البراهين السامية في الانتصار لدولة العراق الإسلامية
لجماعة أنصار الخلافة
قومٌ همُ الأنفُ والأذنابُ غيرهمُ ** ومن يُساوي بأنف الناقةِ الذنبا
إعداد: الهيئة الشرعية لأنصار الخلافة.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أمر بالنصح والإرشاد, والصلاة والسلام على محمدٍ خير العباد, وعلى آله وصحبه أهل التقى والرشاد, وعلى من سار على هديهم إلى يوم التناد, وعلى دولة العراق الإسلامية قادة وأفراد , وعلى أئمة التوحيد والجهاد في كل البلاد, أما بعد:
فقد قال ابن القيم في زاد المعاد:
" عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم لبث بمكة عشر سنين يتبع الناس في منازلهم في المواسم ومجنة، وعكاظ، يقول: من يؤويني، من ينصرني حتى أبلغ رسالات ربي، وله الجنة ؟ فلا يجد أحداً ينصره، ولا يؤويه، حتى إن الرجل ليرحل من مضر، أو اليمن إلى ذي رحمه فيأتيه قومه فيقولون له: احذر غلام قريش لا يفتنك، ويمشي بين رجالهم يدعوهم إلى الله عز وجل وهم يشيرون إليه بالأصابع، حتى بعثنا الله من يثرب فيأتيه الرجل منا فيؤمن به، ويقرئه القرآن، فينقلب إلى أهله، فيسلمون بإسلامه، حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام، وبعثنا الله إليه فائتمرنا، واجتمعنا، وقلنا: حتى متى رسول الله يطرد في جبال مكة، ويخاف، فرحلنا حتى قدمنا عليه في الموسم فواعدنا بيعة العقبة، فقال له عمه العباس: يا ابن أخي ما أدري ما هؤلاء القوم الذين جاؤوك ؟ إني ذو معرفة بأهل يثرب، فاجتمعنا عنده من رجل ورجلين، فلما نظر العباس في وجوهنا قال: هؤلاء قوم لا نعرفهم، هؤلاء أحداث ! فقلنا: يا رسول الله! علام نبايعك؟ قال: تبايعوني على السمع والطاعة، في النشاط والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن تقولوا في الله، لا تأخذكم لومة لائم، وعلى أن تنصروني إذا قدمت عليكم، وتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة، فقمنا نبايعه، فأخذ بيده أسعد بن زرارة، وهذا أصغر السبعين، فقال: رويداً يا أهل يثرب ! إنا لم نضرب إليه أكباد المطيّ إلا ونحن نعلم أنه رسول الله، وإن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة، وقتل خياركم، وأن تعضكم السيوف، فإما أنتم تصبرون على ذلك فخذوه وأجركم على الله، وإما أنتم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه، فهو أعذر لكم عند الله، فقالوا: يا سعد! أمط عنا يدك، فوالله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها، فقمنا إليه رجلاً رجلاً، فأخذ علينا وشرط، يعطينا بذلك الجنة"، انتهى.
أيا لله لقد استدار الزمان دورته ورجع الإسلام غريباً كما بدأ, فهذه دولة العراق الإسلامية الفتية فارقتها العرب كافة, وقتل من خيارهم , وعضتهم السيوف, ولكنهم نحسبهم والله حسيبهم صابرون محتسبون أعزهم الله بنصره وأيدهم .
لقد وجهت قناة الزوراء العوراء سهامها نحو الدولة , ويكفينا في الرد عليها وعلى القائمين عليها قول الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم: (سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة. قيل وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه؛ يتكلم في أمر العامة).
ثم فوجئنا ببيان لإخواننا في الجيش الإسلامي هداهم الله أكثروا فيه من الأغاليط والأكاذيب, وتجنوا على إخواننا في الدولة الإسلامية في العراق الحبيب, وهذا بينهم وبين الدولة وفقها الله يتفاهمون فيما بينهم , وليس ذلك من اختصاصاتنا.
ثم فجعنا بكلام الشيخ الفاضل حامد العلي هداه الله فكان ثالثة الأثافي
وظلمُ ذوي القربى أشدُ مضاضة *** على النفسِ من وقع الحسامِ المهندِ
وما نظن الشيخ وقع فيما وقع فيه إلا لأنه لم يطلع على كتاب "إعلام الأنام بميلاد دولة الإسلام" للهيئة الشرعية لدولة العراق الإسلامية وفقها الله وأيدها ونصرها .
فمن باب النصح وحب الخير للغير وعلى رأسهم الشيخ حامد ومن سيأخذ بقوله ويتمسك به, ومن باب نصرة إخواننا في دولة العراق الإسلامية والذب عنهم وعلى رأسهم أمير المؤمنين حفظه الله وأيده بنصره ورزقه من الطيبات, واستجاباً للنداء الذي وجهوه للحركات الإسلامية ودعاة الإسلام عامة كتبنا هذه الأسطر القلائل نسأل الله أن يبارك فيها,
قومٌ إذا الشرُ أبدى ناجذيهِ لهم *** طاروا إليه زَرافاتٍ ووحدانا
لا يسألون أخاهم حينَ يندبهم *** للنائباتِ على ما قالَ بُرهانا
فهلموا يا إخوتنا ننظر في المسألة من منظورٍ شرعيٍ بحت ليس فيه تعصب أو حيادية أو
محاباة إلا للحق:
قال الإمام أبو محمد ابن حزم الأندلسي رحمه الله: اتفق جميع أهل السنة وجميع المرجئة وجميع الخوارج على وجوب الإمامة, وأن الأمة واجب عليها الانقياد لإمام عادل, يقيم فيهم أحكام الله, ويسوسهم بأحكام الشريعة التي أتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.أهـ [تاريخ المذاهب الإسلامية ص 21] وما نخالك يا شيخ إلا من أهل السنة والجماعة بل نحسبك من خيارهم والله حسيبك.
وهاهنا سؤال يا شيخ: من الذي قام بهذا الواجب؟
أقام به حكام بني علقم؟!
بل قام بهذا الواجب أهل الحل والعقد في العراق فأقاموا دولة إسلامية رغم أنوف الحاسدين والشانئين بمبايعتهم لأمير المؤمنين في العراق أبي عمر القرشي الحسيني البغدادي حفظه الله وجعله عزاً للإسلام والمسلمين.
يا شيخ لقد استبددت بالرأي وكأن الأمر مجمع عليه ولا قول غيره, فألمحت أن الدولة غير شرعية لعدم مبايعة المسلمون كافة لها – وأن ذلك شرط في صحة البيعة – ونقلت عن بعض أهل العلم في ذلك ما يؤيد ما ذهبت إليه, وإن مما نقلته قول الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله من رواية إسحاق بن منصور وقد سُئل عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية، ما معناه؟ فقال تدري ما الإمام؟ الإمام الذي يجمع عليه المسلمون، كلهم يقول هذا إمام فهذا معناه.أهـ ولكنك لم تذكر يا شيخ أنه قد ورد عن الإمام أحمد في ذلك روايتين, ولم تبين لأهل السنة – الذين وصمت من يقول بخلاف قولك أنه ليس منهم – أن لهم في ذلك أقوال:
* فمن قائلٍ بإجماع أهل الحل والعقد جميعهم، وهذا قول أحمد في رواية إسحاق بن إبراهيم قال أحمد: " الإمام الذي يجتمع قول أهل الحل والعقد عليه" [الأحكام السلطانية: 23 ] ولكن لم يرتضِ كثير من العلماء هذا القول.
* ومن قائلٍ بأنه تكفي بيعة أهل الحل والعقد الذين يتيسر اجتماعهم، وبهذا قال النووي: " العلماء والرؤساء ووجوه الناس الذين يتيسر اجتماعهم" [انظر الروضة ونهاية المحتاج] ووجوه الناس عظماؤهم بإمارة أو علم أو غيرهما [حواشي الشرواني 9/76]
وقال في شرح مسلم - بعد أن ذكر تأخر علي بن أبي طالب عن بيعة أبي بكر رضي الله عنهما -: " ومع هذا فتأخره ليس بقادح في البيعة ولا فيه، أما البيعة فقد اتفق العلماء على أنه لا يشترط لصحتها مبايعة كل الناس ولا كل أهل الحل والعقد، وإنما يشترط مبايعة من تيسر اجتماعهم من العلماء والرؤساء ووجوه الناس [12/77] ونقله الشوكاني عن أبي محمد الجويني والد إمام الحرمين [انظر إرشاد الفحول:161الطبعة الأولى للمكتبة التجارية] ويفهم من كلام الماوردي أنه يقول به حيث قال: " وإنما صار من يحضر ببلد الإمام متولياً لعقد الإمامة عرفاً لا شرعاً، لسبوق علمهم بموته، ولأن من يصلح للخلافة في الأغلب موجودون في بلده " [الأحكام السلطانية: 6]
وقال القلقشندي: " وهو الأصح عند أصحابنا الشافعية " [مآثر الإنافة 1/44 ]
* ومن قائلٍ أنها تنعقد بأربعين قياساً على الجمعة وهو لبعض علماء الشافعية ومنهم الحليمي في المنهاج، قال: " فإن لم يكن لمن جمع شرائط الإمامة عهد من إمام قبله، واحتيج إلى نصب إمام للمسلمين فاجتمع أربعون عدلاً من المسلمين، أحدهم عالم يصلح للقضاء بين الناس، فعقدوا لرجل جمع الشرائط التي تقدم ذكرها، بعد إمعان النظر والمبالغة بالاجتهاد، ثبتت له الإمامة ووجبت طاعته " نقلاً عن النويري في نهاية الأرب 6/3 طرق انتهاء ولاية الحكام 156.
* ومن قائلٍ أنها تنعقد بخمسة، وهو قول أكثر الفقهاء والمتكلمين من أهل البصرة والقاضي عبد الجبار (415هـ)، واستدلوا بأن بيعة أبي بكر انعقدت بخمسة وهم: عمر وأبو عبيدة وبشير بن سعد وسالم مولى أبي حذيفة وأسيد بن حضير رضي الله عنهم، ولأن عمر جعلها شورى في ستة ليعقدها أحدهم برضا الخمسة.
* ومن قائلٍ أنها تنعقد بثلاثة، وهذا قول بعض علماء الكوفة ذكره الماوردي، ووجهه أنهم جماعة فلا تجوز مخالفتهم، وليتولاها أحدهم برضا الاثنين فيكونوا حاكماً وشاهدين كعقد النكاح يصح بولي وشاهدين.
* ومن قائلٍ أنها تنعقد باثنين. ذكره الجويني ولم ينسبه لأحد ولا ذكر دليله، فإن كان المراد اثنين برضا الثالث، فهو القول السابق.
* ومن قائلٍ أنها تنعقد بواحد من أهل الحل والعقد مطلقاً. وهذا قول أبي الحسن الأشعري كما ذكر البغدادي، وابن حزم (الفصل 3/85) وهو قول الإيجي في (المواقف) والقرطبي (الجامع لأحكام القرآن 1/269) والباقلاني (. . . )، واستدلوا: ببيعة أبي بكر إذ أن عمر هو الذي بايعه.
وبقول العباس لعلي يوم السقيفة: " امدد يدك أبايعك، فيقول الناس: عم رسول الله بايع ابن عمه، فلا يختلف عليك اثنان " وبأن العقد حكم، وحكم الواحد نافذ.
كما استدل ابن حزم بأن أهل الشورى الذين عهد إليهم عمر تبرؤوا من الاختيار وجعلوه إلى واحد، وهو عبد الرحمن بن عوف، قال "فقد صح إجماعهم على أن الإمامة تنعقد بواحد" [المرجع السابق]
* ومن قائلٍ أنها تنعقد بواحد بشرط حصول الشوكة ببيعته، وهذا قول الجويني والغزالي.
يقول الغزالي: " ولو لم يبايعه غير عمر وبقي كافة الخلق مخالفين، أو انقسموا انقساماً متكافئاً لا يتميز فيه غالب عن مغلوب لما انعقدت الإمامة، فإن شرط ابتداء الانعقاد قيام الشوكة وانصراف القلوب إلى المشايعة " [فضائح الباطنية: 176-177]
وقال الجويني: " ولكني أشترط أن يكون المبايِع ممن تفيد مبايعته مُنةً واقتهارا " [الغياثي: 72] مع أن كلاً من الغزالي والجويني يقول بانعقادها بواحد قال الغزالي: " والذي نختاره أنه يكتفى بشخص واحد يعقد البيعة للإمام " [فضائح الباطنية] وقال الجويني: " وأقرب المذاهب ما ارتضاه القاضي أبو بكر وهو المنقول عن شيخنا أبي الحسن، وهو أن الإمامة تثبت بمبايعة رجل واحد من أهل الحل والعقد " لكنه يشترط ما ذكرناه من حصول الشوكة فيقول إضافة إلى ما سبق: " إن بايع رجل واحد مرموق كثير الأتباع والأشياع، مطاع في قومه، وكانت بيعته تفيد ما أشرنا إليه انعقدت الإمامة " [الغياثي:72]
* ومن قائلٍ أن المعتبر هو بيعة جمهور أهل الحل والعقد الذين بهم يتحقق حصول الشوكة والقوة والعصبية، وهذا قول ابن خلدون [أنظر المقدمة] والنووي وابن تيمية وغيرهم رحمهم الله.
وهذا الذي أختاره إخواننا في دولة العراق الإسلامية وفقهم الله ورجحوه كما صرحوا بذلك في "إعلام الأنام بميلاد دولة الإسلام ص 20" فليتق الله من يفتات عليهم بغير علم.
والقول الذي لمح إليه الشيخ حامد العلي هدانا الله وإياه وعرض به قال به من قبله هشام الفوطي وعبد الرحمن الأصم، وهما من المعتزلة [ انظر مقالات الإسلاميين ] وهو قول الكرامية [ أنظر الملل والنحل ]. ويجاب عن هذا القول بأنه يتعذر، وإذا كان إجماع أهل الحل والعقد جميعهم يتعذر أو يتعسر وقد يترتب على اشتراطه مفاسد عظيمة، فكيف بإجماع كل المسلمين ؟!
قال ابن حزم رحمه الله: "أما من قال: إن الإمامة لا تصح إلا بعقد فضلاء الأمة في أقطار البلاد فباطل، لأنه من تكليف ما لا يطاق وما ليس في الوسع وما هو أعظم الحرج، والله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها، وقال تعالى: {وما جعل عليكم في الدِّيْن من حرج}[الحج: 78] ولا حرج ولا تعجيز أكثر من تعرف إجماع فضلاء من في المولتان والمنصورة إلى بلاد مهرة إلى عدن إلى أقاصي بلاد المصامدة إلى طنجة إلى الأشبونة إلى جزائر البحر إلى سواحل الشام إلى أرمينية وجبل الفتح إلى أسمار وفرغانة وأسروشنة إلى أقاصي خراسان إلى الجورجان إلى كابل إلى المولتان فما بين ذلك من المدن والقرى، ولا بد من ضياع أمور المسلمين قبل أن يجمع جزء من مائة جزء من فضلاء أهل هذه البلاد، فبطل هذا القول الفاسد، مع أنه لو كان ممكناً لما لزم، لأنه دعوى بلا برهان "[الفصل في الملل والأهواء والنحل 3/84]
بل ذكر الجويني الإجماع على عدم اشتراط إجماع أهل الحل والعقد فقال: " مما يقطع به أن الإجماع ليس شرطاً في عقد الإمامة بالإجماع "
ويعلل الجويني عدم الاشتراط فيقول: "الغرض من نصب الإمام حفظ الحوزة والاهتمام بمهمات الإسلام، ومعظم الأمور الخطيرة لا تقبل الريث والمكث، ولو أخر النظر فيه لجر ذلك خللاً لا يتلافى، وخبلاً متفاقماً لا يستدرك، فاستبان من وضع الإمامة استحالة اشتراط الإجماع في عقدها"أهـ [الغياثي: 67-68] ويشهد لكلام الجويني ما جاء في خطبة عمر عندما قال: " كانت بيعة أبي بكر فلتة، ولكن الله وقى المسلمين شرها"[ رواه البخاري وغيره]. يعني أن بيعة أبي بكر تمت في لحظة، وقد كان يمكن أن تحدث في تلك اللحظة أمور عظيمة، لكن الله سلم.
ثم قال الشيخ حامد العلي ص 7 من فتواه : وأهل الحل والعقد المعتبرون الذين يختارهـم الإمام ، فتجب طاعته ،وتثبت ولايته ، هم كما جاء وصفهم :
قال في منتهى الإرادات مبينا من يخاطب بنصب الإمام: ( وأهل الاجتهاد حتى يختاروا وشرطهم العدالة ، والعلم الموصل إلى معرفة مستحق الإمامة ، وأن يكونوا من أهل الرأي ، والتدبير المؤديين إلى اختيار من هو للإمامة أصلح ).أهـ
جاء في كتاب إعلام الأنام بميلاد دولة الإسلام ما نصه: وقد وفق الله الإخوة في حلف المطيبين وهو يمثل جمهور أهل الحل والعقد في هذا البلد، فقد دخل فيه مجلس شورى المجاهدين وهو تشكيل من سبع جماعات جهادية، لها أسماء وأمراء وجنود معروفون، لا كما يقول بعض الناس أنهم لا وجود لهم، ألا فليستحي هؤلاء، فوالله ما كنا لنسكب دمائنا ثم نكذب على الناس. ولقد تم مشاورة أكثر من ستين في المائة من شيوخ عشائر أهل السنة في أماكن وجود المجاهدين، وقد رأينا إقبالاً واستبشاراً بهذا الأمر والحمد لله.أهـ
فهذه جمهرة من أهل الحل والعقد في العراق قد بايعوا بالإمامة لأمير المؤمنين أبي عمر البغدادي حفظه الله وسدده, فكيف لا تكون إمامة شرعية يا شيخ؟! ولا يخفى على أمثالك ممن أنعم الله عليهم بالعلم الشرعي أن الطائفة التي ناصرت النبي صلى الله عليه وسلم من أهل يثرب وبايعته على إقامة الإسلام وموالاة دعوته كانت لا تتجاوز السبعين رجلاً، وتحققت بهذه الطائفة صفة الغلبة والشوكة لكونها تحمل السلاح وقد تعهدت بالقتال والدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم من أعداء الدعوة، فتم الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم في المدينة لحصول الشوكة له فيها بهذه الطائفة من أهالي يثرب، مع ملاحظة أنهم لم يكونوا من الوجهاء المعروفين في أغلبهم، فقد قال العباس عنهم وهو الخبير بأهل يثرب وزعمائها: يا ابن أخي ما أدري ما هؤلاء القوم الذين جاؤوك ؟ إني ذو معرفة بأهل يثرب، . . . فلما نظر العباس في وجوهنا قال: هؤلاء قوم لا نعرفهم، هؤلاء أحداث!، فليس شرطاً أن تكون القوة والغلبة في أناس معينين، ولا وجهاء معروفين فالطائفة التي أقامت الدولة الإسلامية الأولى كان معظمها من الأحداث الغير معروفين كما قال العباس للنبي صلى الله عليه وسلم.
وإن كنت يا شيخ ترى أن دولة العراق الإسلامية غير شرعية لأنها في سجال دائم وقتال مستمر مع الأمريكان وأذنابهم فماذا تقول في الدولة الإسلامية الأولى في المدينة أهي غير شرعية أيضاً؟!
فقد روى القرطبي في تفسيره(12 /272) عن أبي العالية قال:
"مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين بعدما أوحي إليه خائفاً هو وأصحابه يدعون إلى الله سراً وجهراً، ثم أمر بالهجرة إلى المدينة وكانوا فيها خائفين يصبحون ويمسون في السلاح فقال رجل: يا رسول الله أما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع السلاح ؟ فقال عليه السلام: لا تلبثون إلا يسيراً حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محتبياً ليس عليه حديدة ونزلت هذه الآية وأظهر الله نبيه على جزيرة العرب فوضعوا السلاح وأمنوا"
ولا يخفى على مثلك يا شيخ من المتابعين للساحة العراقية عن قرب أن المساحة الجغرافية التي هي تحت سيطرة إخواننا في دولة العراق الإسلامية أكبر بكثير من دولة الإسلام الأولى في المدينة .
قال الشيخ حامد هدانا الله وإياه في فتواه ص 10 : شروط الإمامة معروفة ، وقد ذكرها العلماء في كتب الفقه وقسموها إلى قسمين:
أحدهما:حال الاختيار والسعة .
في هذه الحالة له أربعة شروط :
أولها: أن يكون من قريش من صميمها ، أي من ولد قريش وهو النضر بن كنانة ،لحديث الصحيح الأئمة من قريش.
والثاني: أن يكون على صفة يصلح بها أن يكون قاضياً، من الحرية ، والبلوغ ، والعقل والعلم ، والعدالة.
الثالث: أن يكون قيما بمقاصد الإمامة ، قائماً بأمر الحرب ، والسياسة ، وإقامة الحدود ، قادراً على الذبّ عن الأمة.
الرابع: أن يكون من أفضلهم في العلم والدين .
نقول: إن أمير المؤمنين في العراق قد اُستكملت فيه هذه الشروط بأسرها وزيادة عليها, وما قولنا هذا تعصب والعياذ بالله أو محاباة لأحد, فإن الأمير من خيرة بطون قريش فهو حسيني وهو حرٌ بالغٌ عاقل عدلٌ من أهل العلم والدين, قائماً بأمر الحرب، والسياسة، وإقامة الحدود، قادراً على الذبّ عن الأمة, إلا أن يريد الشيخ حامد أن يكون الأمير كعمر الفاروق في القيام بمقاصد الإمامة, وكمحمد بن إدريس الشافعي في العلم أو أنه يحفظ سبعمائة حديث بأسانيدها!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى(28/252): ليس أن يستعمل إلا أصلح الموجود، وقد لا يكون في موجوده، من هو صالح لتلك الولاية ، فيختار الأمثل فالأمثل في كل منصب بحسبه، وإذا فعل ذلك بعد الاجتهاد التام، وأخذه للولاية بحقها، فقد أدى الأمانة، وقام بالواجب في هذا، وصار في هذا الموضع من أئمة العدل والمقسطين عند الله، وإن اختل بعض الأمور بسبب من غيره، إذا لم يمكن إلا ذلك، فإن الله يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [من سورة التغابن: 16]، ويقول: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا}[من سورة البقرة: 286]، وقال في الجهاد {فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين}، وقال: {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم، لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} فمن أدى الواجب المقدور عليه فقد اهتدى: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) أخرجاه في الصحيحين، لكن إذا كان منه عجز ولا حاجة إليه، أو خيانة عوقب على ذلك وينبغي أن يعرف الأصلح في كل منصب"انتهى.
وقال الشيخ حامد أيضاً ويا ليته لم يقل ص 9 : ذلك أنّ هذه الإمامة، على غير أصل شرعي، إذ لا يُعرف في الإسلام بيعة إمام لسلطان مجهول ، مختـفٍ ، بغير شوكة ، وظهور ، وتمكين ...
هدانا الله وإياك يا شيخ كيف تتجاهل الأمير؟! وهل يخفى القمر يا شيخ إلا من رمدٍ في العين؟!
وتنازلاً عند قولك نقول: وليكن مجهولاً ! فهل هذا الجهل عند جميع أهل العراق؟ أم أنه عند بعض الذين لم يبايعوه فقط؟
سامحك الله يا شيخ, تقول بملأ فيك إنه لا يُعرف في الإسلام بيعة إمام لسلطان مجهول ! نعم لا يُعرف في الإسلام بيعة إمام لسلطان مجهول عندك أنت هدانا الله وإياك, ولكن القاعدة الأصولية: عدم العلم بالشيء لا يعني العلم بعدمه, ومن علم حجة على من لم يعلم.
قال الشيخ عبد القادر عبد العزيز في كتابه العمدة(180):
"إن مؤلفي الأحكام السلطانية اتفقا على جواز هذا، وهو أنه لا يلزم أن يعرف كل مسلم الإمام بعينه واسمه، إلا أهل الحل والعقد الذين تقوم بهم الحجة، أما ما يلزم الكافة فهو أن يعرفوا أن الخلافة آلت إلى مستحقها.
قال الماوردي:" (فصل) فإذا استقرت الخلافة لمن تقلدها إما بعهد أو اختيار لزم كافة الأمة أن يعرفوا إفضاء الخلافة إلى مستحقها بصفاته، ولا يلزم أن يعرفوه بعينه واسمه إلا أهل الاختيار الذين تقوم بم حجة وببيعتهم تنعقد الخلافة، وقال سليمان بن جرير: واجب على الناس كلهم معرفة الإمام بعينه واسمه كما معرفة الله ومعرفة رسوله.
والذي عليه جمهور الناس أن معرفة الإمام تلزم الكافة على الجملة دون التفصيل، وليس على كل أحد أن يعرفه بعينه واسمه إلا عند النوازل التي تًحوِج إليه، كما أن معرفة القضاة الذين تنعقد بهم الأحكام، والفقهاء الذين يفتون في الحلال والحرام تلزم العامة على الجملة دون تفصيل إلا عند النوازل المحوجة إليهم، ولو لزم كل واحد من الأمة أن يعرف الإمام بعينه واسمه للزمت الهجرة إليه ولما جاز تخلف الأباعد ولأفضى ذلك إلى خلو الأوطان ولصار من العرف خارجاً وبالفساد عائداً".
وقال أبو يعلى: "ولا يجب على كافة الناس معرفة الإمام بعينه واسمه، إلا من هو من أهل الاختيار الذين تقوم بهم الحجة وتنعقد بهم الخلافة".
قلت: ومن البيعات التي وقعت بهذه الكيفية أذكر: بيعة عمر بن عبد العزيز وهو أحد الراشدين، وبيعة دعوة العباسيين، كما يلي:
1 _ بيعة الخلافة لعمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد:
عَهِدَ الخليفة عبد الملك بن مروان لبنيه بالخلافة من بعده، فتولى الوليد ثم سليمان، فلما حُضِرَ سليمان أشار عليه التابعي الجليل رجاء بن حَيْوَة بأن يَعْهَد إلى عمر بن عبد العزيز، قال السيوطي: "قال ـ رجاء ـ تستخلف عمر بن عبد العزيز، قال ـ سليمان ـ أتخوف إخوتي لا يرضون قال: تُوَلِّي عمرَ ومن بعده يزيدَ بن عبد الملك، وتكتب كتاباً وتختم عليه وتدعوهم إلى بيعته مختوماً، قال: لقد رأيت"، وقال ابن كثير إن سليمان كتب: "بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من عبد الله سليمان بن عبد الملك لعمر بن عبد العزيز، إني قد وَلَّيته الخلافة من بعدي ومن بعده يزيد بن عبد الملك، فاسمعوا له وأطيعوا، واتقوا الله ولا تختلفوا فيطمع فيكم عدوكم، وختم الكتاب وأرسل إلى كعب بن حامد العبسي صاحب الشرطة، فقال له: أجمع أهل بيتي فمرهم فليبايعوا على ما في هذا الكتاب مختوماً، فمن أبي منهم ضرب عنقه، فاجتمعوا ودخل رجال منهم فسلموا على أمير المؤمنين، فقال لهم، هذا الكتاب عهدي إليكم، فاسمعوا له وأطيعوا من وليت فيه، فبايعوا لذلك رجلاً، ـ إلى أن قال ابن كثير ـ قال ـ رجاء بن حَيْوَة ـ فَحَرَّفته إلى القبلة فمات رحمه الله، فغطيته بقطيفة خضراء وأغلقت عليه وأرسلت إلى كعب بن حامد فجمع الناس في مسجد دابق، فقلت: بَايِعوا لمن في هذا الكتاب، فقالوا قد بايعنا، فقلت: بايعوا ثانية، ففعلوا، ثم قلت قوموا إلى صاحبكم فقد مات، وقرأت الكتاب عليهم".
ورجاء بن حَيْوَة الذي أشار بذلك على سليمان بن عبد الملك، هو تابعي جليل، وقال ابن كثير: "وهو تابعي جليل، كبير القدر، ثقة فاضل عادل، وزير صدق لخلفاء بني أمية، وكان مكحول إذا سئل يقول: سلوا شيخنا وسيدنا رجاء بن حَيْوَة، وقد أثنى عليه غير واحد من الأئمة ووثقوه في الرواية".
2 _ بيعة الدعوة إلى إقامة دولة العباسيين:
ابتدأ هذه الدعوة محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، كما ذكرت من قبل، ودعوا الناس إلى بيعتهم، وكانت البيعة للرضى من آل محمد صلى الله عليه وسلم، هكذا دون تحديد لشخصية أمير هذه الدعوة، وكان هذا متعمداً، لحرص العباسيين على كسب شيعة العلويين إلى دعوتهم، وآل محمد صلى الله عليه وسلم تشتمل العلويين والعباسيين، فالمبايع له في هذه الدعوة هو شخص مجهول بالنسبة لأغلبية من بايع باستثناء النقباء وكبار الدعاة الذين كانوا يعرفون صاحب الدعوة باسمه وعينه ، وقال السيوطي:"بعث محمدٌ رجلاً إلى خراسان وأمره أن يدعو إلى الرضى من آل محمد صلى الله عليه وسلم ولا يسمي أحداً، ثم وجه أبا مسلم الخراساني وغيره، وكتب إلى النقباء فقبلوا كتبه".
قلت: فهذا هو ما تيسر لنا من القول في مسألة هل تجوز البيعة لمجهول؟ والذي يظهر من النقول السابقة أن هذا جائز طالماً كان أهل الحل والعقد يعرفون المبايع له. والله أعلم"، انتهى.
وقال الشيخ حامد ص 7 : ثم يجب أن يكون قادراً على القيام بمقاصد الإمامة ، ولا يكون له الإمامة الشرعية ، إلا بالقدرة على تحققها عند أهل السنـة :
قال في الإقناع : يلزم الإمام عشرة أشياء:
حفظ الدين ، وتنفيذ الأحكام ، وحماية البيضة ، وإقامة الحدود ، وتحصين الثغور - وجهاد من عاند ، وجباية الخراج والصدقات، وتقدير العطاء ، واستكفاء الأمناء وأن يباشر بنفسه مشارفة الأمور.أهـ
وهذا ما حققه أمير المؤمنين في العراق أعانه الله وأيده:
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة *** وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
وبهذا نخلص إلى أن عقد الإمامة لأبي عمر البغدادي حفظه الله عقد صحيح شرعي لا غبار عليه, وأن الدولة الإسلامية في العراق إسلامية بحتة منبثقة من مصدر الكتاب والسنة, وعلى هذا فإن من حظر ولم يبايع فهو عاصي بنص الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة, والأدلة مبسوطة في مظانها,ولو كنا في تلك المحلة لبايعنا ومددنا أكفنا وسكبنا دمائنا, ويعلم الله أننا ما كنا لنتخلف عن ذلك الواجب الذي أمرنا الله به.
ومن هنا نرسل نداء لإخواننا أنصار السنة, وجيش المجاهدين, والجيش الإسلامي, كما أرسل إليهم من قبلنا إخواننا في الدولة وعلى رأسهم الشيخين حفظهما الله, وأرسل إليهم قاداة الجهاد وشيوخه كالشيخ أبي يحيى الليبي حفظه الله؛ فيا أنصار السنة أنصروا السنة التي تأمركم بالمبايعة, ويا جيش المجاهدين كونوا جيشاً للمجاهدين, ويا أيها الجيش الإسلامي كونوا من جيش الدولة الإسلامية لله در أبائكم.
أخيراً نقول : قد تحمر أنوف بعض من يتعصب للشيخ حامد العلي هدانا الله وإياه لاسيما وأن له قدمُ صدقٍ وسبق في ميدان العمل الإسلامي ونحن لا ننكر ذلك, ويعلم الله أننا نحب الشيخ في الله لكن نحب الحق أكثر منه, ونحن نتواضع للحق وللخلق, ولكن إذا تعارض الحق والخلق قدمنا الحق على الخلق, نسأل الله لنا وله التوفق والسداد , ويعلم الله أننا نتمنى عودته وأوبته عن قوله وفتواه هذه, وما ذلك إلا لحبنا له الخير في الدارين .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين , وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
جماعة أنصار الخلافة
الهيئة الشرعية
الأحد 20/ربيع الأول /1428هـ
الموافق 8/4/2007م
وترقبوا أبحاثنا وبياناتنا القادمة بإذن الله تعالى.
لجماعة أنصار الخلافة
قومٌ همُ الأنفُ والأذنابُ غيرهمُ ** ومن يُساوي بأنف الناقةِ الذنبا
إعداد: الهيئة الشرعية لأنصار الخلافة.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أمر بالنصح والإرشاد, والصلاة والسلام على محمدٍ خير العباد, وعلى آله وصحبه أهل التقى والرشاد, وعلى من سار على هديهم إلى يوم التناد, وعلى دولة العراق الإسلامية قادة وأفراد , وعلى أئمة التوحيد والجهاد في كل البلاد, أما بعد:
فقد قال ابن القيم في زاد المعاد:
" عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم لبث بمكة عشر سنين يتبع الناس في منازلهم في المواسم ومجنة، وعكاظ، يقول: من يؤويني، من ينصرني حتى أبلغ رسالات ربي، وله الجنة ؟ فلا يجد أحداً ينصره، ولا يؤويه، حتى إن الرجل ليرحل من مضر، أو اليمن إلى ذي رحمه فيأتيه قومه فيقولون له: احذر غلام قريش لا يفتنك، ويمشي بين رجالهم يدعوهم إلى الله عز وجل وهم يشيرون إليه بالأصابع، حتى بعثنا الله من يثرب فيأتيه الرجل منا فيؤمن به، ويقرئه القرآن، فينقلب إلى أهله، فيسلمون بإسلامه، حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام، وبعثنا الله إليه فائتمرنا، واجتمعنا، وقلنا: حتى متى رسول الله يطرد في جبال مكة، ويخاف، فرحلنا حتى قدمنا عليه في الموسم فواعدنا بيعة العقبة، فقال له عمه العباس: يا ابن أخي ما أدري ما هؤلاء القوم الذين جاؤوك ؟ إني ذو معرفة بأهل يثرب، فاجتمعنا عنده من رجل ورجلين، فلما نظر العباس في وجوهنا قال: هؤلاء قوم لا نعرفهم، هؤلاء أحداث ! فقلنا: يا رسول الله! علام نبايعك؟ قال: تبايعوني على السمع والطاعة، في النشاط والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن تقولوا في الله، لا تأخذكم لومة لائم، وعلى أن تنصروني إذا قدمت عليكم، وتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة، فقمنا نبايعه، فأخذ بيده أسعد بن زرارة، وهذا أصغر السبعين، فقال: رويداً يا أهل يثرب ! إنا لم نضرب إليه أكباد المطيّ إلا ونحن نعلم أنه رسول الله، وإن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة، وقتل خياركم، وأن تعضكم السيوف، فإما أنتم تصبرون على ذلك فخذوه وأجركم على الله، وإما أنتم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه، فهو أعذر لكم عند الله، فقالوا: يا سعد! أمط عنا يدك، فوالله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها، فقمنا إليه رجلاً رجلاً، فأخذ علينا وشرط، يعطينا بذلك الجنة"، انتهى.
أيا لله لقد استدار الزمان دورته ورجع الإسلام غريباً كما بدأ, فهذه دولة العراق الإسلامية الفتية فارقتها العرب كافة, وقتل من خيارهم , وعضتهم السيوف, ولكنهم نحسبهم والله حسيبهم صابرون محتسبون أعزهم الله بنصره وأيدهم .
لقد وجهت قناة الزوراء العوراء سهامها نحو الدولة , ويكفينا في الرد عليها وعلى القائمين عليها قول الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم: (سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة. قيل وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه؛ يتكلم في أمر العامة).
ثم فوجئنا ببيان لإخواننا في الجيش الإسلامي هداهم الله أكثروا فيه من الأغاليط والأكاذيب, وتجنوا على إخواننا في الدولة الإسلامية في العراق الحبيب, وهذا بينهم وبين الدولة وفقها الله يتفاهمون فيما بينهم , وليس ذلك من اختصاصاتنا.
ثم فجعنا بكلام الشيخ الفاضل حامد العلي هداه الله فكان ثالثة الأثافي
وظلمُ ذوي القربى أشدُ مضاضة *** على النفسِ من وقع الحسامِ المهندِ
وما نظن الشيخ وقع فيما وقع فيه إلا لأنه لم يطلع على كتاب "إعلام الأنام بميلاد دولة الإسلام" للهيئة الشرعية لدولة العراق الإسلامية وفقها الله وأيدها ونصرها .
فمن باب النصح وحب الخير للغير وعلى رأسهم الشيخ حامد ومن سيأخذ بقوله ويتمسك به, ومن باب نصرة إخواننا في دولة العراق الإسلامية والذب عنهم وعلى رأسهم أمير المؤمنين حفظه الله وأيده بنصره ورزقه من الطيبات, واستجاباً للنداء الذي وجهوه للحركات الإسلامية ودعاة الإسلام عامة كتبنا هذه الأسطر القلائل نسأل الله أن يبارك فيها,
قومٌ إذا الشرُ أبدى ناجذيهِ لهم *** طاروا إليه زَرافاتٍ ووحدانا
لا يسألون أخاهم حينَ يندبهم *** للنائباتِ على ما قالَ بُرهانا
فهلموا يا إخوتنا ننظر في المسألة من منظورٍ شرعيٍ بحت ليس فيه تعصب أو حيادية أو
محاباة إلا للحق:
قال الإمام أبو محمد ابن حزم الأندلسي رحمه الله: اتفق جميع أهل السنة وجميع المرجئة وجميع الخوارج على وجوب الإمامة, وأن الأمة واجب عليها الانقياد لإمام عادل, يقيم فيهم أحكام الله, ويسوسهم بأحكام الشريعة التي أتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.أهـ [تاريخ المذاهب الإسلامية ص 21] وما نخالك يا شيخ إلا من أهل السنة والجماعة بل نحسبك من خيارهم والله حسيبك.
وهاهنا سؤال يا شيخ: من الذي قام بهذا الواجب؟
أقام به حكام بني علقم؟!
بل قام بهذا الواجب أهل الحل والعقد في العراق فأقاموا دولة إسلامية رغم أنوف الحاسدين والشانئين بمبايعتهم لأمير المؤمنين في العراق أبي عمر القرشي الحسيني البغدادي حفظه الله وجعله عزاً للإسلام والمسلمين.
يا شيخ لقد استبددت بالرأي وكأن الأمر مجمع عليه ولا قول غيره, فألمحت أن الدولة غير شرعية لعدم مبايعة المسلمون كافة لها – وأن ذلك شرط في صحة البيعة – ونقلت عن بعض أهل العلم في ذلك ما يؤيد ما ذهبت إليه, وإن مما نقلته قول الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله من رواية إسحاق بن منصور وقد سُئل عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية، ما معناه؟ فقال تدري ما الإمام؟ الإمام الذي يجمع عليه المسلمون، كلهم يقول هذا إمام فهذا معناه.أهـ ولكنك لم تذكر يا شيخ أنه قد ورد عن الإمام أحمد في ذلك روايتين, ولم تبين لأهل السنة – الذين وصمت من يقول بخلاف قولك أنه ليس منهم – أن لهم في ذلك أقوال:
* فمن قائلٍ بإجماع أهل الحل والعقد جميعهم، وهذا قول أحمد في رواية إسحاق بن إبراهيم قال أحمد: " الإمام الذي يجتمع قول أهل الحل والعقد عليه" [الأحكام السلطانية: 23 ] ولكن لم يرتضِ كثير من العلماء هذا القول.
* ومن قائلٍ بأنه تكفي بيعة أهل الحل والعقد الذين يتيسر اجتماعهم، وبهذا قال النووي: " العلماء والرؤساء ووجوه الناس الذين يتيسر اجتماعهم" [انظر الروضة ونهاية المحتاج] ووجوه الناس عظماؤهم بإمارة أو علم أو غيرهما [حواشي الشرواني 9/76]
وقال في شرح مسلم - بعد أن ذكر تأخر علي بن أبي طالب عن بيعة أبي بكر رضي الله عنهما -: " ومع هذا فتأخره ليس بقادح في البيعة ولا فيه، أما البيعة فقد اتفق العلماء على أنه لا يشترط لصحتها مبايعة كل الناس ولا كل أهل الحل والعقد، وإنما يشترط مبايعة من تيسر اجتماعهم من العلماء والرؤساء ووجوه الناس [12/77] ونقله الشوكاني عن أبي محمد الجويني والد إمام الحرمين [انظر إرشاد الفحول:161الطبعة الأولى للمكتبة التجارية] ويفهم من كلام الماوردي أنه يقول به حيث قال: " وإنما صار من يحضر ببلد الإمام متولياً لعقد الإمامة عرفاً لا شرعاً، لسبوق علمهم بموته، ولأن من يصلح للخلافة في الأغلب موجودون في بلده " [الأحكام السلطانية: 6]
وقال القلقشندي: " وهو الأصح عند أصحابنا الشافعية " [مآثر الإنافة 1/44 ]
* ومن قائلٍ أنها تنعقد بأربعين قياساً على الجمعة وهو لبعض علماء الشافعية ومنهم الحليمي في المنهاج، قال: " فإن لم يكن لمن جمع شرائط الإمامة عهد من إمام قبله، واحتيج إلى نصب إمام للمسلمين فاجتمع أربعون عدلاً من المسلمين، أحدهم عالم يصلح للقضاء بين الناس، فعقدوا لرجل جمع الشرائط التي تقدم ذكرها، بعد إمعان النظر والمبالغة بالاجتهاد، ثبتت له الإمامة ووجبت طاعته " نقلاً عن النويري في نهاية الأرب 6/3 طرق انتهاء ولاية الحكام 156.
* ومن قائلٍ أنها تنعقد بخمسة، وهو قول أكثر الفقهاء والمتكلمين من أهل البصرة والقاضي عبد الجبار (415هـ)، واستدلوا بأن بيعة أبي بكر انعقدت بخمسة وهم: عمر وأبو عبيدة وبشير بن سعد وسالم مولى أبي حذيفة وأسيد بن حضير رضي الله عنهم، ولأن عمر جعلها شورى في ستة ليعقدها أحدهم برضا الخمسة.
* ومن قائلٍ أنها تنعقد بثلاثة، وهذا قول بعض علماء الكوفة ذكره الماوردي، ووجهه أنهم جماعة فلا تجوز مخالفتهم، وليتولاها أحدهم برضا الاثنين فيكونوا حاكماً وشاهدين كعقد النكاح يصح بولي وشاهدين.
* ومن قائلٍ أنها تنعقد باثنين. ذكره الجويني ولم ينسبه لأحد ولا ذكر دليله، فإن كان المراد اثنين برضا الثالث، فهو القول السابق.
* ومن قائلٍ أنها تنعقد بواحد من أهل الحل والعقد مطلقاً. وهذا قول أبي الحسن الأشعري كما ذكر البغدادي، وابن حزم (الفصل 3/85) وهو قول الإيجي في (المواقف) والقرطبي (الجامع لأحكام القرآن 1/269) والباقلاني (. . . )، واستدلوا: ببيعة أبي بكر إذ أن عمر هو الذي بايعه.
وبقول العباس لعلي يوم السقيفة: " امدد يدك أبايعك، فيقول الناس: عم رسول الله بايع ابن عمه، فلا يختلف عليك اثنان " وبأن العقد حكم، وحكم الواحد نافذ.
كما استدل ابن حزم بأن أهل الشورى الذين عهد إليهم عمر تبرؤوا من الاختيار وجعلوه إلى واحد، وهو عبد الرحمن بن عوف، قال "فقد صح إجماعهم على أن الإمامة تنعقد بواحد" [المرجع السابق]
* ومن قائلٍ أنها تنعقد بواحد بشرط حصول الشوكة ببيعته، وهذا قول الجويني والغزالي.
يقول الغزالي: " ولو لم يبايعه غير عمر وبقي كافة الخلق مخالفين، أو انقسموا انقساماً متكافئاً لا يتميز فيه غالب عن مغلوب لما انعقدت الإمامة، فإن شرط ابتداء الانعقاد قيام الشوكة وانصراف القلوب إلى المشايعة " [فضائح الباطنية: 176-177]
وقال الجويني: " ولكني أشترط أن يكون المبايِع ممن تفيد مبايعته مُنةً واقتهارا " [الغياثي: 72] مع أن كلاً من الغزالي والجويني يقول بانعقادها بواحد قال الغزالي: " والذي نختاره أنه يكتفى بشخص واحد يعقد البيعة للإمام " [فضائح الباطنية] وقال الجويني: " وأقرب المذاهب ما ارتضاه القاضي أبو بكر وهو المنقول عن شيخنا أبي الحسن، وهو أن الإمامة تثبت بمبايعة رجل واحد من أهل الحل والعقد " لكنه يشترط ما ذكرناه من حصول الشوكة فيقول إضافة إلى ما سبق: " إن بايع رجل واحد مرموق كثير الأتباع والأشياع، مطاع في قومه، وكانت بيعته تفيد ما أشرنا إليه انعقدت الإمامة " [الغياثي:72]
* ومن قائلٍ أن المعتبر هو بيعة جمهور أهل الحل والعقد الذين بهم يتحقق حصول الشوكة والقوة والعصبية، وهذا قول ابن خلدون [أنظر المقدمة] والنووي وابن تيمية وغيرهم رحمهم الله.
وهذا الذي أختاره إخواننا في دولة العراق الإسلامية وفقهم الله ورجحوه كما صرحوا بذلك في "إعلام الأنام بميلاد دولة الإسلام ص 20" فليتق الله من يفتات عليهم بغير علم.
والقول الذي لمح إليه الشيخ حامد العلي هدانا الله وإياه وعرض به قال به من قبله هشام الفوطي وعبد الرحمن الأصم، وهما من المعتزلة [ انظر مقالات الإسلاميين ] وهو قول الكرامية [ أنظر الملل والنحل ]. ويجاب عن هذا القول بأنه يتعذر، وإذا كان إجماع أهل الحل والعقد جميعهم يتعذر أو يتعسر وقد يترتب على اشتراطه مفاسد عظيمة، فكيف بإجماع كل المسلمين ؟!
قال ابن حزم رحمه الله: "أما من قال: إن الإمامة لا تصح إلا بعقد فضلاء الأمة في أقطار البلاد فباطل، لأنه من تكليف ما لا يطاق وما ليس في الوسع وما هو أعظم الحرج، والله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها، وقال تعالى: {وما جعل عليكم في الدِّيْن من حرج}[الحج: 78] ولا حرج ولا تعجيز أكثر من تعرف إجماع فضلاء من في المولتان والمنصورة إلى بلاد مهرة إلى عدن إلى أقاصي بلاد المصامدة إلى طنجة إلى الأشبونة إلى جزائر البحر إلى سواحل الشام إلى أرمينية وجبل الفتح إلى أسمار وفرغانة وأسروشنة إلى أقاصي خراسان إلى الجورجان إلى كابل إلى المولتان فما بين ذلك من المدن والقرى، ولا بد من ضياع أمور المسلمين قبل أن يجمع جزء من مائة جزء من فضلاء أهل هذه البلاد، فبطل هذا القول الفاسد، مع أنه لو كان ممكناً لما لزم، لأنه دعوى بلا برهان "[الفصل في الملل والأهواء والنحل 3/84]
بل ذكر الجويني الإجماع على عدم اشتراط إجماع أهل الحل والعقد فقال: " مما يقطع به أن الإجماع ليس شرطاً في عقد الإمامة بالإجماع "
ويعلل الجويني عدم الاشتراط فيقول: "الغرض من نصب الإمام حفظ الحوزة والاهتمام بمهمات الإسلام، ومعظم الأمور الخطيرة لا تقبل الريث والمكث، ولو أخر النظر فيه لجر ذلك خللاً لا يتلافى، وخبلاً متفاقماً لا يستدرك، فاستبان من وضع الإمامة استحالة اشتراط الإجماع في عقدها"أهـ [الغياثي: 67-68] ويشهد لكلام الجويني ما جاء في خطبة عمر عندما قال: " كانت بيعة أبي بكر فلتة، ولكن الله وقى المسلمين شرها"[ رواه البخاري وغيره]. يعني أن بيعة أبي بكر تمت في لحظة، وقد كان يمكن أن تحدث في تلك اللحظة أمور عظيمة، لكن الله سلم.
ثم قال الشيخ حامد العلي ص 7 من فتواه : وأهل الحل والعقد المعتبرون الذين يختارهـم الإمام ، فتجب طاعته ،وتثبت ولايته ، هم كما جاء وصفهم :
قال في منتهى الإرادات مبينا من يخاطب بنصب الإمام: ( وأهل الاجتهاد حتى يختاروا وشرطهم العدالة ، والعلم الموصل إلى معرفة مستحق الإمامة ، وأن يكونوا من أهل الرأي ، والتدبير المؤديين إلى اختيار من هو للإمامة أصلح ).أهـ
جاء في كتاب إعلام الأنام بميلاد دولة الإسلام ما نصه: وقد وفق الله الإخوة في حلف المطيبين وهو يمثل جمهور أهل الحل والعقد في هذا البلد، فقد دخل فيه مجلس شورى المجاهدين وهو تشكيل من سبع جماعات جهادية، لها أسماء وأمراء وجنود معروفون، لا كما يقول بعض الناس أنهم لا وجود لهم، ألا فليستحي هؤلاء، فوالله ما كنا لنسكب دمائنا ثم نكذب على الناس. ولقد تم مشاورة أكثر من ستين في المائة من شيوخ عشائر أهل السنة في أماكن وجود المجاهدين، وقد رأينا إقبالاً واستبشاراً بهذا الأمر والحمد لله.أهـ
فهذه جمهرة من أهل الحل والعقد في العراق قد بايعوا بالإمامة لأمير المؤمنين أبي عمر البغدادي حفظه الله وسدده, فكيف لا تكون إمامة شرعية يا شيخ؟! ولا يخفى على أمثالك ممن أنعم الله عليهم بالعلم الشرعي أن الطائفة التي ناصرت النبي صلى الله عليه وسلم من أهل يثرب وبايعته على إقامة الإسلام وموالاة دعوته كانت لا تتجاوز السبعين رجلاً، وتحققت بهذه الطائفة صفة الغلبة والشوكة لكونها تحمل السلاح وقد تعهدت بالقتال والدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم من أعداء الدعوة، فتم الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم في المدينة لحصول الشوكة له فيها بهذه الطائفة من أهالي يثرب، مع ملاحظة أنهم لم يكونوا من الوجهاء المعروفين في أغلبهم، فقد قال العباس عنهم وهو الخبير بأهل يثرب وزعمائها: يا ابن أخي ما أدري ما هؤلاء القوم الذين جاؤوك ؟ إني ذو معرفة بأهل يثرب، . . . فلما نظر العباس في وجوهنا قال: هؤلاء قوم لا نعرفهم، هؤلاء أحداث!، فليس شرطاً أن تكون القوة والغلبة في أناس معينين، ولا وجهاء معروفين فالطائفة التي أقامت الدولة الإسلامية الأولى كان معظمها من الأحداث الغير معروفين كما قال العباس للنبي صلى الله عليه وسلم.
وإن كنت يا شيخ ترى أن دولة العراق الإسلامية غير شرعية لأنها في سجال دائم وقتال مستمر مع الأمريكان وأذنابهم فماذا تقول في الدولة الإسلامية الأولى في المدينة أهي غير شرعية أيضاً؟!
فقد روى القرطبي في تفسيره(12 /272) عن أبي العالية قال:
"مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين بعدما أوحي إليه خائفاً هو وأصحابه يدعون إلى الله سراً وجهراً، ثم أمر بالهجرة إلى المدينة وكانوا فيها خائفين يصبحون ويمسون في السلاح فقال رجل: يا رسول الله أما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع السلاح ؟ فقال عليه السلام: لا تلبثون إلا يسيراً حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محتبياً ليس عليه حديدة ونزلت هذه الآية وأظهر الله نبيه على جزيرة العرب فوضعوا السلاح وأمنوا"
ولا يخفى على مثلك يا شيخ من المتابعين للساحة العراقية عن قرب أن المساحة الجغرافية التي هي تحت سيطرة إخواننا في دولة العراق الإسلامية أكبر بكثير من دولة الإسلام الأولى في المدينة .
قال الشيخ حامد هدانا الله وإياه في فتواه ص 10 : شروط الإمامة معروفة ، وقد ذكرها العلماء في كتب الفقه وقسموها إلى قسمين:
أحدهما:حال الاختيار والسعة .
في هذه الحالة له أربعة شروط :
أولها: أن يكون من قريش من صميمها ، أي من ولد قريش وهو النضر بن كنانة ،لحديث الصحيح الأئمة من قريش.
والثاني: أن يكون على صفة يصلح بها أن يكون قاضياً، من الحرية ، والبلوغ ، والعقل والعلم ، والعدالة.
الثالث: أن يكون قيما بمقاصد الإمامة ، قائماً بأمر الحرب ، والسياسة ، وإقامة الحدود ، قادراً على الذبّ عن الأمة.
الرابع: أن يكون من أفضلهم في العلم والدين .
نقول: إن أمير المؤمنين في العراق قد اُستكملت فيه هذه الشروط بأسرها وزيادة عليها, وما قولنا هذا تعصب والعياذ بالله أو محاباة لأحد, فإن الأمير من خيرة بطون قريش فهو حسيني وهو حرٌ بالغٌ عاقل عدلٌ من أهل العلم والدين, قائماً بأمر الحرب، والسياسة، وإقامة الحدود، قادراً على الذبّ عن الأمة, إلا أن يريد الشيخ حامد أن يكون الأمير كعمر الفاروق في القيام بمقاصد الإمامة, وكمحمد بن إدريس الشافعي في العلم أو أنه يحفظ سبعمائة حديث بأسانيدها!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى(28/252): ليس أن يستعمل إلا أصلح الموجود، وقد لا يكون في موجوده، من هو صالح لتلك الولاية ، فيختار الأمثل فالأمثل في كل منصب بحسبه، وإذا فعل ذلك بعد الاجتهاد التام، وأخذه للولاية بحقها، فقد أدى الأمانة، وقام بالواجب في هذا، وصار في هذا الموضع من أئمة العدل والمقسطين عند الله، وإن اختل بعض الأمور بسبب من غيره، إذا لم يمكن إلا ذلك، فإن الله يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [من سورة التغابن: 16]، ويقول: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا}[من سورة البقرة: 286]، وقال في الجهاد {فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين}، وقال: {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم، لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} فمن أدى الواجب المقدور عليه فقد اهتدى: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) أخرجاه في الصحيحين، لكن إذا كان منه عجز ولا حاجة إليه، أو خيانة عوقب على ذلك وينبغي أن يعرف الأصلح في كل منصب"انتهى.
وقال الشيخ حامد أيضاً ويا ليته لم يقل ص 9 : ذلك أنّ هذه الإمامة، على غير أصل شرعي، إذ لا يُعرف في الإسلام بيعة إمام لسلطان مجهول ، مختـفٍ ، بغير شوكة ، وظهور ، وتمكين ...
هدانا الله وإياك يا شيخ كيف تتجاهل الأمير؟! وهل يخفى القمر يا شيخ إلا من رمدٍ في العين؟!
وتنازلاً عند قولك نقول: وليكن مجهولاً ! فهل هذا الجهل عند جميع أهل العراق؟ أم أنه عند بعض الذين لم يبايعوه فقط؟
سامحك الله يا شيخ, تقول بملأ فيك إنه لا يُعرف في الإسلام بيعة إمام لسلطان مجهول ! نعم لا يُعرف في الإسلام بيعة إمام لسلطان مجهول عندك أنت هدانا الله وإياك, ولكن القاعدة الأصولية: عدم العلم بالشيء لا يعني العلم بعدمه, ومن علم حجة على من لم يعلم.
قال الشيخ عبد القادر عبد العزيز في كتابه العمدة(180):
"إن مؤلفي الأحكام السلطانية اتفقا على جواز هذا، وهو أنه لا يلزم أن يعرف كل مسلم الإمام بعينه واسمه، إلا أهل الحل والعقد الذين تقوم بهم الحجة، أما ما يلزم الكافة فهو أن يعرفوا أن الخلافة آلت إلى مستحقها.
قال الماوردي:" (فصل) فإذا استقرت الخلافة لمن تقلدها إما بعهد أو اختيار لزم كافة الأمة أن يعرفوا إفضاء الخلافة إلى مستحقها بصفاته، ولا يلزم أن يعرفوه بعينه واسمه إلا أهل الاختيار الذين تقوم بم حجة وببيعتهم تنعقد الخلافة، وقال سليمان بن جرير: واجب على الناس كلهم معرفة الإمام بعينه واسمه كما معرفة الله ومعرفة رسوله.
والذي عليه جمهور الناس أن معرفة الإمام تلزم الكافة على الجملة دون التفصيل، وليس على كل أحد أن يعرفه بعينه واسمه إلا عند النوازل التي تًحوِج إليه، كما أن معرفة القضاة الذين تنعقد بهم الأحكام، والفقهاء الذين يفتون في الحلال والحرام تلزم العامة على الجملة دون تفصيل إلا عند النوازل المحوجة إليهم، ولو لزم كل واحد من الأمة أن يعرف الإمام بعينه واسمه للزمت الهجرة إليه ولما جاز تخلف الأباعد ولأفضى ذلك إلى خلو الأوطان ولصار من العرف خارجاً وبالفساد عائداً".
وقال أبو يعلى: "ولا يجب على كافة الناس معرفة الإمام بعينه واسمه، إلا من هو من أهل الاختيار الذين تقوم بهم الحجة وتنعقد بهم الخلافة".
قلت: ومن البيعات التي وقعت بهذه الكيفية أذكر: بيعة عمر بن عبد العزيز وهو أحد الراشدين، وبيعة دعوة العباسيين، كما يلي:
1 _ بيعة الخلافة لعمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد:
عَهِدَ الخليفة عبد الملك بن مروان لبنيه بالخلافة من بعده، فتولى الوليد ثم سليمان، فلما حُضِرَ سليمان أشار عليه التابعي الجليل رجاء بن حَيْوَة بأن يَعْهَد إلى عمر بن عبد العزيز، قال السيوطي: "قال ـ رجاء ـ تستخلف عمر بن عبد العزيز، قال ـ سليمان ـ أتخوف إخوتي لا يرضون قال: تُوَلِّي عمرَ ومن بعده يزيدَ بن عبد الملك، وتكتب كتاباً وتختم عليه وتدعوهم إلى بيعته مختوماً، قال: لقد رأيت"، وقال ابن كثير إن سليمان كتب: "بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من عبد الله سليمان بن عبد الملك لعمر بن عبد العزيز، إني قد وَلَّيته الخلافة من بعدي ومن بعده يزيد بن عبد الملك، فاسمعوا له وأطيعوا، واتقوا الله ولا تختلفوا فيطمع فيكم عدوكم، وختم الكتاب وأرسل إلى كعب بن حامد العبسي صاحب الشرطة، فقال له: أجمع أهل بيتي فمرهم فليبايعوا على ما في هذا الكتاب مختوماً، فمن أبي منهم ضرب عنقه، فاجتمعوا ودخل رجال منهم فسلموا على أمير المؤمنين، فقال لهم، هذا الكتاب عهدي إليكم، فاسمعوا له وأطيعوا من وليت فيه، فبايعوا لذلك رجلاً، ـ إلى أن قال ابن كثير ـ قال ـ رجاء بن حَيْوَة ـ فَحَرَّفته إلى القبلة فمات رحمه الله، فغطيته بقطيفة خضراء وأغلقت عليه وأرسلت إلى كعب بن حامد فجمع الناس في مسجد دابق، فقلت: بَايِعوا لمن في هذا الكتاب، فقالوا قد بايعنا، فقلت: بايعوا ثانية، ففعلوا، ثم قلت قوموا إلى صاحبكم فقد مات، وقرأت الكتاب عليهم".
ورجاء بن حَيْوَة الذي أشار بذلك على سليمان بن عبد الملك، هو تابعي جليل، وقال ابن كثير: "وهو تابعي جليل، كبير القدر، ثقة فاضل عادل، وزير صدق لخلفاء بني أمية، وكان مكحول إذا سئل يقول: سلوا شيخنا وسيدنا رجاء بن حَيْوَة، وقد أثنى عليه غير واحد من الأئمة ووثقوه في الرواية".
2 _ بيعة الدعوة إلى إقامة دولة العباسيين:
ابتدأ هذه الدعوة محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، كما ذكرت من قبل، ودعوا الناس إلى بيعتهم، وكانت البيعة للرضى من آل محمد صلى الله عليه وسلم، هكذا دون تحديد لشخصية أمير هذه الدعوة، وكان هذا متعمداً، لحرص العباسيين على كسب شيعة العلويين إلى دعوتهم، وآل محمد صلى الله عليه وسلم تشتمل العلويين والعباسيين، فالمبايع له في هذه الدعوة هو شخص مجهول بالنسبة لأغلبية من بايع باستثناء النقباء وكبار الدعاة الذين كانوا يعرفون صاحب الدعوة باسمه وعينه ، وقال السيوطي:"بعث محمدٌ رجلاً إلى خراسان وأمره أن يدعو إلى الرضى من آل محمد صلى الله عليه وسلم ولا يسمي أحداً، ثم وجه أبا مسلم الخراساني وغيره، وكتب إلى النقباء فقبلوا كتبه".
قلت: فهذا هو ما تيسر لنا من القول في مسألة هل تجوز البيعة لمجهول؟ والذي يظهر من النقول السابقة أن هذا جائز طالماً كان أهل الحل والعقد يعرفون المبايع له. والله أعلم"، انتهى.
وقال الشيخ حامد ص 7 : ثم يجب أن يكون قادراً على القيام بمقاصد الإمامة ، ولا يكون له الإمامة الشرعية ، إلا بالقدرة على تحققها عند أهل السنـة :
قال في الإقناع : يلزم الإمام عشرة أشياء:
حفظ الدين ، وتنفيذ الأحكام ، وحماية البيضة ، وإقامة الحدود ، وتحصين الثغور - وجهاد من عاند ، وجباية الخراج والصدقات، وتقدير العطاء ، واستكفاء الأمناء وأن يباشر بنفسه مشارفة الأمور.أهـ
وهذا ما حققه أمير المؤمنين في العراق أعانه الله وأيده:
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة *** وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
وبهذا نخلص إلى أن عقد الإمامة لأبي عمر البغدادي حفظه الله عقد صحيح شرعي لا غبار عليه, وأن الدولة الإسلامية في العراق إسلامية بحتة منبثقة من مصدر الكتاب والسنة, وعلى هذا فإن من حظر ولم يبايع فهو عاصي بنص الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة, والأدلة مبسوطة في مظانها,ولو كنا في تلك المحلة لبايعنا ومددنا أكفنا وسكبنا دمائنا, ويعلم الله أننا ما كنا لنتخلف عن ذلك الواجب الذي أمرنا الله به.
ومن هنا نرسل نداء لإخواننا أنصار السنة, وجيش المجاهدين, والجيش الإسلامي, كما أرسل إليهم من قبلنا إخواننا في الدولة وعلى رأسهم الشيخين حفظهما الله, وأرسل إليهم قاداة الجهاد وشيوخه كالشيخ أبي يحيى الليبي حفظه الله؛ فيا أنصار السنة أنصروا السنة التي تأمركم بالمبايعة, ويا جيش المجاهدين كونوا جيشاً للمجاهدين, ويا أيها الجيش الإسلامي كونوا من جيش الدولة الإسلامية لله در أبائكم.
أخيراً نقول : قد تحمر أنوف بعض من يتعصب للشيخ حامد العلي هدانا الله وإياه لاسيما وأن له قدمُ صدقٍ وسبق في ميدان العمل الإسلامي ونحن لا ننكر ذلك, ويعلم الله أننا نحب الشيخ في الله لكن نحب الحق أكثر منه, ونحن نتواضع للحق وللخلق, ولكن إذا تعارض الحق والخلق قدمنا الحق على الخلق, نسأل الله لنا وله التوفق والسداد , ويعلم الله أننا نتمنى عودته وأوبته عن قوله وفتواه هذه, وما ذلك إلا لحبنا له الخير في الدارين .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين , وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
جماعة أنصار الخلافة
الهيئة الشرعية
الأحد 20/ربيع الأول /1428هـ
الموافق 8/4/2007م
وترقبوا أبحاثنا وبياناتنا القادمة بإذن الله تعالى.
تعليق