بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده، و بعد:
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته/ أيها الإخوة و الأخوات.
فهذا تتمة الموضوع
لقد ميز الله القرآن الكريم على غيره من الكتب السماوية السابقة بجملة من الخصائص و المزايا لا تجتمع لكتاب غيره. و أهم هذه المزايا:
الميزة الأولى: الإبانة و التفسير:
قال سبحانه و تعالى: [كتب مبين]. (سورة المائدة/ آية رقم 15).
و قال جل ذكره: [بل هو آيات بينت]. (سورة العنكبوت/ آية رقم 49).
و من هنا سماه الله نورا لشدة بيانه و وضوحه: [قد جائكم من الله نور و كتاب مبين]. (سورة المائدة/ آية رقم/15).
و قال جل ذكره أيضا: [و أنزلنا إليكم نورا مبينا]. (سورة النساء/ آية رقم 174).
و سماه الله هدى فرقانا، لأنه يهدي للتي هي أقوم، و يفرق بين الحق و الباطل:
قال جل ذكره: [تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا]. (سورة الفرقان/ آية رقم 1).
و قال جل ذكره: [شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس و بينت من الهدى و الفرقان]. (سورة البقرة/ آية رقم185).
و لم تعرف الدنيا كتابا يتلوه الخاص و العام، ويستمع إليه المثقف و الأمي، فيفهم كل امرئ منه، و يغترف من بحره على قدر ما يتسع له فهمه، غير القرآن الكريم الذي يسره الله للذكر، فقال تعالى: [و لقد يسرنا القرءان للذكر فهل من مدكر]. (سورة القمر/ آية رقم 17).
و سأذكر المزايا الأخرى في حلقات قادمة –إن شاء الله- إلى ذلك الحين أستودعكم الله.
الميزة الثانية: الشمول و الإحاطة:
أ)- فقد اشتمل القرآن الكريم على بيان العقائد السليمة التي صحح بها أفكار الناس عن الله و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر، و أعلن حملته على الأوهام و الأباطيل التي نشرتها الوثنية المضللة، و اليهودية المحرفة، و النصرانية المبدلة، و الرافضة المبدعة؛ و غيرها من الديانات و النحل التي أضلت الناس عن عبادة الإله الواحد الأحد‘ إلى عبادة أشياء و أسماء ما أنزل الله بها من سلطان، و فتنتهم بوسطاء و شفعاء يشفعون لهم عند الله، فجرأتهم على ارتكاب الموبقات، و ضاعت فكرة العدل في جزاء الآخرة و حسابها.
ب)- و اشتمل القرآن على بيان العبادات التي تصل المرء بربه، و تعمل على حياة قلبه، تذكره كلما نسي، و تقويه كلما ضعف، كالصلاة التي تنهى المسلم عن الفحشاء و المنكر؛ و كالزكاة التي تطهر النفوس من الشح، و تزكيها بالبذل، و كالصيام الذي يعلم الصبر، و يقوي الإرادة و يذكر بالنعمة، و يدرب الإنسان على كمال العبودية لله تعالى؛ و كالحج الذي يدفع المرء لترك وطنه، و فراق أهله شوقا إلى بيت الله، و حرم الله، و حرم رسوله –صلى الله عليه وسلم- و يوثق روابط المسلمين؛ و كذكر الله تعالى و دعائه، واستغفارهن و التفكير في ملكوت الله، و ما خلق من شيء في الأرض و لا في السماء.
ج)- و اشتمل القرآن على بيان الآداب و الأخلاق التي يجب أن تتميز بها الشخصية المسلمة، من إعراض عن اللغو، ورعاية للأمانة و العهد، و غض للبصر، و حفظ للفرج، و رعاية لحدود الله و حقوق الناس؛ حتى إنه ليرسم لهم أدب المشي إذا مشوا، و أدب الحديث إذا تحدثوا، و أدب الزيارة إذا زار بعضهم بعضا، و أدب المعاشرة إذا تعاشروا، اقرأ هذه الآيات من سور القرآن الكريم المتعددة:
1)- [و عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا و إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلما]. (سورة الفرقان/ آية رقم 63).
2)- [و لا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض و لن تبلغ الجبال طولا]. (سورة الإسراء/ آية رقم37).
3)- [واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير]. (سورة لقمان/آية رقم19).
4)- [يا أيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا و تسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون]. (سورة النور/ آية رقم 27).
5) [و لا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك و لا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا]. (سورة الإسراء/آية رقم29).
6)- [يا أيها الذين ءامنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم و لا نساء من عسى أن يكن خيرا منهن و لا تلمزوا أنفسكم و لا تنابزوا بالألقاب بئس الإسم الفسوق بعد الأيمان]. (سورة الحجرات/ آية رقم 11).
د) واشتمل القرآن كذلك على أصول القوانين و تنظيم العلاقات بين الإنسان و أسرته، و بين أبناء المجتمع بعضهم بعضا. و بين الأمة و غيرها من الأمم.
و حسبك أن تقرأ في أسس العلاقات الزوجية قوله تعالى: [و لهن مثل الذي عليهن بالمعروف و للرجال عليهن درجة]. (سورة البقرة/ آية رقم 227).
و في أسس العلاقة بين الأغنياء و الفقراء، قوله تعالى:
1)- [و الذين في أموالهم حق معلوم . للسائل و المحروم]. (سورة المعارج / آية رقم 24و25).
2)- [خذ من أموالهم صدقة تطهرهم بها و تزكيهم بها]. (سورة التوبة/ آية رقم 103).
و في أسس العلاقة بين الحاكم و المحكوم، قوله تعالى:
[إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمـنـت إلى أهلها و إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا . يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولى الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله و الرسول]. (سورة النساء/ آية رقم 58 و59).
و في أسس العلاقات الدولية، قال الله تعالى:
1)- [و قاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم و لا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين]. (سورة البقرة/ آية رقم 190).
2)- [و إن جنحوا للسلم فاجنح لها و توكل على الله إنه هو السميع العليمي. (سورة الأنفال/ آية رقم 61).
3)- [إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا و لم يظهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين]. (سورة التوبة/ آية رقم 4).
هـ) اشتمل القرآن الكريم كذلك على القوارع الزاجرة، و الرقائق المشوقة، و المواعظ المؤثرة؛ التي تلين بها القلوب القاسية، و تنبه العقول الغافلة، وترد الأنظار الشاردة، و تزكي الأنفس الداكنة؛ بما تبثه من بيان للحق، وترغيب في الخير، و تفنيد للباطل، و ترهيب من الشر.
و لهذا حفل القرآن الكريم بآيات الوعد و الوعيد، و الترغيب و الترهيب، كما حفل بالتذكير يآيات الله في الأنفس و الآفاق. كما عني بقصص السابقين، و أخبار الأولين ليرى الناس فيها بأعين قلوبهم. مصارع الجبارين، و نهاية المكذبين، و عاقبة المتقين، و يتبين منها سنن الله في بناء المم و زوالها، و قيام الدول و سقوطها، و على هذا تنتبه الفصائل الجهادية الفلسطينية، و صدق الله العظيم حين قال: [فهل ينظرون إلا سنة الأولين فلن تجد لسنت الله تبديلا و لن تجد لسنة الله تحويلا]. (سورة فاطر/ آية رقم43).
الميزة الثالثة: الخلود و الحفظ:
فقد وعد الله تعالى –و وعده الحق- أن يتولى بنفسه حفظ هذا الكتاب، فقال سبحانه: [إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون]. (سورة الحجرات/ آية رقم 9).
و كان وعد الله مفعولا، فمرت القرون و العصور و هذا الكتاب –كما أنوله الله- محفوظا من الضياع و النقصان و التغيير و التبديل، لم يضع منه سطر، و لم تنقص منه عبارة و لا حرف، و لم تبدل فيه كلمة و لا لفظ، بل بقي هذا الكتاب يتلى كما كان يتلى في عصر الرسالة بغنة و مده، و يكتب كما كان يكتب في عهد عثمان –رضي الله عنه- و عن الصحابة أجمعين- و بطريقة رسمه الموروثة، و صدق الله العظيم: [و إنه لكتـب عزيز . لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد]. (سورة فصلت/ آية رقم 41 و 42).
و إن علماء المسلمين لهم موقف متشدد في من زعم بأن القرآن زيد فيه أو انقص لا يتسامحون فيه مع أحد أبدا، قال- القاضي أبو يعلى الفراء- (القرآن ما غير و لا بدل و لا نقص منه و لا زيد فيه خلافا للرافضة القائلين أن القرآن غير و بدل و خولف بين نظمه و ترتيبه). و قال –ابن حزم-: (و أما قولهم في دعوى الروافض في تبديل القرآن فليسوا من مسلمين). و قال أيضا: (القول بأن بين اللوحين تبديل كفر صريح و تكذيب للرسول –صلى الله عليه و سلم-). و قال شيخ الإسلام –ابن تيمية- رحمه الله-: (الحكم بكفر من زعم منهم أن القرآن نقص منه آيات و كتمت) و قال –ابن قدامة –رحمه الله-: (و لا خلاف بين المسلمين في أن من جحد من القرآن سورة أو آية أو كلمة أو حرفا متفق عليه أنه كافر). و قال أبو عثمان الحداد- : (جميع من ينتحل التوحيد متفقون على أن الجحد لحرف من التنزيل كفر). و قال –عبد القاهر البغدادي- : (و أكفر أهل السنة من زعم من الرافضة أنه لا حجة اليوم في القرآن و السنة بدعوى أن الصحابة غيروا بعض القرآن و حرفوه).
و لم يعد الله بحفظ الكتب السماوية السابقة، و وكل حفظها إلى أهلها، لأنها كانت موقوتة بزمن معين، و ينتهي العمل بها، إذا جاء كتاب آخر بشريعة لاحقة، تنسخ السابقة، حين أنزل الله (القرآن الكريم) الكتاب المهيمن على كل الكتب، و الذي لا كتاب بعده.
الميزة الرابعة: الإعجاز:
و هذه ميزة أخرى من مزايا هذا الكتاب الخالد، تلك هي ميزة "الإعجاز"، و الإعجاز خصوصية في هذا الكلام الإلهي، تجعله يعلوا على كل كلام آخر في بلاغته و تأثيره و هدايته، يعجز الخلق منفردين ومجتمعين عن معارضته و الإتيان بمثله، و هذا العجز الفردي و الجماعي دليل على أنه ليس من عند محمد الأمي –صلى الله عليه و سلم-، بل من عند رب محمد –صلى الله عليه و سلم- الذي أيده به، و جعله معجزته الباقية على الدهور. لذا يقول بعض العلماء بأم معجزة محمد فقط هي القرآن، لأن من شروط المعجزة أن يتحدى بها، و الرسول –صلى الله عليه و سلم لم يتحدى أحدا إلا بالقرآن الكريم، و أما غير ذلك فهي كراماته و خصوصيات له.
لقد كان لكم للرسل السابقين آيات و معجزات أيدهم الله بها، وصدقهم في النبوة بإظهارها على أيديهم، كقلب العصا حية، و إبراء الأكمه و الأبرص، و لكنها كانت خوارق و معجزات حسية كونية، تنتهي بمجرد وقوعها و حصولها، و لا يصدقها إلا من شهدوها، أو وثقوا بصدق من أخبروا عنها أنهم شهدوها.
أما الآخرون، من بعد مكانهم عن شهود الخارقة، أو تأخر زمانهم من الأجيال اللاحقة، فيستطيعون أن يشكوا في حصولها، و أن يقولوا مجادلين: تلك خوارق لم نرها بأعيننا فلا تكون حجة علينا؛ فلما بعث الله خاتم النبيين بالرسالة الأخيرة للبشر "الرسالة العامة الخالدة" كان من الحكمة أن يخصه بمعجزة ملائمة برسالة الدوام و الخلود و الشمول، و كانت هذه المعجزة الباقية هي القرآن.
فالقرآن الكريم هو آية الله الكبرى على نبوة محمد –صلى الله عليه و سلم- و صدق رسالته، به تحدى أمة العرب –وهم أئمة البلاغة و فرسان البيان- أن يأتوا بحديث مثله، أو بعشر سور مثله، أو بسورة من مثله، فعجزوا وانقطعوا مع حرصهم على تكذيبه. و بذلهم الأرواح و الأموال في محاربته و مع عنف التحدي واستمراره بمثل ما تحداهم الله به في قوله تعال: [و إن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهدائكم من دون الله إن كنتم صادقين . فإن لم تفعلوا و لن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين]. (سورة البقرة/ آية رقم 23و 24).
و من هذا التحدي المثير المتكرر غلب القوم، و رغمت أنوفهم، و حقت عليهم كلمة الله: [قل لإن اجتمعت الإنس و الجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن على أن يأتوا بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهير]. (سورة الإسراء/ آية رقم 88).
و صل اللهم على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم .
الحمد لله و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده، و بعد:
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته/ أيها الإخوة و الأخوات.
فهذا تتمة الموضوع
لقد ميز الله القرآن الكريم على غيره من الكتب السماوية السابقة بجملة من الخصائص و المزايا لا تجتمع لكتاب غيره. و أهم هذه المزايا:
الميزة الأولى: الإبانة و التفسير:
قال سبحانه و تعالى: [كتب مبين]. (سورة المائدة/ آية رقم 15).
و قال جل ذكره: [بل هو آيات بينت]. (سورة العنكبوت/ آية رقم 49).
و من هنا سماه الله نورا لشدة بيانه و وضوحه: [قد جائكم من الله نور و كتاب مبين]. (سورة المائدة/ آية رقم/15).
و قال جل ذكره أيضا: [و أنزلنا إليكم نورا مبينا]. (سورة النساء/ آية رقم 174).
و سماه الله هدى فرقانا، لأنه يهدي للتي هي أقوم، و يفرق بين الحق و الباطل:
قال جل ذكره: [تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا]. (سورة الفرقان/ آية رقم 1).
و قال جل ذكره: [شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس و بينت من الهدى و الفرقان]. (سورة البقرة/ آية رقم185).
و لم تعرف الدنيا كتابا يتلوه الخاص و العام، ويستمع إليه المثقف و الأمي، فيفهم كل امرئ منه، و يغترف من بحره على قدر ما يتسع له فهمه، غير القرآن الكريم الذي يسره الله للذكر، فقال تعالى: [و لقد يسرنا القرءان للذكر فهل من مدكر]. (سورة القمر/ آية رقم 17).
و سأذكر المزايا الأخرى في حلقات قادمة –إن شاء الله- إلى ذلك الحين أستودعكم الله.
الميزة الثانية: الشمول و الإحاطة:
أ)- فقد اشتمل القرآن الكريم على بيان العقائد السليمة التي صحح بها أفكار الناس عن الله و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر، و أعلن حملته على الأوهام و الأباطيل التي نشرتها الوثنية المضللة، و اليهودية المحرفة، و النصرانية المبدلة، و الرافضة المبدعة؛ و غيرها من الديانات و النحل التي أضلت الناس عن عبادة الإله الواحد الأحد‘ إلى عبادة أشياء و أسماء ما أنزل الله بها من سلطان، و فتنتهم بوسطاء و شفعاء يشفعون لهم عند الله، فجرأتهم على ارتكاب الموبقات، و ضاعت فكرة العدل في جزاء الآخرة و حسابها.
ب)- و اشتمل القرآن على بيان العبادات التي تصل المرء بربه، و تعمل على حياة قلبه، تذكره كلما نسي، و تقويه كلما ضعف، كالصلاة التي تنهى المسلم عن الفحشاء و المنكر؛ و كالزكاة التي تطهر النفوس من الشح، و تزكيها بالبذل، و كالصيام الذي يعلم الصبر، و يقوي الإرادة و يذكر بالنعمة، و يدرب الإنسان على كمال العبودية لله تعالى؛ و كالحج الذي يدفع المرء لترك وطنه، و فراق أهله شوقا إلى بيت الله، و حرم الله، و حرم رسوله –صلى الله عليه وسلم- و يوثق روابط المسلمين؛ و كذكر الله تعالى و دعائه، واستغفارهن و التفكير في ملكوت الله، و ما خلق من شيء في الأرض و لا في السماء.
ج)- و اشتمل القرآن على بيان الآداب و الأخلاق التي يجب أن تتميز بها الشخصية المسلمة، من إعراض عن اللغو، ورعاية للأمانة و العهد، و غض للبصر، و حفظ للفرج، و رعاية لحدود الله و حقوق الناس؛ حتى إنه ليرسم لهم أدب المشي إذا مشوا، و أدب الحديث إذا تحدثوا، و أدب الزيارة إذا زار بعضهم بعضا، و أدب المعاشرة إذا تعاشروا، اقرأ هذه الآيات من سور القرآن الكريم المتعددة:
1)- [و عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا و إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلما]. (سورة الفرقان/ آية رقم 63).
2)- [و لا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض و لن تبلغ الجبال طولا]. (سورة الإسراء/ آية رقم37).
3)- [واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير]. (سورة لقمان/آية رقم19).
4)- [يا أيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا و تسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون]. (سورة النور/ آية رقم 27).
5) [و لا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك و لا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا]. (سورة الإسراء/آية رقم29).
6)- [يا أيها الذين ءامنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم و لا نساء من عسى أن يكن خيرا منهن و لا تلمزوا أنفسكم و لا تنابزوا بالألقاب بئس الإسم الفسوق بعد الأيمان]. (سورة الحجرات/ آية رقم 11).
د) واشتمل القرآن كذلك على أصول القوانين و تنظيم العلاقات بين الإنسان و أسرته، و بين أبناء المجتمع بعضهم بعضا. و بين الأمة و غيرها من الأمم.
و حسبك أن تقرأ في أسس العلاقات الزوجية قوله تعالى: [و لهن مثل الذي عليهن بالمعروف و للرجال عليهن درجة]. (سورة البقرة/ آية رقم 227).
و في أسس العلاقة بين الأغنياء و الفقراء، قوله تعالى:
1)- [و الذين في أموالهم حق معلوم . للسائل و المحروم]. (سورة المعارج / آية رقم 24و25).
2)- [خذ من أموالهم صدقة تطهرهم بها و تزكيهم بها]. (سورة التوبة/ آية رقم 103).
و في أسس العلاقة بين الحاكم و المحكوم، قوله تعالى:
[إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمـنـت إلى أهلها و إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا . يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولى الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله و الرسول]. (سورة النساء/ آية رقم 58 و59).
و في أسس العلاقات الدولية، قال الله تعالى:
1)- [و قاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم و لا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين]. (سورة البقرة/ آية رقم 190).
2)- [و إن جنحوا للسلم فاجنح لها و توكل على الله إنه هو السميع العليمي. (سورة الأنفال/ آية رقم 61).
3)- [إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا و لم يظهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين]. (سورة التوبة/ آية رقم 4).
هـ) اشتمل القرآن الكريم كذلك على القوارع الزاجرة، و الرقائق المشوقة، و المواعظ المؤثرة؛ التي تلين بها القلوب القاسية، و تنبه العقول الغافلة، وترد الأنظار الشاردة، و تزكي الأنفس الداكنة؛ بما تبثه من بيان للحق، وترغيب في الخير، و تفنيد للباطل، و ترهيب من الشر.
و لهذا حفل القرآن الكريم بآيات الوعد و الوعيد، و الترغيب و الترهيب، كما حفل بالتذكير يآيات الله في الأنفس و الآفاق. كما عني بقصص السابقين، و أخبار الأولين ليرى الناس فيها بأعين قلوبهم. مصارع الجبارين، و نهاية المكذبين، و عاقبة المتقين، و يتبين منها سنن الله في بناء المم و زوالها، و قيام الدول و سقوطها، و على هذا تنتبه الفصائل الجهادية الفلسطينية، و صدق الله العظيم حين قال: [فهل ينظرون إلا سنة الأولين فلن تجد لسنت الله تبديلا و لن تجد لسنة الله تحويلا]. (سورة فاطر/ آية رقم43).
الميزة الثالثة: الخلود و الحفظ:
فقد وعد الله تعالى –و وعده الحق- أن يتولى بنفسه حفظ هذا الكتاب، فقال سبحانه: [إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون]. (سورة الحجرات/ آية رقم 9).
و كان وعد الله مفعولا، فمرت القرون و العصور و هذا الكتاب –كما أنوله الله- محفوظا من الضياع و النقصان و التغيير و التبديل، لم يضع منه سطر، و لم تنقص منه عبارة و لا حرف، و لم تبدل فيه كلمة و لا لفظ، بل بقي هذا الكتاب يتلى كما كان يتلى في عصر الرسالة بغنة و مده، و يكتب كما كان يكتب في عهد عثمان –رضي الله عنه- و عن الصحابة أجمعين- و بطريقة رسمه الموروثة، و صدق الله العظيم: [و إنه لكتـب عزيز . لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد]. (سورة فصلت/ آية رقم 41 و 42).
و إن علماء المسلمين لهم موقف متشدد في من زعم بأن القرآن زيد فيه أو انقص لا يتسامحون فيه مع أحد أبدا، قال- القاضي أبو يعلى الفراء- (القرآن ما غير و لا بدل و لا نقص منه و لا زيد فيه خلافا للرافضة القائلين أن القرآن غير و بدل و خولف بين نظمه و ترتيبه). و قال –ابن حزم-: (و أما قولهم في دعوى الروافض في تبديل القرآن فليسوا من مسلمين). و قال أيضا: (القول بأن بين اللوحين تبديل كفر صريح و تكذيب للرسول –صلى الله عليه و سلم-). و قال شيخ الإسلام –ابن تيمية- رحمه الله-: (الحكم بكفر من زعم منهم أن القرآن نقص منه آيات و كتمت) و قال –ابن قدامة –رحمه الله-: (و لا خلاف بين المسلمين في أن من جحد من القرآن سورة أو آية أو كلمة أو حرفا متفق عليه أنه كافر). و قال أبو عثمان الحداد- : (جميع من ينتحل التوحيد متفقون على أن الجحد لحرف من التنزيل كفر). و قال –عبد القاهر البغدادي- : (و أكفر أهل السنة من زعم من الرافضة أنه لا حجة اليوم في القرآن و السنة بدعوى أن الصحابة غيروا بعض القرآن و حرفوه).
و لم يعد الله بحفظ الكتب السماوية السابقة، و وكل حفظها إلى أهلها، لأنها كانت موقوتة بزمن معين، و ينتهي العمل بها، إذا جاء كتاب آخر بشريعة لاحقة، تنسخ السابقة، حين أنزل الله (القرآن الكريم) الكتاب المهيمن على كل الكتب، و الذي لا كتاب بعده.
الميزة الرابعة: الإعجاز:
و هذه ميزة أخرى من مزايا هذا الكتاب الخالد، تلك هي ميزة "الإعجاز"، و الإعجاز خصوصية في هذا الكلام الإلهي، تجعله يعلوا على كل كلام آخر في بلاغته و تأثيره و هدايته، يعجز الخلق منفردين ومجتمعين عن معارضته و الإتيان بمثله، و هذا العجز الفردي و الجماعي دليل على أنه ليس من عند محمد الأمي –صلى الله عليه و سلم-، بل من عند رب محمد –صلى الله عليه و سلم- الذي أيده به، و جعله معجزته الباقية على الدهور. لذا يقول بعض العلماء بأم معجزة محمد فقط هي القرآن، لأن من شروط المعجزة أن يتحدى بها، و الرسول –صلى الله عليه و سلم لم يتحدى أحدا إلا بالقرآن الكريم، و أما غير ذلك فهي كراماته و خصوصيات له.
لقد كان لكم للرسل السابقين آيات و معجزات أيدهم الله بها، وصدقهم في النبوة بإظهارها على أيديهم، كقلب العصا حية، و إبراء الأكمه و الأبرص، و لكنها كانت خوارق و معجزات حسية كونية، تنتهي بمجرد وقوعها و حصولها، و لا يصدقها إلا من شهدوها، أو وثقوا بصدق من أخبروا عنها أنهم شهدوها.
أما الآخرون، من بعد مكانهم عن شهود الخارقة، أو تأخر زمانهم من الأجيال اللاحقة، فيستطيعون أن يشكوا في حصولها، و أن يقولوا مجادلين: تلك خوارق لم نرها بأعيننا فلا تكون حجة علينا؛ فلما بعث الله خاتم النبيين بالرسالة الأخيرة للبشر "الرسالة العامة الخالدة" كان من الحكمة أن يخصه بمعجزة ملائمة برسالة الدوام و الخلود و الشمول، و كانت هذه المعجزة الباقية هي القرآن.
فالقرآن الكريم هو آية الله الكبرى على نبوة محمد –صلى الله عليه و سلم- و صدق رسالته، به تحدى أمة العرب –وهم أئمة البلاغة و فرسان البيان- أن يأتوا بحديث مثله، أو بعشر سور مثله، أو بسورة من مثله، فعجزوا وانقطعوا مع حرصهم على تكذيبه. و بذلهم الأرواح و الأموال في محاربته و مع عنف التحدي واستمراره بمثل ما تحداهم الله به في قوله تعال: [و إن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهدائكم من دون الله إن كنتم صادقين . فإن لم تفعلوا و لن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين]. (سورة البقرة/ آية رقم 23و 24).
و من هذا التحدي المثير المتكرر غلب القوم، و رغمت أنوفهم، و حقت عليهم كلمة الله: [قل لإن اجتمعت الإنس و الجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن على أن يأتوا بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهير]. (سورة الإسراء/ آية رقم 88).
و صل اللهم على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم .
اترك تعليق: