كلمة سلفية هى إسم مدرسة من مدارس "اهل السنة والجماعة" و"اهل الحديث" تعبر عن تيار إسلامي عريض يدعون فيه إلى العودة إلى نهج السلف الصالح كما يرونه و التمسك به باعتباره يمثل نهج الإسلام الأصيل و التمسك بأخذ الأحكام من الأحاديث الصحيحة و يبتعد عن كل المدخلات الغريبة عن روح الإسلام و تعاليمه . المنهجية التي ينظر بها إلى الاقتداء بالسلف لا تختلف اختلافا كبيرا بين العلماء و المدراس التي تصف نفسها بأنها سلفية فمع أن المصطلح ظهر أساسا في وصف بعض العلماء المجددين في الإسلام الذين أرادوا تحرير الشعوب من كوارث التعصب المذهبي الذي كان شائعا في أيام الدولة العثمانية ، هذه الشخصيات لا ترفض الاجتهاد كمبدأ و تحاول اتباع منهج السلف في العقائد وهذا هو الاساس أما الفقه فتعتقد أنه يجب أن يخضع دوما لعملية تجديد ليناسب العصر مع عدم الخروج عن الدليل واقوال السلف و من هنا كانوا من اهم من ركز على فكرة مقاصد الشريعة و إعادة إحياء البحوث الشرعية فيها . و للعلم انتشر في وسائل الاعلام في الوقت الحالي كلمة"السلفية الجهادية"(ويستخدمون هذا للتعبير عن تنظيم القاعدة وامثالة من الجماعات الاخري) وايضا كلمة "السلفية العلمية او الاجتهادية" وهذا خطا لان السلفية واحدة لا سلفيات وهذا ما قاله علماء السلفية وهو ان السلفية ابعد ما تكون عن هذه الجماعات الخارجية
وأبرز اعلام المدرسة السلفية:
ائمة السلف من الصحابةوالتابعبن والائمة مثل
الامام ابو حنبفة
الامام مالك
الامام الشافعي
أحمد بن حنبل.
( تشترك المدارس الثلاث لأهل السنة والجماعة - السلفية والأشاعرة والماتريدية - بنسبة أنفسهم إلى الأئمة الأربعة , لذللك ليس من العدل أن تنسب مدرسة نفسها إلى هؤلاء الأئمة دون أخرى , ولكن تنسب نفسها إلى أول من ظهرت المدرسة على يديه , فالأشعرية تنسب نفسها إلى أبى الحسن الأشعرى , والماتريدية تنسب نفسها إلى أبى المنصور الماتريدى , والسلفية تنسب نفسها إلى احمد بن تيمية.
ابن تيمية.
الشيخ عبد المجيد سليم (مفتى الديار المصرية السابق)
محمد بن عبدالوهاب.
محمد رشيد رضا (صاحب المنار) في مصر.
الشيخ (محمد حامد الفقي ) في مصر مؤسس جمعية انصار السنة المحمدية
الشيخ احمد محمد شاكر في مصر
الشيج محمود شاكر في مصر
البوفالي والشيخ الدهلوي في الهند.
الثعالبي في تونس.
ابن باديس في الجزائر.
علال الفاسي في المغرب.
الالوسي في العراق.
الشيخ محمد الأمين الشنقيطي
الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في الاردن
الشيخ عبد العزيز بن باز في نجد (السعودية)
الشيخ محمد بن صالح العثيمين في نجد (السعودية)
الشيخ محمود شلتوت في مصر
الشيخ مقبل بن هادي الوادعي في اليمن
الشيخ محمد بن عبد الوهاب البنا في مصر
الشيخ احمد النجمي في الحجاز (السعودية)
الشيخ جميل الرحمن في أفغانستان
الشيخ صالح الفوزان في نجد (السعودية)
واهل العلم من ال الشيخ في نجد (السعودية)
واخرون كثير........ وفي العصر الحاضر اصبح الكثير من الناس يدعواالسلفية ، ولذلك كثر تباين المواقف .
وهذه امثلة من اقوالهم:
وجه هذا السؤال للعلامة محمد بن عثيمين في فتاوى نور على الدرب :هذه مستمعة من الرياض لها مجموعة من الأسئلة تقول في السؤال الأول أسمع عن السلف من هم السلف يا فضيلة الشيخ ؟
الجواب الشيخ: السلف معناه المتقدمون فكل متقدم على غيره فهو سلف له ولكن إذا أطلق لفظ السلف فالمراد به القرون الثلاثة المفضلة الصحابة والتابعون وتابعوهم هؤلاء هم السلف الصالح ومن كان بعدهم وسار على منهاجهم فإنه مثلهم على طريقة السلف وإن كان متأخراً عنهم في الزمن لأن السلفية تطلق على المنهاج الذي سلكه السلف الصالح رضي الله عنهم كما قال النبي عليه الصلاة والسلام (إني أمتي ستفترق على ثلاثة وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة) وفي لفظ (من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي) - حديث مختلف على صحته - وبناء على ذلك تكون السلفية هنا مقيدة بالمعنى فكل من كان على منهاج الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان فهو سلفي وإن كان في عصرنا هذا وهو القرن الرابع عشر بعد الهجرة نعم فتاوى نور على الدرب (نصية) : التوحيد والعقيدة
أجاب الشيخ محمد ناصر الدين الألباني
معنى السلفية ؟ وإلى من تنسب ؟ وهل يجوز الخروج عن فهم السلف الصالح في تفسير النصوص الشرعية ؟
السؤال لبعض الأخوة الجالسين يسمعون عن الدعوة السلفية سماعاً ويقرؤون عنها ما يُكتب من قِبَلِ خصومها لا من قِبَلِ أتباعها ودُعاتِها ، فالمرجو من فضيلتكم – وأنتم من علماء السلفية ودعاتها – شرح موقف السلفية بين الجماعات الإسلامية اليوم . الجواب أنا أجبتُ عن مثل هذا السؤال أكثر من مرة ، لكن لا بد من الجواب وقد طُرِحَ السؤال ، فأقول : أقول كلمة حقٍّ لا يستطيع أي مسلم أن يجادل فيها بعد أن تتبين له الحقيقة : أول ذلك : الدعوة السلفية ، نسبة إلى ماذا ؟ السلفية نسبة إلى السلف ، فيجب أن نعرف من هم السلف إذا أُطلق عند علماء المسلمين : السلف ، وبالتالي تُفهم هذه النسبة وما وزنها في معناها وفي دلالتها ، السلف : هم أهل القرون الثلاثة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخيرية في الحديث الصحيح المتواتر المخرج في الصحيحين وغيرهما عن جماعة من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : ( خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم )هؤلاء القرون الثلاثة الذين شهد لهم الرسول عليه السلام بالخيرية ، فالسلفية تنتمي إلى هذا السلف ، والسلفيون ينتمون إلى هؤلاء السلف ، إذا عرفنا معنى السلف والسلفية حينئذٍ أقول أمرين اثنين : الأمر الأول : أن هذه النسبة ليست نسبة إلى شخص أو أشخاص ، كما هي نِسَب جماعات أخرى موجودة اليوم على الأرض الإسلامية ، هذه ليست نسبة إلى شخص ولا إلى عشرات الأشخاص ، بل هذه النسبة هي نسبةٌ إلى العصمة ، ذلك لأن السلف الصالح يستحيل أن يجمعوا على ضلالة ، وبخلاف ذلك الخلف ، فالخلف لم يأتِ في الشرع ثناء عليهم بل جاء الذم في جماهيرهم ، وذلك في تمام الحديث السابق حيث قال عليه السلام : ( ثم يأتي من بعدهم أقوامٌ يَشهدون ولا يُستشهدون ، ) إلى آخر الحديث ، كما أشار عليه السلام إلى ذلك في حديث آخر فيه مدحٌ لطائفةٍ من المسلمين وذمٌّ لجماهيرهم بمفهوم الحديث حيث قال عليه السلام : ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ، لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله ) أو ( حتى تقوم الساعة ) ، فهذا الحديث خص المدح في آخر الزمن بطائفة ، والطائفة : هي الجماعة القليلة ، فإنها في اللغة : تطلق على الفرد فما فوق . فإذن إذا عرفنا هذا المعنى في السلفية وأنها تنتمي إلى جماعة السلف الصالح وأنهم العصمة فيما إذا تمسك المسلم بما كان عليه هؤلاء السلف الصالح حينئذٍ يأتي الأمر الثاني الذي أشرتُ إليه آنفاً ألا وهو أن كل مسلم يعرف حينذاك هذه النسبة وإلى ماذا ترمي من العصمة فيستحيل عليه بعد هذا العلم والبيان أن – لا أقول : أن – يتبرأ ، هذا أمرٌ بدهي ، لكني أقول : يستحيل عليه إلا أن يكون سلفياً ، لأننا فهمنا أن الانتساب إلى السلفية ، يعني : الانتساب إلى العصمة ، من أين أخذنا هذه العصمة ؟ نحن نأخذها من حديث يستدل به بعض الخلف على خلاف الحق يستدلون به على الاحتجاج بالأخذ بالأكثرية – بما عليه جماهير الخلف – حينما يأتون بقوله عليه السلام : ( لا تجتمع أمتي على ضلالة ) ، ( لا تجتمع أمتي على ضلالة ) لا يصح تطبيق هذا الحديث على الخلف اليوم على ما بينهم من خلافات جذرية ، ( لا تجتمع أمتي على ضلالة ) لا يمكن تطبيقها على واقع المسلمين اليوم وهذا أمرٌ يعرفه كل دارس لهذا الواقع السيء ، يُضاف إلى ذلك الأحاديث الصحيحة التي جاءت مبينةً لما وقع فيمن قبلنا من اليهود والنصارى وفيما سيقع في المسلمين بعد الرسول عليه السلام من التفرق ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، والنصارى على اثنتين وسبعين فرقة ، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ) قالوا : من هي يا رسول الله ؟ قال : ( هي الجماعة ) - حديث مختلف على صحته - هذه الجماعة : هي جماعة الرسول عليه السلام هي التي يمكن القطع بتطبيق الحديث السابق : ( لا تجتمع أمتي على ضلالة ) أن المقصود بهذا الحديث هم الصحابة الذين حكم الرسول عليه السلام بأنهم هي الفرقة الناجية ومن سلك سبيلهم ونحا نحوهم ، وهؤلاء السلف الصالح هم الذين حذرنا ربنا عز وجل في القرآن الكريم من مخالفتهم ومن سلوك سبيل غير سبيلهم في قوله عز وجل : ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نُوَلِّهِ ما تولى ونُصْلِهِ جهنم وساءت مصيرا أنا لَفَتّ نظر إخواننا في كثيرٍٍ من المناسبات إلى حكمة عطف ربنا عز وجل قوله في هذه الآية ويتبع غير سبيل المؤمنين على مشاققة الرسول ، ما الحكمة من ذلك ؟ مع أن الآية لو كانت بحذف هذه الجملة ، لو كانت كما يأتي : ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى نُوَلِّهِ ما تولى ونُصْلِهِ جهنم وساءت مصيرا ) لكانت كافية في التحذير وتأنيب من يشاقق الرسول صلى الله عليه وسلم ، والحكم عليه بمصيره السيئ ، لم تكن الآية هكذا ، وإنما أضافت إلى ذلك قوله عز وجل : ويتبع غير سبيل المؤمنين هل هذا عبث ؟! - حاشا لكلام الله عز وجل من العبث ـ إذن ما الغاية..؟ ما الحكمة من عطف هذه الجملة ((ويتبع غير سبيل المؤمنين)) على مشاققة الرسول..؟ الحكمة في كلام الإمام الشافعي، حيث استدل بهذه الآية على الإجماع، أي : من سلك غير سبيل الصحابة الذين هم العصمة – في تعبيرنا السابق – وهم الجماعة التي شهد لها الرسول عليه السلام أنها الفرقة الناجية ومن سلك سبيلهم ، هؤلاء هم الذين لا يجوز لمن كان يريد أن ينجو من عذاب الله يوم القيامة أن يخالف سبيلهم ، ولذلك قال تعالى : ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نُوَلِّهِ ما تولى ونُصْلِهِ جهنم وساءت مصيرا . إذن على المسلمين اليوم في آخر الزمان أن يعرفوا أمرين اثنين : أولاً : من هم المسلمون المذكورين في هذه الآية ثم ما الحكمة في أن الله عز وجل أراد بها الصحابة الذين هم السلف الصالح ومن سار سبيلهم ..؟ قد سبق بيان جواب هذا السؤال أو هذه الحكمة وخلاصة ذلك أن الصحابة كانوا قريب عهد بتلقي الوحي غضا طريا من فم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أولاً ثم شاهدوا نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم الذي عاش بين ظهرانيهم يطبق الأحكام المنصوصة عليها في القرآن والتي جاء ذكر كثير منها في أقواله عليه الصلاة والسلام بينما الخلف لم يكن لهم هذا الفضل من سماع القرآن وأحاديث الرسول عليه السلام منه مباشرةً ثم لم يكن لهم فضل الاطلاع على تطبيق الرسول عليه السلام لنصوص الكتاب والسنة تطبيقاً عملياً ، ومن الحكمة التي جاء النص عليها في السنة : قوله عليه السلام : ( ليس الخبر كالمعاينة ، ) ومنه بدأ ومنه أخذ الشاعر قوله : ( وما راءٍ كمن سمع ) فإذن الذين لم يشهدوا الرسول عليه السلام ليسوا كأصحابه الذين شاهدوا وسمعوا منه الكلام مباشرة ورأوه منه تطبيقاً عمليا ، اليوم توجد كلمة عصرية نبغ بها بعض الدعاة الإسلاميين وهي كلمة جميلة جداً ، ولكن أجمل منها أن نجعل منها حقيقةً واقعة ، يقولون في محاضراتهم وفي مواعظهم وإرشاداتهم أنه يجب أن نجعل الإسلام يمشي واقعاً يمشي على الأرض ، كلام جميل ، لكن إذا لم نفهم الإسلام وعلى ضوء فهم السلف الصالح كما نقول لا يمكننا أن نحقق هذا الكلام الشاعري الجميل أن نجعل الإسلام حقيقة واقعية تمشي على الأرض ، الذين استطاعوا ذلك هم أصحاب الرسول عليه السلام للسببين المذكورين آنفاً ، سمعوا الكلام منه مباشرةً ، فَوَعَوْهُ خير من وَعِيَ ،ثم في أمور هناك تحتاج إلى بيان فعلي ، فرأوا الرسول عليه السلام يبين لهم ذلك فعلاً ، وأنا أضرب لكم مثلاً واضحاً جداً ،هناك آيات في القرآن الكريم ، لا يمكن للمسلم أن يفهمها إلا إذا كان عارفاً للسنة التي تبين القرآن الكريم ، كما قال عز وجل : وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزِّلَ إليهم مثلاً قوله تعالى : والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما الآن هاتوا سيبويه هذا الزمان في اللغة العربية فليفسر لنا هذه الآية الكريمة ، والسارق من هو ؟ لغةً لا يستطيع أن يحدد السارق ، واليد ما هي ؟ لا يستطيع سيبويه آخر الزمان لا يستطيع أن يعطي الجواب عن هذين السؤالين ، من هو السارق الذي يستطيع أو الذي يستحق قطع اليد ؟ وما هي اليد التي ينبغي أن تُقطع بالنسبة لهذا السارق ؟ اللغة : السارق لو سرق بيضة فهو سارق ، واليد في هذه لو قُطِعَتْ هنا أو هنا أو في أي مكان فهي يدٌ ، لكن الجواب هو : - حين نتذكر الآية السابقة : وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزِّلَ إليهم - الجواب في البيان ، فهناك بيان من الرسول عليه السلام للقرآن ، هذا البيان طَبَّقَهُ عليه السلام فعلاً في خصوص هذه الآية كمثل وفي خصوص الآيات الأخرى ، وما أكثرها ، لأن من قرأ في علم الأصول يقرأ في علم الأصول أنه هناك عام وخاص ومطلق ومقيد وناسخ ومنسوخ ، كلمات مجملة يدخل تحتها عشرات النصوص ، إن لم يكن مئات النصوص ، نصوص عامة أوردتها السنة ، ولا أريد أن أطيل في هذا حتى نستطيع أن نجيب عن بقية الأسئلة .
أجاب الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
ليس الحنابلة هم السلفيون فقط س : هل صحيح أن الحنابلة هم السلفيون فقط ؟ وما حقيقة السلفية ، هل هي قرينة التشدد والتزمت كما يروج البعض؟ ج : ليس هذا القول بصحيح . وإنما السلف الصالح هم الصحابة رضي الله عنهم ومن سلك سبيلهم من التابعين وأتباع التابعين من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم ممن سار على الحق وتمسك بالكتاب العزيز والسنة المطهرة ، في باب التوحيد ، وباب الأسماء والصفات ، وفي جميع أمور الدين ، نسأل الله أن يجعلنا منهم ، وأن يوفق جميع المسلمين حكومات وشعوبا في كل مكان للتمسك بكتابه العزيز وسنة رسوله الأمين وتحكيمهما ، والتحاكم إليهما ، والحذر من كل ما يخالفهما إنه ولي ذلك والقادر عليه . والله ولي التوفيق . من أسئلة صحيفة المسلمون.
وهذه عقيدة السلفية من مدارس أهل السنة والجماعة
عقيدتنا: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر: خيره وشره.
فنؤمن بربوبية الله تعالى أي بأنه الرب الخالق، الملك، المدبر لجميع الأمور.
ونؤمن بألوهية الله تعالى، أي بأنه الإله الحق، وكل معبود سواه باطل.
ونؤمن بأسمائه وصفاته، أي بأن له الأسماء الحسنى، والصفات الكاملة العليا.
ونؤمن بوحدانيته في ذلك، أي بأنه لا شريك له في ربوبيته، ولا في ألوهيته، ولا في أسمائه وصفاته، قال الله تعالى: ]رب السموات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سمياً[(1).
نؤمن بأنه: ]الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذاًه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلم العظيم[(2).
ونؤمن بأنه: ]هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم. هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون. هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم[(3).
ونؤمن بأن له ملك السموات والأرض: ]يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور. أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً إنه عليم قدير[(4).
ونؤمن بأنه ]ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.له مقاليد السموات والأرض يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه بكل شيء عليم[(5).
ونؤمن بأنه: ]وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين[(6).
ونؤمن بأنه : ] وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو و يعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض و لا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين[(1).
ونؤمن بأن الله: ]عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير[(2).
ونؤمن بأن الله يتكلم بما شاء ، متى شاء ، كيف شاء : ]وكلم الله موسى تكليماً[(3). ]ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه[(4)]وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجياً[(5).
ونؤمن بأنه: ]لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي[(6). ]ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم[(7).
ونؤمن بأن كلماته أتم الكلمات، صدقاً في الأخبار وعدلاً في الأحكام وحسناً في الحديث قال الله تعالى: ]وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً[(8). ]ومن أصدق من الله حديثاً[(9).
ونؤمن بـأن القرآن الكريم، كلام الله تعالى تكلم به حقاً وألقاه إلى جبريل فنزل به جبريل على قلب النبي، صلى الله عليه وسلم: ]قل نزَّله روح القدس من ربك بالحق[(10). ]وإنه لتنزيل رب العالمين. نزل به الروح الأمين.على قلبك لتكون من المنذرين. بلسان عربي مبين[(11).
ونؤمن بأن الله عز وجل علي على خلقه بذاته، وصفاته لقوله تعالى:]وهو العلي العظيم[(12). وقوله: ]وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير [ (13) - هناك آيات من القرآن الكريم مثل ( وهو معكم اينما كنتم ) - ( هو الذى فى السماء اله وفى الأرض اله ) , وهناك حديث ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ) -.
ونؤمن بأنه: ]خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر[(1). واستواؤه على العرش، علوه عليه بذاته، علواً خاصاً، يليق بجلاله وعظمته، لا يعلم كيفيته إلا هو.
ونؤمن بأنه تعالى مع خلقه، وهو على عرشه، يعلم أحوالهم، ويسمع أقوالهم ويرى أفعالهم ويدبر أمورهم، يرزق الفقير ويجبر الكسير، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء بيده الخير وهو على كل شيء قدير. ومن كان هذا شأنه كان مع خلقه حقيقة، وإن كان فوقهم على عرشه حقيقة (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير[(2).
ولا نقول كما تقول الحلولية، من الجهمية وغيرهم: إنه مع خلقه في الأرض.
ونرى أن من قال ذلك، فهو كافر أو ضال لأنه وصف الله بما لا يليق به من النقائص.
ونؤمن بما أخبر به عنه رسوله، صلى الله عليه وسلم، أنه ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول: "من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟" - ورد بروايتين أحداهما هى " ينزل " بفتح الباء , والأخرى " ينزل " بضم الباء أى ينزل رحمة ومغفرة وفضل -.
ونؤمن بأنه سبحانه تعالى يأتي يوم المعاد، للفصل بين العباد لقوله تعالى: ]كلا إذا دكت الأرض دكاً دكاً . وجاء ربك والملك صفاً صفاً . وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى[(3).
ونؤمن بأنه تعالى: ]فعال لما يريد[(4).
ونؤمن بأن إرادته تعالى نوعان:
كونية: يقع بها مراده، ولا يلزم أن يكون محبوباً له، وهي التي بمعنى المشيئة كقوله تعالى: ]ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد[(5). ]إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم[(6).
وشرعية:لا يلزم منها وقوع المراد ، ولا يكون المراد فيها إلا محبوباً له كقوله تعالى:
]والله يريد أن يتوب عليكم[(1).
ونؤمن بأن مراده الكوني، والشرعي تابع لحكمته، فكل ما قضاه كوناً، أو تعبد به خلقه شرعاً فإنه لحكمة، وعلى وفق الحكمة، سواء علمنا منها ما نعلم، أو تقاصرت عقولنا عن ذلك: ]أليس الله بأحكم الحاكمين[(2). ]ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون[(3).
ونؤمن بأن الله تعالى يحب أولياءه، وهم يحبونه : ]قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله[(4). ]فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه[(5). ]والله يحب الصابرين[(6). ]واقسطوا إن الله يحب المقسطين[(7). ]وأحسنوا إن الله يحب المحسنين[(8).
ونؤمن بأن الله تعالى يرضى ما شرعه من الأعمال والأقوال ، ويكره ما نهى عنه منها : ]إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم[(9). ]ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين[(10).
ونؤمن بأن الله تعالى يرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ]رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه[(11).
ونؤمن بأن الله تعالى يغضب على من يستحق الغضب ، من الكافرين وغيرهم : ]الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم[(12). ]ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم[(13).
قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون[(3).
ونؤمن بأن لله تعالى عينين اثنتين حقيقيتين لقوله تعالى: ]واصنع الفلك بأعيننا ووحينا[(4) - ذكرت الآية الكريمة أعين وليس عينين إثنتين , وهناك آية ذكر فيها عين واحدة فقط , فجاءت الجمع والمفرد ولم تأتى بالمثنى فى أى موضع من القرآن أو السنة المطهرة أو قول الصحابة والأئمة الأربعة ). وقال النبي، صلى الله عليه وسلم،: "حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه".
وأجمع أهل السنة ( من المدرسة السلفية ) على أن العينين اثنتان، ويؤيده قول النبي، صلى الله عليه وسلم، في الدجال: "إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور".
ونؤمن بأن الله تعالى ]لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير[(5).
ونؤمن بأن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة: ]وجوه يومئذ ناضرة . إلى ربها ناظرة[(6).
ونؤمن بأن الله تعالى لا مثيل له لكمال صفاته ]ليس كمثله شيء وهو السميع البصير[(7).
ونؤمن بأنه ]لا تأخذه سنة ولا نوم[(8). لكمال حياته وقيوميته.
ونؤمن بأنه لا يظلم أحداً، لكمال عدله.
وبأنه ليس بغافل عن أعمال عباده، لكمال رقابته وإحاطته.
ونؤمن بأنه لا يعجزه شيء في السماوات ولا في الأرض، لكمال علمه وقدرته: ]إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون[(9).
وبأنه لا يلحقه تعب، ولا إعياء، لكمال قوته: ]ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب[(1) أي من تعب ولا إعياء.
ونؤمن بثبوت كل ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله، صلى الله عليه وسلم، من الأسماء والصفات، لكننا نتبرأ من محذورين عظيمين هما:
التمثيل: أن يقول بقلبه أو لسانه: صفات الله تعالى كصفات المخلوقين.
والتكييف : أن يقول بقلبه أو لسانه: كيفية صفات الله تعالى كذا وكذا.
ونؤمن بانتفاء كل ما نفاه الله عن نفسه، أو نفاه عنه رسوله، صلى الله عليه وسلم، وأن ذلك النفي يتضمن إثباتاً لكمال ضده.
ونسكت عما سكت الله عنه، ورسوله.
ونرى أن السير على هذا الطريق فرض لابد منه، وذلك لأن ما أثبته الله لنفسه، أو نفاه عنها سبحانه فهو خبر أخبر الله به عن نفسه، وهو سبحانه أعلم بنفسه، وأصدق قيلا، وأحسن حديثاً، والعباد لا يحيطون به علماً.
وما أثبته له رسوله، أو نفاه فهو خبر أخبر به عنه، وهو أعلم الناس بربه، وأنصح الخلق، وأصدقهم وأفصحهم.
ففي كلام الله تعالى ورسوله، صلى الله عليه وسلم، كمال العلم، والصدق، والبيان، فلا عذر في رده، أو التردد في قبوله.
فصل في الاسماءوالصفات ( تبعاً للمدرسة السلفية )
وكل ما ذكرناه من صفات الله تعالى تفصيلاً أو إجمالاً، إثباتاً أو نفياً، فإننا في ذلك على كتاب ربنا، وسنة نبينا معتمدون، وعلى ما سار عليه سلف الأمة وأئمة الهدى من بعدهم سائرون.
ونرى وجوب إجراء نصوص الكتاب والسنة في ذلك على ظاهرها وحملها على حقيقتها اللائقة بالله عز وجل.
ونتبرأ من طريق المحرفين لها، الذين صرفوها إلى غير ما أراد الله بها ورسوله.
ومن طريق المعطلين لها، الذين عطلوها من مدلولها الذي أراده الله ورسوله.
ومن طريق الغالين فيها الذين حملوها على التمثيل، أو تكلفوا لمدلولها التكييف.
ونعلم علم اليقين أن ما جاء في كتاب الله تعالى أو سنة نبيه، صلى الله عليه وسلم، فهو حق لا يناقض بعضه بعضاً لقوله تعالى: ]أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً[(1). ولأن التناقض في الأخبار يستلزم تكذيب بعضها بعضاً، وهذا محال في خبر الله تعالى ورسوله، صلى الله عليه وسلم.
ومن ادعى أن في كتاب الله تعالى أو في سنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، أو بينهما تناقضاً، فذلك لسوء قصده، وزيغ قلبه فليتب إلى الله ولينزع عن غيه.
ومن توهم التناقض في كتاب الله تعالى أو في سنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، أو بينهما، فذلك إما لقلة علمه، أو قصور فهمه، أو تقصيره في التدبر، فليبحث عن العلم، وليجتهد في التدبر حتى يتبين له الحق، فإن لم يتبين له فليكل الأمر إلى عالمه وليكف عن توهمه، وليقل كما يقول الراسخون في العلم: ]آمنا به كل من عند ربنا[(2). وليعلم أن الكتاب والسنة لا تناقض فيهما ولا بينهما ولا اختلاف.
فصل في الملائكة
ونؤمن بملائكة الله تعالى وأنهم: ]عباد مكرمون . لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون[(1).خلقهم الله تعالى فقاموا بعبادته، وانقادوا لطاعته ]لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون. يسبحون الليل والنهار لا يفترون[(2).
حجبهم الله عنا، فلا نراهم، وربما كشفهم لبعض عباده، فقد رأى النبي، صلى الله عليه وسلم، جبريل على صورته له ستمائة جناح قد سد الأفق، وتمثل جبريل لمريم بشراً سوياً فخاطبته وخاطبها، وأتى إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، وعنده الصحابة، بصورة رجل لا يعرف ولا يرى عليه أثر السفر، شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، فجلس إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتي النبي، صلى الله عليه وسلم، ووضع كفيه على فخذيه وخاطب النبي، صلى الله عليه وسلم، وخاطبه النبي، صلى الله عليه وسلم، وأخبر النبي، صلى الله عليه وسلم، أصحابه أنه جبريل.
ونؤمن بأن للملائكة أعمالاً كلفوا بها.
فمنهم جبريل الموكل بالوحي، ينزل به من عند الله على من يشاء من أنبيائه ورسله.
ومنهم ميكائيل، الموكل بالمطر والنبات.ومنهم إسرافيل الموكل بالنفخ في الصور حين الصعق والنشور.ومنهم ملك الموت، الموكل بقبض الأرواح عند الموت.ومنهم ملك الجبال، الموكل بها.ومنهم مالك خازن النار.ومنهم ملائكة موكلون بالأجنة في الأرحام، وآخرون موكلون بحفظ بني آدم، وآخرون موكلون بكتابة أعمالهم، لكل شخص ملكان:]عن اليمين وعن الشمال قعيد.ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد[(3).وآخرون موكلون بسؤال الميت بعد الانتهاء من تسليمه إلى مثواه ، يأتيه ملكان يسألانه عن ربه ، ودينه،ونبيه فـ ]يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء[(4).ومنهم الملائكة، الموكلون بأهل الجنة: ]والملائكة يدخلون عليهم من كل باب. سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار[(5).
وقد أخبر النبي، صلى الله عليه وسلم، أن البيت المعمور في السماء يدخله ـ وفي رواية يصلي فيه ـ كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه آخر ما عليهم.
فصل بالكتب السماوية
ونؤمن بأن الله تعالى أنزل على رسله كتباً حجة على العالمين، ومحجة للعاملين يعلمونهم بها الحكمة، ويزكونهم.
ونؤمن بأن الله تعالى أنزل مع كل رسول كتاباً لقوله تعالى: ]لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط[(1).
ونعلم من هذه الكتب:
1.التوراة: التي أنزلها الله تعالى على موسى، صلى الله عليه وسلم، وهي أعظم كتب بني إسرائيل: ]فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء[(2).
2.الإنجيل: الذي أنزله الله تعالى على عيسى، صلى الله عليه وسلم، وهو مصدق للتوراة، ومتمم لها: ]وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقاً لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين[(3). ]ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم[(4).
3.الزبور: الذي آتاه الله تعالى داود، صلى الله عليه وسلم.
4.صحف إبراهيم وموسى، عليهما الصلاة والسلام.
5.القرآن العظيم: الذي أنزله الله على نبيه، محمد خاتم النبيين ]هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان[(5) فكان ]مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه[(6). فنسخ الله به جميع الكتب السابقة، وتكفل بحفظه عن عبث العابثين، وزيغ المحرفين ]إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون[(7). لأنه سيبقى حجة على الخلق أجمعين، إلى يوم القيامة.
أما الكتب السابقة، فإنها مؤقتة بأمد ينتهي بنزول ما ينسخها، ويبين ما حصل فيها من تحريف وتغيير. ولهذا لم تكن معصومة منه، فقد وقع فيها التحريف والزيادة والنقص.
]من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه[(8).
]فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون[(1).
]قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نوراً وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيراً[(2).
]وإن منهم لفريقاً يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون. ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله[(3).
]يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب[ إلى قوله : ]لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم[(4).
فصل في الرسل والانبياء
ونؤمن بأن الله تعالى بعث إلى خلقه رسلاً: ]مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزاً حكيماً[(1).
ونؤمن بأن أولهم نوح، وآخرهم محمد صلى الله وسلم عليهم أجمعين ]إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده[(2). ]ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين[(3).
وأن أفضلهم محمد، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم نوح، وعيسى ابن مريم، وهم المخصوصون في قوله تعالى: ]وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقاً غليظاً[(4).
ونعتقد أن شريعة محمد، صلى الله عليه وسلم، حاوية لفضائل شرائع هؤلاء الرسل المخصوصين بالفضل لقوله تعالى: ]شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه[(5).
ونؤمن بأن جميع الرسل بشر مخلوقون، ليس لهم من خصائص الربوبية شيء. قال الله تعالى عن نوح، وهو أولهم: ]ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك[(6). وأمر الله تعالى محمداً، وهو آخرهم أن يقول: ]قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك[(7). وأن يقول: ]لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله[(8). وأن يقول: ]قل إني لا أملك لكم ضراً ولا رشداً. قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا[(9).
ونؤمن بأنهم عبيد من عباد الله، أكرمهم الله تعالى بالرسالة، ووصفهم بالعبودية في أعلى مقاماتهم، وفي سياق الثناء عليهم، فقال في أولهم نوح: ]ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبداً شكوراً[(1). وقال في آخرهم محمد، صلى الله عليه وسلم: ]تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً[(2). وقال في رسل آخرين: ]واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار[(3). ]واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب[(4). ]ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب[(5). وقال في عيسى ابن مريم: ]إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلاً لبني إسرائيل[(6).
ونؤمن بأن الله تعالى ختم الرسالات برسالة محمد، صلى الله عليه وسلم، وأرسله إلى جميع الناس لقوله تعالى: ]قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون[(7).
ونؤمن بأن شريعته، صلى الله عليه وسلم، هي دين الإسلام الذي ارتضاه الله تعالى لعباده، وأن الله تعالى لا يقبل من أحد ديناً سواه لقوله تعالى: ]إن الدين عند الله الإسلام[(8)، وقوله: ]اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً[(9). وقوله: ]ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين[(10).
ونرى أن من زعم اليوم ديناً قائماً مقبولاً عند الله سوى دين الإسلام، من دين اليهودية، أو النصرانية، أو غيرهما، فهو كافر يستتاب فإن تاب وإلا قتل مرتداً، لأنه مكذب للقرآن.
ونرى أن من كفر برسالة محمد، صلى الله عليه وسلم، إلى الناس جميعاً فقد كفر بجميع الرسل، حتى برسوله الذي يزعم أنه مؤمن به، متبع له، لقوله تعالى: ]كذبت قوم نوح المرسلين[(11). فجعلهم مكذبين لجميع الرسل مع أنه لم يسبق نوحاً رسول. وقال تعالى: ]إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاً. أولئك هم الكافرون حقاً وأعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً[(1).
ونؤمن بأنه لا نبي بعد محمد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ومن ادعى النبوة بعده أو صدق من ادعاها فهو كافر، لأنه مكذب لله، ورسوله، وإجماع المسلمين.
ونؤمن بأن للنبي، صلى الله عليه وسلم، خلفاء راشدين خلفوه في أمته: علماً، ودعوة، وولاية على المؤمنين، وبأن أفضلهم وأحقهم بالخلافة أبو بكر الصديق، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان، ثم علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم أجمعين.
وهكذا كانوا في الخلافة قدراً كما كانوا في الفضيلة، وما كان الله تعالى وله الحكمة البالغة ليولي على خير القرون رجلاً، وفيهم من هو خير منه وأجدر بالخلافة.
ونؤمن بأن المفضول من هؤلاء قد يتميز بخصيصة يفوق فيها من هو أفضل منه، لكنه لا يستحق بها الفضل المطلق على من فضله، لأن موجبات الفضل كثيرة متنوعة.
ونؤمن بأن هذه الأمة خير الأمم، وأكرمها على الله عز وجل، لقوله تعالى: ]كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله[(2).
ونؤمن بأن خير هذه الأمة الصحابة، ثم التابعون، ثم تابعوهم.
وبأنه لا تزال طائفة من هذه الأمة على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم، أو خالفهم حتى يأتي أمر الله عز وجل.
ونعتقد أن ما جرى بين الصحابة رضي الله عنهم من الفتن، فقد صدر عن تأويل اجتهدوا فيه. فمن كان منهم مصيباً كان له أجران، ومن كان منهم مخطئاً فله أجر واحد، وخطؤه مغفور له.
ونرى أنه يجب أن نكف عن مساوئهم، فلا نذكرهم إلا بما يستحقونه من الثناء الجميل، وأن نطهر قلوبنا من الغل والحقد على أحد منهم ، لقوله تعالى فيهم : ] لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى[(3). وقول الله تعالى فينا : ] والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم[(4).
فصل في اليوم الاخر
ونؤمن باليوم الآخر، وهو يوم القيامة الذي لا يوم بعده ، حين يبعث الناس أحياء للبقاء : إما في دار النعيم، وإما في دار العذاب الأليم.
فنؤمن بالبعث وهو إحياء الله تعالى الموتى، حين ينفخ إسرافيل في الصور النفخة الثانية ]ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون[(1).
فيقوم الناس من قبورهم لرب العالمين، حفاة بلا نعال، عراة بلا ثياب، غرلاً بلا ختان ]كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين[(2).
ونؤمن بصحائف الأعمال تعطى باليمين، أو من وراء الظهور بالشمال ]فأما من أوتى كتابه بيمينه . فسوف يحاسب حساباً يسيراً. وينقلب إلى أهله مسروراً. وأما من أوتي كتابه وراء ظهره . فسوف يدعوا ثبوراً . ويصلى سعيراً[(3). ]وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً . اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً[(4).
ونؤمن بالموازين توضع يوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً ]فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره. ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره[(5). ]فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون. ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون. تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون[(6). ]من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون[(7).
ونؤمن بالشفاعة العظمى لرسول الله، صلى الله عليه وسلم ، خاصة، يشفع عند الله تعالى بإذاًه ليقضي بين عباده، حين يصيبهم من الهم والكرب مالا يطيقون فيذهبون إلى آدم، ثم نوح، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى حتى تنتهي إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
ونؤمن بالشفاعة فيمن دخل النار من المؤمنين أن يخرجوا منها، وهي للنبي، صلى الله عليه وسلم ، وغيره من النبيين، والمؤمنين، والملائكة.
وبأن الله تعالى يخرج من النار أقواماً من المؤمنين بغير شفاعة، بل بفضله ورحمته.
ونؤمن بحوض رسول الله، صلى الله عليه وسلم ، ماؤه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، وأطيب من رائحة المسك، طوله شهر، وعرضه شهر، وآنيته كنجوم السماء حسناً وكثرة، يرده المؤمنون من أمته، من شرب منه لم يظمأ بعد ذلك.
ونؤمن بالصراط المنصوب على جهنم، يمر الناس عليه على قدر أعمالهم، فيمر أولهم كالبرق، ثم كمر الريح، ثم كمر الطير، وأشد الرجال، والنبي، صلى الله عليه وسلم ، قائم على الصراط يقول: "يا رب سلم سلم". حتى تعجز أعمال العباد، فيأتي من يزحف، وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة، تأخذ من أمرت به، فمخدوش ناج، ومكردس في النار.
ونؤمن بكل ما جاء في الكتاب والسنة، من أخبار ذلك اليوم وأهواله، أعاننا الله عليها.
ونؤمن بشفاعة النبي، صلى الله عليه وسلم ، لأهل الجنة أن يدخلوها. وهي للنبي، صلى الله عليه وسلم ، خاصة.
ونؤمن بالجنة والنار، فالجنة دار النعيم، التي أعدها الله تعالى للمؤمنين المتقين، فيها من النعيم ما لا عين رأت، ولا إذاً سمعت، ولا خطر على قلب بشر ]فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون[(1).
والنار دار العذاب، التي أعدها الله تعالى للكافرين الظالمين، فيها من العذاب، والنكال ما لا يخطر على البال ]إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقاً[(2).
وهما موجودتان الآن، ولن تفنيا أبد الآبدين ]ومن يؤمن بالله ويعمل صالحاً يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً قد أحسن الله له رزقاً[(3).
]إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيراً. خالدين فيها أبداً لا يجدون ولياً ولا نصيراً. يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا[(4).
ونشهد بالجنة لكل من شهد له الكتاب والسنة بالعين، أو بالوصف.
فمن الشهادة بالعين: الشهادة لأبي بكر،وعمر، وعثمان، وعلي، ونحوهم ممن عينهم النبي، صلى الله عليه وسلم.
ومن الشهادة بالوصف: الشهادة لكل مؤمن، أو تقي.
ونشهد بالنار لكل من شهد له الكتاب والسنة بالعين، أو بالوصف.
فمن الشهادة بالعين: الشهادة لأبي لهب، وعمرو بن لحي الخزاعي، ونحوهما.
ومن الشهادة بالوصف: الشهادة لكل كافر، أو مشرك شركاً أكبر، أو منافق.
ونؤمن بفتنة القبر، وهي سؤال الميت في قبره عن ربه، ودينه، ونبيه فـ]يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة[(1).
فيقول المؤمن: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد. وأما الكافر والمنافق فيقول: لا أدري سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته.
ونؤمن بنعيم القبر للمؤمنين ]الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون[(2).
ونؤمن بعذاب القبر للظالمين الكافرين ]ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون[(3) .
والأحاديث في هذا كثيرة معلومة، فعلى المؤمن أن يؤمن بكل ما جاء به الكتاب والسنة من هذه الأمور الغيبية، وأن لا يعارضها بما يشاهد في الدنيا، فإن أمور الآخرة لا تقاس بأمور الدنيا لظهور الفرق الكبير بينهما. والله المستعان.
فصل في القدر: خيره وشره
ونؤمن بالقدر: خيره وشره، وهو تقدير الله تعالى للكائنات حسبما سبق به علمه، واقتضته حكمته.
وللقدر أربع مراتب:
المرتبة الأولى: العلم، فنؤمن بأن الله تعالى بكل شيء عليم، علم ما كان، وما يكون، وكيف يكون بعلمه الأزلي الأبدي، فلا يتجدد له علم بعد جهل، ولا يلحقه نسيان بعد علم.
المرتبة الثانية: الكتابة، فنؤمن بأن الله تعالى كتب في اللوح المحفوظ، ما هو كائن إلى يوم القيامة: ]ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير[(1).
المرتبة الثالثة: المشيئة، فنؤمن بأن الله تعالى قد شاء كل ما في السماوات والأرض، لا يكون شيء إلا بمشيئته. ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن.
المرتبة الرابعة: الخلق، فنؤمن بأن الله تعالى ]خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل. له مقاليد السموات والأرض[(2).
وهذه المراتب الأربع شاملة لما يكون من الله تعالى نفسه، ولما يكون من العباد، فكل ما يقوم به العباد من أقوال، أو أفعال أو تروك فهي معلومة لله تعالى، مكتوبة عنده، والله تعالى قد شاءها وخلقها ]لمن شاء منكم أن يستقيم. وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين[(3). ]ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد[(4). ]ولو شاء الله ما فعلوه فذرهم وما يفترون[(5). ]والله خلقكم وما تعملون[(6).
ولكننا مع ذلك نؤمن بأن الله تعالى جعل للعبد اختياراً وقدرة بهما يكون الفعل.
والدليل على أن فعل العبد باختياره وقدرته أمور:
الأول: قوله تعالى: ]فأتوا حرثكم أنى شئتم[(7). وقوله : ] ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة [ (8) . فأثبت للعبد إتياناً بمشيئته ، وإعداداً بإرادته.
الثاني :توجيه الأمر والنهي إلى العبد ، ولو لم يكن له إختيار وقدرة ؛ لكان توجيه ذلك إليه من التكليف بما لا يطاق ، وهو أمر تاباه حكمة الله تعالى ورحمته وخبره الصادق في قوله : ] لا يكلف الله نفساً إلا وسعها [ (1) .
الثالث : مدح المحسن على إحسانه ، وذم المسئ على إساءته وإثابة كل منهما بما يستحق .
ولولا أن فعل العبد يقع بإرادته واختياره،لكان مدح المحسن عبثاً وعقوبة المسئ ظلماً ، والله تعالى منزه عن العبث والظلم .
والرابع : أن الله تعالى أرسل الرسل ]رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل[ (2) .
ولولا أن فعل العبد يقع بإرادته واختياره، ما بطلت حجته بإرسال الرسل.
الخامس: أن كل فاعل يحس أنه يفعل الشيء، أو يتركه بدون أي شعور بإكراه، فهو يقوم، ويقعد، ويدخل، ويخرج، ويسافر، ويقيم بمحض إرادته، ولا يشعر بأن أحداً يكرهه على ذلك، بل يفرق تفريقاً واقعياً بين أن يفعل الشيء باختياره وبين أن يكرهه عليه مكره. وكذلك فرق الشرع بينهما تفريقاً حكمياً، فلم يؤاخذ الفاعل بما فعله مكرهاً عليه، فيما يتعلق بحق الله تعالى.
ونرى أنه لا حجة للعاصي على معصيته بقدر الله تعالى، لأن العاصي يقدم على المعصية باختياره، من غير أن يعلم أن الله تعالى قدرها عليه، إذ لا يعلم أحد قدر الله تعالى إلا بعد وقوع مقدوره ]وما تدري نفس ماذا تكسب غداً[(3) فكيف يصح الاحتجاج بحجة لا يعلمها المحتج بها، حين إقدامه على ما اعتذر بها عنه. وقد أبطل الله تعالى هذه الحجة بقوله: ]سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون[(4).
ونقول للعاصي المحتج بالقدر: لماذا لم تقدم على الطاعة مقدراً أن الله تعالى قد كتبها لك؟ فإنه لا فرق بينها وبين المعصية في الجهل بالمقدور قبل صدور الفعل منك. ولهذا لما أخبر النبي، صلى الله عليه وسلم، الصحابة بأن كل واحد قد كتب مقعده من الجنة، ومقعده من النار قالوا: أفلا نتكل وندع العمل. قال: "لا، اعملوا فكل ميسر لما خلق له".
ونقول للعاصي المحتج بالقدر: لو كنت تريد السفر لمكة، وكان لها طريقان، أخبرك الصادق أن أحدهما مخوف صعب، والثاني آمن سهل، فإنك ستسلك الثاني: ولا يمكن أن تسلك الأول وتقول: إنه مقدر علي ولو فعلت لعدك الناس في قسم المجانين.
ونقول له أيضاً : لو عرض عليك وظيفتان إحداهما ذات مرتب أكثر ، فإنك سوف تعمل فيها دون الناقصة ، فكيف تختار لنفسك في عمل الآخرة ما هو الأدنى ثم تحتج بالقدر؟.
ونقول له أيضاً: نراك إذا أصبت بمرض جسمي، طرقت باب كل طبيب لعلاجك، وصبرت على ما ينالك من ألم عملية الجراحة، وعلى مرارة الدواء، فلماذا لا تفعل مثل ذلك في مرض قلبك بالمعاصي؟
ونؤمن بأن الشر لا ينسب إلى الله تعالى لكمال رحمته وحكمته، قال النبي، صلى الله عليه وسلم، : " والشر ليس إليك" رواه مسلم . فنفس قضاء الله تعالى ليس فيه شراً أبداً ، لأنه صادر عن رحمة وحكمة .
وإنما يكون الشر في مقتضياته ؛ لقول النبي ، صلى الله ، في دعاء القنوت الذي علمه الحسن: "وقني شر ما قضيت". فأضاف الشر إلى ما قضاه. ومع هذا فإن الشر في المقضيات ليس شراً خالصاً محضاً، بل هو شر في محله من وجه، خير من وجه، أو شر في محله، خير في محل آخر.
فالفساد في الأرض من: الجدب، والمرض، والفقر، والخوف شر، لكنه خير في محل آخر. قال الله تعالى: ]ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون[(1).
وقطع يد السارق، ورجم الزاني شر بالنسبة للسارق والزاني في قطع اليد وإزهاق النفس، لكنه خير لهما من وجه آخر، حيث يكون كفارة لهما، فلا يجمع لهما بين عقوبتي الدنيا والآخرة، وهو أيضاً خير في محل آخر، حيث إن فيه حماية الأموال والأعراض والأنساب.
فصل ثمرات العقيدة الصحيحة
هذه العقيدة السامية المتضمنة لهذه الأصول العظيمة، تثمر لمعتقدها ثمرات جليلة كثيرة.
فالإيمان بالله تعالى وأسمائه وصفاته، يثمر للعبد محبة الله وتعظيمه الموجبين للقيام بأمره واجتناب نهيه، والقيام بأمر الله تعالى واجتناب نهيه، يحصل بهما كمال السعادة في الدنيا والآخرة للفرد والمجتمع ]من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون[(1).
ومن ثمرات الإيمان بالملائكة:
أولاً: العلم بعظمة خالقهم تبارك وتعالى وقوته وسلطانه.
ثانياً: شكره تعالى على عنايته بعباده، حيث وكل بهم من هؤلاء الملائكة من يقوم بحفظهم وكتابة أعمالهم، وغير ذلك من مصالحهم.
ثالثاً: محبة الملائكة على ما قاموا به من عبادة الله تعالى على الوجه الأكمل واستغفارهم للمؤمنين.
ومن ثمرات الإيمان بالكتب:
أولاً: العلم برحمة الله تعالى وعنايته بخلقه، حيث أنزل لكل قوم كتاباً يهديهم به.
ثانياً: ظهور حكمة الله تعالى، حيث شرع في هذه الكتب لكل أمة ما يناسبها. وكان خاتم هذه الكتب القرآن العظيم، مناسباً لجميع الخلق في كل عصر، ومكان إلى يوم القيامة.
ثالثاً: شكر نعمة الله تعالى على ذلك.
ومن ثمرات الإيمان بالرسل:
أولاً: العلم برحمة الله تعالى وعنايته بخلقه، حيث أرسل إليهم أولئك الرسل الكرام، للهداية والإرشاد.
ثانياً: شكره تعالى على هذه النعمة الكبرى.
ثالثاً: محبة الرسل، وتوقيرهم، والثناء عليهم بما يليق بهم، لأنهم رسل الله تعالى وخلاصة عبيده، قاموا لله بعبادته، وتبليغ رسالته، والنصح لعباده، والصبر على أذاهم.
ومن ثمرات الإيمان باليوم الآخر:
أولاً: الحرص على طاعة الله تعالى رغبة في ثواب ذلك اليوم، والبعد عن معصيته، خوفاً من عقاب ذلك اليوم.
ثانياً: تسلية المؤمن عما يفوته من نعيم الدنيا، ومتاعها بما يرجوه من نعيم الآخرة وثوابها.
ومن ثمرات الإيمان بالقدر:
أولاً: الاعتماد على الله تعالى عند فعل الأسباب، لأن السبب والمسبب كليهما بقضاء الله وقدره.
ثانياً: راحة النفس وطمأنينة القلب، لأنه متى علم أن ذلك بقضاء الله تعالى، وأن المكروه كائن لا محالة، ارتاحت النفس واطمأن القلب ورضي بقضاء الرب، فلا أحد أطيب عيشاً، وأروح نفساً، وأقوى طمأنينة ممن آمن بالقدر.
ثالثاً: طرد الإعجاب بالنفس، عند حصول المراد، لأن حصول ذلك نعمة من الله بما قدره من أسباب الخير والنجاح، فيشكر الله تعالى على ذلك ويدع الإعجاب.
رابعاً: طرد القلق والضجر عند فوات المراد، أو حصول المكروه، لأن ذلك بقضاء الله تعالى الذي له ملك السماوات والأرض، وهو كائن لا محالة، فيصبر على ذلك ويحتسب الأجر.
وإلى هذا يشير الله تعالى بقوله: ]ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختالٍ فخور[(1).
فنسأل الله تعالى أن يثبتنا على هذه العقيدة، وأن يحقق لنا ثمراتها ويزيدنا من فضله، وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يهب لنا منه رحمة، إنه هو الوهاب، والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان.
وأبرز اعلام المدرسة السلفية:
ائمة السلف من الصحابةوالتابعبن والائمة مثل
الامام ابو حنبفة
الامام مالك
الامام الشافعي
أحمد بن حنبل.
( تشترك المدارس الثلاث لأهل السنة والجماعة - السلفية والأشاعرة والماتريدية - بنسبة أنفسهم إلى الأئمة الأربعة , لذللك ليس من العدل أن تنسب مدرسة نفسها إلى هؤلاء الأئمة دون أخرى , ولكن تنسب نفسها إلى أول من ظهرت المدرسة على يديه , فالأشعرية تنسب نفسها إلى أبى الحسن الأشعرى , والماتريدية تنسب نفسها إلى أبى المنصور الماتريدى , والسلفية تنسب نفسها إلى احمد بن تيمية.
ابن تيمية.
الشيخ عبد المجيد سليم (مفتى الديار المصرية السابق)
محمد بن عبدالوهاب.
محمد رشيد رضا (صاحب المنار) في مصر.
الشيخ (محمد حامد الفقي ) في مصر مؤسس جمعية انصار السنة المحمدية
الشيخ احمد محمد شاكر في مصر
الشيج محمود شاكر في مصر
البوفالي والشيخ الدهلوي في الهند.
الثعالبي في تونس.
ابن باديس في الجزائر.
علال الفاسي في المغرب.
الالوسي في العراق.
الشيخ محمد الأمين الشنقيطي
الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في الاردن
الشيخ عبد العزيز بن باز في نجد (السعودية)
الشيخ محمد بن صالح العثيمين في نجد (السعودية)
الشيخ محمود شلتوت في مصر
الشيخ مقبل بن هادي الوادعي في اليمن
الشيخ محمد بن عبد الوهاب البنا في مصر
الشيخ احمد النجمي في الحجاز (السعودية)
الشيخ جميل الرحمن في أفغانستان
الشيخ صالح الفوزان في نجد (السعودية)
واهل العلم من ال الشيخ في نجد (السعودية)
واخرون كثير........ وفي العصر الحاضر اصبح الكثير من الناس يدعواالسلفية ، ولذلك كثر تباين المواقف .
وهذه امثلة من اقوالهم:
وجه هذا السؤال للعلامة محمد بن عثيمين في فتاوى نور على الدرب :هذه مستمعة من الرياض لها مجموعة من الأسئلة تقول في السؤال الأول أسمع عن السلف من هم السلف يا فضيلة الشيخ ؟
الجواب الشيخ: السلف معناه المتقدمون فكل متقدم على غيره فهو سلف له ولكن إذا أطلق لفظ السلف فالمراد به القرون الثلاثة المفضلة الصحابة والتابعون وتابعوهم هؤلاء هم السلف الصالح ومن كان بعدهم وسار على منهاجهم فإنه مثلهم على طريقة السلف وإن كان متأخراً عنهم في الزمن لأن السلفية تطلق على المنهاج الذي سلكه السلف الصالح رضي الله عنهم كما قال النبي عليه الصلاة والسلام (إني أمتي ستفترق على ثلاثة وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة) وفي لفظ (من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي) - حديث مختلف على صحته - وبناء على ذلك تكون السلفية هنا مقيدة بالمعنى فكل من كان على منهاج الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان فهو سلفي وإن كان في عصرنا هذا وهو القرن الرابع عشر بعد الهجرة نعم فتاوى نور على الدرب (نصية) : التوحيد والعقيدة
أجاب الشيخ محمد ناصر الدين الألباني
معنى السلفية ؟ وإلى من تنسب ؟ وهل يجوز الخروج عن فهم السلف الصالح في تفسير النصوص الشرعية ؟
السؤال لبعض الأخوة الجالسين يسمعون عن الدعوة السلفية سماعاً ويقرؤون عنها ما يُكتب من قِبَلِ خصومها لا من قِبَلِ أتباعها ودُعاتِها ، فالمرجو من فضيلتكم – وأنتم من علماء السلفية ودعاتها – شرح موقف السلفية بين الجماعات الإسلامية اليوم . الجواب أنا أجبتُ عن مثل هذا السؤال أكثر من مرة ، لكن لا بد من الجواب وقد طُرِحَ السؤال ، فأقول : أقول كلمة حقٍّ لا يستطيع أي مسلم أن يجادل فيها بعد أن تتبين له الحقيقة : أول ذلك : الدعوة السلفية ، نسبة إلى ماذا ؟ السلفية نسبة إلى السلف ، فيجب أن نعرف من هم السلف إذا أُطلق عند علماء المسلمين : السلف ، وبالتالي تُفهم هذه النسبة وما وزنها في معناها وفي دلالتها ، السلف : هم أهل القرون الثلاثة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخيرية في الحديث الصحيح المتواتر المخرج في الصحيحين وغيرهما عن جماعة من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : ( خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم )هؤلاء القرون الثلاثة الذين شهد لهم الرسول عليه السلام بالخيرية ، فالسلفية تنتمي إلى هذا السلف ، والسلفيون ينتمون إلى هؤلاء السلف ، إذا عرفنا معنى السلف والسلفية حينئذٍ أقول أمرين اثنين : الأمر الأول : أن هذه النسبة ليست نسبة إلى شخص أو أشخاص ، كما هي نِسَب جماعات أخرى موجودة اليوم على الأرض الإسلامية ، هذه ليست نسبة إلى شخص ولا إلى عشرات الأشخاص ، بل هذه النسبة هي نسبةٌ إلى العصمة ، ذلك لأن السلف الصالح يستحيل أن يجمعوا على ضلالة ، وبخلاف ذلك الخلف ، فالخلف لم يأتِ في الشرع ثناء عليهم بل جاء الذم في جماهيرهم ، وذلك في تمام الحديث السابق حيث قال عليه السلام : ( ثم يأتي من بعدهم أقوامٌ يَشهدون ولا يُستشهدون ، ) إلى آخر الحديث ، كما أشار عليه السلام إلى ذلك في حديث آخر فيه مدحٌ لطائفةٍ من المسلمين وذمٌّ لجماهيرهم بمفهوم الحديث حيث قال عليه السلام : ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ، لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله ) أو ( حتى تقوم الساعة ) ، فهذا الحديث خص المدح في آخر الزمن بطائفة ، والطائفة : هي الجماعة القليلة ، فإنها في اللغة : تطلق على الفرد فما فوق . فإذن إذا عرفنا هذا المعنى في السلفية وأنها تنتمي إلى جماعة السلف الصالح وأنهم العصمة فيما إذا تمسك المسلم بما كان عليه هؤلاء السلف الصالح حينئذٍ يأتي الأمر الثاني الذي أشرتُ إليه آنفاً ألا وهو أن كل مسلم يعرف حينذاك هذه النسبة وإلى ماذا ترمي من العصمة فيستحيل عليه بعد هذا العلم والبيان أن – لا أقول : أن – يتبرأ ، هذا أمرٌ بدهي ، لكني أقول : يستحيل عليه إلا أن يكون سلفياً ، لأننا فهمنا أن الانتساب إلى السلفية ، يعني : الانتساب إلى العصمة ، من أين أخذنا هذه العصمة ؟ نحن نأخذها من حديث يستدل به بعض الخلف على خلاف الحق يستدلون به على الاحتجاج بالأخذ بالأكثرية – بما عليه جماهير الخلف – حينما يأتون بقوله عليه السلام : ( لا تجتمع أمتي على ضلالة ) ، ( لا تجتمع أمتي على ضلالة ) لا يصح تطبيق هذا الحديث على الخلف اليوم على ما بينهم من خلافات جذرية ، ( لا تجتمع أمتي على ضلالة ) لا يمكن تطبيقها على واقع المسلمين اليوم وهذا أمرٌ يعرفه كل دارس لهذا الواقع السيء ، يُضاف إلى ذلك الأحاديث الصحيحة التي جاءت مبينةً لما وقع فيمن قبلنا من اليهود والنصارى وفيما سيقع في المسلمين بعد الرسول عليه السلام من التفرق ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، والنصارى على اثنتين وسبعين فرقة ، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ) قالوا : من هي يا رسول الله ؟ قال : ( هي الجماعة ) - حديث مختلف على صحته - هذه الجماعة : هي جماعة الرسول عليه السلام هي التي يمكن القطع بتطبيق الحديث السابق : ( لا تجتمع أمتي على ضلالة ) أن المقصود بهذا الحديث هم الصحابة الذين حكم الرسول عليه السلام بأنهم هي الفرقة الناجية ومن سلك سبيلهم ونحا نحوهم ، وهؤلاء السلف الصالح هم الذين حذرنا ربنا عز وجل في القرآن الكريم من مخالفتهم ومن سلوك سبيل غير سبيلهم في قوله عز وجل : ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نُوَلِّهِ ما تولى ونُصْلِهِ جهنم وساءت مصيرا أنا لَفَتّ نظر إخواننا في كثيرٍٍ من المناسبات إلى حكمة عطف ربنا عز وجل قوله في هذه الآية ويتبع غير سبيل المؤمنين على مشاققة الرسول ، ما الحكمة من ذلك ؟ مع أن الآية لو كانت بحذف هذه الجملة ، لو كانت كما يأتي : ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى نُوَلِّهِ ما تولى ونُصْلِهِ جهنم وساءت مصيرا ) لكانت كافية في التحذير وتأنيب من يشاقق الرسول صلى الله عليه وسلم ، والحكم عليه بمصيره السيئ ، لم تكن الآية هكذا ، وإنما أضافت إلى ذلك قوله عز وجل : ويتبع غير سبيل المؤمنين هل هذا عبث ؟! - حاشا لكلام الله عز وجل من العبث ـ إذن ما الغاية..؟ ما الحكمة من عطف هذه الجملة ((ويتبع غير سبيل المؤمنين)) على مشاققة الرسول..؟ الحكمة في كلام الإمام الشافعي، حيث استدل بهذه الآية على الإجماع، أي : من سلك غير سبيل الصحابة الذين هم العصمة – في تعبيرنا السابق – وهم الجماعة التي شهد لها الرسول عليه السلام أنها الفرقة الناجية ومن سلك سبيلهم ، هؤلاء هم الذين لا يجوز لمن كان يريد أن ينجو من عذاب الله يوم القيامة أن يخالف سبيلهم ، ولذلك قال تعالى : ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نُوَلِّهِ ما تولى ونُصْلِهِ جهنم وساءت مصيرا . إذن على المسلمين اليوم في آخر الزمان أن يعرفوا أمرين اثنين : أولاً : من هم المسلمون المذكورين في هذه الآية ثم ما الحكمة في أن الله عز وجل أراد بها الصحابة الذين هم السلف الصالح ومن سار سبيلهم ..؟ قد سبق بيان جواب هذا السؤال أو هذه الحكمة وخلاصة ذلك أن الصحابة كانوا قريب عهد بتلقي الوحي غضا طريا من فم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أولاً ثم شاهدوا نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم الذي عاش بين ظهرانيهم يطبق الأحكام المنصوصة عليها في القرآن والتي جاء ذكر كثير منها في أقواله عليه الصلاة والسلام بينما الخلف لم يكن لهم هذا الفضل من سماع القرآن وأحاديث الرسول عليه السلام منه مباشرةً ثم لم يكن لهم فضل الاطلاع على تطبيق الرسول عليه السلام لنصوص الكتاب والسنة تطبيقاً عملياً ، ومن الحكمة التي جاء النص عليها في السنة : قوله عليه السلام : ( ليس الخبر كالمعاينة ، ) ومنه بدأ ومنه أخذ الشاعر قوله : ( وما راءٍ كمن سمع ) فإذن الذين لم يشهدوا الرسول عليه السلام ليسوا كأصحابه الذين شاهدوا وسمعوا منه الكلام مباشرة ورأوه منه تطبيقاً عمليا ، اليوم توجد كلمة عصرية نبغ بها بعض الدعاة الإسلاميين وهي كلمة جميلة جداً ، ولكن أجمل منها أن نجعل منها حقيقةً واقعة ، يقولون في محاضراتهم وفي مواعظهم وإرشاداتهم أنه يجب أن نجعل الإسلام يمشي واقعاً يمشي على الأرض ، كلام جميل ، لكن إذا لم نفهم الإسلام وعلى ضوء فهم السلف الصالح كما نقول لا يمكننا أن نحقق هذا الكلام الشاعري الجميل أن نجعل الإسلام حقيقة واقعية تمشي على الأرض ، الذين استطاعوا ذلك هم أصحاب الرسول عليه السلام للسببين المذكورين آنفاً ، سمعوا الكلام منه مباشرةً ، فَوَعَوْهُ خير من وَعِيَ ،ثم في أمور هناك تحتاج إلى بيان فعلي ، فرأوا الرسول عليه السلام يبين لهم ذلك فعلاً ، وأنا أضرب لكم مثلاً واضحاً جداً ،هناك آيات في القرآن الكريم ، لا يمكن للمسلم أن يفهمها إلا إذا كان عارفاً للسنة التي تبين القرآن الكريم ، كما قال عز وجل : وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزِّلَ إليهم مثلاً قوله تعالى : والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما الآن هاتوا سيبويه هذا الزمان في اللغة العربية فليفسر لنا هذه الآية الكريمة ، والسارق من هو ؟ لغةً لا يستطيع أن يحدد السارق ، واليد ما هي ؟ لا يستطيع سيبويه آخر الزمان لا يستطيع أن يعطي الجواب عن هذين السؤالين ، من هو السارق الذي يستطيع أو الذي يستحق قطع اليد ؟ وما هي اليد التي ينبغي أن تُقطع بالنسبة لهذا السارق ؟ اللغة : السارق لو سرق بيضة فهو سارق ، واليد في هذه لو قُطِعَتْ هنا أو هنا أو في أي مكان فهي يدٌ ، لكن الجواب هو : - حين نتذكر الآية السابقة : وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزِّلَ إليهم - الجواب في البيان ، فهناك بيان من الرسول عليه السلام للقرآن ، هذا البيان طَبَّقَهُ عليه السلام فعلاً في خصوص هذه الآية كمثل وفي خصوص الآيات الأخرى ، وما أكثرها ، لأن من قرأ في علم الأصول يقرأ في علم الأصول أنه هناك عام وخاص ومطلق ومقيد وناسخ ومنسوخ ، كلمات مجملة يدخل تحتها عشرات النصوص ، إن لم يكن مئات النصوص ، نصوص عامة أوردتها السنة ، ولا أريد أن أطيل في هذا حتى نستطيع أن نجيب عن بقية الأسئلة .
أجاب الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
ليس الحنابلة هم السلفيون فقط س : هل صحيح أن الحنابلة هم السلفيون فقط ؟ وما حقيقة السلفية ، هل هي قرينة التشدد والتزمت كما يروج البعض؟ ج : ليس هذا القول بصحيح . وإنما السلف الصالح هم الصحابة رضي الله عنهم ومن سلك سبيلهم من التابعين وأتباع التابعين من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم ممن سار على الحق وتمسك بالكتاب العزيز والسنة المطهرة ، في باب التوحيد ، وباب الأسماء والصفات ، وفي جميع أمور الدين ، نسأل الله أن يجعلنا منهم ، وأن يوفق جميع المسلمين حكومات وشعوبا في كل مكان للتمسك بكتابه العزيز وسنة رسوله الأمين وتحكيمهما ، والتحاكم إليهما ، والحذر من كل ما يخالفهما إنه ولي ذلك والقادر عليه . والله ولي التوفيق . من أسئلة صحيفة المسلمون.
وهذه عقيدة السلفية من مدارس أهل السنة والجماعة
عقيدتنا: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر: خيره وشره.
فنؤمن بربوبية الله تعالى أي بأنه الرب الخالق، الملك، المدبر لجميع الأمور.
ونؤمن بألوهية الله تعالى، أي بأنه الإله الحق، وكل معبود سواه باطل.
ونؤمن بأسمائه وصفاته، أي بأن له الأسماء الحسنى، والصفات الكاملة العليا.
ونؤمن بوحدانيته في ذلك، أي بأنه لا شريك له في ربوبيته، ولا في ألوهيته، ولا في أسمائه وصفاته، قال الله تعالى: ]رب السموات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سمياً[(1).
نؤمن بأنه: ]الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذاًه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلم العظيم[(2).
ونؤمن بأنه: ]هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم. هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون. هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم[(3).
ونؤمن بأن له ملك السموات والأرض: ]يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور. أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً إنه عليم قدير[(4).
ونؤمن بأنه ]ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.له مقاليد السموات والأرض يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه بكل شيء عليم[(5).
ونؤمن بأنه: ]وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين[(6).
ونؤمن بأنه : ] وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو و يعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض و لا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين[(1).
ونؤمن بأن الله: ]عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير[(2).
ونؤمن بأن الله يتكلم بما شاء ، متى شاء ، كيف شاء : ]وكلم الله موسى تكليماً[(3). ]ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه[(4)]وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجياً[(5).
ونؤمن بأنه: ]لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي[(6). ]ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم[(7).
ونؤمن بأن كلماته أتم الكلمات، صدقاً في الأخبار وعدلاً في الأحكام وحسناً في الحديث قال الله تعالى: ]وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً[(8). ]ومن أصدق من الله حديثاً[(9).
ونؤمن بـأن القرآن الكريم، كلام الله تعالى تكلم به حقاً وألقاه إلى جبريل فنزل به جبريل على قلب النبي، صلى الله عليه وسلم: ]قل نزَّله روح القدس من ربك بالحق[(10). ]وإنه لتنزيل رب العالمين. نزل به الروح الأمين.على قلبك لتكون من المنذرين. بلسان عربي مبين[(11).
ونؤمن بأن الله عز وجل علي على خلقه بذاته، وصفاته لقوله تعالى:]وهو العلي العظيم[(12). وقوله: ]وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير [ (13) - هناك آيات من القرآن الكريم مثل ( وهو معكم اينما كنتم ) - ( هو الذى فى السماء اله وفى الأرض اله ) , وهناك حديث ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ) -.
ونؤمن بأنه: ]خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر[(1). واستواؤه على العرش، علوه عليه بذاته، علواً خاصاً، يليق بجلاله وعظمته، لا يعلم كيفيته إلا هو.
ونؤمن بأنه تعالى مع خلقه، وهو على عرشه، يعلم أحوالهم، ويسمع أقوالهم ويرى أفعالهم ويدبر أمورهم، يرزق الفقير ويجبر الكسير، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء بيده الخير وهو على كل شيء قدير. ومن كان هذا شأنه كان مع خلقه حقيقة، وإن كان فوقهم على عرشه حقيقة (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير[(2).
ولا نقول كما تقول الحلولية، من الجهمية وغيرهم: إنه مع خلقه في الأرض.
ونرى أن من قال ذلك، فهو كافر أو ضال لأنه وصف الله بما لا يليق به من النقائص.
ونؤمن بما أخبر به عنه رسوله، صلى الله عليه وسلم، أنه ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول: "من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟" - ورد بروايتين أحداهما هى " ينزل " بفتح الباء , والأخرى " ينزل " بضم الباء أى ينزل رحمة ومغفرة وفضل -.
ونؤمن بأنه سبحانه تعالى يأتي يوم المعاد، للفصل بين العباد لقوله تعالى: ]كلا إذا دكت الأرض دكاً دكاً . وجاء ربك والملك صفاً صفاً . وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى[(3).
ونؤمن بأنه تعالى: ]فعال لما يريد[(4).
ونؤمن بأن إرادته تعالى نوعان:
كونية: يقع بها مراده، ولا يلزم أن يكون محبوباً له، وهي التي بمعنى المشيئة كقوله تعالى: ]ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد[(5). ]إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم[(6).
وشرعية:لا يلزم منها وقوع المراد ، ولا يكون المراد فيها إلا محبوباً له كقوله تعالى:
]والله يريد أن يتوب عليكم[(1).
ونؤمن بأن مراده الكوني، والشرعي تابع لحكمته، فكل ما قضاه كوناً، أو تعبد به خلقه شرعاً فإنه لحكمة، وعلى وفق الحكمة، سواء علمنا منها ما نعلم، أو تقاصرت عقولنا عن ذلك: ]أليس الله بأحكم الحاكمين[(2). ]ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون[(3).
ونؤمن بأن الله تعالى يحب أولياءه، وهم يحبونه : ]قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله[(4). ]فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه[(5). ]والله يحب الصابرين[(6). ]واقسطوا إن الله يحب المقسطين[(7). ]وأحسنوا إن الله يحب المحسنين[(8).
ونؤمن بأن الله تعالى يرضى ما شرعه من الأعمال والأقوال ، ويكره ما نهى عنه منها : ]إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم[(9). ]ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين[(10).
ونؤمن بأن الله تعالى يرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ]رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه[(11).
ونؤمن بأن الله تعالى يغضب على من يستحق الغضب ، من الكافرين وغيرهم : ]الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم[(12). ]ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم[(13).
قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون[(3).
ونؤمن بأن لله تعالى عينين اثنتين حقيقيتين لقوله تعالى: ]واصنع الفلك بأعيننا ووحينا[(4) - ذكرت الآية الكريمة أعين وليس عينين إثنتين , وهناك آية ذكر فيها عين واحدة فقط , فجاءت الجمع والمفرد ولم تأتى بالمثنى فى أى موضع من القرآن أو السنة المطهرة أو قول الصحابة والأئمة الأربعة ). وقال النبي، صلى الله عليه وسلم،: "حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه".
وأجمع أهل السنة ( من المدرسة السلفية ) على أن العينين اثنتان، ويؤيده قول النبي، صلى الله عليه وسلم، في الدجال: "إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور".
ونؤمن بأن الله تعالى ]لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير[(5).
ونؤمن بأن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة: ]وجوه يومئذ ناضرة . إلى ربها ناظرة[(6).
ونؤمن بأن الله تعالى لا مثيل له لكمال صفاته ]ليس كمثله شيء وهو السميع البصير[(7).
ونؤمن بأنه ]لا تأخذه سنة ولا نوم[(8). لكمال حياته وقيوميته.
ونؤمن بأنه لا يظلم أحداً، لكمال عدله.
وبأنه ليس بغافل عن أعمال عباده، لكمال رقابته وإحاطته.
ونؤمن بأنه لا يعجزه شيء في السماوات ولا في الأرض، لكمال علمه وقدرته: ]إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون[(9).
وبأنه لا يلحقه تعب، ولا إعياء، لكمال قوته: ]ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب[(1) أي من تعب ولا إعياء.
ونؤمن بثبوت كل ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله، صلى الله عليه وسلم، من الأسماء والصفات، لكننا نتبرأ من محذورين عظيمين هما:
التمثيل: أن يقول بقلبه أو لسانه: صفات الله تعالى كصفات المخلوقين.
والتكييف : أن يقول بقلبه أو لسانه: كيفية صفات الله تعالى كذا وكذا.
ونؤمن بانتفاء كل ما نفاه الله عن نفسه، أو نفاه عنه رسوله، صلى الله عليه وسلم، وأن ذلك النفي يتضمن إثباتاً لكمال ضده.
ونسكت عما سكت الله عنه، ورسوله.
ونرى أن السير على هذا الطريق فرض لابد منه، وذلك لأن ما أثبته الله لنفسه، أو نفاه عنها سبحانه فهو خبر أخبر الله به عن نفسه، وهو سبحانه أعلم بنفسه، وأصدق قيلا، وأحسن حديثاً، والعباد لا يحيطون به علماً.
وما أثبته له رسوله، أو نفاه فهو خبر أخبر به عنه، وهو أعلم الناس بربه، وأنصح الخلق، وأصدقهم وأفصحهم.
ففي كلام الله تعالى ورسوله، صلى الله عليه وسلم، كمال العلم، والصدق، والبيان، فلا عذر في رده، أو التردد في قبوله.
فصل في الاسماءوالصفات ( تبعاً للمدرسة السلفية )
وكل ما ذكرناه من صفات الله تعالى تفصيلاً أو إجمالاً، إثباتاً أو نفياً، فإننا في ذلك على كتاب ربنا، وسنة نبينا معتمدون، وعلى ما سار عليه سلف الأمة وأئمة الهدى من بعدهم سائرون.
ونرى وجوب إجراء نصوص الكتاب والسنة في ذلك على ظاهرها وحملها على حقيقتها اللائقة بالله عز وجل.
ونتبرأ من طريق المحرفين لها، الذين صرفوها إلى غير ما أراد الله بها ورسوله.
ومن طريق المعطلين لها، الذين عطلوها من مدلولها الذي أراده الله ورسوله.
ومن طريق الغالين فيها الذين حملوها على التمثيل، أو تكلفوا لمدلولها التكييف.
ونعلم علم اليقين أن ما جاء في كتاب الله تعالى أو سنة نبيه، صلى الله عليه وسلم، فهو حق لا يناقض بعضه بعضاً لقوله تعالى: ]أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً[(1). ولأن التناقض في الأخبار يستلزم تكذيب بعضها بعضاً، وهذا محال في خبر الله تعالى ورسوله، صلى الله عليه وسلم.
ومن ادعى أن في كتاب الله تعالى أو في سنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، أو بينهما تناقضاً، فذلك لسوء قصده، وزيغ قلبه فليتب إلى الله ولينزع عن غيه.
ومن توهم التناقض في كتاب الله تعالى أو في سنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، أو بينهما، فذلك إما لقلة علمه، أو قصور فهمه، أو تقصيره في التدبر، فليبحث عن العلم، وليجتهد في التدبر حتى يتبين له الحق، فإن لم يتبين له فليكل الأمر إلى عالمه وليكف عن توهمه، وليقل كما يقول الراسخون في العلم: ]آمنا به كل من عند ربنا[(2). وليعلم أن الكتاب والسنة لا تناقض فيهما ولا بينهما ولا اختلاف.
فصل في الملائكة
ونؤمن بملائكة الله تعالى وأنهم: ]عباد مكرمون . لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون[(1).خلقهم الله تعالى فقاموا بعبادته، وانقادوا لطاعته ]لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون. يسبحون الليل والنهار لا يفترون[(2).
حجبهم الله عنا، فلا نراهم، وربما كشفهم لبعض عباده، فقد رأى النبي، صلى الله عليه وسلم، جبريل على صورته له ستمائة جناح قد سد الأفق، وتمثل جبريل لمريم بشراً سوياً فخاطبته وخاطبها، وأتى إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، وعنده الصحابة، بصورة رجل لا يعرف ولا يرى عليه أثر السفر، شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، فجلس إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتي النبي، صلى الله عليه وسلم، ووضع كفيه على فخذيه وخاطب النبي، صلى الله عليه وسلم، وخاطبه النبي، صلى الله عليه وسلم، وأخبر النبي، صلى الله عليه وسلم، أصحابه أنه جبريل.
ونؤمن بأن للملائكة أعمالاً كلفوا بها.
فمنهم جبريل الموكل بالوحي، ينزل به من عند الله على من يشاء من أنبيائه ورسله.
ومنهم ميكائيل، الموكل بالمطر والنبات.ومنهم إسرافيل الموكل بالنفخ في الصور حين الصعق والنشور.ومنهم ملك الموت، الموكل بقبض الأرواح عند الموت.ومنهم ملك الجبال، الموكل بها.ومنهم مالك خازن النار.ومنهم ملائكة موكلون بالأجنة في الأرحام، وآخرون موكلون بحفظ بني آدم، وآخرون موكلون بكتابة أعمالهم، لكل شخص ملكان:]عن اليمين وعن الشمال قعيد.ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد[(3).وآخرون موكلون بسؤال الميت بعد الانتهاء من تسليمه إلى مثواه ، يأتيه ملكان يسألانه عن ربه ، ودينه،ونبيه فـ ]يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء[(4).ومنهم الملائكة، الموكلون بأهل الجنة: ]والملائكة يدخلون عليهم من كل باب. سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار[(5).
وقد أخبر النبي، صلى الله عليه وسلم، أن البيت المعمور في السماء يدخله ـ وفي رواية يصلي فيه ـ كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه آخر ما عليهم.
فصل بالكتب السماوية
ونؤمن بأن الله تعالى أنزل على رسله كتباً حجة على العالمين، ومحجة للعاملين يعلمونهم بها الحكمة، ويزكونهم.
ونؤمن بأن الله تعالى أنزل مع كل رسول كتاباً لقوله تعالى: ]لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط[(1).
ونعلم من هذه الكتب:
1.التوراة: التي أنزلها الله تعالى على موسى، صلى الله عليه وسلم، وهي أعظم كتب بني إسرائيل: ]فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء[(2).
2.الإنجيل: الذي أنزله الله تعالى على عيسى، صلى الله عليه وسلم، وهو مصدق للتوراة، ومتمم لها: ]وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقاً لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين[(3). ]ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم[(4).
3.الزبور: الذي آتاه الله تعالى داود، صلى الله عليه وسلم.
4.صحف إبراهيم وموسى، عليهما الصلاة والسلام.
5.القرآن العظيم: الذي أنزله الله على نبيه، محمد خاتم النبيين ]هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان[(5) فكان ]مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه[(6). فنسخ الله به جميع الكتب السابقة، وتكفل بحفظه عن عبث العابثين، وزيغ المحرفين ]إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون[(7). لأنه سيبقى حجة على الخلق أجمعين، إلى يوم القيامة.
أما الكتب السابقة، فإنها مؤقتة بأمد ينتهي بنزول ما ينسخها، ويبين ما حصل فيها من تحريف وتغيير. ولهذا لم تكن معصومة منه، فقد وقع فيها التحريف والزيادة والنقص.
]من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه[(8).
]فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون[(1).
]قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نوراً وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيراً[(2).
]وإن منهم لفريقاً يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون. ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله[(3).
]يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب[ إلى قوله : ]لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم[(4).
فصل في الرسل والانبياء
ونؤمن بأن الله تعالى بعث إلى خلقه رسلاً: ]مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزاً حكيماً[(1).
ونؤمن بأن أولهم نوح، وآخرهم محمد صلى الله وسلم عليهم أجمعين ]إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده[(2). ]ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين[(3).
وأن أفضلهم محمد، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم نوح، وعيسى ابن مريم، وهم المخصوصون في قوله تعالى: ]وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقاً غليظاً[(4).
ونعتقد أن شريعة محمد، صلى الله عليه وسلم، حاوية لفضائل شرائع هؤلاء الرسل المخصوصين بالفضل لقوله تعالى: ]شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه[(5).
ونؤمن بأن جميع الرسل بشر مخلوقون، ليس لهم من خصائص الربوبية شيء. قال الله تعالى عن نوح، وهو أولهم: ]ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك[(6). وأمر الله تعالى محمداً، وهو آخرهم أن يقول: ]قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك[(7). وأن يقول: ]لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله[(8). وأن يقول: ]قل إني لا أملك لكم ضراً ولا رشداً. قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا[(9).
ونؤمن بأنهم عبيد من عباد الله، أكرمهم الله تعالى بالرسالة، ووصفهم بالعبودية في أعلى مقاماتهم، وفي سياق الثناء عليهم، فقال في أولهم نوح: ]ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبداً شكوراً[(1). وقال في آخرهم محمد، صلى الله عليه وسلم: ]تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً[(2). وقال في رسل آخرين: ]واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار[(3). ]واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب[(4). ]ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب[(5). وقال في عيسى ابن مريم: ]إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلاً لبني إسرائيل[(6).
ونؤمن بأن الله تعالى ختم الرسالات برسالة محمد، صلى الله عليه وسلم، وأرسله إلى جميع الناس لقوله تعالى: ]قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون[(7).
ونؤمن بأن شريعته، صلى الله عليه وسلم، هي دين الإسلام الذي ارتضاه الله تعالى لعباده، وأن الله تعالى لا يقبل من أحد ديناً سواه لقوله تعالى: ]إن الدين عند الله الإسلام[(8)، وقوله: ]اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً[(9). وقوله: ]ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين[(10).
ونرى أن من زعم اليوم ديناً قائماً مقبولاً عند الله سوى دين الإسلام، من دين اليهودية، أو النصرانية، أو غيرهما، فهو كافر يستتاب فإن تاب وإلا قتل مرتداً، لأنه مكذب للقرآن.
ونرى أن من كفر برسالة محمد، صلى الله عليه وسلم، إلى الناس جميعاً فقد كفر بجميع الرسل، حتى برسوله الذي يزعم أنه مؤمن به، متبع له، لقوله تعالى: ]كذبت قوم نوح المرسلين[(11). فجعلهم مكذبين لجميع الرسل مع أنه لم يسبق نوحاً رسول. وقال تعالى: ]إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاً. أولئك هم الكافرون حقاً وأعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً[(1).
ونؤمن بأنه لا نبي بعد محمد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ومن ادعى النبوة بعده أو صدق من ادعاها فهو كافر، لأنه مكذب لله، ورسوله، وإجماع المسلمين.
ونؤمن بأن للنبي، صلى الله عليه وسلم، خلفاء راشدين خلفوه في أمته: علماً، ودعوة، وولاية على المؤمنين، وبأن أفضلهم وأحقهم بالخلافة أبو بكر الصديق، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان، ثم علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم أجمعين.
وهكذا كانوا في الخلافة قدراً كما كانوا في الفضيلة، وما كان الله تعالى وله الحكمة البالغة ليولي على خير القرون رجلاً، وفيهم من هو خير منه وأجدر بالخلافة.
ونؤمن بأن المفضول من هؤلاء قد يتميز بخصيصة يفوق فيها من هو أفضل منه، لكنه لا يستحق بها الفضل المطلق على من فضله، لأن موجبات الفضل كثيرة متنوعة.
ونؤمن بأن هذه الأمة خير الأمم، وأكرمها على الله عز وجل، لقوله تعالى: ]كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله[(2).
ونؤمن بأن خير هذه الأمة الصحابة، ثم التابعون، ثم تابعوهم.
وبأنه لا تزال طائفة من هذه الأمة على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم، أو خالفهم حتى يأتي أمر الله عز وجل.
ونعتقد أن ما جرى بين الصحابة رضي الله عنهم من الفتن، فقد صدر عن تأويل اجتهدوا فيه. فمن كان منهم مصيباً كان له أجران، ومن كان منهم مخطئاً فله أجر واحد، وخطؤه مغفور له.
ونرى أنه يجب أن نكف عن مساوئهم، فلا نذكرهم إلا بما يستحقونه من الثناء الجميل، وأن نطهر قلوبنا من الغل والحقد على أحد منهم ، لقوله تعالى فيهم : ] لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى[(3). وقول الله تعالى فينا : ] والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم[(4).
فصل في اليوم الاخر
ونؤمن باليوم الآخر، وهو يوم القيامة الذي لا يوم بعده ، حين يبعث الناس أحياء للبقاء : إما في دار النعيم، وإما في دار العذاب الأليم.
فنؤمن بالبعث وهو إحياء الله تعالى الموتى، حين ينفخ إسرافيل في الصور النفخة الثانية ]ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون[(1).
فيقوم الناس من قبورهم لرب العالمين، حفاة بلا نعال، عراة بلا ثياب، غرلاً بلا ختان ]كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين[(2).
ونؤمن بصحائف الأعمال تعطى باليمين، أو من وراء الظهور بالشمال ]فأما من أوتى كتابه بيمينه . فسوف يحاسب حساباً يسيراً. وينقلب إلى أهله مسروراً. وأما من أوتي كتابه وراء ظهره . فسوف يدعوا ثبوراً . ويصلى سعيراً[(3). ]وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً . اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً[(4).
ونؤمن بالموازين توضع يوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً ]فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره. ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره[(5). ]فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون. ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون. تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون[(6). ]من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون[(7).
ونؤمن بالشفاعة العظمى لرسول الله، صلى الله عليه وسلم ، خاصة، يشفع عند الله تعالى بإذاًه ليقضي بين عباده، حين يصيبهم من الهم والكرب مالا يطيقون فيذهبون إلى آدم، ثم نوح، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى حتى تنتهي إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
ونؤمن بالشفاعة فيمن دخل النار من المؤمنين أن يخرجوا منها، وهي للنبي، صلى الله عليه وسلم ، وغيره من النبيين، والمؤمنين، والملائكة.
وبأن الله تعالى يخرج من النار أقواماً من المؤمنين بغير شفاعة، بل بفضله ورحمته.
ونؤمن بحوض رسول الله، صلى الله عليه وسلم ، ماؤه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، وأطيب من رائحة المسك، طوله شهر، وعرضه شهر، وآنيته كنجوم السماء حسناً وكثرة، يرده المؤمنون من أمته، من شرب منه لم يظمأ بعد ذلك.
ونؤمن بالصراط المنصوب على جهنم، يمر الناس عليه على قدر أعمالهم، فيمر أولهم كالبرق، ثم كمر الريح، ثم كمر الطير، وأشد الرجال، والنبي، صلى الله عليه وسلم ، قائم على الصراط يقول: "يا رب سلم سلم". حتى تعجز أعمال العباد، فيأتي من يزحف، وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة، تأخذ من أمرت به، فمخدوش ناج، ومكردس في النار.
ونؤمن بكل ما جاء في الكتاب والسنة، من أخبار ذلك اليوم وأهواله، أعاننا الله عليها.
ونؤمن بشفاعة النبي، صلى الله عليه وسلم ، لأهل الجنة أن يدخلوها. وهي للنبي، صلى الله عليه وسلم ، خاصة.
ونؤمن بالجنة والنار، فالجنة دار النعيم، التي أعدها الله تعالى للمؤمنين المتقين، فيها من النعيم ما لا عين رأت، ولا إذاً سمعت، ولا خطر على قلب بشر ]فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون[(1).
والنار دار العذاب، التي أعدها الله تعالى للكافرين الظالمين، فيها من العذاب، والنكال ما لا يخطر على البال ]إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقاً[(2).
وهما موجودتان الآن، ولن تفنيا أبد الآبدين ]ومن يؤمن بالله ويعمل صالحاً يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً قد أحسن الله له رزقاً[(3).
]إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيراً. خالدين فيها أبداً لا يجدون ولياً ولا نصيراً. يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا[(4).
ونشهد بالجنة لكل من شهد له الكتاب والسنة بالعين، أو بالوصف.
فمن الشهادة بالعين: الشهادة لأبي بكر،وعمر، وعثمان، وعلي، ونحوهم ممن عينهم النبي، صلى الله عليه وسلم.
ومن الشهادة بالوصف: الشهادة لكل مؤمن، أو تقي.
ونشهد بالنار لكل من شهد له الكتاب والسنة بالعين، أو بالوصف.
فمن الشهادة بالعين: الشهادة لأبي لهب، وعمرو بن لحي الخزاعي، ونحوهما.
ومن الشهادة بالوصف: الشهادة لكل كافر، أو مشرك شركاً أكبر، أو منافق.
ونؤمن بفتنة القبر، وهي سؤال الميت في قبره عن ربه، ودينه، ونبيه فـ]يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة[(1).
فيقول المؤمن: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد. وأما الكافر والمنافق فيقول: لا أدري سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته.
ونؤمن بنعيم القبر للمؤمنين ]الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون[(2).
ونؤمن بعذاب القبر للظالمين الكافرين ]ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون[(3) .
والأحاديث في هذا كثيرة معلومة، فعلى المؤمن أن يؤمن بكل ما جاء به الكتاب والسنة من هذه الأمور الغيبية، وأن لا يعارضها بما يشاهد في الدنيا، فإن أمور الآخرة لا تقاس بأمور الدنيا لظهور الفرق الكبير بينهما. والله المستعان.
فصل في القدر: خيره وشره
ونؤمن بالقدر: خيره وشره، وهو تقدير الله تعالى للكائنات حسبما سبق به علمه، واقتضته حكمته.
وللقدر أربع مراتب:
المرتبة الأولى: العلم، فنؤمن بأن الله تعالى بكل شيء عليم، علم ما كان، وما يكون، وكيف يكون بعلمه الأزلي الأبدي، فلا يتجدد له علم بعد جهل، ولا يلحقه نسيان بعد علم.
المرتبة الثانية: الكتابة، فنؤمن بأن الله تعالى كتب في اللوح المحفوظ، ما هو كائن إلى يوم القيامة: ]ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير[(1).
المرتبة الثالثة: المشيئة، فنؤمن بأن الله تعالى قد شاء كل ما في السماوات والأرض، لا يكون شيء إلا بمشيئته. ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن.
المرتبة الرابعة: الخلق، فنؤمن بأن الله تعالى ]خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل. له مقاليد السموات والأرض[(2).
وهذه المراتب الأربع شاملة لما يكون من الله تعالى نفسه، ولما يكون من العباد، فكل ما يقوم به العباد من أقوال، أو أفعال أو تروك فهي معلومة لله تعالى، مكتوبة عنده، والله تعالى قد شاءها وخلقها ]لمن شاء منكم أن يستقيم. وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين[(3). ]ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد[(4). ]ولو شاء الله ما فعلوه فذرهم وما يفترون[(5). ]والله خلقكم وما تعملون[(6).
ولكننا مع ذلك نؤمن بأن الله تعالى جعل للعبد اختياراً وقدرة بهما يكون الفعل.
والدليل على أن فعل العبد باختياره وقدرته أمور:
الأول: قوله تعالى: ]فأتوا حرثكم أنى شئتم[(7). وقوله : ] ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة [ (8) . فأثبت للعبد إتياناً بمشيئته ، وإعداداً بإرادته.
الثاني :توجيه الأمر والنهي إلى العبد ، ولو لم يكن له إختيار وقدرة ؛ لكان توجيه ذلك إليه من التكليف بما لا يطاق ، وهو أمر تاباه حكمة الله تعالى ورحمته وخبره الصادق في قوله : ] لا يكلف الله نفساً إلا وسعها [ (1) .
الثالث : مدح المحسن على إحسانه ، وذم المسئ على إساءته وإثابة كل منهما بما يستحق .
ولولا أن فعل العبد يقع بإرادته واختياره،لكان مدح المحسن عبثاً وعقوبة المسئ ظلماً ، والله تعالى منزه عن العبث والظلم .
والرابع : أن الله تعالى أرسل الرسل ]رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل[ (2) .
ولولا أن فعل العبد يقع بإرادته واختياره، ما بطلت حجته بإرسال الرسل.
الخامس: أن كل فاعل يحس أنه يفعل الشيء، أو يتركه بدون أي شعور بإكراه، فهو يقوم، ويقعد، ويدخل، ويخرج، ويسافر، ويقيم بمحض إرادته، ولا يشعر بأن أحداً يكرهه على ذلك، بل يفرق تفريقاً واقعياً بين أن يفعل الشيء باختياره وبين أن يكرهه عليه مكره. وكذلك فرق الشرع بينهما تفريقاً حكمياً، فلم يؤاخذ الفاعل بما فعله مكرهاً عليه، فيما يتعلق بحق الله تعالى.
ونرى أنه لا حجة للعاصي على معصيته بقدر الله تعالى، لأن العاصي يقدم على المعصية باختياره، من غير أن يعلم أن الله تعالى قدرها عليه، إذ لا يعلم أحد قدر الله تعالى إلا بعد وقوع مقدوره ]وما تدري نفس ماذا تكسب غداً[(3) فكيف يصح الاحتجاج بحجة لا يعلمها المحتج بها، حين إقدامه على ما اعتذر بها عنه. وقد أبطل الله تعالى هذه الحجة بقوله: ]سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون[(4).
ونقول للعاصي المحتج بالقدر: لماذا لم تقدم على الطاعة مقدراً أن الله تعالى قد كتبها لك؟ فإنه لا فرق بينها وبين المعصية في الجهل بالمقدور قبل صدور الفعل منك. ولهذا لما أخبر النبي، صلى الله عليه وسلم، الصحابة بأن كل واحد قد كتب مقعده من الجنة، ومقعده من النار قالوا: أفلا نتكل وندع العمل. قال: "لا، اعملوا فكل ميسر لما خلق له".
ونقول للعاصي المحتج بالقدر: لو كنت تريد السفر لمكة، وكان لها طريقان، أخبرك الصادق أن أحدهما مخوف صعب، والثاني آمن سهل، فإنك ستسلك الثاني: ولا يمكن أن تسلك الأول وتقول: إنه مقدر علي ولو فعلت لعدك الناس في قسم المجانين.
ونقول له أيضاً : لو عرض عليك وظيفتان إحداهما ذات مرتب أكثر ، فإنك سوف تعمل فيها دون الناقصة ، فكيف تختار لنفسك في عمل الآخرة ما هو الأدنى ثم تحتج بالقدر؟.
ونقول له أيضاً: نراك إذا أصبت بمرض جسمي، طرقت باب كل طبيب لعلاجك، وصبرت على ما ينالك من ألم عملية الجراحة، وعلى مرارة الدواء، فلماذا لا تفعل مثل ذلك في مرض قلبك بالمعاصي؟
ونؤمن بأن الشر لا ينسب إلى الله تعالى لكمال رحمته وحكمته، قال النبي، صلى الله عليه وسلم، : " والشر ليس إليك" رواه مسلم . فنفس قضاء الله تعالى ليس فيه شراً أبداً ، لأنه صادر عن رحمة وحكمة .
وإنما يكون الشر في مقتضياته ؛ لقول النبي ، صلى الله ، في دعاء القنوت الذي علمه الحسن: "وقني شر ما قضيت". فأضاف الشر إلى ما قضاه. ومع هذا فإن الشر في المقضيات ليس شراً خالصاً محضاً، بل هو شر في محله من وجه، خير من وجه، أو شر في محله، خير في محل آخر.
فالفساد في الأرض من: الجدب، والمرض، والفقر، والخوف شر، لكنه خير في محل آخر. قال الله تعالى: ]ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون[(1).
وقطع يد السارق، ورجم الزاني شر بالنسبة للسارق والزاني في قطع اليد وإزهاق النفس، لكنه خير لهما من وجه آخر، حيث يكون كفارة لهما، فلا يجمع لهما بين عقوبتي الدنيا والآخرة، وهو أيضاً خير في محل آخر، حيث إن فيه حماية الأموال والأعراض والأنساب.
فصل ثمرات العقيدة الصحيحة
هذه العقيدة السامية المتضمنة لهذه الأصول العظيمة، تثمر لمعتقدها ثمرات جليلة كثيرة.
فالإيمان بالله تعالى وأسمائه وصفاته، يثمر للعبد محبة الله وتعظيمه الموجبين للقيام بأمره واجتناب نهيه، والقيام بأمر الله تعالى واجتناب نهيه، يحصل بهما كمال السعادة في الدنيا والآخرة للفرد والمجتمع ]من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون[(1).
ومن ثمرات الإيمان بالملائكة:
أولاً: العلم بعظمة خالقهم تبارك وتعالى وقوته وسلطانه.
ثانياً: شكره تعالى على عنايته بعباده، حيث وكل بهم من هؤلاء الملائكة من يقوم بحفظهم وكتابة أعمالهم، وغير ذلك من مصالحهم.
ثالثاً: محبة الملائكة على ما قاموا به من عبادة الله تعالى على الوجه الأكمل واستغفارهم للمؤمنين.
ومن ثمرات الإيمان بالكتب:
أولاً: العلم برحمة الله تعالى وعنايته بخلقه، حيث أنزل لكل قوم كتاباً يهديهم به.
ثانياً: ظهور حكمة الله تعالى، حيث شرع في هذه الكتب لكل أمة ما يناسبها. وكان خاتم هذه الكتب القرآن العظيم، مناسباً لجميع الخلق في كل عصر، ومكان إلى يوم القيامة.
ثالثاً: شكر نعمة الله تعالى على ذلك.
ومن ثمرات الإيمان بالرسل:
أولاً: العلم برحمة الله تعالى وعنايته بخلقه، حيث أرسل إليهم أولئك الرسل الكرام، للهداية والإرشاد.
ثانياً: شكره تعالى على هذه النعمة الكبرى.
ثالثاً: محبة الرسل، وتوقيرهم، والثناء عليهم بما يليق بهم، لأنهم رسل الله تعالى وخلاصة عبيده، قاموا لله بعبادته، وتبليغ رسالته، والنصح لعباده، والصبر على أذاهم.
ومن ثمرات الإيمان باليوم الآخر:
أولاً: الحرص على طاعة الله تعالى رغبة في ثواب ذلك اليوم، والبعد عن معصيته، خوفاً من عقاب ذلك اليوم.
ثانياً: تسلية المؤمن عما يفوته من نعيم الدنيا، ومتاعها بما يرجوه من نعيم الآخرة وثوابها.
ومن ثمرات الإيمان بالقدر:
أولاً: الاعتماد على الله تعالى عند فعل الأسباب، لأن السبب والمسبب كليهما بقضاء الله وقدره.
ثانياً: راحة النفس وطمأنينة القلب، لأنه متى علم أن ذلك بقضاء الله تعالى، وأن المكروه كائن لا محالة، ارتاحت النفس واطمأن القلب ورضي بقضاء الرب، فلا أحد أطيب عيشاً، وأروح نفساً، وأقوى طمأنينة ممن آمن بالقدر.
ثالثاً: طرد الإعجاب بالنفس، عند حصول المراد، لأن حصول ذلك نعمة من الله بما قدره من أسباب الخير والنجاح، فيشكر الله تعالى على ذلك ويدع الإعجاب.
رابعاً: طرد القلق والضجر عند فوات المراد، أو حصول المكروه، لأن ذلك بقضاء الله تعالى الذي له ملك السماوات والأرض، وهو كائن لا محالة، فيصبر على ذلك ويحتسب الأجر.
وإلى هذا يشير الله تعالى بقوله: ]ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختالٍ فخور[(1).
فنسأل الله تعالى أن يثبتنا على هذه العقيدة، وأن يحقق لنا ثمراتها ويزيدنا من فضله، وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يهب لنا منه رحمة، إنه هو الوهاب، والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان.