إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

السياسة الفلسطينية : العودة إلى نقطة البدء .... بلال الحسن

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • السياسة الفلسطينية : العودة إلى نقطة البدء .... بلال الحسن

    السياسة الفلسطينية : العودة إلى نقطة البدء


    بعد الاجتماع الأخير في جامعة الدول العربية وضع العرب أنفسهم على طريق حضور المؤتمر الدولي الذي دعا إليه الرئيس الأميركي جورج بوش، للبحث في القضية الفلسطينية. قال العرب إن دعوة الرئيس بوش تضمنت العديد من الأمور الايجابية.. وهذا صحيح، ولكنه يشكل نصف الجملة فقط. نصف الجملة الآخر الذي لم يكمله العرب أن الدعوة تتضمن أيضا عددا من الأمور السلبية، فهي تكاد تتبنى وجهة النظر الإسرائيلية في كل قضايا الوضع النهائي، وتنطوي على مفهوم للدعوة وشروطها يحاول قسمة العرب إلى معتدلين ومتطرفين، ويحاول قسمة الفلسطينيين إلى فريقي السلطة وحماس. وبما أن الموقف الفلسطيني في هذا الموضوع كله حاسم جدا، فسنحاول الوقوف عنده، وذلك لأننا أصبحنا أمام موقف سياسي فلسطيني جديد، يختلف عن كل المواقف السياسية الفلسطينية التي عرفناها منذ اتفاق اوسلو حتى الآن، وهو موقف تعبر عنه حكومة سلام فياض تعبيرا كاملا وصريحا.

    وقبل الدخول في صلب الموضوع، نتوقف أمام واقعتين لافتتين للنظر.

    الواقعة الأولى تمت في مجلس الأمن، حين تقدمت قطر مع اندونيسيا بمشروع بيان رئاسي يطلب إعلان غزة منطقة منكوبة إنسانيا بسبب الحصار الإسرائيلي لها. وكانت المفاجأة حين بادر المندوب الفلسطيني رياض منصور إلى الوقوف ضد مشروع البيان مطالبا بسحبه من التداول، واعتبره تدخلا في الشؤون الفلسطينية الداخلية.

    الواقعة الثانية تمت داخل جامعة الدول العربية، التي شهدت نقاشا متعدد الجوانب، برزت فيه فكرة (دعوا شؤون الفلسطينيين للفلسطينيين أنفسهم)، وتصدى عمرو موسى أمين عام الجامعة العربية لهذا المطلب، وقال إن القضية الفلسطينية كانت دائما قضية العرب كلهم، ولم يقل أحد في السابق إنها يجب أن تترك للفلسطينيين. وجاء الاعتراض على هذا الموقف من خلال بيان منسوب إلى مصادر وأوساط فلسطينية مطلعة، يشن هجوما قاسيا على عمرو موسى لأنه «يشجع الانقلابيين على مواصلة جرائمهم ضد القضية والشرعية الفلسطينية ونظامنا الدستوري»، وذلك لأن عمرو موسى واصل تطبيق قرار الجامعة بإنشاء لجنة لتقصي الحقائق بعد أحداث غزة، وكان تقرير اللجنة سيعرض على الأعضاء في الاجتماع.

    هل تشكل هاتان الواقعتان مجرد خلاف عربي ـ عربي؟ ربما. ولكن هناك اجتهادا آخر في تفسير هاتين الواقعتين، يرى أننا أصبحنا أمام سياسة فلسطينية جديدة تجاه قضية التسوية، تعبر عنها حكومة سلام فياض.

    نعود إلى العام 1993 الذي شهد توقيع اتفاق اوسلو في احتفال كبير في البيت الأبيض. لقد أبرز هذا الاتفاق، والذي هو اتفاق مبادئ ليس إلا، جملة من المخاوف الفلسطينية والعربية، وذلك لأن إسرائيل، بحكم الاحتلال، ستكون هي الطرف المقرر في كيفية تنفيذ الاتفاق. وذلك لأن الاتفاق كان ذروة في الغموض في كل ما يتعلق بموضوعات الحل النهائي المؤجلة. وهنا برز منهجان في التعامل مع مفاوضات اتفاق اوسلو: منهج الرئيس الراحل ياسر عرفات، والمنهج الآخر الذي نشهد تبلوره الآن أمام أعيننا.

    منهج الرئيس عرفات، كان يقوم على أساس التزام الطرف الفلسطيني بتنفيذ كل ما يترتب عليه، من أجل دفع الطرف الإسرائيلي نحو التسليم بنشوء دولة مستقلة ذات سيادة ضمن حدود العام 1967. وأبدى في مفاوضات المرحلة الانتقالية (خمس سنوات امتدت إلى سبع) مرونة زائدة عن الحد في قبول كل ما اشترطته إسرائيل في مواضيع إعادة الانتشار، سواء في قطاع غزة أو في الضفة الغربية، وعلى أمل أن تؤدي هذه المرونة إلى «طمأنة» إسرائيل وإقناعها بقبول مطالب الحد الأدنى الفلسطينية. وقام عرفات في سياق السعي إلى هذا الهدف بخطوات كبيرة أبرزها:

    1 ـ قراره بوقف الانتفاضة الفلسطينية، وأوامره إلى المسلحين بتسليم أسلحتهم.

    2 ـ قراره بالاعتراف بإسرائيل مقابل اعتراف إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية فقط.

    3 ـ قراره بضرب حركة حماس واعتقال قادتها، بعد أن قامت بسلسلة عمليات انتحارية في العام 1996.

    4 ـ إقدامه على تعديل وإلغاء الميثاق الوطني الفلسطيني حسب طلب إسرائيل. أولا في عام 1996، ثم عام 1998 بحضور الرئيس الأميركي بيل كلينتون.

    لقد كانت هذه المواقف تنازلات هائلة، قدمها عرفات، أملا بالحصول على موافقة إسرائيلية بقيام دولة فلسطينية كاملة السيادة على أراضي 1967. ولكن عرفات اكتشف، في مفاوضات كامب ديفيد 2000، أن تفكير إسرائيل بعيد عن كل هذا، وأن أقصى ما تفكر فيه هو كيان فلسطيني مقسم إلى أربعة كانتونات، يقوم على جزء من الضفة الغربية وقطاع غزة، وتتم محاصرته بالقدس الكبرى ومستوطناتها من جهة الغرب، وبسيطرة إسرائيل على جزء كبير من أراضي منطقة الأغوار المحاذية لنهر الأردن من جهة الشرق، إضافة إلى أربع قواعد عسكرية داخل ذلك الكيان الفلسطيني. وهنا أدرك عرفات أن المعروض عليه ليس دولة فلسطينية مستقلة، بل كيان فلسطيني داخل القبضة الإسرائيلية. كيان يدير الحياة اليومية، بينما تتولى إسرائيل الهيمنة الاستراتيجية أمنيا واقتصاديا، وأدى ذلك إلى الفشل المعلن لمفاوضات كامب ديفيد، والذي نشأت بسببه الانتفاضة الفلسطينية الثانية، التي كانت هذه المرة انتفاضة مسلحة، أسهمت فيها حركة فتح بفعالية من خلال ما سمي بـ«كتائب الأقصى». كما أسهمت فيها أيضا حركتا حماس والجهاد الإسلامي، ووجهت من الجانب الإسرائيلي بسياسة حكومة شارون الاحتلالية والتدميرية.

    المنهج الفلسطيني الآخر كان موجودا منذ اليوم الأول. وكان يفهم اتفاق اوسلو على نحو مختلف عن فهم عرفات. كان يفهم أن اتفاق اوسلو لن يسفر إلا عن كيان فلسطيني يكون داخل القبضة الإسرائيلية، ويعمل في ظل هيمنتها الاستراتيجية أمنيا واقتصاديا، وكان هذا الفريق يعتبر أن على الفلسطينيين أن يقبلوا ذلك، وكان يبرر موقفه قائلا: لقد أخذ اليهود فلسطين شبرا شبرا ويجب أن نعمل لاستعادتها شبرا شبرا. ويبدأ الشبر الأول بقبول الكيان الفلسطيني بالشروط المذكورة. وكان هذا الفريق يقول يجب أن نطالب بما هو مقبول وممكن، وأن نتجنب المطالبة بما هو صعب وغير ممكن (الانسحاب الكامل ـ عودة القدس الشرقية ـ عودة اللاجئين ـ الانفصال الاقتصادي عن إسرائيل). وكان هذا الفريق يقول إن على الفلسطينيين أن يأخذوا أمورهم بأنفسهم، وأن يتفاوضوا مع الإسرائيليين بأنفسهم، وأن لا يعولوا كثيرا على المواقف العربية، حيث يعمل كل طرف لصالحه وبناء على حساباته الخاصة، وهو ما تمت تسميته بسياسة (الانفراد) الفلسطينية.

    وكانت لهذا الفريق تجلياته، وبرامجه، بل وحتى اتفاقياته المدونة والمعلنة، والتي تعبر عن وجهة نظره. أبرزها ثلاثة تجليات: أولا اتفاق بيلين ـ ابو مازن. ثانيا اتفاق نسيبه ـ يعالون. ثالثا اتفاق جنيف وعرابه ياسر عبد ربه. وكان لهذه الاتفاقات حضورها الدائم في المفاوضات العلنية أو السرية. في كامب ديفيد عرض كلينتون على الرئيس عرفات خطة للحل رفضها عرفات، وقال له كلينتون إن هذه الخطة مأخوذة بالكامل من مشروع بيلين ـ ابو مازن، وتم سحب الاقتراح من التداول، وبادر ابو مازن إلى التضامن مع عرفات في موقفه. وحاليا.. يجري التداول سرا بين واشنطن وبعض الأطراف العربية من أجل إقناعها باعتماد (اتفاق جنيف) أساسا جديدا للتسوية، وهو اتفاق يتنازل عن القدس، وعن حق العودة، وعن كامل قرارات الأمم المتحدة بشأن فلسطين.

    وما يجري حاليا، عبر حكومة سلام فياض، هو التوجه نحو تبني هذا المنهج. لقد رسم سلام فياض عبر حكومتيه أنه يجب القضاء على السلاح الفلسطيني، تحت شعار أن السلاح يجب أن يكون بيد السلطة فقط، وكأن «السلاح الفلسطيني هو سلاح للشرطة والمخابرات». ووصف عمل السلاح الفلسطيني المقاوم للاحتلال بأوصاف نابية، حين قال (انتهت الحفلة) وعلى الجميع أن يدركوا ذلك. وبادر سلام فياض إلى حد الإعلان عن استعداد الحكومة لشراء السلاح من المقاتلين، وكأنه، وهو الاقتصادي، يتفاوض حول مناقصة. وطمأن سلام فياض إسرائيل بأن لا تقلق من حق العودة، لأن لا شيء سيتم إلا بموافقتها، وتخلى عن المبدأ الأساسي القائل بأن حق العودة حق طبيعي وشرعي وغير قابل للتفاوض حتى حسب القانون الدولي. وأصدر تعليماته إلى مندوب فلسطين في الأمم المتحدة ليرفض مشروع بيان يطالب برفض الحصار المعيشي عن جزء من الشعب الفلسطيني في قطاع غزة نكاية بحركة حماس. وقال في مقابلة تلفزيونية مع الفضائية المصرية، وردا على سؤال حول الحوار بين السلطة وحماس، إنه لا يقبل كأساس للحوار الشرط المعلن على لسان الرئيس عباس والداعي إلى «عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الانقلاب»، فهو يريد مفاوضات تؤسس لوضع جديد، خلاصته القضاء على القوى المقاتلة في غزة، على غرار ما يفعل في الضفة الغربية، ونتيجة هذا كله صياغة تسوية سياسية تقبلها إسرائيل، أي تسوية سياسية لإنشاء كيان فلسطيني يكون داخل القبضة الإسرائيلية. كيان فلسطيني ينشأ بالتدريج، وفي إطار ما تسميه إسرائيل البحث في «الأفق السياسي».

    هل يمثل هذا الفهم تجنيا على حكومة سلام فياض؟ لنقرأ ما قالته كونداليزا رايس في إسرائيل، ولنقرأ تصريحات ليفني وزيرة الخارجية الإسرائيلية بإمعان، ولنقرأ الترحيب الفلسطيني بما تم، ولنترك الحكم على ذلك لما سيحدث في الأيام المقبلة.
جاري التحميل ..
X