{ 29 } ودَاع رمضان
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر : 18] .
أيها الصائمون :
إن شهركم المبارك قد قرب رحيله ودنا أفوله ، فاختموه بخير ختام واستغفروا ربكم من كل خلل وتقصير فيه .
قال الحسن البصري رحمه الله : "أكثِروا من الاستغفار فإنكم لا تدرون متى تنزل الرحمة" ، وقال لقمان لابنه : (يا بنيّ عوّد لسانك الاستغفار فإن لله ساعات لا يردّ فيهنّ سائلاً) ، وقد جمع الله تعالى بين التوحيد والاستغفار في قوله تعالى : ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ﴾ [محمد : 19] .
وفي بعض الآثار أن إبليس قال : أهلكتُ الناس بالذنوب وأهلكُوني بلا إله إلا الله والاستغفار . والاستغفار ختام الأعمال الصالحة كلها ، فتُختم به الصلاة والحج وقيام الليل ، ويُختم به المجالس ، فإن كانت ذِكراً كان كالطابع عليها ، وإن كانت لغواً كان كفارة لها ، فكذلك ينبغي أن يُختم صيام رمضان بالاستغفار .
أيها الإخوة :
إن المؤمن لَيحزن على انقضاء شهر كريم جلّ كرمه ، عاش نوره وفرحته ، وذاق طعمه وحلاوته ، شهر فاض بالرحمات والبركات وحظي بالحسنات والمسرّات ، ما أحلى تلاوة القرآن فيه ، وما أجلّ الصدقة في أيامه ، يبكي الصالحون لفراقه ، ويأسَى القانتون لانقضائه ، ويحزن المستغفرون لرحيله .
فللّهِ أيامٌ تقضَّت حميدة
بقربك واللذات في المنزل الرحبِ
وإذ أنت في عيني ألذ من الكرى
وأشهى إلى قلبي من البارد العذبِ
فلهفي على ذاك الزمان الذي غدَت
عليه دموع العين دائمة السّكبِ
إن تلكم الأيام المعدودات من نفائس أيام المؤمنين ، جرَت فيها أحاسيس حيّة ومشاعر صادقة ، أثمرتها معالي الهمم ومسابقة النفوس الدائبة ، فلا عجب أن تستهل العبرات وتشتد الحسرات ، أسفاً على فوات خير عظيم وسعادة صافية راضية ، ما أجمل نهاره المنير بالذكر والتلاوة والمعروف ، وما أطيب لياليه العامرة بالقيام وحداء الصالحين وأنين التائبين .
حقاً إنها أيام غالية مباركة ، طابت لها النفوس وانشرحَت لها الصدور والأرواح ، فكيف لا يكون بعد فراقها أسف وحزن وتوجع؟! .
تذكّرت أياماً مضت وليالياً
خلَت فجرَت من ذكرهنَّ دموعُ
ألاَ هل لها يوماً من الدّهر عودة
هل إلى وقت الوصال رجوعُ
وهل بعد إعراض الحبيب تواصلٌ
وهل لبدورٍ قد أفلنَ طلوعُ
كان للطاعات فيه منافع وآثار في النفوس ، أغنَت عن لذائذ الطعام وزينة الحياة ومكاسب الأموال ، وربّ صلاة صادقة أو قراءة خاشعة أعقبت سروراً مضيئاً امتزج بالدم والعصب لا يضاهيه طيب المآكِل ولا أفراح الحياة وملاذّها ومفاخرها ، لأنها لا تدوم ، وإن دامت لم تخَلُ من تنغيص ، وإذا انقضَت أورثَت غموماً وأحزاناً وشدائد قاسيات .
فالحياة الحقيقية والسعادة الدائمة والعزة الشامخة إنما هي في طاعة الله تعالى وعبادته ، عبادة سائقها الإخلاص وحاكمها التذلّل ونهجها الإتّباع .
قال تعالى : ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل : 97] .
وقال تعالى : ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً ﴾ [النساء : 125] .
وليعلم الإخوة الصائمون أن الطاعات والمسارعة فيها ليست مقصورة على رمضان ومواسم الخير فحسب ، بل عامة لجميع حياة العبد ، وإنما كانت تلك منحاً إلهيّة ، وهبات ربانية ، منَّ الله تعالى بها على عباده ليستكثروا فيها من الخيرات ، وليتداركوا فيها بعض ما فاتهم وحصل التقصير فيه .
وإنه لمن الجهل بمكان أن يجتهد بعض الناس في رمضان ، فيُرى طائعاً صالحاً مبادراً إلى الطاعات ، ثم إذا انقضى رمضان شوهدَ مقصِّراً مفرِّطاً ، كدأبه قبل رمضان ، فهذا لا ريب أنه غاشُّ لنفسه وماحٍٍ لحسناته وخيراته .
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر : 18] .
أيها الصائمون :
إن شهركم المبارك قد قرب رحيله ودنا أفوله ، فاختموه بخير ختام واستغفروا ربكم من كل خلل وتقصير فيه .
قال الحسن البصري رحمه الله : "أكثِروا من الاستغفار فإنكم لا تدرون متى تنزل الرحمة" ، وقال لقمان لابنه : (يا بنيّ عوّد لسانك الاستغفار فإن لله ساعات لا يردّ فيهنّ سائلاً) ، وقد جمع الله تعالى بين التوحيد والاستغفار في قوله تعالى : ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ﴾ [محمد : 19] .
وفي بعض الآثار أن إبليس قال : أهلكتُ الناس بالذنوب وأهلكُوني بلا إله إلا الله والاستغفار . والاستغفار ختام الأعمال الصالحة كلها ، فتُختم به الصلاة والحج وقيام الليل ، ويُختم به المجالس ، فإن كانت ذِكراً كان كالطابع عليها ، وإن كانت لغواً كان كفارة لها ، فكذلك ينبغي أن يُختم صيام رمضان بالاستغفار .
أيها الإخوة :
إن المؤمن لَيحزن على انقضاء شهر كريم جلّ كرمه ، عاش نوره وفرحته ، وذاق طعمه وحلاوته ، شهر فاض بالرحمات والبركات وحظي بالحسنات والمسرّات ، ما أحلى تلاوة القرآن فيه ، وما أجلّ الصدقة في أيامه ، يبكي الصالحون لفراقه ، ويأسَى القانتون لانقضائه ، ويحزن المستغفرون لرحيله .
فللّهِ أيامٌ تقضَّت حميدة
بقربك واللذات في المنزل الرحبِ
وإذ أنت في عيني ألذ من الكرى
وأشهى إلى قلبي من البارد العذبِ
فلهفي على ذاك الزمان الذي غدَت
عليه دموع العين دائمة السّكبِ
إن تلكم الأيام المعدودات من نفائس أيام المؤمنين ، جرَت فيها أحاسيس حيّة ومشاعر صادقة ، أثمرتها معالي الهمم ومسابقة النفوس الدائبة ، فلا عجب أن تستهل العبرات وتشتد الحسرات ، أسفاً على فوات خير عظيم وسعادة صافية راضية ، ما أجمل نهاره المنير بالذكر والتلاوة والمعروف ، وما أطيب لياليه العامرة بالقيام وحداء الصالحين وأنين التائبين .
حقاً إنها أيام غالية مباركة ، طابت لها النفوس وانشرحَت لها الصدور والأرواح ، فكيف لا يكون بعد فراقها أسف وحزن وتوجع؟! .
تذكّرت أياماً مضت وليالياً
خلَت فجرَت من ذكرهنَّ دموعُ
ألاَ هل لها يوماً من الدّهر عودة
هل إلى وقت الوصال رجوعُ
وهل بعد إعراض الحبيب تواصلٌ
وهل لبدورٍ قد أفلنَ طلوعُ
كان للطاعات فيه منافع وآثار في النفوس ، أغنَت عن لذائذ الطعام وزينة الحياة ومكاسب الأموال ، وربّ صلاة صادقة أو قراءة خاشعة أعقبت سروراً مضيئاً امتزج بالدم والعصب لا يضاهيه طيب المآكِل ولا أفراح الحياة وملاذّها ومفاخرها ، لأنها لا تدوم ، وإن دامت لم تخَلُ من تنغيص ، وإذا انقضَت أورثَت غموماً وأحزاناً وشدائد قاسيات .
فالحياة الحقيقية والسعادة الدائمة والعزة الشامخة إنما هي في طاعة الله تعالى وعبادته ، عبادة سائقها الإخلاص وحاكمها التذلّل ونهجها الإتّباع .
قال تعالى : ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل : 97] .
وقال تعالى : ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً ﴾ [النساء : 125] .
وليعلم الإخوة الصائمون أن الطاعات والمسارعة فيها ليست مقصورة على رمضان ومواسم الخير فحسب ، بل عامة لجميع حياة العبد ، وإنما كانت تلك منحاً إلهيّة ، وهبات ربانية ، منَّ الله تعالى بها على عباده ليستكثروا فيها من الخيرات ، وليتداركوا فيها بعض ما فاتهم وحصل التقصير فيه .
وإنه لمن الجهل بمكان أن يجتهد بعض الناس في رمضان ، فيُرى طائعاً صالحاً مبادراً إلى الطاعات ، ثم إذا انقضى رمضان شوهدَ مقصِّراً مفرِّطاً ، كدأبه قبل رمضان ، فهذا لا ريب أنه غاشُّ لنفسه وماحٍٍ لحسناته وخيراته .
تعليق