إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

حد الإيمان عند شيخ الاسلام ابن تيمية (من ترك عمل الجوارح لا يكفر)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حد الإيمان عند شيخ الاسلام ابن تيمية (من ترك عمل الجوارح لا يكفر)




    حد الإيمان عند شيخ الاسلام ابن تيمية


    أما بعد : فهذا بحث أردت المشاركة به في بيان الحق فيما أظنه ، وقد كنت درَّستُهُ في مسجد السنة ( القويسمة ) بتاريخ 26/جماد الآخرة /1417 للهجرة ، بينت فيه حد الإيمان عند شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – من خلال كتابه ( الإيمان ) الموجود ضمن مجموعة الفتاوى / المجلد السابع ، وقد طبع ذلك مستقلاً ، وكذلك من خلال بعض كتبه الأخرى مما هو عندي ، وبعض الكتب الأخرى لغيره من أهل العلم كالتمهيد لابن عبد البر - رحمه الله تعالى - ، ولكني اقتصرت في هذه الكتابة على كتاب الإيمان له .
    ولما كان ابن تيميه – رحمه الله تعالى - ، قد استخدم في كلامه عبارات قد لا يتضح مراده إلا ببيانها ، كان لزاماً ذكرها مفردةً أولاً مع بيان معانيها ، كالحد ، والتطابق ، واسم المدح ، وغير ذلك .
    وأنا في بحثي هذا لست أرد به على أحد من الناس ، وإنما أشارك غيري به ، كي ينمو العلم ويتكامل البحث العلمي ، ويستطيع الواحد أن يصل إلى الحق بأقرب طريق ، وهنا أسجل أنه ليس من الأدب العلمي فضلاً عن كونه من أخلاق المسلمين ، ذكر الردود الطاعنة على المخالف ما دام بغية الجميع الوصول إلى الحق ،إلا أن يكون من أهل البدعة فيذكر ببدعته فقط دون السب والشتم واللمز ، بل إني أدعو الله تعالى لكل باحث مخلص يريد الحق بالتوفيق والسداد مع سعة صدر بأن نظل إخوة متحابين متراحمين ولو كانت وجهات النظر مختلفة ، والله الهادي إلى سواء السبيل ، فعلى هذا ، فلست أُفَسِّقُ ولا أُبدِّعُ - ما لم يكن من أهل البدعة أصلاً – ولا أُضَلِّلُ بل ولا أُؤَثَِمُ كل من خالفتْ نتيجة بحثه ما استنتجته ما دام يريد بيان الهدى للناس بالحق .
    وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
    بيان في تعريف المصطلحات اللازمة في البحث :-
    1) الحد : لغة هو : "الفصل بين الشيئين لئلا يختلط أحدهما بالآخر، ومنتهى كل شيءٍ حده ، واصل الحد : المنع والفصل بين الشيئين " ا.هـ . من اللسان.
    واصطلاحا : قيل : " هو اللفظ الجامع المانع " ، وقيل : " هو لفظ وجيز يدل على طبيعة الشيء المخبر عنه " . وقيل : " قول دال على ماهية الشيء " . وقيل : " الوصف المحيط بموصوفه " الخ .انظر في هذا أصول الباجي 1/174 ، تعريفات الجرجاني ص 83 ، أصول ابن حزم 1/35 شرح الكوكب المنير 1/45 .
    هذا ولابن تيمية ملاحظات حول ذلك تنظر في مواضع من المجلد التاسع من الفتاوى.
    2) الشرط : من مجموع كلام ابن منظور يمكن القول بان الشرط في اللغة هو العلامة ، وفي القاموس، الشرط: إلزام الشيء والتزامه في البيع والشراء .
    واصطلاحا : قيل: " تعليق حكم ما بوجود حكم آخر ورفعه برفعه " . وقيل هو : " عبارة عما يضاف الحكم إليه وجودا عند وجوده لا وجوبا " . وقيل : " هو ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته " . وقيل غير ذلك .
    انظر التلخيص للجويني 1/312 ، أصول ابن حزم 1/44 ، شرح الكوكب المنير 1/452 .
    قلت : والشرط جزء خارج عن حقيقة الشيء .
    3) الركن : لغة هو : " الجانب الأقوى " ، انظر القاموس المحيط .
    اصطلاحا : " ركن الشيء ما يتم به وهو داخل فيه " . وقيل : " الأركان تتركب منها ماهية الشيء " . انظر تعريفات الجرجاني ص 112 والشرح الممتع لابن عثيمين 2/87 .
    4) مطلق الإيمان والإيمان المطلق : مطلق الإيمان أصله ، والإيمان المطلق : هو الإيمان الواجب والإيمان الكامل والإيمان الحق ، - يعني التام - ، بخلاف الأول فهو الإيمان الناقص . وهذه المعاني مستفيضة في كتاب (الإيمان) لابن تيمية.
    5) اسم المدح : وهو الاسم الذي يستحقه من قام بالواجبات وترك المحرمات ، فهو الإيمان المطلق ، والذي صاحبه يستحق دخول الجنة بلا عذاب ، كما بينه ابن تيمية رحمه الله.
    6) الفاسق الملّي : وهو صاحب الذنب ، سواء ترك واجبا أو فعل محرما ، كما ذكره ابن تيمية رحمه الله تعالى .
    7) الإيمان الواجب : هو الإيمان المطلق ، وهو على مرتبتين ، كما – ذكره ابن تيمية - ، الأولى : تكون بفعل الواجبات وترك المحرمات وهو الإيمان المطلق الكامل ، وهي درجة أصحاب اليمين . الثانية : تكون بذلك وزيادة عليها فعل المستحبات وترك المكروهات وهو الإيمان الأكمل ، - كما ذكره ابن تيمية - ، وهي درجة المقربين .
    8) الإيمان المستحب : وهي المرتبة الثانية كما مضى في الإيمان الواجب .
    9) أصل الإيمان : وهو الإيمان الذي تحصل به نجاة العبد من الخلود في النار ومحله القلب، - كما ذكر ابن تيمية – على ما سنذكره إن شاء الله تعالى .
    10) الفرع الواجب : هو العمل ، سواء كان قلبيا أم عمليا ، ويأثم بتركه العبد .
    11) الفرع المستحب : هو العمل ، سواء كان قلبيا أم عمليا ولا يأثم بتركه العبد .
    12) اللازم : قيل " ما يمتنع انفكاكه عن الشيء " و " في الاستعمال بمعنى الواجب" ويأتي فيه مزيد في بيان أنواع الدلالات . أنظر تعريفات الجرجاني ص 190 .
    وهو في اللغة: ما (( لزم شيئا لا يفارقه )) من القاموس.
    13) الملازمة المطلقة : (( هي كون الشيء مقتضيا للآخر ، والشيء الأول هو المسمى بالملزوم ،والثاني هو المسمى باللازم ، كوجود النهار لطلوع الشمس ، فإن طلوع الشمس مقتضٍ لوجود النهار ، وطلوع الشمس ملزوم ووجود النهار لازم )) من التعريفات للجرجاني ص 229 .
    14) الدلالات : والمقصود هنا دلالة اللفظ الوضعية ، وهي ثلاثة أقسام :
    1- دلالة المطابقة : وهي دلالة اللفظ عن مسماه كدلالة الحيوان الناطق على الإنسان .
    2- دلالة التضمن : وهي دلالة اللفظ على جزء مسماه كدلالة الإنسان على حيوان فقط أو على ناطق فقط .
    3- دلالة اللزوم : وهي دلالة اللفظ على جزء خارجي لازم لمسماه ، كدلالة الإنسان على كونه ضاحكا مثلا أو قابلا صفة الكتابة .
    هذا وهذه الدلالات هي مما يسميه الأصوليون المنطوق والمفهوم ، فدلالة المطابقة من المنطوق ، ودلالة التضمن ودلالة الالتزام من المفهوم ، فدلالة التضمن من مفهوم الموافقة ودلال الالتزام من مفهوم المخالفة.
    انظر في ذلك شرح الكوكب المنير ( 1 / 126 ) التحقيقات في شرح الورقات ص 308 ، أمالي الدلالات، ص 124 .
    15) جنس العمل : الجنس لغة : (( أعم من النوع ، وهو كل ضرب من الشيء ، فالإبل جنس من البهائم )) انظر القاموس واللسان .
    واصطلاحا : (( الجنس اسم دال على كثيرين مختلفين بالأنواع )) من التعريفات للجرجاني ص 78 .
    16) الخوارج: هم فرقة قالت بتخليد أصحاب الكبائر في النار، وزعموا أن الإيمان إذا ذهب بعضه ذهب كله، وهو مجموع ما أمر به الله ورسول . إ.هـ انظر مجموع الفتاوى 7/223.
    17) المرجئة : وأشهرهم ثلاث فرق :
    الأولى : من يقول منهم إن الإيمان هو تصديق القلب فقط ولو قال ما قال ، وعمل ما عمل على تفصيل فيه .
    الثانية : من يقول إن الإيمان هو تصديق اللسان ولو اعتقد ما اعتقد أو عمل ما عمل .
    الثالثة : من يقول بأن الإيمان هو تصديق القلب واللسان وليس العمل منه .
    والفرقتان الأوليان هم غلاة المرجئة ، والثالثة هم مرجئة الفقهاء . وكلهم على أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص . ولا يستثنى فيه . انظر الفتاوى 7/195.
    18) مسلم : هو من تحقق فيه العمل الظاهر ويشمل اثنين :
    الأول : من خلا قلبه من أصل الإيمان وهو المنافق .
    الثاني : من وجد في قلبه أصل الأيمان .
    19) مؤمن : وهو اسم المدح الذي يترتب عليه دخول الجنة بلا عذاب ، وهو الذي توفر فيه قول القلب وعمله الواجب ، وقول اللسان والعمل الظاهر الواجب مع ترك المحرمات.
    20) مسلم مؤمن: وهو الذي تحقق فيه العمل الظاهر والباطن الواجبان ، مع القول الظاهر والباطن أيضا.
    21) ليس بمؤمن : قول ابن تيمية – رحمه الله تعالى – عن تارك العمل أو فاعل الحرام ، ليس بمؤمن ، لا يعني أنه كافر وإنما ليس بمؤمن الإيمان التام الذي ينجو صاحبه من عذاب جهنم ، وسيتضح هذا إن شاء الله تعالى من خلال البحث ، وعلى هذا فلا بد من معرفة أن نفي اسم الإيمان أو إثباته عند ابن تيمية، ليس هو نفي أو إثبات لأصل الإيمان وإنما هو نفي أو إثبات لكماله وتمامه الواجب .
    بعد ذكر هذه التعريفات التي يجب على قاريء كلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – أن يراعيه ، كما عليه أن يراعي أمرين اثنين مهمين: -
    الأول : ربط كلامه أوله بآخر ه ، والنظر إلى إطلاقه وتقييده ، دون الاقتصار على جزء من كلامه وعباراته التي لا تفي بتحديد قوله في حد الإيمان .
    الثاني : مراعاة كون ابن تيمية – رحمه الله تعالى – جعل كتابه هذا في الرد على طرفي نقيض ، الخوارج من جهة ، والمرجئة من جهة أخرى ، فالأولى ترى أن انخرام العمل الواجب كفر، و الثانية ترى أن تركه بل ولو ما ترك من فعل حرام إلا فعله، لا ينقص ذلك من إيمانه شيئاً، بل إن استثنى عندهم فقد كفر، وفي خضم هذا الكلام المتناقض بين الطرفين يخرج ابن تيمية ـ رحمه الله ـ بقول أهل السنة والجماعة في ذلك الذي هو: أن الإيمان: قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح وأن له أصلا وفرعا ، وهو كامل وأكمل وناقص ، وإن فعل الكبيرة لا يخلد في النار بخلاف الخوارج ، وإن ترك العمل يستحق صاحبه العذاب بخلاف غلاة المرجئة، حيث يقولون: بأن من اعتقد أو قال بالتوحيد إيمانه كإيمان جبريل ولو اقترف كل معصية ، قال – رحمه الله تعالى - : " وهو – قلت: أي الإيمان – مركب من أصل لا يتم بدونه ، ومن واجب ينقص بفواته نقصا يستحق صاحبه العقوبة ، ومن مستحب يفوت بفواته علو الدرجة ، فالناس فيه ظالم لنفسه ومقتصد وسابق كالحج ، وكالبدن والمسجد ، وغيرهما من الأعيان والأعمال والصفات ، فمن سواء أجزائه ما إذا ذهب نقص عن الأكمل ، ومنه ما نقص عن الكمال : وهو ترك الواجبات أو فعل المحرمات ، ومنه ما نقص ركنه: وهو ترك الاعتقاد والقول الذي يزعم المرجئة والجهمية أنه مسمى فقط ، وبهذا تزول شبهات الفرق ، وأصله القلب وكماله العمل الظاهر ، بخلاف الإسلام فإن أصله الظاهر وكماله القلب " . إ.هـ من مجموع الفتاوى 7/ص 637 .
    قلت : تبين لنا من كلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أن أهل التوحيد ثلاثة أقسام:
    - ظالم لنفسه .
    - مقتصد .
    - سابقٌ بالخيرات .
    كما قال تعالى ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابقٌ بالخيرات ) من سورة ( فاطر آية رقم 32 ) فالأصناف الثلاثة مصطفَوْن من الله تعالى وقال ابن تيمية رحمه الله تعالى : " ومن أتى الكبائر مثل الزنا أو السرقة أو شرب الخمر وغير ذلك ، فلا بد أن يذهب ما في قلب من تلك الخشية والخشوع والنور ، وأن بقي أصل التصديق في قلبه " قلت : فإن فعل المحرم سواء بترك أو إيجاد لا يذهب أصل الإيمان من القلب " . انظر 7/31 .
    * اسم المسلم لم يترتب عليه مدح في كتاب الله وسنة نبيه – صلى الله عليه وسلم – وإنما على اسم الإيمان الذي يكون إطلاقه دليلا على كمال الإيمان وتمامه عند صاحبه : -
    قال ابن تيميه رحمه الله تعالى : -
    " والمقصود هنا أنه لم يثبت المدح إلا على إيمان معه العمل ، لا على إيمان خال عن عمل " إ.هـ 7/181.
    وقال رحمه الله تعالى : " .... ، لئلا يظن الظان أن مجرد إيمانه بدون الأعمال الصالحة اللازمة للإيمان يوجب الوعد، فكان ذكرها تخصيصاً وتنصيصاً ليعلم أن الثواب الموعود به في الآخرة وهو الجنة بلا عذاب لا يكون إلا لمن آمن وعمل صالحا لا يكون لمن ادعى الإيمان ولم يعمل " أ.هـ 7/202.
    وقال رحمه الله تعالى : " وليس في الكتاب والسنة المظهرون للإسلام إلا قسمان : مؤمن أو منافق ، فالمنافق في الدرك الأسفل من النار ، والآخر مؤمن ، ثم قد يكون ناقص الإيمان فلا يتناوله الاسم المطلق .... " إ.هـ 7/217.
    وقال رحمه الله تعالى : " وحقيقته أن من لم يكن من المؤمنين حقا يقال فيه أنه مسلم ، ومعه إيمان يمنعه من الخلود في النار ، وهذا متفق عليه بين أهل السنة ، لكن هل يطلق عليه اسم الإيمان، هذا هو الذي تنازعوا فيه فقيل يقال مسلم ولا يقال مؤمن ، وقيل بل يقال مؤمن والتحقيق أن يقال : إنه مؤمن ناقص الإيمان مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته ولا يعطى اسم الإيمان المطلق ، فإن الكتاب والسنة نفيا عنه الاسم المطلق . . . " إ.هـ 7/241.
    * نفي اسم الإيمان لا يعني الكفر ولا يعني اشتراط جنس العمل في صحة الإيمان ، وإنما في تمام الإيمان وكماله الواجب :-
    قال ابن تيمية رحمه الله تعالى:" ففي القرآن والسنة من نفى الإيمان عمن لم يأت بالعمل مواضع كثيرة كما نفى فيها الإيمان عن المنافق – إلى أن قال – ودلالة الشرع على أن الأعمال الواجبة من تمام الإيمان لا تحصى كثرة " أ.هـ 7/142 و143
    قلت : فنفي الإيمان ليس معناه الكفر ، ولكن معناه نفي تمامه و كماله .
    و قال أيضاً :"فالسلف يقولون : ترك الواجبات الظاهرة دليل على انتفاء الإيمان الواجب من القلب ، لكن قد يكون ذلك بزوال عمل القلب الذي هو حب الله ورسوله وخشية الله ونحو ذلك لا يستلزم أن لا يكون في القلب من التصديق شيء" إ.هـ 148.
    وقال : "فإن أعمال القلوب ....، كل ما فيها مما فرضه الله و رسوله فهو من الإيمان الواجب ، وفيها ما أحبه ولم يفرضه ، فهو من الإيمان المستحب ، فالأول لابد لكل مؤمن منه – قلت : أي المؤمن الكامل – ومن اقتصر عليه فهو من الأبرار أصحاب اليمين، ومن فعله وفعل الثاني كان من المقربين السابقين " إ.هـ 7/190.
    وقال رحمه الله تعالى :" وذلك لأن أصل الإيمان هو ما في القلب و الأعمال الظاهرة لازمة لذلك، لا يتصور وجود الإيمان الواجب مع عدم جميع أعمال الجوارح، بل متى نقصت الأعمال الظاهرة كان لنقص الإيمان الذي في القلب ، فصار الإيمان متناولاً للملزوم و اللازم ، وإن كان أصله ما في القلب و حيث عطفت عليه الأعمال ، فإنه أريد أنه لا يكتفى بإيمان القلب بل لا بد معه من الأعمال الصالحة" إ.هـ 7/198.
    قلت : اتضح أن أصل الإيمان لا يكفي لإطلاق اسم الإيمان على صاحبه من غير عمل ظاهر ، لأن اسم الإيمان اسم مدح يستحق صاحبه دخول الجنة بلا عذاب .
    وقال : "والتحقيق أن إيمان القلب التام مستلزم العمل الظاهر بحسبه لا محالة ، ويمتنع أن يقوم بالقلب إيمان تام بدون عمل ظاهر" إ.هـ 7/ 204.
    و قال :"وجواب هذا أن يقال : الذين قالوا من السلف : إنهم خرجوا من الإيمان إلى الإسلام لم يقولوا : إنه لم يبق معهم من الإيمان شيء ، بل هذا قول الخوارج والمعتزلة ، و أهل السنة الذين قالوا هذا يقولون : الفساق يخرجون من النار بالشفاعة ، وإنْ معهم إيمان يخرجون به من النار، لكن لا يطلقون عليهم اسم الإيمان ، لأن الإيمان المطلق هو الذي يستحق صاحبه الثواب ودخول الجنة، ...، وحقيقته أن من لم يكن من المؤمنين حقاً يقال فيه إنه مسلم ، ومعه إيمان يمنعه من الخلود في النار ،... " إ.هـ 7/ 240.
    وقال :"وأما اسم الإسلام مجرداً فما علق به في القرآن دخول الجنة – قلت : أي ابتداءً من غير عذاب لا أنه كافر- لكنه فرضه وأخبر أنه دينه الذي لا يقبل من أحد سواه ".إ.هـ 7/ 260.
    وقال :" فمن كان مخلصاً لله حق الإخلاص لم يزن ، و إنما يزني لخلوه عن ذلك وهذا هو الإيمان الذي ينزع منه، لم ينزع منه نفس التصديق ، ولهذا قيل هو مسلم و ليس بمؤمن ".إ.هـ 7/ 306.
    وقال فيما نقله عن المروزي وهو محمد بن نصْر و سكت عليه مقراً :" ثم أوجب الله النار على الكبائر فدل بذلك على أن اسم الإيمان زائل عمن أتى كبيرة ، قالوا : ولم نجده أوجب الجنة باسم الإسلام ، فثبت أن اسم الإسلام له ثابت على حاله ، واسم الإيمان زائل عنه . فإن قيل لهم في قولهم هذا ليس الإيمان ضد الكفر ، قالوا : الكفر ضد لأصل الإيمان ، لأن للإيمان أصلا وفروعا، فلا يثبت الكفر حتى يزول أصل الإيمان الذي هو ضد الكفر ، فإن قيل لهم – قلت : أي أهل السنة – فالذين زعمتم أن النبي صلى الله عليه وسلم أزال عنهم اسم الإيمان هل فيهم من الإيمان شيء ، قالوا : نعم أصله ثابت ، ولولا ذلك لكفروا ، . . . . ، ولكنا نقول للإيمان أصل وفرع وضد الإيمان الكفر في كل معنى ، فأصل الإيمان الإقرار والتصديق وفرعه إكمال العمل بالقلب والبدن " . إ.هـ 7/320 – 324.
    وقال رحمه الله تعالى : " وقول القائل : الطاعات ثمرات التصديق الباطن يراد به شيئان : يراد به أنها لوازم له ، فمتى وجد الإيمان الباطن وجدت ، وهذا مذهب السلفي أهل السنة ، ويراد به أن الإيمان الباطن قد يكون سببا وقد يكون الإيمان الباطن تاما كاملا وهي لم توجد ، وهذا قول المرجئة من الجهمية وغيرهم " إ.هـ7/363.
    وقال ابن تيميه أيضاً : " ولهذا لم يكفر أحد من السلف أحداً من مرجئة الفقهاء ، بل جعلوا هذا من الأقوال والأفعال ،لا من بدع العقائد ، فإن كثيرا من النزاع فيها لفظي ، لكن اللفظ المطابق للكتاب والسنة هو الصواب ...... " إ.هـ 7/394.
    قلت : ومرجئة الفقهاء يتميزون بأمرين : أحدهما يوافقون فيه المرجئة الغلاة وهو أن الإيمان يكون تاماً بترك العمل ، والثاني يوافقون فيه أهل السنة وهو أن تارك العمل يكون معرضاً لعذاب جهنم يوم القيامة ، ولم يقولوا بدخوله الجنة ابتداءً من غير عذاب .
    وقال أيضا: " وأما مبدؤه فيتعلق به خطاب الأمر والنهي ، فإذا قال الله (يأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة) ونحو ذلك ، فهو أمر في الظاهر لكل من أظهره ، وهو خطاب في الباطن لكل من عرف من نفسه أنه مصدق للرسول وإن كان عاصيا وإن كان لم يقم بالواجبات الباطنة والظاهرة، وذلك أنه إن كان لفظ ( الذين أمنوا ) يتناولهم فلا كلام ، وإن كان لم يتناولهم فذلك لذنوبهم - قلت : أي ليس لأنهم كفار – فلا تكون ذنوبهم مانعة من أمرهم بالحسنات التي إن فعلوها كانت سبب رحمتهم ، وإن تركوها كان أمرهم بها وعقوبتهم عليها عقوبة على ترك الإيمان ، والكافر يجب عليه أيضا لكن لا يصح منه حتى يؤمن وكذلك المنافق المحض لا يصح منه في الباطن حتى يؤمن ، وأما من كان معه أول الإيمان فهذا يصح منه ، لان معه إقراره في الباطن بوجوب ما أوجبه الرسول ، وتحريم ما حرمه ، هذا سبب الصحة ، وأما كماله فيتعلق به خطاب الوعد بالجنة والنصرة والسلامة من النار ، فإن هذا الوعد إنما هو لمن فعل المأمور وترك المحظور ، ومن فعل بعضا وترك بعضا فيثاب على ما فعله ويعاقب على ما تركه ، فلا يدخل هذا في اسم المؤمن المستحق للحمد والثناء دون الذم والعقاب ، ومن نفى عنه الرسول الإيمان فنفي الإيمان في هذا الحكم لأنه ذكر ذلك على سبيل الوعيد ، والوعيد إنما يكون بنفي ما يقتضي الثواب ويدفع العقاب ، ولهذا ما في الكتاب والسنة من نفي الإيمان عن أصحاب الذنوب فإنما هو في خطاب الوعيد والذم لا في خطاب الأمر والنهي ولا في أحكام الدنيا ..... ، ولهذا كان من نفى عنهم الإيمان أو الإيمان والإسلام جميعاً ولم يجعلهم كفاراً إنما ذلك في أحكام الآخرة وهو الثواب ، لم ينفه في أحكام الدنيا ، لكن المعتزلة ظنت أنه إذا انتفى الاسم انتفت جميع أجزائه فلم يجعلوا معهم شيئاً من الإيمان والإسلام ، فجعلوهم مخلدين في النار .
    وهذا خلاف الكتاب والسنة وإجماع السلف ، ولو لم يكن معهم شيء من الإيمان والإسلام لم يثبت في حقهم شيء من أحكام المؤمنين والمسلمين لكن كانوا كالمنافقين وقد ثبت بالكتاب والسنة والإجماع التفريق بين المنافق الذي يكذب الرسول في الباطن ، وبين المؤمن المذنب ، فالمعتزلة سووا بين أهل الذنوب وبين المنافقين في أحكام الدنيا والآخرة في نفي الإسلام والإيمان عنهم ، ... ، فإن قيل : فإذا كان كل مؤمن مسلما ، وليس كل مسلم مؤمنا الإيمان الكامل كما دل عليه حديث جبريل وغيره من الأحاديث مع القرآن ، وكما ذكر ذلك عمن ذكر عنه من السلف ، لأن الإسلام الطاعات الظاهرة وهو الاستسلام والانقياد لأن الإسلام في الأصل هو الاستسلام والانقياد وهذا هو الانقياد والطاعة ، والإيمان فيه معنى التصديق والطمأنينة وهذا فيه قدر زائد ، فما يقولون فيمن فعل ما أمره الله وترك ما نهى الله عنه مخلصا لله تعالى ظاهرا وباطنا ، أليس هذا مسلماً باطناً وظاهراً وهو من أهل الجنة ...... قلنا : قد ذكرنا غير مرة أنه لا بد أن يكون معه الإيمان الذي وجب عليه إذ لو لم يؤدي الواجب لكان معرضا للوعيد ... " إ.هـ 7/ 423– 425.
    وقال : " ..... شعب الإيمان هل هي متلازمة في الانتفاء وهل هي متلازمة في الثبوت ، فالأول : فإن الحقيقة الجامعة الأمور – سواء كانت في الأعيان أو الأعراض – إذا زال بعض تلك الأمور فقد يزول سائرها وقد لا يزول ، ولا يلزم من زوال بعض الأمور المجتمعة زوال سائرها ، ... ، يبقى النزاع هل يلزم زوال الاسم بزوال بعض الأجزاء فيقال لهم : المركبات في ذلك على وجهين منها ما يكون التركيب شرطا في إطلاق الاسم ومنها ما لا يكون كذلك ، فالأول كاسم العشرة وكذلك السكنجبين، ومنها ما يبقى الاسم بعد زوال بعض الأجزاء ، ... ، فإن المكيلات والموزونات تسمى حنطة وهي بعد النقص حنطة ، ....، ومعلوم أن اسم الإيمان من هذا الباب ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا اله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من شعب الإيمان " ثم من المعلوم أنه إذا زالت الإماطة ونحوها لم يزل الإيمان ، .... ، والأصل الثاني : أن شعب الإيمان قد تتلازم عند القوة ولا تتلازم عند الضعف ، فإذا قوي ما في القلب من التصديق والمعرفة والمحبة لله ورسوله أوجب بغض أعداء الله ، ... وبهذا تبين أن الشارع ينفي اسم الإيمان عن الشخص لانتفاء كماله الواجب ، وإن كان معه بعض أجزائه ، ... ، وبهذا تبين أن الرجل قد يكون مسلماً لا مؤمناً ، ولا منافقاً خالصاً ، بل يكون معه أصل الإيمان دون حقيقته الواجبة " إ.هـ 7/513 – 525 باختصار.
    وقال : " وأما الفرائض الأربع فإذا جحد وجوب شيء منها بعد بلوغ الحجة فهو كافر وكذلك من جحد تحريم شيء من المحرمات الظاهرة المتواتر تحريمها " إ.هـ 7/609.
    وقال : " ولا يكفر الشخص المعين حتى تقوم عليه الحجة كما تقدم ، كمن جحد وجوب الصلاة والزكاة واستحل الخمر والزنا .... " إ .هـ 7/619.
    وقال عليه رحمة الله تعالى : " وقد تبين أن الدين لا بد فيه من قول وعمل وأنه يمتنع أن يكون الرجل مؤمنا بالله ورسوله بقلبه أو بقلبه ولسانه ولم يؤد واجباً ظاهراً، ولا صلاة ولا زكاة ولا صياماً ولا غير ذلك من الواجبات ، لا لأجل أن الله أوجبها مثل أن يودي الأمانة أو يصدق الحديث أو يعدل في قسمه ، ..... ، ومن قال بحصول الإيمان الواجب بدون فعل شيء من الواجبات سواء جعل فعل تلك الواجبات لازماً له أو جزءاً منه فهذا نزاع لفظي – قلت : أي تعريف الإيمان بدلالة اللزوم أو بدلالة التضمين هو النزاع اللفظي لا نفس المسألة – كان مخطئاً خطأً بيناً وهذه بدعة الإرجاء – قلت : وهي كون الإيمان تاما بدون عمل – التي أعظم السلف والأئمة الكلام في أهلها .... " إ . هــ 7/621.
    قال : " أصل الإيمان في القلب وهو قول القلب وعمله ، وهو إقرار بالتصديق والحب والانقياد وما كان في القلب فلا بد أن يظهر موجبه ومقتضاه على الجوارح ، وإذا لم يعمل بموجبه ومقتضاه دل على عدمه أو ضعفه ، ولهذا كانت الأعمال الظاهرة من موجب إيمان القلب ومقتضاه ، وهي تصديق لما في القلب ودليل عليه وشاهد له ، وهي شعبة من مجموع الإيمان المطلق وبعض له ، لكن ما في القلب هو الأصل لما على الجوارح " إ .هـ 7/644.
    وقال : "بقي أن يقال : فهل اسم الإيمان للأصل فقط أو له ولفروعه ، والتحقيق : أن الاسم المطلق يتناولهما ، وقد يخص الاسم وحده بالاسم مع الاقتران ، قلت : أي قولك : مؤمن مسلم – وقد لا يتناول إلا الأصل إذا لم يخص إلا هو ، كاسم الشجرة ، فإنه يتناول الأصل والفرع إذا وجدت ولو قطعت الفروع لكان اسم الشجرة يتناول الأصل وحده ، وكذلك اسم الحج فهو اسم لكل ما يشرع فيه من ركن وواجب ومستحب ، وهو حج أيضاً تام بدون المستحبات ، وهو حج ناقص بدون الواجبات التي يدبرها دم " إ.هـ .7/646.
    وقال رحمه الله تعالى " ولهذا يقول علماء السلف في المقدمات الاعتقادية : لا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب ولا نخرجه من الإسلام بعمل ، وقد ثبت الزنا والسرقة وشرب الخمر على أناس في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – ولم نحكم فيهم حكم من كفر ولا قطع الموالاة بينهم وبين المسلمين ، بل جلد هذا وقطع هذا وهو في ذلك يستغفر لهم ويقول : لا تكونوا أعوان الشيطان على أخيكم ، وأحكام الإسلام كلها على هذا الأصل " إ.هـ 7/671.
    وقال : " وقول القائل أن المسلمين يدخلون الجنة بالإسلام ، فيقال له : ليس كل المسلمين يدخلون الجنة بلا عذاب ، بل أهل الوعيد يدخلون النار ، ويمكثون فيها إلى ما شاء الله مع كونهم ليسوا كفاراً ، فالرجل الذي معه شيء من الإيمان وله كبائر قد يدخل النار ثم يخرج منها ، إما بشفاعة النبي – صلى الله عليه وسلم – وإما بغيره " إ.هـ.7/679.
    وفي النهاية أرجع فأذكر بما قد بدأت به من قول ابن تيميه رحمه الله تعالى حيث قال: " وهو مركب من أصل لا يتم بدونه ، ومن واجب ينقص بفواته نقصاً يستحق صاحبه العقوبة ومن مستحب يفوت بفواته علو الدرجة ، فالناس فيه ظالم لنفسه ومقتصد وسابق ، .... ، فمن سواء أجزائه ما إذا ذهب نقص عن الأكمل ومنه ما نقص عن الكمال ، وهو ترك الواجبات أو فعل المحرمات وفيه ما نقص ركنه وهو ترك الاعتقاد والقول ، الذي يزعم المرجئة والجهمية أنه مسمى فقط ، وبهذا تزول شبهات الفرق ، وأصله القلب وكماله العمل الظاهر بخلاف الإسلام فأصله العمل الظاهر وكماله القلب " إ.هـ.7/637.
    * جنس العمل هل هو شرط في صحة الإيمان أم هو شرط في كماله وتمامه ؟ وهل هو متعلق بعمل القلب أم بالعمل الظاهر:
    قال ابن تيمية رحمه الله تعالى : " فالإيمان في القلب إيماناً بمجرد تصديق ليس معه عمل القلب وموجبه من محبة الله ورسوله ونحو ذلك، كما انه لا يكون إيماناً بمجرد ظن وهوى ، بل لا بد في أصل الإيمان من قول القلب وعمل القلب " . إ.هـ .7/529.
    وقال : " وقد تقدم أن جنس الأعمال من لوازم إيمان القلب ، وأن إيمان القلب التام بدون شيء من الأعمال الظاهرة ممتنع ، سواء جعل الظاهر من لوازم الإيمان أو جزءً من الإيمان كما تقدم بيانه " إ.هـ. 7/616.
    وقال : " فالإسلام في الأصل من باب العمل ، عمل القلب والجوارح ، وأما الإيمان فأصله تصديق وإقرار ومعرفة فهو من باب قول القلب المتضمن عمل القلب ، والأصل فيه التصديق والعمل تابع له " .إ.هـ.7/263.
    خلاصة البحث :
    1- بين ابن تيمية رحمه الله تعالى أن مطلق الإيمان وهو أصله ، غير الإيمان المطلق وهو الإيمان التام الواجب .
    2- بين أن جنس العمل الظاهر شرط في الإيمان المطلق وليس في أصل الإيمان .
    3- الاتفاق على أن من لم ينطق بالشهادتين فهو كافر ، ثم اختلفوا في ترك الباقي وهي روايات عن أحمد أحداها أنه لا يكفر بترك شيء منها إذا لم يكن جاحداً لفرضيتها .
    والله أعلم وصلى الله علي سيدنا محمد.



    كتبه
    سمير مراد
    عمان- الاردن
جاري التحميل ..
X