنات وهناك حقوق بن الإنسان والله عز وجل. وإذا سارت الحقوق حسب ما شرعتها الشريعة الإلهية شمل الجميع العدل والصلاح، ولن يتحقق هذا إلا إذا شملت الاستقامة الرعية والراعي، ويشاع "عز الحق بينهم".
أما التواضع فهو من ميسرات انتصار الحق على الباطل وانعدام الكبرياء والتفاخر بالمغالاة فى الثناء والإطراء لأنها من الصفات الجالبة للغرور. وعلى الإنسان أن يعرف حقيقة نفسه فهو عبد مملوك لرب العالمين، وهو فقير لله عز وجل. فالتواضع يرفع من شأن الإنسان. قال عمر بن الخطاب "اجعلوا الناس عندكم فى الحق سواء، قريبهم كبعيدهم، وبعيدهم كقريبهم". وقال على بن أبى طالب "بين الحق والباطل مسافة أربعة أصابع، رأيت، سمعت، أى بين العين والأذن". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن التواضع لا يزيد العبد إلا رفعة، فتواضعوا يرفعكم الله". وقال يحيى ابن معاذ "التواضع حسن فى كل أحد لكنه فى الأغنياء أحسن، والتكبر سمج فى كل أحد لكنه فى الفقر أسمج". فالتواضع هو أن تقدر نفسك حق قدرها.
ويتحقق نظام الألفة بأداء الفرائض لعزة الدين، وصلاح الرعية بصلاح الولاة، وصلاح الولاة باستقامة الرعية. فإذا نال كل منهما حقه انتصر الحق ويئست مطامع الأعداء، والعكس بالعكس، فحذار من الخضوع للهوى الذى يجلب الذل، وتمسكوا بالتناصح، وحسن التعاون على إقامة الحق بين الجميع، قال تعالى "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" "المائدة آية 2".
فصلاح الرعية بصلاح الراعى ورباط وثيق بينهما، وتوفر الأمن والأمان ويوفران الثقة المتبادلة، وتحقق الطمأنينة والسكينة.
من وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصية قالها بصفين "أما بعد فقد جعل الله لى عليكم حقا بولاية أمركم، ولكم على من الحق مثل الذى لى عليكم، فالحق أوسع الأشياء فى التواصف، وأضيقها فى التناصف لا يجرى لأحد إلا جرى عليه، ولا يجرى عليه إلا جرى له، ولو كان لأحد أن يجرى له ولا يجرى عليه لكان ذلك خالصا لله سبحانه دون خلقه لقدرته على عباده، ولعدله فى كل ما جرت عليه صروف قضائه، ولكنه جعل حقه على العباد أن يطيعوه، وجعل جزاءهم عليه مضاعفة الثواب تفضلا منه وتوسعا بما هو من المزيد أهله ثم جعل سبحانه من حقوقه حقوقا افترضها لبعض الناس على بعض فجعلها تتكافأ فى وجوهها، ويوجب بعضها بعضا، ولا يستوجب بعضها إلا ببعض، وأعظم ما افترض سبحانه من تلك الحقوق حق الوالى على الرعية وحق الرعية على الوالى فريضة فرضها سبحانه لكل على كل فجعلها نظاما لألفتهم وعزا لدينهم، فليست تصلح الرعية إلا بصلاح الولاّة، ولا تصلح الولاّة إلا باستقامة الرعية.
فإذا أدت الرعية إلى الوالى حقه، وأدى الوالى إليها حقها عز الحق بينهم وقامت مناهج الدين، واعتدلت معالم العدل وجرت على أذلالها السنن، فصلح بذلك الزمان، وطُمع فى بقاء الدولة ويئست مطامع الأعداء، وإذا غلبت الرعية واليها وأجحف الوالى برعيته، اختلفت هناك الكلمة وظهرت معالم الجور وكثر الإدغال فى الدين وتركت محاج السنن فعمل بالهوى، وعُطلت الأحكام، وكثرت علل النفوس فلا يستوحش لعظيم حقّ عطّل، ولا لعظيم باطل فُعل، فهنالك تذلّ الأبرار، وتعز الأشرار، وتعظم تبعات الله عند العباد فعليكم بالتناصح فى ذلك وحسن التعاون عليه، فليس أحد وإن اشتد على رضاء الله حرصه، وطال فى العمل اجتهاده، ببالغ حقيقة ما الله أهله من الطاعة، ولكن من واجب حقوق الله على العباد، النصيحة بمبلغ جهدهم، والتعاون على إقامة الحق بينهم، وليس امرئ وإن عظمت فى الحق منزلته، وتقدمت فى الدين فضيلته، بِفَوْق أن يعان على ما حمله الله من حقه، ولا امرئ وإن صغّرته النفوس واقتحمته العيون دون أن يعين على ذلك أو يعان عليه".
فأجابه عليه الصلاة والسلام رجل من أصحابه بكلام طويل يكثر فيه الثناء عليه ويذكر سمعه وطاعته فقال عليه السلام "إن من حق من عظم جلال الله فى نفسه وجل موضعه من قلبه أن يصغر عنده لعظم ذلك كل ما سواه، وإن أحق من كان كذلك لمن عظمت نعمة الله عليه ولطف إحسانه إليه فإنه لم تعظم نعمة الله على أحد إلا ازداد حق الله عليه عظما، وإن من أسخف حالات الولاة عند صالح الناس أن يُظن بهم حب الفخر ويوضع أمرهم على الكبر وقد كرهت أن يكون جال فى ظنكم أنى أحب الإطراء وإسماع الثناء، ولست بحمد الله كذلك، ولو كنت أحب أن يقال ذلك لتركته انحطاطا لله سبحانه عن تناول ما هو أحق به من العظمة والكبرياء.
إن الحق نقيض الباطل وجمعه حقوق وحقاق. وفى حديث التلبية "لبيك حقا حقا" أى غير باطل، قال أبو اسحق "الحق أمر النبى صلى الله عليه وسلم، وما أتى به من القرآن" والحق من أسماء الله تعالى، وقيل من صفاته. والحقوق عديدة ومتنوعة. وقد قيل الإسلام دين واجبات لأنه لو يقوم كل إنسان بواجباته لأخذ كل إنسان حقوقه فهناك حقوق بين الإنسان وأخيه الإنسان، وهناك حقوق بين الإنسان وبقية الكائنات وهناك حقوق بن الإنسان والله عز وجل. وإذا سارت الحقوق حسب ما شرعتها الشريعة الإلهية شمل الجميع العدل والصلاح، ولن يتحقق هذا إلا إذا شملت الاستقامة الرعية والراعي، ويشاع "عز الحق بينهم".
أما التواضع فهو من ميسرات انتصار الحق على الباطل وانعدام الكبرياء والتفاخر بالمغالاة فى الثناء والإطراء لأنها من الصفات الجالبة للغرور. وعلى الإنسان أن يعرف حقيقة نفسه فهو عبد مملوك لرب العالمين، وهو فقير لله عز وجل. فالتواضع يرفع من شأن الإنسان. قال عمر بن الخطاب "اجعلوا الناس عندكم فى الحق سواء، قريبهم كبعيدهم، وبعيدهم كقريبهم". وقال على بن أبى طالب "بين الحق والباطل مسافة أربعة أصابع، رأيت، سمعت، أى بين العين والأذن". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن التواضع لا يزيد العبد إلا رفعة، فتواضعوا يرفعكم الله". وقال يحيى ابن معاذ "التواضع حسن فى كل أحد لكنه فى الأغنياء أحسن، والتكبر سمج فى كل أحد لكنه فى الفقر أسمج". فالتواضع هو أن تقدر نفسك حق قدرها.
ويتحقق نظام الألفة بأداء الفرائض لعزة الدين، وصلاح الرعية بصلاح الولاة، وصلاح الولاة باستقامة الرعية. فإذا نال كل منهما حقه انتصر الحق ويئست مطامع الأعداء، والعكس بالعكس، فحذار من الخضوع للهوى الذى يجلب الذل، وتمسكوا بالتناصح، وحسن التعاون على إقامة الحق بين الجميع، قال تعالى "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" "المائدة آية 2".
فصلاح الرعية بصلاح الراعى ورباط وثيق بينهما، وتوفر الأمن والأمان ويوفران الثقة المتبادلة، وتحقق الطمأنينة والسكينة.